ملخص
غيب الموت اليوم عن عمر 94 عاماً الفنان حلمي التوني، وهو أحد الوجوه البارزة في المشهد الفني المصري. عُرف التوني بغزارة إنتاجه واهتماماته المتعددة، إذ تنوعت اهتماماته من الرسم والتصوير، إلى الكاريكاتير والرسوم الصحافية والتصاميم الغرافيكية.
كان الفنان حلمي التوني شاهداً على العديد من الأحداث والتحولات المحورية التي حصلت في مصر والمنطقة العربية خلال النصف الثاني من القرن العشرين.
بعد هزيمة 1967 ، تعرض العديد من الكتاب والمثقفين إلى الملاحقة والتضييق، وأُبعد العشرات من أصحاب الأقلام والمبدعين عن الصحف والمجلات التى يعملون فيها. وكان حلمي التوني من بين الذين أقيلو من مؤسسة "دار الهلال" ليجد نفسه بلا عمل أو وظيفة، بل ومغضوبا عليه من النظام ، فقرر السفر إلى لبنان لبعض الوقت حتى تستقر الأمور. غير أن إقامته في لبنان امتدت إلى 12 عاماً . اندمج التوني في الحياة الثقافية اللبنانية وتعرف عن قرب على العديد من الكتاب والمثقفين اللبنانييين البارزين، ومن بينهم سهيل أدريس وطلال سلمان والراحل عبد الوهاب الكيالى رئيس المؤسسة العربية للدراسات والنشر. وقد بقي حلمي التوني فى لبنان حتى الاجتياح الإسرائيلى فى 1982 ، وعاش أيام حصار بيروت الذي استمر لما يزيد عن شهرين.
تعامل الفنان الراحل مع جميع الوسائط التي أبدع من خلالها بالقدر نفسه من الاهتمام والروح الإبداعية، وربط باقتدار، بين هذه الوسائط جميعها بخيط من المفردات والعناصر التي ميزت أعماله. بين هذه العناصر والمفردات التي عرف بها حلمي التوني كان للمرأة مكانتها الفريدة، إذ احتفى بها كرمز، قبل أن يتعامل معها كمكون جمالي من مكونات اللوحة. المرأة التي رسمها التوني هي امرأة خلابة التفاصيل دائماً، تنتمي ملامحها وسماتها إليه وحده. هذه الخصوصية التي تمتعت بها صورة المرأة في أعمال حلمي التوني، انعكست على معالجاته الفنية لبقية العناصر الأخرى في أعماله، والتي تميزت بخصوصيتها وتفردها.
كان الفنان الراحل يوازن بين عمق الفكرة وسلاسة الرؤية وبساطتها من دون تعقيد يربك المتلقي، كما عُرف باستلهامه للموروث الشعبي وتوظيفه داخل العمل في تناسق لوني يميل إلى الدرجات المبهجة.
جمع التونى مفرداته وعناصره من سجلات التاريخ، ومن بين ركام الذاكرة المسجلة على قلائد أوأقراط الجدات، ومن رسوم الوشم والنقوش المنحوتة على أبواب البيوت الخشبية القديمة. استلهم الفنان ذلك الموروث الشعبي، فارتكن إلى ذخيرة لا تنضب من المفردات والعناصر. في استلهامه للموروث، ظل يبحث ويجمع ويدقق لسنوات، في مفردات كما في تجليات ذلك الفن الذي كان يعتبره بوتقة كبيرة، انصهرت فيها وتفاعلت كل العصور والحقب التي مرت على مصر. وقد بدأ الفنان في رحلة استلهامه للفن الشعبي مقلداً وناسخاً لمفردات هذا الفن وعناصره، لكنه سرعان ما تحول إلى مرحلة أخرى بعد أن تشبعت روحه وذاكرته البصرية بمئات الأشكال والرموز والدلالات الخاصة. استطاع التوني أن يخلق لنفسه رموزه وعناصره التي تنتمي إليه، من دون أن يقطع حبال التواصل مع ذلك الفن الذي أبحر فيه لسنوات وذابت روحه في تجلياته ودلالاته المختلفة.
التجأ التوني إلى الفن الشعبي لرغبته في العودة إلى الأصول والبدء منها كما فعل فنانو عصر النهضة الأوروبي، حين استلهموا فنون الحضارة الرومانية وأعادوا بناء صروحها التي تهدمت، ثم انطلقوا إلى رحاب أخرى أوسع وأكثر ثراء. وعلى الرغم من استقرار التجربة الإبداعية للفنان الراحل وتميز مفرداته وأشكاله وعناصره، إلا أننا لا نشعر بين أعماله أبداً بالرتابة أو التكرار، فقد كان قادراً على إدهاش متابعيه ومحبي فنه بالجديد في كل مرة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تخرج الفنان حلمى التوني في كلية الفنون الجميلة عام 1958 وعمل في دار الهلال المصرية لسنوات فور تخرجه، ثم سافر إلى لبنان عام 1973 . عاد التوني إلى القاهرة مرة أخرى عام 1982 وأقام لأعماله العديد من المعارض الفردية في مصر ومعظم الدول العربية. وشارك أيضاً في الكثير من المعارض الجماعية المصرية والدولية. عمل التوني أيضاً في مجال الإخراج الصحافي، وهو يعد من أبرز الفنانين في مجال تصميم الكتاب في العالم العربى، كما ألف وصوّر العديد من الكتب والملصقات الخاصة بالأطفال ونشرت بعدة لغات.