Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"التحديات الكبرى" أمام الإدارة السورية الجديدة

انفلات "الحالات الفردية" ينهش المجتمع والأمن العام يواجه مشكلات في التنظيم

قائد الإدارة الجديدة في سوريا أحمد الشرع يمشي بين مسؤولين في مطار دمشق الدولي (سانا)

ملخص

الأمن والاقتصاد أبرز تحديات الإدارة الجديدة التي تسلمت حكماً بلا موارد... فكيف سيبني السوريون دولتهم المقبلة؟

لا شك أن الإدارة السورية الجديدة ورثت تركة معقدة من النظام السابق، تركة تشوبها قضايا الفساد والتضخم والبطالة وانعدام البنى التحتية ونقص الخدمات، فإلى أي حدٍّ ستنجح في معالجتها سريعاً لتحافظ على مكتسبات الوصول إلى السلطة وسط تخبط إداري ناجم عن نقص الخبرات؟

فمن حكم إدلب لا يستطيع تعميم نموذجها على كامل سوريا بمختلف شرائحها ومكوناتها المتباينة دينياً ومذهبياً وعرقياً وثقافياً، مع الأخذ في الاعتبار أن الوافدين الجدد إلى سدة الحكم لم ينجحوا خلال شهرهم الأول في ضبط الأمن كما يجب، إذ إن حوادث القتل على الهوية تتنامى في مدن محددة.

"حالات فردية"

وفي حين تبدو "هيئة تحرير الشام" وإدارة الأمن العام اللذان يتبعان مباشرة لقائد العمليات الجديد أحمد الشرع أكثر التزاماً وتمسكاً بمعايير فرضتها القيادة الجديدة من حسن سلوك ومراعاة للتباين الاجتماعي، إلا أن ذلك لم يمنع حال الفوضى التي تجوب أرجاء البلاد.

ولما كانت مدينة حمص وسط سوريا هي المثال الأجدر بالطرح لما فيها من تباين مذهبي، فإن هذه المدينة تشهد يومياً حالات خطف وقتل على الهوية، إذ لا يمر يوم بالمطلق من دون اختطاف مواطنين لإيجادهم لاحقاً مقتولين رمياً بالرصاص في أحياء عدة، هذا عدا عن أن المدينة لم ينم أهلها منذ ساعة التحرير إلا على أصوات إطلاق نار كثيف مجهول المصدر والهدف.

وإن كان التصويب نحو إدارة الأمن العام في ضبط زمام الأمور فإنه يؤخذ عليها عدم تمكنها من ضبط هذه الحالات التي يطلق عليها السوريون اسم "حالات فردية"، ومرد ذلك إلى عوامل عدة، أبرزها قلة عناصر الأمن، والحقد المجتمعي الذي خلفه النظام السابق بين المكونات، والجهل التام لجهات الاختطاف تلك وعدم معرفة ماهيتها وتبعيتها، التي في الأقل لا توحي أنها تتبع لـ"الهيئة"، لما للأخيرة من تنظيم لا بأس به وضبط نفس وتعامل في غالب الأحيان لبق قياساً بمضي شهر واحد على سقوط النظام.

لماذا حُلت وزارة الداخلية؟

بمطلق الأحوال يؤخذ على الإدارة الجديدة حلها وزارة الداخلية التي كان ينضوي تحت جناحها عشرات آلاف العناصر المنتشرين في معظم المدن والقادرين على ضبط الملف الأمني، وهذه مناسبة للقول إن عناصر وضباط تلك الوزارة مدنيون وخريجو كلية الحقوق، كما أنها لم تصطبغ بلون طائفي واحد، إذ غلب عليها وجود العنصر السني تاريخياً، في ظل توزيع الإدارات والوزارات.

يضاف إلى ذلك ملف السجناء الذين فتحت أبواب سجونهم مع لحظات التحرير الأولى، وقسم كبير منهم مدان بقضايا اكتسبت الدرجة القطعية ومن بينها القتل والاغتصاب، كما يروي أحد القضاة لـ "اندبندنت عربية"، قائلاً ومفضلاً عدم الكشف عن اسمه نظراً إلى التعطيل المستمر لعمل القضاء والعدليات حتى أجل آخر، "بعض من حكمتهم بأجرام كبرى كالقتل والاغتصاب والسرقات الموصوفة والتعدي والتهجم ونهب المال العام وغيره، اليوم جميعهم خارج السجون، وهؤلاء يشكلون خطراً داهماً على الأمن المجتمعي، وعلى إدارة العمليات المسارعة في إعادة القبض عليهم وإيداعهم السجون وتنفيذ الأحكام المبرمة في حقهم"، ولا يستبعد القاضي أن يكون هؤلاء المثبتة إدانتهم جزءاً من "الحالات الفردية" التي تعصف بأمن المجتمع على خلفيات مدمجة ما بين الجنائية والثأرية والطائفية.

حالات فردية أم نمط مرحلي؟

يختلف اليوم السوريون حول إن كانت فعلاً حالات فردية أم أنها أصبحت سياقاً عاماً في ظل مجريات بات لا يمكن إخفاؤها، وهي ممارسات من طرفي النزاع، من فلول النظام السابق كما جرى أخيراً حين احتجز أحد القادة العسكريين السابقين في جيش النظام سبعة أفراد من الأمن العام مهدداً بذبحهم في ريف مدينة جبلة الساحلية، قبل تحريرهم وخوض اشتباكات معه أسفرت عن تفجير نفسه في نهاية المطاف، في حادثة كادت تجر المنطقة إلى حمام دم وبذرة لحرب أهلية.

أشخاص من المنطقة هناك يعيدون ذلك التصرف إلى رد فعل على حادثة جرت قبل أيام، إذ وضعت الإدارة الجديدة عناصر من جنسيات أجنبية في نقطة محاذية للقرية التي شهدت الواقعة "قرية عين الشرقية"، وهؤلاء الأجانب ارتكبوا عمليات قتل في حق مزارعين عزل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبعد الانتهاء من تلك الاشتباكات خرجت مظاهرة في اللاذقية تهتف ضد العلويين بكلمات نابية، مما استدعى تدخل الأمن العام لفضها حرصاً على السلم الأهلي، بحسب مسؤولين عن الملف، وتزامناً كانت سيارات لفصائل مسلحة قد دخلت في مساء اليوم ذاته إلى حي القصاع الدمشقي المسيحي لتوزع مناشير حول الحجاب والنقاب وتعاليم الإسلام، ليهاجمهم أهل الحي ويجردوهم مخازن بنادقهم ريثما وصل الأمن العام الذي فض ذلك الاشتباك الحاصل بالأيدي بين أهالي الحي وأولئك الدعويين.

وفي زحمة تصارع الأحداث وتواترها السريع أقيم على غفلة مؤتمر دعوي ضخم في مدينة جبلة قام عليه عناصر أجنبيون للدعوة إلى السلفية الجهادية وتعاليمها، وهو ما أثار حفيظة السكان المحليين الذين اعتادوا التعايش بهدوء في المدينة المختلطة المذاهب.

ملفات أخرى معقدة

يضاف إلى تحدي الملف الأمني مسألة تدارك ملف الجوع الذي يعصف بالبلاد، وسط حالات من القرارات التعسفية الغريبة التي تكرس المشهدية السوداء عوضاً عن إزاحتها، مشهدية عنوانها صرف عشرات آلاف العاملين من وظائفهم، وتأخير رواتب البقية، وتعيين خريجي كلية الشريعة قضاةً عوضاً عن الحقوقيين، وتوزيع المناصب والمسؤوليات على الرعيل القديم من رفاق الشرع في إدلب.

وقد يمكن التماس العذر في تأخر صرف الرواتب، لأن الإدارة الجديدة تسلمت البلاد بلا موارد تذكر، فسوريا ترزح تحت 2500 عقوبة دولية، ونفطها وقمحها بيد الأكراد في الجزيرة، وبنيتها التحتية متهالكة، وعوائد السياحة لا يعتد بها، أما صرف كل أولئك العاملين فهو أمر يستحق الوقوف عنده، العامل الذي كان يتقاضى مرتباً شهرياً لا يتجاوز 20 دولاراً وينحت في الصخر في أيام شهره الطويل لتأمين لقمة لأولاده، كيف ستغدو حاله الآن؟

وإن صبر الناس شهراً واثنين وثلاثة فهل سيصبرون أكثر؟ وهنا سؤال يطرحه الشارع "ألا تخشى القيادة الجديدة من ثورة جياع؟"، ولربما يكون التعويل في ملف تعويض الفاقد المالي معقوداً على دول خارجية، ولكن تلك الدول في اجتماع الرياض وضعت محدداتها وشروطها ورؤيتها لسوريا الجديدة، وهي رؤية تحتاج إلى كثير من الوقت والجهد لتنفيذها، هذا لو اعتُبر أن جميع السوريين بمن فيهم الفصائل المسلحة متوافقة على الحل ذاته، ولكن الواقع يقول غير ذلك.

رؤى متباينة

المتابع لشؤون الجماعات الإسلامية الدكتور بهير سالم يقول في حديثه مع "اندبندنت عربية" إن هناك تفاوتاً واسعاً في الرؤى بين جماعات إسلامية كثيرة، وإن ترفيع الشرع لمقاتلين ومنحهم رتباً عسكرية وهم من غير الجنسية السورية "أوزبكستان – تركيا – الأردن، إلخ"، لا ينذر بأن بناء الجيش الوطني القادم سيكون على أسس سليمة.

ويضيف "لدينا مشكلة مع الجهاديين الأجانب، وهي واضحة ولا تحتاج إلى تفسير، دول العالم والخليج لا تريد تطرفاً وإرهاباً في سوريا، ولكن سوريا حقيقة هي المعقل الأبرز للمطلوبين دولياً بعد أفغانستان، وكثرة الفصائل المسلحة وما تحمله من أيديولوجيات متباينة قد يدخل البلاد في صراع بين أنفسهم وقد ينتهي الأمر بهم بتكفير 'الهيئة' نفسها، وذلك لأن السيد الشرع أوضح مراراً أن الثورة انتهت، وأنه ماضٍ لبناء دولة للجميع، وحين يحين موعد استحقاق تشكيل حكومة جديدة سيسأل الجميع عن مناصبهم بها، وهي، والإدارات الأخرى لا تتسع للجميع، بل ولا تتسع للأفكار المتباينة، ونحن هنا نتحدث عن خلاف عقائدي مغرق في التفاصيل لا عن خلاف سياسي أو اقتصادي بسيط".

اتحاد مرحلي

ويشير سالم إلى أن "الفصائل التي اتحدت لتحرر سوريا من حكم الأسد كان اتحادها مرحلياً بغية تحقيق هدف معين، وعلينا أن ننظر بعين العناية لملف غرفة عمليات الجنوب التي يقودها أحمد العودة، والتي دخلت دمشق قبل 'الهيئة' يوم التحرير وانسحبت لاحقاً، وهؤلاء يريدون مكتسباتهم، فضلاً عن الملف الكردي وسيطرتهم على أكثر من ثلث سوريا".

ويوضح "بعيداً من الصراعات العقائدية المباشرة، ثمة ملفات أكثر تعقيداً في مشاركة الأقليات بالحكم، فإما أن تكتب سوريا دستورها بما يرضي الجميع وفق تحالفات وطنية خالصة تراعي التمثيل الكامل لكل الشرائح، أو أننا أمام مشروع دولة إسلامية محضة يبرز فيها انفصال القاعدة عن الهرم بتصرفات على شكل منع الاختلاط، كما يحصل حالياً وإجلاس الفتيات في الأمام والرجال في الخلف في حافلات النقل، وعلى بساطة المثال لكنه يعكس فكراً لا يتماشى مع تصريحات القائد الجديد ولا تعليماته".

صراع الهوية

كلّ ذلك يقود إلى صراع حول هوية الدولة المقبلة التي تنذر ملامحها المبكرة بمشروع نسف لأمنيات إقامة دولة مواطنة مدنية تقوم على احترام الأفراد، مع ما يحصل على الأرض من انتهاكات وممارسات استمرارها سيؤدي إلى انتقال تصنيفها من جرائم حرب إلى جرائم ضد الإنسانية، فقتل إنسان أو اثنين أو 10 في الحالة السورية وفي شرعة الأمم المتحدة هو جريمة حرب، أما القتل حين يصير ممنهجاً ومتكرراً ومستهدفاً لجماعات بعينها فإنه حينها يرقى إلى جرائم ضد الإنسانية.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير