ملخص
يسعى قيس سعيد، الذي يواجه معارضة متنامية لخططه وإجراءاته، إلى الفوز بالاستحقاق الرئاسي الذي يعد محطة مهمة في سياق خلافات محتدمة مع المعارضة والمجتمع المدني، فهل سينجح؟
دخلت الانتخابات الرئاسية في تونس منعطفاً حاسماً مع غلق باب الترشيحات، وسط تراشق بالاتهامات بين مرشحي المعارضة والهيئة العليا المستقلة للانتخابات والسلطات في شأن "تضييقات" تجاه هؤلاء.
ولم ينجح سوى أربعة مرشحين محتملين باستيفاء الشروط والوثائق اللازمة التي قدمت إلى هيئة الانتخابات، فيما قضت محكمة تونسية بسجن خمسة مرشحين محتملين ثمانية أشهر، مع منعهم من الترشح للانتخابات مدى الحياة بتهمة شراء تزكيات، مما يثير تساؤلات حول فرص نجاح الرئيس قيس سعيد في الفوز بولاية رئاسية ثانية، خصوصاً أن هذه الأحكام صدرت في حق خصوم بارزين له، على غرار الأمين العام لحزب "العمل والإنجاز" عبداللطيف المكي.
وقدم المكي، الذي يعد من أبرز قيادات حركة "النهضة" الإسلامية سابقاً، قبل أسابيع نفسه، على أنه بديل عن الرئيس سعيد، وانتقد بشدة المسار الذي تعيش على وقعه البلاد.
ويسعى سعيد، الذي يواجه معارضة متنامية لخططه وإجراءاته، إلى الفوز بالاستحقاق الرئاسي الذي يعد محطة مهمة في سياق خلافات محتدمة مع المعارضة والمجتمع المدني. ونجح سعيد قبل ثلاث سنوات من الآن، في إسقاط النخب السياسية التي حكمت البلاد في أعقاب انتفاضة الـ14 من يناير (كانون الثاني) 2011 بعد تفعيله المادة 80 من الدستور السابق في خطوة وصفتها المعارضة بـ"الانقلاب"، لكنه قال إنها "إجراءات تستهدف تصحيح مسار الانتفاضة".
التغيير ممكن
وعلى رغم تصاعد الشكاوى من "تضييقات" تستهدف مرشحي المعارضة إلا أن أوساطاً سياسية في تونس ترى أن الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في السادس من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل ليست محسومة سلفاً.
وقال القيادي في حزب "التيار الديمقراطي" المعارض هشام العجبوني إن "جزءاً مهماً من التونسيين يريد غلق قوس حكم سعيد، وإحداث تغيير في إدارة البلاد بطريقة ديمقراطية سلمية مدنية لإرجاع بعض من الأمل للشباب التونسي، لذلك التغيير ممكن ولأسباب عدة".
وأوضح العجبوني أن "حجم التضييقات على المرشحين والأحكام السريعة بالمنع من الترشح مدى الحياة يمثل دليلاً على ارتباك السلطة وعدم ثقتها في الشعبية المزعومة التي يتمتع بها سعيد، وهذا طبيعي باعتبار الحصيلة الهزيلة لفترة حكمه وغياب إنجازات من شأنها تغيير واقع التونسيين نحو الأفضل"، وتابع "يمكن أن تحسم الانتخابات لصالح سعيد في حالة وحيدة، وهي مقاطعة القوى السياسية والمدنية والناخبين للانتخابات، لكن إذا كانت هناك نسبة مشاركة محترمة تفوق 25 أو 30 في المئة فسيكون هناك دور ثان". ولفت إلى أنه "في الدور الثاني ستكون هناك معاقبة لقيس سعيد واصطفاف مع منافسه، لأن هناك رغبة في التغيير لدى جزء مهم من التونسيين، نتيجة المنحى الاستبدادي الذي شهدته فترة حكمه، والدليل العدد الكبير للصحافيين والإعلاميين والسياسيين ونشطاء المجتمع المدني والمواطنين المسجونين من أجل آرائهم وتدويناتهم ورسوماتهم وأغانيهم".
وكثيراً ما نفى الرئيس التونسي وجود تضييقات على الحريات، لكن معظم الأحزاب السياسية وجماعات حقوق الإنسان تتهمه وحكومته بـ"الارتداد" على المكاسب التي أفرزتها انتفاضة الـ14 من يناير، التي تتلخص أساساً في مناخ من الحريات والتداول السلمي على السلطة.
عراقيل وتضييقات
وشكت المعارضة التونسية منذ أسابيع ما وصفته بتضييقات وعراقيل أحاطت بتقدمها بترشيحات للانتخابات الرئاسية، خصوصاً على مستوى البطاقة عدد ثلاثة التي تثبت خلو المرشح من سوابق عدلية.
ويشترط على المرشح المحتمل تقديم ملف يتضمن هذه البطاقة التي تقدمها وزارة الداخلية، إضافة إلى تزكيات إما شعبية أم من المجالس المنتخبة.
ويشترط القانون الانتخابي جمع 10 تزكيات من أعضاء مجلس نواب الشعب، الغرفة الأولى للبرلمان، أو مثلها من مجلس الجهات والأقاليم، والغرفة الثانية للبرلمان، أو 40 تزكية من رؤساء المجالس المحلية أو الجهوية أو البلدية، أو 10 آلاف تزكية في 10 دوائر انتخابية، على ألا يقل عددهم عن 500 ناخب بكل دائرة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال العجبوني "العدد الضعيف للترشيحات يثبت حجم العراقيل والصعوبات التي واجهها كل مرشح جدي ومعروف لدى التونسيين، إضافة إلى عدم حياد الهيئة المشرفة على الانتخابات والوظيفة القضائية. وواضح أنه كان هناك إقصاء وتضييق على المرشحين من خلال فرض شروط وإجراءات جديدة لم تكن موجودة في القانون الانتخابي لعام 2014"، وأكد أن "هذه الإجراءات لم تمر عبر تعديل هذا القانون احتراماً لمبدأ توازي الصيغ والشكليات، بل عبر أوامر أصدرتها هيئة الانتخابات بتأخير كبير، بخاصة في ما يتعلق بنشر أنموذج التزكيات والإجراءات المصاحبة له، وكذلك فرض تقديم بطاقة السوابق العدلية وتلكؤ وزارة الداخلية في منحها، علماً أن القانون ينص على منح البطاقة في غضون ثمانية أيام، أو عدم منحها لبعض المترشحين الجديين وحرمانهم بالتالي من الترشح".
ونفت هيئة الانتخابات في المقابل وجود تضييقات، وقال عضو الهيئة أيمن بوغطاس إن "الأوامر التي أصدرتها الهيئة لا يوجد فيها أي تضييق، وهي شروط كانت مفروضة في انتخابات الرئاسة لعام 2014 و2019، الجديد هو بطاقة السوابق العدلية وجاءت تناغماً مع دستور 2022".
طريق معبد وسالك
وقيس سعيد البالغ من العمر 66 سنة يسعى إلى ولاية جديدة مدتها خمس سنوات، ويرفع شعار "تحرير البلاد من المفسدين والخونة"، ولم يتردد على هامش تقديمه ملف ترشحه قبل أيام في الرد على الانتقادات الموجهة له من المعارضة، وقال "لا يوجد أي تضييقات على المرشحين المحتملين، القانون يطبق على الجميع، وها أنا هنا لتقديم ترشيحي كمواطن ومن يتحدث عن التضييقات فهو واهم"، ولفت في تصريحات نقلتها عنه إذاعة "موزاييك أف أم" المحلية والخاصة في تونس إلى أنه "جمع أكثر من 240 ألف تزكية" لدخول المعترك الانتخابي الرئاسي.
وجاءت تعليقات سعيد بعد أن أصدر 11 مرشحاً محتملاً بياناً مشتركاً من بينهم الأميرال المتقاعد من الجيش التونسي كمال العكروت، والإعلامي نزار الشعري، نددوا فيه بوجود عقبات تمنع ترشحهم.
واعتبر الباحث السياسي التونسي الجمعي القاسمي أنه "بالتأكيد، طريق قيس سعيد معبد وسالك أمامه للفوز بولاية ثانية مدتها خمس سنوات، وسيفوز بذلك منذ الدور الأول في اعتقادي". وتابع "هذا التأكيد يستند بالأساس إلى أن القائمة الأولية للمرشحين خصوصاً الذين أعلنت هيئة الانتخابات أن ملفاتهم اكتملت لن يكونوا في مستوى المنافسة الجدية للرئيس سعيد بالنظر إلى شعبيته المتزايدة"، وشدد على أنه لذلك "هذا السباق الانتخابي محسوم النتائج من الدور الأول، ونأمل في أن تكون اللعبة الديمقراطية أكثر تطوراً في المستقبل من أجل أن نرى في سياق الجولة الأولى نوعاً من التنافس على مستوى البرامج الانتخابية بالنسبة إلى المرشحين، من دون ذلك فإن الطريق سالك بالفعل".
نقطة الارتكاز
في الأثناء يبدو أن نقطة الارتكاز الحقيقية في هذا الاستحقاق الرئاسي ستكون نسب المشاركة التي ستنعكس على شرعية من سيفوز به، ففي الانتخابات البرلمانية والمحلية شهدت تونس أدنى نسب مشاركة مما جعل المعارضة تطالب الرئيس سعيد بالتنحي وتنظيم انتخابات عامة باكرة.
وقال القاسمي إن "هيئة الانتخابات حسمت أمرها، بالتالي الحديث عن نزاهة الانتخابات من عدمها يبقى أمراً سابقاً لأوانه بغض النظر عن التضييقات والتعقيدات التي أحاطت بالعملية الانتخابية منذ إعلان فتح باب الترشح والتزكيات"، ورأى أن "المحك الرئيس في هذا الاستحقاق هو نسبة المشاركة، خصوصاً وأننا خلال المحطات الانتخابية السابقة رأينا نوعاً من التراجع يعود لإحباط الشارع إزاء مختلف القضايا، الآن في حال نسبة المشاركة في هذه الانتخابات ستكون أعلى نسبياً من المحطات السابقة، فستشكل مشكلة بالنسبة إلى الشرعية السياسية للرئيس الذي سينتخب".