ملخص
يعتبر مخيم جنين في الضفة الغربية معقلاً لـ"كتيبة جنين" المسلحة التي تهيمن عليها حركة "الجهاد الإسلامي"، ويلاحقها الجيش الإسرائيلي.
بعد أكثر من شهر على بدء الأمن الفلسطيني عملية عسكرية لاستعادة السيطرة على مخيم جنين شمال الضفة الغربية، دخلت أمس الجمعة قوات الشرطة إلى قلب المخيم تزامناً مع اختفاء مسلحي "كتيبة جنين" من الشوارع والطرق بموجب اتفاق بادرت إليه مؤسسات المجتمع المدني والعشائري.
وباشرت قوات الأمن الفلسطينية ظهر اليوم السبت عملية لإزالة العبوات الناسفة من طرق المخيم وتفكيكها في ظل توقف الاشتباكات المسلحة بين الجانبين التي خلفت 15 قتيلاً بينهم ستة من قوات الأمن وثلاثة مسلحين، والبقية من المدنيين.
وأتاح الاتفاق لقوات الأمن دخول المخيم للقيام بمهماتها في حفظ الأمن وفرض القانون وبسط السيطرة عليه واعتقال المطلوبين الجنائيين. وجاء الاتفاق بعد تنفيذ الجيش الإسرائيلي ضربتين بمسيّرات ضد مسلحين في المخيم الثلاثاء والأربعاء الماضيين أسفرتا عن مقتل 11 فلسطينياً.
ويعتبر المخيم معقلاً لـ"كتيبة جنين" المسلحة التي تهيمن عليها حركة "الجهاد الإسلامي" ويلاحقها الجيش الإسرائيلي.
السيادة للسلطة
وينص الاتفاق على "حق السلطة الفلسطينية في ممارسة سيادتها على مخيم جنين ووجود الأمن فيه واختفاء المظاهر المسلحة منه، وأن أي سلاح ظاهر يحق للأمن الفلسطيني ملاحقته أياً كان صاحبه"، وفق رئيس بلدية جنين محمد جرار، وهو أحد أصحاب المبادرة.
وقال جرار في حديثه إلى "اندبندنت عربية" إن الاتفاق ينص على "تغيير الأمن الفلسطيني شكل عمليته العسكرية والبدء بآلية جديدة"، مضيفاً أن تلك الآلية بدأت تظهر في المخيم ومدينة جنين.
وبحسب جرار، فإن "عناصر من قوات الهندسة التابعة للأمن الفلسطيني بدأت اليوم إزالة العبوات الناسفة من الطرق وتفكيكها، على أن يستمر ذلك لنحو 48 ساعة، ثم يتلو ذلك دخول بقية قوات الأمن الفلسطينية إلى مخيم جنين للقيام بواجبها".
وتمكنت السلطات المختصة أمس من إعادة التيار الكهربائي للمخيم، وتعمل اليوم على إصلاح البنية التحتية من شبكة المياه والصرف الصحي.
وشدد جرار على أن الأمن الفلسطيني "له الحق في الدخول إلى المخيم من دون أي شرط، وملاحقة أي شخص عليه قضايا جنائية"، مشيراً إلى أن المبادرة لم تحدد نوعية السلاح الملاحق.
ونبه إلى أن المبادرة تنص على "وحدانية سلاح السلطة الفلسطينية وإنهاء المظاهر المسلحة"، لكنه أوضح أن "العملية العسكرية والاشتباكات التي تخللتها مرفوضة لجميع الفلسطينيين ولها آثار اجتماعية واقتصادية سلبية".
خطوة إيجابية
وقال المتحدث باسم قوى الأمن الفلسطينية أنور رجب بدوره إن دخول المخيم "أمر إيجابي، ويعني البدء بمرحلة جديدة تقوم على فرض النظام والاستقرار، وتهيئة الظروف للبدء بإعادة ترميم وإعمار المخيم وبنيته التحتية".
وأوضح رجب في تصريح خاص أن "مسألة إنهاء المظاهر المسلحة في المخيم بغض النظر عن المبرر وتحت أي مسمى في غاية الأهمية، وأنها تحقق أهداف العملية ومصلحة الشعب الفلسطيني وتهيئ الأرضية لعودة الحياة لطبيعتها في المخيم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبحسب رجب، فإن قيادة الأمن الفلسطيني "أبدت مرونة عالية مع المبادرة التي أطلقتها مؤسسات المجتمع المدني في جنين وقيادات عشائرية في الضفة الغربية".
ودعا رجب المطلوبين للأمن وجهاز القضاء الفلسطينيين إلى تسليم أنفسهم، مشدداً على أنه "لا حصانة لكل من ارتكب جريمة بحق المواطنين أو القوات الفلسطينية، وأنه ستتم ملاحقة مرتكبيها إن لم يسلموا أنفسهم"، وحذر من وجود محاولات لإفشال تنفيذ الاتفاق ودخول الأمن الفلسطيني إلى المخيم.
حقن الدماء ولجنة متابعة
أما "كتيبة جنين"، فأعلنت موافقتها على المبادرة لأنها "تهدف إلى حقن الدم الفلسطيني"، لكنها أشارت إلى أن المبادرة "تضمن حقنا المشروع في مقاومة الاحتلال المجرم الذي يمعن في تهويد مقدساتنا والتنكيل بأبناء شعبنا".
ويقود الشيخ العشائري داوود الزير جهود إنهاء الأزمة في جنين، وإطلاق المبادرة لحقن الدماء في المخيم، وقال في تصريح خاص إن "لجنة شكلت لمتابعة تنفيذ المبادرة بعد الحصول على موافقة الطرفين عليها"، مشدداً على ضرورة أن "تبسط قوات الأمن الفلسطينية سلطتها على مخيم جنين كبقية الأراضي الفلسطينية، فلا يجوز وجود سلطتين وسلاحين ضمن منطقة واحدة".
وحول مصطلح الخارجين عن القانون الذي ترفعه السلطة الفلسطينية لملاحقة المسلحين في المخيم، أشار الزير إلى وجود "تمييز بين من ارتكب جرائم وبين المسلحين الذين عليهم إخفاء سلاحهم".
وفي التاسع من يناير (كانون الثاني) الجاري، أعلن الأمن الفلسطيني أنه "قتل ثلاثة مسلحين واعتقل 247 من الخارجين عن القانون بينهم 41 تعرضوا للإصابة خلال مقاومتهم للاعتقال".
وبحسب الأمن الفلسطيني، جرى "إبطال مفعول 17 سيارة مفخخة، والسيطرة على ثلاثة معامل لتصنيع العبوات والمتفجرات، و16 موقعاً لتخزين الأسلحة والغذاء بعضها في مساجد أو جمعيات خيرية".
وكان الرئيس الفلسطيني محمود عباس أكد "دعمه الكامل للجهود التي تقوم بها الأجهزة الأمنية الفلسطينية من أجل الحفاظ على الأمن والاستقرار في جنين"، وأوضح أن مبدأ تطبيق سيادة القانون واحترام كرامة المواطن والحفاظ على أمنه وأمانه أهداف أساسية للإجراءات والسياسات التي تتخذها المؤسسة الأمنية"، مشيراً إلى أن ذلك يأتي في "ظل المتغيرات والتحديات التي تواجهها المنطقة".
رسالة من شقين
ورأى المحلل السياسي سليمان بشارات أن السلطة الفلسطينية أرادت من عمليتها العسكرية في مخيم جنين بعث رسالة من شقين، الأول إلى الداخل الفلسطيني بأنها "حاضرة وقادرة على إدارة ملفاتها وفقاً لرؤيتها السياسية لهذه المرحلة".
وبحسب بشارات، فإن الشق الثاني من الرسالة موجه لإسرائيل ولدول العالم، وينص على أن "الرهان على غيرها للتعاطي معه في الشأن الفلسطيني غير واقعي وأنها قادرة على ضبط الأمن وفرض النظام والقانون".
واعتبر أن الاتفاق "يُشكل طريقاً لحفظ الدم الفلسطيني لأن استمرار المشهد في مخيم جنين محزن للجميع، ويمكن أن يؤدي إلى انزلاق أكبر"، مؤكداً أن "تغليب المصلحة العامة أهم من تحقيق الأهداف المرحلية في ظل قناعة تامة من الجهات الرسمية و’كتيبة جنين‘ ومؤسسات جنين بأن استمرار الاشتباكات الحالية ستكون لها تداعيات سلبية كثيرة".
وختم المحلل السياسي حديثه بالقول إن "مراهنة السلطة الفلسطينية على إسرائيل وأميركا في إعطاء أي أمل بوجود أفق سياسي إذا قام الأمن الفلسطيني بتحجيم دور المسلحين غير صحيحة".