Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

على خطى ترمب... كلما أمعن جونسون في إثارة غضب بريطانيا استفاد أكثر

إنها حرب استقطاب ثقافي، والطريقة الوحيدة للفوز بها هي أن تجعل الفريق الخصم غاضبا مثل فريقك في عملية تلحق الأذى بالتعايش السياسي

هل يتعمد بوريس جونسون زيادة التوتر السياسي في بلاده؟ هل ذلك ما استفاده من النهج الشعبوي لدونالد ترمب؟  (وكالة الصحافة الفرنسية)

لا يمكن لأحد أن يستمع إلى مقابلة بريندان كوكس صباح أمس على برنامج "توداي" الذي يبثه راديو4 التابع لـ "هيئة الإذاعة البريطانية" ( بي بي سي)  من دون أن يتأثر بما كان يقوله عن الطريقة التي استُخدم بها اسم وذاكرة النائبة المغدورة جو كوكس، وأُسيء إليهما، في مجلس العموم. كما أن أسلوب الازدراء الذي تعامل به بوريس جونسون مع محنة أعضاء البرلمان الآخرين ومخاوفهم من تهديدات تلقوها بالقتل حين وصفها بـ "هراء"، كان مسيئا بصورة غير عادية، حتى بمعايير جونسون نفسه.

كان من السخافة بمكان قوله إن أفضل طريقة لتكريم ذكرى جو كوكس هي "تنفيذ بريكست،"، في ملاحظة تحبس الأنفاس بجرأتها أثارت ردودا عاطفية شديدة للغاية. وعلى أي حال، فقد قُتلت جو كوكس بينما كانت تخوض حملة من أجل البقاء في الاتحاد الأوروبي في استفتاء عام 2016، وأدى اغتيالها إلى توقف عقارب الزمن للحظة.

ناشد أرملُها بريندان الجميع أن يهدئوا قليلاً مطالباً إياهم أن يتذكروا وصيتها الثابتة وهي "أننا أكثر اتحادًا، ولدينا من القواسم المشتركة أكثر من الأشياء التي تفرقنا". وعبّر عن أسفه من أنّ الجدال حول بريكست قد هبط إلى مستوى متدنٍ" تسوده فوضى الاستقطاب."

إن بريندان محقٌ في ذلك، لكن الاستقطاب السياسي الذي يشير إليه، واستغلال هذا الاستقطاب أيضاً، متعمد للغاية، ولم يبلغ ذروته، بعد في انتظار أن يُوصله إليها جونسون. ويعمل رئيس الوزراء على مضاعفة الاستقطاب الناجم عن جدال بريكست بشكل أفضل لحشد "قاعدته" من المؤيدين للخروج الذين يزدادون غضبا وإحباطا. إنه يريدهم أن يخرجوا ويصوتوا له في أمسية شديدة الرطوبة في نوفمبر (تشرين الثاني). إنه يريد أن يثير غضبهم.

 لهذا السبب يسعى رئيس الوزراء جاهدا كي يبدو كمكافح باسم "الشعب"، الذي يعني بالنسبة إليه الداعمون للخروج، ضد البرلمان، وخاصة ضد نواب المعارضة.  فصورته تلك في الإعلام تناسبه جيدا.

هكذا، يقاتل جونسون، أو بالأحرى يرغب في الظهور كأنه يقاتل، ببسالة ضد مؤامرة واسعة من "مؤسسة البقاء،" و "برلمان مُغيّب" وقيادات عمالية متعاطفة مع الإرهاب، ووسائل الإعلام الرئيسية، بما في ذلك " هيئة الإذاعة البريطانية" (بي بي سي) التي أطلق عليها اسم "هيئة تقريع البريكست" (Brexit Bashing Corporation).  وها هو الآن في مواجهة مع القضاء.  ولو اعتقد أنه سيحظى بأي دعم شعبي، لانقلب ضد الملكة هي الأخرى.

إن تبني سياسة "صفارة الكلاب" ليس بالأمر الجديد على الرجل، الذي اعتاد أن يكتب عن "محاربي القبائل" من أصحاب "ابتسامات البطيخ"، وعن النساء المسلمات اللائي يرتدين “صناديق الرسائل" كبراقع تغطي وجوههن. إنه يعرف ما يفعله، وما يفعله منذ بعض الوقت الآن هو تطبيق النصائح التي لا ترحم التي تلقّها من مستشاره دومينيك كامينغز ومن لينتون كروسبي، وهو مستشار سياسي استراتيجي استرالي.

إن تجارة هؤلاء هي الانقسام، وعملتهم هي الكراهية. فعندما ينتقد النائب العمالي تانانجيت سينغ ديسي رئيس الوزراء في مجلس العموم بشدة بسبب عنصريته، فإن الكثير من مؤيدي جونسون سيقفون في جانبه، وعلى الليبراليين أن يدركوا ذلك.

لذلك عندما يبدأ بريندان كوكس، وشخصيات حسنة النية مثل أمبر رود وستيفن كينوك، في الحديث عن مدِّ جسور التواصل وبناء التوافق وإيجاد حلول وسطى، فإنهم ببساطة لا يفهمون تكتيكات جونسون الانتخابية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

فعندما يتعلق الأمر ببريكست، كما أشار جون كورتيس وكما يبدو واضحاً في المناخ السياسي الحالي، لا يوجد هناك فئة تتبنى مواقف وسطية ضمن طيف السياسة التقليدية الذي يضم اليسار والوسط واليمين، للتوجه إليها طلباً للدعم. فقد حلّ تركيز النشاط على القمتين المتضادتين محل توزيعه الطبيعي على الأطراف كلها، وصار السعي لنيل أصوات الناخبين يترّكز في الطرفين المتناقضين. (وهذا هو أحد أسباب فشل الحلول الوسطى التي تقدم بها حزب العمال في كسب دعم كبير.)

هذه حرب استقطاب ثقافي، والطريقة الوحيدة للفوز بها هي أن تجعل الفريق الخصم غاضباً مثل فريقك في عملية تلحق الأذى بالتعايش السياسي. أنت بحاجة لإشعال الحرائق ومشاهدتها تنتشر.

إن رؤية جونسون يضايق مؤيدي البقاء ويهين هؤلاء القضاة الجليلين ولا يحترم ما وصفه بـ "قانون الاستسلام،" وبروكسل ومن اعتبرهم "متعاونين" و "خونة"، هي كل ما يحتاجه لاستقطاب هؤلاء الناخبين إلى معسكر المحافظين، وكثير منهم أعضاء حاليون في حزب العمال، أو أعضاء سابقون في حزب العمال او في حزب استقلال المملكة المتحدة ومتعاطفين سابقين مع حزب البريكست. هكذا تزدهر سياسة الانقسام على الخلاف والانقسام. إنها تمقت الوئام وتستمتع بالإساءة.

يريدنا بريندان كوكس ألا ننظر إلى جونسون كـ "شرير،" وهذا الموقف لا يعني بالتأكيد إغداق المديح له بسخاء. غير أن جونسون ليس القديس فرنسيس الأسيزي. لذا فأقصر كلمة لوصف سياسته هي "الشعبوية."

 وبتعبير آخر، مرحبا بكم في ميدان السياسة الجديدة. فهل أذكركم بشخص ما؟

من الواضح أن جونسون، يسعى وهو يعي بصورة أو بأخرى ما يفعل، إلى أن يكون "ترمب البريطاني"، أو، كما قال ترمب ذات يوم " ترمب بريطانيا". يحب الرجلان أن يكون لهما الكلمة الأخيرة، ويستمتعان بخلق الفوضى، وإهانة أي شخص وأي مؤسسة تعترض طريقهما، ويُضاعفان من التشدد بمواقفهما عندما يتعرضان للانتقاد أو الهجوم، ولا يعتذران أبدًا أو يُبديان الندم. إنهما لا يُظهران "الضعف" أبداً، أو بالأحرى ما يعتبرانه ضعفاً.

تتدفق الأكاذيب من الثنائي على نحو لم تشهده الحياة السياسية الحديثة إلا نادراً. وعندما يخضع كلامهما للتدقيق على يد سياسي المعارضة (أو معارضيهما من داخل حزبيهما)، أو من جانب "وسائل الإعلام الرئيسية" أو حتى من قبل الهيئات التنظيمية المستقلة، يأتي ردهما بشكل أساسي عن طريق مهاجمة دوافع ومصالح من يدقق في كلامهما ومواقفهما.

يودّ جونسون أن يكون جيدًا في هذا المجال بقدر ما هو نايجل فاراج ناجح فيه، ولدى رئيس الوزراء كل مزايا المنصب لتسخيرها لهذه المهمة. وجمع أيضًا حوله عصابة من الرجال والنساء الذين يشبهونه في التفكير، وبعضهم (مثل نيكي مورغان) كان عليهم حقيقة أن يتصرفوا بشكل أفضل.

لذلك، ارفعوا دعاوى قضائية في واشنطن ووستمنستر، وأطلقوا تهديدات متوازية بالمساءلة والعزل.

هاتوا الاتهامات بسوء السلوك الشخصي وخلط المصالح الخاصة بالمال العام واتهامات بالتواطؤ.

هاتوا الحديث الطنّان الرنّان عن استقلال القضاء وحقوق الصحافة الحرة والمعارضة التشريعية الفعالة.

كل هذه الأشياء يمكن القضاء عليها باسم الأغلبية، التي تُعتبر تفويضا من "الشعب"، وهي تُعدّ في الحالتين صغيرة أو غير موجودة. ففي حالة ترمب، خسر في نهاية المطاف التصويت الشعبي الأميركي ولم يعد يسيطر على الكونغرس. أما بالنسبة لجونسون، فقد انتُخب من قبل حوالي 90 ألفاً من نشطاء حزب المحافظين، ولم يسبق له قيادة حزبه في انتخابات عامة. وفقد منذ أصبح رئيسا للوزراء أغلبيته في مجلس العموم، لذلك لا عجب أنه يرى المجلس في "غيبوبة،" رغم أنه بعيد كل البعد عن ذلك عملياً.

وبغض النظر عن ذلك، فإن الـ 52% من الناخبين الذين صوتوا لصالح الخروج قد التُمست معونتهم وجُنّد وا عن طيب خاطر أو لا، في جيش للتمرد الشعبوي المتطرف بشكل متزايد. ويُفترض بكل واحد منهم أن يكون راغباً بالخروج من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق عند الضرورة، على الرغم من أن أحداً لم يسبق له أن طلب منهم ذلك صراحة.

كما يُتوقع من هؤلاء أن يؤمنوا بأنهم في حرب لإنقاذ بريطانيا، لذلك تُستخدم كل هذه التعابير العسكرية التي نسمعها بكثرة. وإذا تمتع أحدهم بما يكفي من الشجاعة لتذكير جونسون بأن جو كوكس قُتلت على يد رجل كان يصرخ "بريطانيا أولاً" و "أبقِ بريطانيا مستقلة"، فإنه سيرد بوصف هذا الكلام بـ "الهراء" أو ما شابه.

في الواقع، ما من شيء يريده جونسون أكثر من الاعتقال إذا خرق قانون بن (Benn Act) برفض طلب تمديد أجَل الخروج من الاتحاد الأوروبي بموجب المادة 50.  وبدلا من أن يشعر بالخجل لكونه أول رئيس للوزراء تعتقله الشرطة خارج مقر رئاسة الحكومة في 10 داونينغ سريت، سيكون جونسون سعيدًا بذلك. سيدعو وسائل الإعلام لتكون شاهدة على كل لحظة من تنفيذ أمر المحكمة باعتقاله. وبعد ذلك سيعلن نفسه "أول شهيد للبريكست" في بريطانيا، دون الإشارة إلى جو كوكس للمفارقة. وسيواصل التصرف بسخافة، وهو الأمر الذي سيعجب أنصاره للغاية. فكلما زاد عدد من يمكن تحويلهم إلى محافظين من أصل أولئك الذين صوتوا لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي في عام 2016، وبلغت نسبتهم 52٪،  كلما كان ذلك أفضل.

لا يمكنك الوثوق بهذا الرجل. إذا لم يكن شريراً، فلابد أن هناك صفةً أخرى تنطبق عليه. ومهما يكن، لا يجب أن ينطلي عليك أمره، ولا تمنحه فرصة إجراء انتخابات ميكرة يكون موضوعها الاختيار بين الشعب والبرلمان.

© The Independent

المزيد من آراء