ملخص
تحت ذريعة أن القانون الإسرائيلي لا يميز بين الحقوق الدينية لليهود والمسلمين في الحرم القدسي الشريف، اعتبر بن غفير قرار بناء كنيس في المكان حقاً شرعياً لليهود.
مكتفياً بالتصريح بأن بناء كنيس في "الأقصى" لا يغير الوضع الراهن في المكان، ومن جهة أخرى إصراره على عدم انسحاب الجيش من "محور فيلادلفيا" وتوسيع نطاق السيطرة الإسرائيلية في "نيتساريم"، يبقي رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الوضع الأمني بالمنطقة في حال توتر متصاعد، بل يضعه أمام خطر اتساعه، إذا ما أدت مخططات وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير في الحرم القدسي الشريف الهادفة إلى بناء كنيس وجولات إرشاد لمجموعات يهودية لترسيخ الرواية الصهيونية حول "الأقصى" ومن ثم تهويده إلى اندلاع مواجهات.
وعلى رغم الردود الغاضبة التي أبدتها الدول العربية لمخطط بن غفير، والتحذيرات الداخلية من قبل المعارضة وحتى من وزراء داخل الحكومة، فإن نتنياهو منح الضوء الأخضر لوزيره مقابل ضمان ائتلافه الحكومي، وراهن على الوضع الأمني في أكثر الأماكن حساسية، تماماً كما هي سياسته تجاه صفقة الأسرى بعرقلتها لضمان الحفاظ على حكومته.
وحذر أكثر من مسؤول سياسي وأمني إسرائيلي من أن نتنياهو حتى إن توصل الوسطاء إلى مقترح يتجاوب مع مطالبه، فسيأتي بذرائع أخرى ليعرقل الصفقة، مما اتضح من عودة الوفد المفاوض بعد جلسة المحادثات الأخيرة في القاهرة من دون تقدم، بل إن نتنياهو أضاف عراقيل جديدة متمثلة في مطلبه بالنسبة إلى معبر "نيتساريم" الذي باشرت إسرائيل تنفيذ مخطط جديد لتوسيعه، مما يضاعف صعوبة المفاوضات، بحسب مصدر من الوفد.
جدل داخلي وخارجي
في وقت بحثت الأجهزة الأمنية سبل التهدئة في المنطقة بعد انتهاء جولة القتال مع "حزب الله" إثر الضربة الإسرائيلية الاستباقية وردّ الحزب، رفض بنيامين نتنياهو مطلب الوفد المفاوض الذي غادر إلى مصر في اليوم ذاته التنازل عن التعديل في بند معبر "نيتساريم". وبعد أقل من 24 ساعة، وقبل أن يعود الوفد توجهت سهام حكومة اليمين الإسرائيلي ممثلة بوزير الأمن القومي إلى القدس والضفة، فأعلن بن غفير عن بناء كنيس في "الأقصى" ثم تم التصديق على عملية عسكرية لأسابيع في الضفة، وفي الوقت نفسه كثف الجيش قتاله في غزة بعدما دعا سكان مناطق عدة إلى مغادرة بيوتهم.
أما في الشمال، فالمواجهات مستمرة على نار هادئة بين "حزب الله" وإسرائيل، فيما يتعمق الصراع والخلافات بين الحكومة وسكان الشمال الذين يعتبرون أن الحكومة تركتهم في حين وضعت تل أبيب أولوية حساباتها الأمنية والدفاعية تجاه "حزب الله".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتحت ذريعة أن القانون الإسرائيلي لا يميز بين الحقوق الدينية لليهود والمسلمين في الحرم القدسي الشريف، اعتبر بن غفير قرار بناء كنيس في المكان حقاً شرعياً لليهود، مضيفاً في مقابلات صحافية أن "السياسات المتبعة في الحرم القدسي تسمح بالصلاة، نقطة على السطر. يُسمح لك بالصلاة ومن غير القانوني منعك من الصلاة"، قال بن غفير متسائلاً "لماذا يجب على اليهودي أن يخاف من الصلاة؟ خشية أن تغضب ’حماس‘؟"، هكذا صرخ بن غفير في وجه الصحافي الاسرائيلي وهو يؤكد أنه ماضٍ في مشروعه مهما كلف الثمن، بل أشار إلى أن نتنياهو "يدرك أنه عندما انضممت إلى الحكومة قلت بأبسط طريقة إنه لن يكون هناك تمييز في الحرم القدسي، تماماً كما يمكن للمسلمين الصلاة في الحائط الغربي".
وبحسب بن غفير، فما يفعله من زيارات ويعِدُ به من مشاريع هو جزء قليل من رغبته، وبرأيه أنه لو نفذ كل ما يريده لكان العلم الإسرائيلي يرفرف على "الأقصى" منذ أن دخل الحكومة.
تهويد القدس
ولم تجد نفعاً الاحتجاجات العربية والفلسطينية ومن اليسار الإسرائيلي والمعارضة وحتى المستشارة القضائية للحكومة ووزراء يجلسون معه إلى الطاولة والذين اعتبروا بن غفير خطراً يهدد أمن إسرائيل، داعين نتنياهو إلى إقالته، فقد جاء رد رئيس الحكومة داعماً له عندما اعتبر أن إقامة كنيس في "الأقصى" لا يغير الوضع الراهن في هذا المكان المقدس. ولم تكتفِ حكومة نتنياهو بهذا، بل بهدف تهويد القدس قررت وزارة التراث تخصيص موازنة بقيمة نحو 600 ألف دولار لتمويل جولات إرشاد للمصلين اليهود في "الأقصى"، وأكد وزير التراث في الحكومة عن حزب "عوتسما يهوديت" عميحاي إلياهو، مباشرة القيام بهذه الزيارات الشهر المقبل، استعداداً لفترة أعياد اليهود.
وأكدت الوزارة أنها تسعى إلى ترسيخ الرواية الصهيونية في "الأقصى" من خلال هذه الجولات الإرشادية، في إشارة إلى تهويده". وبحسب ما يخطط الوزير فإن من المتوقع أن يكون ضمن الجولات عشرات آلاف من اليهود، كما يجري التخطيط لدعوة أجانب إلى المشاركة فيها.
ووفق الوزارة، تشمل الجولات استعراضاً "للتراث اليهودي في جبل الهيكل (الحرم القدسي) بطرح تاريخي نقي خالٍ من الحقائق البديلة والسرديات الكاذبة التي كُتبت بهدف تعزيز أجندة معادية للسامية". وتوجه المدير العام لوزارة التراث إيتي غرنك، إلى المدير العام لمكتب بن غفير، كمسؤول عن عمل الشرطة، للحصول على موافقة الأمن على تنظيم الاقتحامات للحرم القدسي الشريف.
مسؤولون أمنيون حذروا من أن يؤدي انتهاك الوضع الراهن في "الأقصى" إلى إثارة اضطرابات، ودعا وزير الداخلية موشيه أربيل (عن حزب "شاس") نتنياهو إلى إقالة بن غفير من منصبه، وحذر "من أن يُدفع ثمن تهور زعيم حزب ’عوتسما يهوديت‘ بالدم"، وقال إن "تصريحات بن غفير غير المسؤولة تثير الشكوك حول تحالفات إسرائيل الاستراتيجية مع الدول الإسلامية كجزء من التحالف ضد محور الشر الإيراني".
وفي ظل الخطر من اشتعال الوضع الأمني جراء قرارات بن غفير اجتمع زعيم المعارضة يائير لبيد، للمرة الأولى منذ أكثر من عقد، مع زعيم "شاس" أرييه درعي لاتخاذ خطوات لمنع بن غفير من تنفيذ مخططه. وناقش الاثنان سبل التعاون لاتخاذ قرار يلزم الحكومة تنفيذ حكم صدر عام 1967 من الحاخامية الكبرى، وينص على منع اليهود من زيارة الموقع المقدس.
واتهم وزير الأمن يوآف غالانت، بن غفير بتعريض إسرائيل للخطر، معتبراً تقويض الوضع الراهن في "الأقصى" فعلاً خطراً وغير ضروري ومتهوراً. وفي رده عليه اتهم بن غفير غالانت بـ"الخضوع لـ’حماس‘ وجرّ دولة إسرائيل إلى صفقة متهورة".
من جهته كتب لبيد على موقع "إكس" أن "المنطقة كلها ترى ضعف نتنياهو أمام بن غفير. فهو لا يستطيع السيطرة على الحكومة حتى في ما يتعلق بمحاولة واضحة لزعزعة استقرار أمننا القومي".
ورقة مساومة قوية
وعلى رغم أن بن غفير لم يظهر بصورة واضحة تأثيره المباشر في مفاوضات صفقة الأسرى، فإن نتنياهو بات مسيّراً من وزير الأمن القومي في خطواته المعرقلة لهذه المفاوضات. ولم يختلف اثنان في إسرائيل على أن نتنياهو لن يسمح بصفقة قريبة حفاظاً على حكومته بعد أن هدده بن غفير بتفكيكها والانسحاب منها إذا ما وافق على صفقة تقضي بانسحاب الجيش من غزة وإنهاء الحرب.
الوفد المفاوض، المتوقع أن يغادر تل أبيب غداً الأربعاء، للمشاركة في جلسة مفاوضات جديدة في الدوحة، عاد بعد انتهاء الجلسة الأخيرة بخيبة أمل كبيرة لا يتوقع معها أن تحدث الجلسة المقبلة تغييراً في الوضع أو اختراقاً، وذلك يعود لتمسك نتنياهو بمطلبه في إبقاء الجيش بـ"محور فيلادلفيا"، أما في معبر "نيتساريم" فقد بعث نتنياهو مع الوفد مخططاً يشمل حفر خنادق عبر الطرق التي تعبره من الشمال إلى الجنوب بطريقة لا تسمح بمرور المركبات، وتوجيهها شرقاً حيث ستخضع للتفتيش قبل أن تتجه نحو الشمال.
والمقترح سبق رفضه، لكن نتنياهو يصر عليه، وأمام تلاشي الأمل في تقدم الصفقة اتخذت واشنطن استراتيجية جديدة بموجبها تبحث الطواقم المهنية من واشنطن وتل أبيب والدوحة والقاهرة التي لم تغادر مصر، البنود الأقل خلافاً حولها وحتى الأربعاء، ويفترض أن تتوصل إلى مقترح لبند الأسرى الأمنيين الذين ستفرج عنهم إسرائيل وتصفهم بـ"ثقيلي الوزن"، وإذا كان سيتم نفيهم إلى الخارج كما يطالب نتنياهو، كما تبحث الطواقم عدد الأسرى الإسرائيليين الذين سيتم الإفراج عنهم كل يوم، وتقديم قائمة مسبقة بأسمائهم، على أن يتم تأجيل البحث في شأن "فيلادلفيا" و"نيتساريم" ورفح إلى مراحل متقدمة.