Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"بوريس بريكست"... صدمة إفاقة لأوروبا

نتائج جانبية ربما تُخرج الاقتصاد العالمي من السبات... والأعين الآن على ألمانيا

رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون (رويترز)

لاقت الخطة المعدّلة للخروج من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، التي طرحها رئيس الورزاء البريطاني، بوريس جونسون، على البرلمان استقبالا متشككا من الأوروبيين وانتقادات وقبولا حذِرا من البرلمانيين البريطانيين.

ورغم تركّز الخلاف على تفاصيل التعديل الذي أدخلته حكومة جونسون على وضع أيرلندا الشمالية في نظام الرسوم والتعريفة الأوروبية (السوق الأوروبية الموحدة) وتجارتها مع أيرلندا الشمالية، فإن هناك نقاطا كثيرة ستصعّب مهمة جونسون في إقناع الأوروبيين والبرلمان البريطاني بخطته.

وهناك تفسير مهم يرى أن طرح هذا التعديل، الذي يبدو محاولة توافق، ليس إلا مناورة من الحكومة البريطانية للوصول إلى بريكست من دون اتفاق في نهاية الشهر، أو ما يمكن تسميته "بوريس بريكست".

وعلى الرغم من الوضع الاقتصادي المتراجع في بريطانيا، والأرقام التي تصدر في الآونة الأخيرة مشيرة إلى أن الركود في بريطانيا مقبل لا محالة، فإن "بوريس بريكست" قد يكون الصدمة التي تحتاجها البلاد للانطلاق على مسار اقتصادي يجنبها تعميق الركود - إذا حدث- ووصوله لحالة كساد تستمر لسنوات طويلة.

لكن هذا الخروج من دون اتفاق لن يكون صدمة لاقتصاد بريطانيا، بل إن تأثيره على اقتصاد أوروبا، وتحديدا مجموعة اليورو في الاتحاد الأوروبي، ربما يكون أكبر كما يرى كثير من المحللين والمراقبين. وفي هذه الحالة، ربما يصبح "بوريس بريكست" في 31 أكتوبر (تشرين الأول) "القشة التي تقصم ظهر البعير" للاقتصاد العالمي كله، والذي يعاني من التباطؤ والتأرجح نحو ركود منذ أكثر من عامين.

صدمة اقتصادية

يعني "بوريس بريكست"، أو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق، كما يريد رئيس الوزراء بوريس جونسون وفريقه، أن العلاقات التجارية بين بريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي - أكبر شريك تجاري لبريطانيا- ستخضع على الفور لمعايير منظمة التجارة العالمية.

وبالتالي ستصبح هناك رسوم وجمارك وقيود إجرائية أخرى مختلفة ستؤدي في البداية إلى اضطراب شديد حتى تستقر خلال أشهر. وبالتأكيد سيتضرر الاقتصاد البريطاني، بخاصة العملة البريطانية (الجنيه الإسترليني)، الذي سيشهد انخفاضا في قيمته قبل أن يعود للاستقرار على معدلاته الطبيعية أمام الدولار الأميركي واليورو الأوروبي.

وستتأثر عمليات انتقال البضائع اليومية ما بين أوروبا والجزيرة البريطانية، وربما تشهد بريطانيا نقصا في بعض السلع والخدمات لفترة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن الضرر على أوروبا سيكون أشد مما يُعتقد حاليا، بخاصة والاقتصاد الأوروبي في وضع صعب بالفعل ربما أكثر من الاقتصاد البريطاني والاقتصاد الأميركي. وإذا كان الاقتصاد الألماني، وهو عماد اقتصاد دول اليورو، ظل متماسكا حتى وقت قريب إلا أنه آخذ في الاتجاه نحو الركود التقني، كما يشير أحدث تقارير مؤسسة تحليل المعلومات "IHS" عن اقتصاد أوروبا والعالم.

فبريطانيا سوق مهمة لبقية دول أوروبا، بل إنها في بعض القطاعات تعد سوقا أعلى ربحية من الأسواق الأخرى كأميركا والصين. ولنأخذ على سبيل المثال سوق السيارات. فالسيارات الأوروبية، وبخاصة الألمانية، في السوق البريطانية، ستصبح في حالة "بوريس بريكست" خاضعة لرسوم وتعريفة حسب قواعد منظمة التجارة العالمية.

بعد ذلك بأسابيع، ستفرض إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب الرسوم التي تعهدتها على الصادرات الأوروبية، ومنها السيارات، بما قد يصل إلى 25%. ومن شأن رسوم وتعريفة بريطانية وكذلك أميركية على صادرات أوروبا في هذا القطاع أن تؤدي إلى شبه انهيار في صناعة السيارات الأوروبية.

ألمانيا الأكثر تضررا

تشير أحدث الأرقام إلى أن قطاع الخدمات بدأ في التراجع للمرة الأولى منذ سنوات، ليُضاف إلى التراجع الذي يشهده قطاع التصنيع في الاقتصاد العالمي منذ مطلع العام. وجاء الإنذار قويا من تراجع قطاع الخدمات في الاقتصاد الأميركي.

ومع أن التراجع في قطاع الخدمات في منطقة اليورو ليس كبيرا حتى الآن، إلا أنه في الأقل لم يعد كافيا ليعوّض هبوط الناتج الصناعي. وحسب تقرير "IHS"، تراجع قطاع الخدمات في ألمانيا في سبتمبر (أيلول) بعدما بدا أن وضعه يختلف عن قطاع التصنيع.

ويشير التقرير إلى أن "التباطؤ جاء أسوأ مما كان متوقعا، ويبدو الركود التقني الآن مؤكدا في ألمانيا". وبالنسبة إلى منطقة اليورو ككل، لا يكاد يكفي استقرار قطاع الخدمات نسبيا لمعادلة الانكماش في قطاع التصنيع. ولا يحتاج الوضع في أوروبا لأكثر من صدمة بسيطة لكي تنزلق نحو ركود اقتصادي حاد.

وتؤكد مؤسسة "نومورا" الاستثمارية ذلك، بالقول "لا شك الآن في أن أوروبا مقبلة على شتاء اقتصادي، والسؤال فقط هو هل سيكون تراجعا حادا أم معتدلا". وإذا كان الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) الأميركي ما زال لديه بعض القدرة على المناورة بخفض الفائدة أو زيادة التيسير الكمي (ضخ النقد في السوق)، فإن البنك المركزي الأوروبي استنفد أغلب أدواته تقريبا.

في ظل هذا الوضع الاقتصادي المقلق، ستغامر أوروبا على الأرجح بإفشال مقترحات بوريس جونسون للخروج باتفاق، وبالتالي تدفع نحو خروج من دون اتفاق، أي "بوريس بريكست". سيعاونها في ذلك أيضا موقف حزب العمال المعارض في بريطانيا وبقية أحزاب المعارضة في البرلمان.

ماذا بعد!

في حال حدوث "بوريس بريكست"، وهو الاحتمال الأرجح رغم مفاوضات اللحظات الأخيرة حول اتفاق لخروج بريطانيا من أوروبا بترتيبات تجارية واقتصادية، ستواجه أوروبا الصدمة المنتظرة بما يدفع اقتصاد دول منطقة اليورو نحو الركود الحاد.

بالطيع سيكون لذلك رد فعل واسع في الاقتصاد العالمي، الذي يعاني من هشاشة وشبه سبات على صعيد النمو، قد يقود إلى نهاية حادة للدورة الاقتصادية الرأسمالية. ومن الآن حتى نهاية الشهر سيكون على الاقتصاديين والمسؤولين المعنيين بالسياسات المالية والاقتصادية لدول العالم الرئيسة العمل على وضع تصورات لتلك النهاية: حادة أم معتدلة.

وبما أن السياسات النقدية في الاقتصادات الرئيسة لم تعد لديها أدوات كثيرة لمواجهة أي أزمة، يتعين على السلطات التفكير في حلول خلّاقة لجعل الركود اعتياديا وألا يؤدي إلى كساد. والواقع أنه لا توجد مؤشرات قوية على أن ذلك هو ما يحدث الآن.

اقرأ المزيد

المزيد من اقتصاد