Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

شح المهارات في بريطانيا يخلف أثراً سلبياً على الاقتصاد

بينما تستعد بريطانيا للغوص عميقاً في لُجة المجهول، جاءت في المرتبة الأخيرة في دراسة حديثة تصنّف الدول حسب مواقفها من التّكنولوجيا، الأمر الذي قد يتسبّب في إغراقنا، كما يقول جيمس مور فيما يلي

متدرب حرفي تسنى له، على خلاف غيره من المتدربين، العمل في كاتدرائية ساليسبوري البريطانية (غيتي)

يُعتبر شُحّ المهارات في بريطانيا بمثابة كتلة ثقيلة من الرّصاص التي تُقيّد أركان الاقتصاد الوطني وتشدّها إلى أسفل. وصحيح أنّ هذا هو معضلة داخليّة طال أمدها، لكنّها كانت تبدو قابلة للإدارة نوعاً ما ضمن مياه الاتحاد الأوروبي الضّحلة، أقلّه بمساعدة محدودة من المهاجرين.                                                                                                    

المشكلة وما فيها الآن أنّ المملكة المتحدة في طور الاستعداد للغوص في أعماق بحرٍ باردٍ وعميق تلوح في أفقه عاصفةٍ بيئيّةٍ عالمية واضحة المعالم. وهناك سفنٌ تابعة لأسطول من السفن التي تسيّرها روبوتات، والمدجّجة بمدافع محشوّة وجاهزة لنسف فرص العمل. وفي وضع كهذا، يمكن لكتلة الرصاص الثقيلة المذكورة سابقاً أن تتسبّب في غرق قطّاع الأعمال التّجارية في المملكة المتحدة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أماطت شركة "برايس ووتر هاوس كوبرز" (PwC) الاستشارية في 8 سبتمبر (أيلول) اللثام عن نتائج دراسةٍ عالمية أُجريت حول مواقف البلدان إزاء التكنولوجيا والمهارات.  وهذه الدراسة ليست قطعاً شبيهة بواحد من استطلاعات الرأي الرّخيصة والمتسرّعة التي يُعوَّل عليها عادةً لاستقطاب الاهتمام وإثارة الجدل. ففي إطارها، استطلع معهد "أوبينيوم" آراء حوالي 22 ألف شخصٍ من 11 بلداً مختلفاً، من بينهم ألفين وأربعة راشدين تتراوح أعمارهم بين 18 و65 عاماً (باستثناء المتقاعدين).

وأفاد أكثر من نصف المشاركين البريطانيين (54%) علاوة على 67% ممن تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عاماً، أنهم على أهبّة الاستعداد لتعلّم مهارات جديدة أو الخضوع للتدريب على مهن مختلفة تماماً، كي يصبحوا مؤهلين على نحو أفضل للحصول على فرص عمل في المستقبل.

وعلى الرغم من ذلك، قال أكثر من نصف المُستجوبين (51%) إنّهم حصلوا على فرصة من هذا القبيل لتطوير مهارات جديدة، وهو العدد الأدنى لهذه الفئة بين الدول التي شملها الاستبيان. أما الأرقام التي حققتها في هذه الفئة الدّول الاقتصادية الدينامية المجهّزة تماماً لتحمّل تبعات التكنولوجيات الجديدة، على غرار الهند (91%) والصين (79%)، فهي تجعلنا نشعر بالخجل.

 وللعلم فإن الدول التي شملها الاستبيان كانت الولايات المتحدة وألمانيا وهولندا وأستراليا وفرنسا وسنغافورة وجنوب افريقيا وبولندا.

وبالعودة إلى بريطانيا، فقد أظهرت الدّراسة أنه إلى جانب فجوة الأجور بين الجنسين هناك فجوة أخرى في المهارات بينهما، نظراً إلى أن إمكانية التدرب وتطوير المهارات تتوفر للرجال أكثر من النساء، كما يدل التفاوت بين نسبتي الرجال (54%) والنساء (46%) ممن تُتاح لهم ولهن فرص من هذه النوع.

وأشارت الدراسة كذلك إلى أن أحوال خريجي الجامعات الماهرين أفضل من أوضاع أقرانهم ممن لا يحملون شهادات، وهذا أمر ذو صلةً بالمهارات بالنّظر إلى أن الوظائف الأقلّ كفاءة هي المرشحة أكثر من غيرها للتأثر بارتفاع مستوى الأتمتة.  وتتراجع فرص العمال الكبار بالسنّ بالمقارنة مع العمال الشّباب.

وفي سياق التقرير حول النتائج ذاته، يرد ذكر استبيان المدراء التنفيذيين السنوي لـ"برايس ووتر هاوس كوبرز" الذي خلُص إلى أنّ 8 مدراء من أصل 10 يعتبرون توافر المهارات في طليعة أولويّاتهم.

وإذا تأملتم هذه النتائج، لرغبتم في سؤال مدراء الشركات البريطانية لماذا لم يبذلوا سوى جهد ضئيل للغاية بغرض معالجة المشكلة. فبحسب "برايس ووتر هاوس كوبرز"، يعترف أرباب العمل المشاركون في الاستبيان بوجود المشكلة، لكنّهم يرون أن إصلاحها يتطلّب وقتاً واستثماراً. أوقفوني عن الحديث إن سمعتم هذه العبارة من قبل!

وتعليقاً على هذه النّقطة، يُحذّر كيفين إليس، وهو رئيس فرع الشّركة في المملكة المتحدة، من أن عدم اتخاذ إجراءات فعلية قد يُعرّض "شرائح كبيرة من الناس لخطر التخلّف عن الرّكب، وتفاقم حالة عدم المساواة من الناحيتين الاجتماعية والاقتصادية".

كلام إليس في محله. فحالات عدم المساواة هذه هي بمثابة اللبّ لبعض المشاكل الأشد رسوخاً في البلاد والتي تُركت لسنوات طويلة كي تستفحل حتى بتنا مؤخراً نحس ّبوجودها ونتأثر بها.

وهو يدعو إلى تضافر جهود الجميع بما فيهم الحكومة والمنظمات غير الحكومية وقطاع الأعمال لمعالجة هذا الأمر. وهو مجدداً محقّ تماماً بما يقوله. وكان ساجد جاويد، وزير المالية أو المسؤول المكلف الإشراف على العلاقات العامة الخاصة بالشؤون المالية، في حكومة بوريس جونسون قد تحدّث مراراً وتكراراً عن المهارات في إطار محاولاته اللامتناهية لرشوة الناخبين بمالهم الخاص في مرحلة ما قبل الانتخابات. وسيُنفق بعض هذا المال على كليات التعليم الإضافي التي تعلم في واحدة منها في شبابه وكذلك فعلتُ أنا. وهذه الكليات مرتع خصب للمهارات ولكنّها عانت طويلاً من نقصٍ في التمويل بفضل سياسات حزبه.

يكاد جاويد أن يكون أول وزير مالية بريطاني يُثير ضجةً حول قضية المهارات. لكنّ تضافر جهود الجميع من أجل معالجتها لم يُكتب له النجاح حتى الآن. والتقرير الذي بين أيدينا يُسلّط الضوء على ذلك ويُوضّحه في الوقت الذي تقترح فيه الحكومة إغلاق الباب في وجه المهاجرين الذين لعبوا دوراً مهماً في تخفيف وطأة النقص الذي نعاني منه على هذا المستوى.

ومن بين أبرز السّياسات الحكومية في هذا السياق، ضريبة التدريب المهني التي لا تزال الشركات تكرهها وتعتبرها غير فعالة في زيادة فرص التدريب المهني، وذلك على الرغم من التعديلات التي أُدخلت عليها أخيراً.

ربما آن الأوان لإعادة التفكير، أو ببساطة للتفكير في المسألة؟ لكنّ المشكلة على ما يبدو أنّ الإدارة الحالية ليس لديها متسع من الوقت للتفكير في هذه المسألة أو غيرها. فهي تخضع لإدارة مافيا لا تُقيم وزناً لممارسات الحوكمة الرشيدة ولا تأبه لتحسين وضع البلاد، وكلّ ما يهمّها هو خزعبلات العلاقات العامة والتبجّح والتّهديد.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات