ملخص
بدأت الحكومة البريطانية بإعداد لائحة تعليمات رسمية تمنع اتهام المعلمين بالتجديف سواء من قبل المدارس أو الجماعات الدينية. كما تحرر المدارس من إلزامية التشاور مع الأهالي والفعاليات الدينية في شأن المحتوى والمناهج المقدمة للطلبة في هذا المجال. واستندت التعليمات الجديدة على دراسة مستقلة لفتت إلى ازدياد تطرف الاحتجاجات التي تلتئم بحجة الدفاع عن الرموز والمسلمات في الكتب المقدسة.
تعد الحكومة البريطانية قائمة تعليمات جديدة للمدارس تحمي حرية التعبير بالنسبة للمعلمين، وتمنع توجيه تهمة التجديف لهم عند الحديث عن الرموز الدينية في فصولهم الدراسية. كذلك تمنع التعليمات تعليق عمل موظف أو دراسة طالب توجه له هذه التهمة. وعلى عكس المناهج الجنسية، تمنح التعليمات للمدارس حق عدم التشاور مع أهالي الطلبة أو الجماعات الدينية في تصميم مناهجها المعدة لتدريس هذا المجال.
التعليمات وفقاً لصحيفة "ذا تليغراف"، هي جزء من توصيات لجنة مستلقة شكلت للبحث في اتساع رقعة العنف السياسي والاضطرابات بعد مجموعة احتجاجات شهدتها البلاد في الأعوام الأخيرة، فخرجت اللجنة بأكثر من 40 توصية للمؤسسات العامة، من بينها نصائح يفضل اتباعها بعد أن بات المعلمون يفرضون رقابة على أنفسهم ليتجنبوا الاتهام بالإساءة عند تعليم القضايا المتعلقة بالدين أو العرق أو الجنس.
على ضوء توصيات اللجنة التي صاغ تقريرها النهائي اللورد والني، بدأت الحكومة إعداد قائمة التعليمات الجديدة لتصل إلى المدارس مطلع العام الدراسي المقبل، ويكون تنفيذها ملزماً إلا في حالات استثنائية. ونقلت "ذا تليغراف" عن مصادر مطلعة لم تسمها، أن "تقرير والني" قد تأثر بحوادث تجديف وقعت بحق المدرسين في بريطانيا خلال الأعوام القليل الماضية وتم التعامل معها بـ"طريقة غير صحيحة".
من بين هذه الحوادث ما حدث عام 2021 في بلدة باتلي غرب منطقة يوركشاير، حين أظهر مدرس للتلاميذ رسماً كاريكاتيرياً للنبي محمد من مجلة "شارلي إيبدو" الفرنسية الساخرة، فتجمع أشخاص أمام المدرسة مهددين بقتل المعلم، مما اضطره للاختباء حتى الآن. ثمة حادثة ثانية في المنطقة ذاتها تمثلت باحتجاجات على تضرر نسخة من القرآن في إحدى المدارس. وثالثة في مدينة برمنغهام عندما تظاهر رجال أمام مدرسة تدرس مناهج حول المثليين بحجة أن هذا يتعارض مع العقيدة الإسلامية.
التعامل مع التجديف
أظهرت دراسة متخصصة أن الحوادث السابقة دفعت بمدارس إلى مراقبة المحتوى الديني المقدم للطلبة. كما جعلت معلمين يمارسون رقابة ذاتية على أنفسهم خوفاً من الاتهام بالإساءة للرموز الدينية. ووجد استطلاع أجرته مؤسسة "يوغوف" العام الماضي أن واحداً من كل ستة معلمين قلص الدروس الدينية بعد "حادثة باتلي".
يوصي "تقرير والني" بأن تصدر وزارة التعليم للمدارس إرشادات قانونية حول كيفية إدارة الحوادث المتعلقة بالتجديف، تنص على دعم حرية التعبير للمعلمين ومنع تعليق عمل المدرس الذي يتورط في تلك الحوادث. وحظر تقديم المدرسة لأي معلومات تكشف هويته أو توصل المحتجين إليه، كما حدث مع معلم باتلي الذي اضطر إلى مغادرة المنطقة مع زوجته وأولاده الأربعة خوفاً على حياته وحياتهم.
"تقرير والني" هو أحدث دراسة رسمية تحذر من تصاعد الترهيب والتهديد بالعنف ضد من يتهمون بالإساءة إلى الأديان في المملكة المتحدة. سبقه قبل أشهر قليلة فقط، بحث مستقل أيضاً لصالح جهاز مكافحة التطرف، أظهر أن الاحتجاجات التي تدين أعمال التجديف باتت أكثر تواتراً وتشددا. لكنه لم ينصح بمنع هذا الحراك، وإنما ضبطه بدرجة أكبر من المسؤولية وحظر أداوت تهديده لحياة الناس.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تأييد "تقرير والني"
وزيرة الداخلية السابقة سويلا برافرمان وسلفها بريتي باتيل، أيدتا مخرجات "تقرير والني". وقد اتهمت برافرمان وزير الحكومة ريشي سوناك بالتغاضي عن توصيات مشابهة صدرت قبل أكثر من عام ضمن مراجعة السير وليام شوكروس لبرنامج "بريفينت" المعني بمكافحة أشكال الإرهاب والتطرف في الدولة.
قالت برافرمان لصحيفة "التايمز"، إن المملكة المتحدة يجب أن تخلو من أي قوانين تتعلق بالتجديف إن كانت تريد حماية حرية التعبير. كما يجب على الشرطة التمسك بالقوانين كما هي وليس مخالفتها وتجاوزها لإرضاء أقلية معينة، لافتة إلى أن الحكومة تتباطأ منذ أشهر في تنفيذ توصيات التقرير وهناك "خشية من ذهابها أدراج الرياح، تماماً كما حدث مع نصائح مراجعة شوكروس في عام 2023".
من جهتها نقلت صحيفة "ديلي ميل" عن متحدث باسم الحكومة البريطانية قوله " إن التطرف من أي نوع كان لا مكان له في مجتمعنا، ولن نتسامح مع التكتيكات التي تهدف لترهيب أو تهديد أو تعطيل حياة الغالبية الملتزمة القانون. في الأشهر الأخيرة شهدنا أيضاً عدداً صغيراً من المتظاهرين يظهرون سلوكاً عنيفاً وبغيضاً، وتحظى الشرطة بدعمنا الكامل في معالجة التطرف وجرائم الكراهية في الدولة".
مشورة المؤسسات المتخصصة
على الضفة المقابلة يقول رئيس منتدى الأديان في لندن مصطفى فيلد، إن جميع المدارس تحتاج إلى أخذ المشورة من "SACRE"، المجلس الاستشاري للتعليم الديني، عند وضع مناهجها الموجهة للطلاب في هذا المجال. فهو "المسؤول عن تحديد المحتوى الديني للمدارس التي تديرها السلطة المحلية أو تمولها".
وأوضح فيلد في حديث مع "اندبندنت عربية"، أن "SACRE" يقدم الدعم للسلطات المحلية والمدارس والمعلمين والآباء ومقدمي الرعاية النصيحة في مجال تخصصه، ويوفر المشورة في المسائل المتصلة بالعبادة والتعليم الديني في المدارس، لافتاً إلى أن نظام التعليم في البلاد صمم للتشاور مع المجتمعات المحلية، وقد سلط SACRE الضوء مراراً على ضعف الموارد والتمويل المخصص لتعزيز التعليم الديني في المدارس.
وشدد رئيس منتدى الأديان على ضرورة حماية المعلمين بعد أن عاملهم البعض بعنف عن غير قصد. ولكن لا يجب أن تستغل التعليمات الجديدة للإساءة للأديان. منوهاً بأن مناقشة المعتقدات والأديان ستبقى دائماً "قضية حساسة"، ولكن من الأفضل توفير مصادر موثوقة وموضوعية للمعلمين حول القضايا الدينية. فلا يضطرون إلى البحث في الإنترنت عن أجوبة قد تكون غير دقيقة لأسئلة مهمة يثيرها الطلبة دينياً.
بحسب رئيس منتدى الأديان، ثمة خشية من أن تستهدف التعليمات الجديدة الجالية المسلمة على وجه الخصوص. ويقول إن هذا سيؤكد فشل الحكومة في معالجة "الإسلاموفوبيا". إضافة إلى إخفاقها في محو "الأمية الدينية" كما يقول المستشار المستقل للحكومة في شؤون الإيمان كولين بلوم.