Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أميركا والاحتجاجات الطلابية بين فخي فيتنام وغزة

نذير شؤم يحاصر المؤتمر الوطني الديمقراطي في شيكاغو وربما يكرر مأساة 1968

طالب يحمل العلم الفلسطيني بينما يهتف الناشطون والطلاب خلال احتجاجات بجامعة جورج واشنطن (رويترز)

ملخص

يعتقد الشباب الجامعيون الأميركيون المشاركون في الجهود المناهضة لحرب غزة أن خطر التعرض للمساءلة والعقاب نتيجة مخالفة قواعد الانضباط التي ربما تفرضها الجامعات يتضاءل مقارنة بالقضية التي يناضلون من أجلها

منذ انطلاق أولى الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأميركية مع بدء الرد الإسرائيلي العنيف على هجوم "حماس" في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 رأى المتظاهرون أنفسهم امتداداً للتظاهرات الواسعة التي انطلقت ضد حرب فيتنام عام 1968، لكن على رغم نواحي التشابه والاختلاف بين هذه الاحتجاجات المناهضة للحرب التي يفصل بينها 56 عاماً، يظل نطاق ومدى تأثيرها في سياسة أميركا الخارجية هو السؤال الأهم؟ فكيف كان هذا التأثير في الماضي وهل يختلف عن الحاضر؟

تقليد مناهضة الحرب

في مثال مباشر على استمرار نهج قديم في مناهضة الحرب بالجامعات الأميركية، نشرت مجموعة طلابية مؤيدة للفلسطينيين في جامعة كولومبيا على "إنستغرام"، صورة قديمة لطلاب الجامعة نفسها عام 1968 رافعين لافتة مكتوباً عليها "المنطقة المحررة" خلال احتجاجاتهم على حرب فيتنام.

وكما كان الحال في الماضي، فإن الشباب الجامعي المشاركين في الجهود المناهضة للحرب، يعتقدون أن خطر التعرض للمساءلة والعقاب نتيجة مخالفة قواعد الانضباط التي ربما تفرضها الجامعات، يتضاءل مقارنة بالقضية التي يناضلون من أجلها.

ومثلما حدث من اعتقالات لمئات من الطلاب خلال الأسابيع الماضية في عديد من الجامعات الأميركية بعد أن أقاموا مخيمات بالجامعات، وطالبوا مؤسساتهم بالدعوة إلى وقف إطلاق النار في غزة، وسحب أموال أوقاف الجامعات من الشركات المرتبطة بإسرائيل، شهدت هذه الجامعات قبل 56 عاماً موجات اعتقال أوسع نطاقاً وأكثر قسوة، بعدما استدعت السلطات الحرس الوطني الأميركي والشرطة المحلية وشرطة الولاية ووصل الأمر عام 1970 إلى مقتل أربعة طلاب وإصابة تسعة في إحدى جامعات ولاية أوهايو بعد أن فتح الحرس الوطني النار على حشد من الطلاب كانوا يحتجون على حرب فيتنام.

أوجه التشابه

وإضافة إلى التشابه الواضح في المواجهات مع قوات إنفاذ القانون ومطالب النشطاء من الطلاب وتصوراتهم العامة من القضايا التي يناضلون من أجلها، تبرز قضية حرية التعبير في صدارة الصراع، إذ لا تزال الاعتبارات نفسها المتعلقة بكيفية تحقيق التوازن بين الحاجة إلى الحفاظ على مساحة واسعة لحرية التعبير، وفي الوقت نفسه عدم التسامح مع العنف أو الاضطراب قائمة حتى الآن.

 

 

وتجلى ذلك في استدعاء بعض الجامعات أخيراً قوات إنفاذ القانون بدعوى أن بعض الطلاب تجاوزوا حرية التعبير وأثاروا مخاوف الطلاب اليهود ما دفعهم إلى عدم الحضور لمتابعة نشاطهم الأكاديمي أو أن بعض شعارات الطلاب المؤيدين للفلسطينيين، عدت معادية للسامية، وسط أجواء ساخنة غذتها جزئياً جهود مجلس النواب الأميركي من خلال عقد لجان استماع لقيادات جامعة كولومبيا، في أعقاب ضغوط سابقة أجبرت رئيستا جامعتي هارفرد وبنسلفانيا على الاستقالة بسبب اتهامهما بالتقصير في مواجهة الطلاب.

وفي وقت كان النضال فيه من أجل الحقوق المدنية في الستينيات قضية حاسمة لها آثار واسعة النطاق على جميع الطلاب، وصدى عميق مع مبادئ المساواة والعدالة حتى في الجامعات التي يهيمن عليها البيض، استفاد طلاب اليوم من احتجاجات حركة "حياة السود مهمة"، وفقاً لتشارلز بلو في صحيفة "نيويورك تايمز".

ومن أوجه التشابه أيضاً استخدام اليمين الأميركي قواعد اللعبة نفسها التي استخدمها عام 1968 وهي السخرية من المتظاهرين باعتبارهم طلاباً جامعيين مدللين وساذجين بما لا يتماشى مع "الأميركيين الحقيقيين"، بينما يتجاهل اليمينيون المحافظون جوهر الاحتجاجات التي ينظرون إليها على أنها جزء من الحروب الثقافية، بحسب أستاذ التاريخ بجامعة ولاية أوهايو ديفيد ستيغروالد.

أوجه الاختلاف

ومع ذلك قال البروفيسور ستيغروالد في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، إن هناك اختلافات جوهرية عدة بين عصر حرب فيتنام وحرب غزة، أولها أن الحركة المناهضة لحرب فيتنام كانت أوسع وأعمق بكثير من مجرد ثورة جامعية، إذ لم يكن هؤلاء الطلاب ذوو الشعر الطويل في الستينيات، أحراراً في الاحتجاج لأنهم استمتعوا بترف تأجيل التجنيد العسكري الإجباري الذي كانوا يعارضونه، ولكن لأنهم كانوا جزءاً من حركة ذات قاعدة واسعة، تضمنت مجموعات مناهضة للطاقة النووية، ومجموعات نسائية، وجماعات مسالمة مسيحية تقليدية، بل اشتركت أكثر من 100 منظمة مختلفة في مسيرة "البنتاغون" الشهيرة ضد الحرب عام 1967.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى رغم إدراك أن القوى المؤيدة للفلسطينيين أكثر تنوعاً من مجرد كونهم طلاباً ولديهم امتدادات خارج الحرم الجامعي، فإن وجهة نظرهم والتعاطف معهم ليس متجذراً بعمق أو منتشراً على نطاق واسع كما كانت الحركة المناهضة لحرب فيتنام في الستينيات.

ويتمثل الاختلاف الرئيس الثاني في أن الإقبال الكبير على التجنيد بعد عام 1965 و1966 جعل مواجهة الحرب حقيقية للغاية حتى بالنسبة لأولئك الشباب الذين حصلوا على تأجيلات بسبب انخراطهم بالتعليم في الجامعة، فقد كان الأمر تأجيل للتجنيد وليس إعفاء، كما يمكن إلغاء التأجيل في أي وقت لأسباب عديدة، بالتالي لم يكن أحد آمناً من الناحية القانونية، ولهذا السبب، توسعت قاعدة الناشطين المعارضين للحرب بصورة كبيرة، بينما هناك صعوبة في رؤية أي شيء مماثل الآن للحركة المعارضة للحرب في غزة.

تغير السكان في أميركا

بحسب البروفيسور ستيغروالد فإن اختلافاً آخر يتعلق بالتركيبة السكانية الأميركية، فكان المظهر الديموغرافي للأمة اعتباراً منذ عام 1965 بسيطاً جداً ويتمثل في البيض والسود، وكان من الواضح من سيهيمن، لكن بعد أن فتح قانون "هارت - سيلر" لعام 1965 باب الهجرة من دول العالم لأميركا، اختلفت الخريطة الديموغرافية (السكانية)، وبعد مرور 50 عاماً أصبحت الولايات المتحدة أكثر تنوعاً، ولهذا لم يكن هناك عدد كبير من الأميركيين الفيتناميين، أو من أصل آسيوي، الذين يدفعون بطريقة أو بأخرى لوقف حرب فيتنام.

لكن الآن هناك عدداً كبيراً من السكان الذين تعود أصولهم إلى الجنوب العالمي، بمن فيهم المجتمعات العرقية العربية والمسلمة في منطقة ديترويت، ومينيابوليس، وأماكن أخرى تمارس نفوذها على المستوى المحلي والإقليمي في الأقل.

تأثير وسائل التواصل

وإضافة إلى ذلك، تشير صحيفة "واشنطن بوست" إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي لعبت دوراً حاسماً في تعزيز قضية وقف إطلاق النار في غزة وتشكيل تصورات الصراع، بخاصة بين الشباب، وأنشأ أكثر من 500 حساب على "إنستغرام" و"فيسبوك" تضامناً مع الفلسطينيين في غزة منذ أكتوبر 2023، ويضم عديد منها ملايين المتابعين وتروج لحملات جمع الأموال وكتابة الرسائل.

كما نمت الحسابات القديمة بما فيها تلك التي يديرها الفلسطينيون في غزة لأنها توثق الحياة أثناء الحرب، وهذه كلها أدوات لم تكن متاحة خلال حرب فيتنام.

مشاركة هيئة التدريس

خلال ستينيات القرن الـ20 كان الدافع وراء احتجاجات الحرم الجامعي ينبع في المقام الأول من الطلاب أنفسهم، مع مشاركة استثنائية من أعضاء هيئة التدريس، الذين واجهوا أخطاراً كبيرة، بما في ذلك احتمال فقدان مناصبهم، أو الإضرار بسمعتهم المهنية أو مواجهة أشكال أخرى من التوبيخ المؤسسي، في حين تغيرت اليوم الديناميكيات، ويلعب أعضاء هيئة التدريس والموظفون بالجامعة في كثير من الأحيان دوراً أكثر دعماً للنشاط الطلابي، وهو تحول يعود إلى التركيز على قضايا العدالة الاجتماعية والمساواة داخل المؤسسات الأكاديمية نفسها. كما تطور نظام الحماية الأوسع للحرية الأكاديمية لتوفير حماية أفضل لأعضاء هيئة التدريس الذين يشاركون في النشاط، بما أتاح مشاركة أكثر انفتاحاً ومباشرة في المبادرات التي يقودها الطلاب دون خوف من الانتقام.

تأثيرات متباينة

كثيراً ما أسهمت الاحتجاجات الجامعية في توجيه نقد أوسع للمجتمع الأميركي والسياسة الخارجية وإعادة النظر في التاريخ، إذ كانت هذه الاحتجاجات تاريخياً بمثابة محفزات قوية للتأمل والتغيير المجتمعي الأوسع، بحسب أستاذ التاريخ في جامعة تكساس أوستن ستيفن مينتز الذي يرى أنه مثلما حدث من تأثير في ستينيات القرن الماضي، استمرت احتجاجات الحرم الجامعي المعاصرة في التأثير في الخطاب العام، وانتقاد الأعراف المجتمعية، وتحدي الوضع الراهن في السياسة الخارجية والداخلية، فضلاً عن التفسيرات السائدة للتاريخ الأميركي، وكانت النتيجة إعادة تقييم أوسع للعلاقات العرقية في الولايات المتحدة وإحداث تحول كبير في كيفية نظر الجمهور الأميركي إلى التدخلات الأميركية الخارجية.

 

وبالنظر إلى الستينيات كان وقف حرب فيتنام أو الانسحاب منها هدفاً واضحاً وعملياً، وكان الدافع وراء هذا الهدف هو المخاوف الأخلاقية في شأن شرعية الحرب وكلفها البشرية، سواء بالنسبة إلى الشعب الفيتنامي أو الجنود الأميركيين، وظل التأثير في سياسة الحكومة الأميركية لإنهاء التدخل العسكري في فيتنام هو الهدف الواضح الذي تحقق في النهاية بعد سنوات عدة إضافة إلى إلغاء التجنيد الإجباري، وشمل كل ذلك الدعوة إلى حل سلمي للصراعات وانتقاد المجمع الصناعي العسكري الذي يعتقد الكثر أنه يديم الحرب.

صيف متقلب

وفي حين اعتبر مينتز أن أهداف الاحتجاجات في الحرم الجامعي اليوم، ينظر إليها على أنها أقل مباشرة من أهداف احتجاجات حرب فيتنام، يرى آخرون أن التظاهرات المؤيدة للفلسطينيين في الجامعات والمدن الأميركية، تنذر بصيف متقلب من الاحتجاجات، مما يخلق تحدياً للرئيس بايدن في ظل انقسام يزداد اتساعاً داخل الحزب الديمقراطي، حيث عززت مشاهد التدمير والخراب والقتل داخل غزة في تحديد وجهات نظر كثيرين داخل الحزب الديمقراطي حول الحرب، والذين أدانوا "حماس"، ولكنهم أصبحوا يشعرون بالقلق بصورة متزايدة بسبب الخسائر في صفوف المدنيين.

ومع نشر ائتلاف من 900 من الزعماء الدينيين المسيحيين السود إعلاناً في صحيفة "نيويورك تايمز" يدعو إلى وقف لإطلاق النار، ظهرت أوضح علامة حتى الآن على نمو الحركة المعارضة للحرب، وعكس ذلك علاقات طويلة الأمد بين الناشطين السود والفلسطينيين، والتي يعود تاريخها إلى التظاهرات ضد عنف الشرطة في فيرغسون، بولاية ميزوري عام 2014.

كما اتخذت عديد من النقابات والحركة العمالية والشباب والتقدميين في الحزب الديمقراطي مواقف مساندة لوقف الحرب، مما أدى إلى تراجع دعم استمرار الحرب من 36 في المئة إلى 18 في المئة فحسب بين الديمقراطيين.

العودة إلى شيكاغو

يعود المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي إلى مدينة شيكاغو، بولاية إلينوي هذا العام، ونظراً إلى أوجه التشابه بين العام الحالي وعام 1968عندما انعقد المؤتمر أيضاً في شيكاغو، فإن قرار العودة إلى مدينة العاصفة يبدو مشؤوماً، بحسب المؤرخة المتخصصة في الشؤون الأميركية إيما شورتيس.

وأوضحت شورتيس في تصريح خاص أن السياسة الأميركية عام 1968، كانت تعاني أزمات خطرة ومتقاطعة في الديمقراطية الأميركية، فعانت البلاد من اغتيال مارتن لوثر كينغ جونيور، والمرشح الرئيس للانتخابات الرئاسية روبرت كينيدي، ورد الفعل العنيف ضد حركة الحقوق المدنية، والحرب المتصاعدة في فيتنام، ولهذا ذهب الحزب الديمقراطي إلى شيكاغو وهو يعاني أزمة ضخمة.

ومع ذلك اجتمع المتظاهرون المناهضون للحرب في شيكاغو، الذين شعروا بالرعب من التورط الأميركي في فيتنام، على أمل التأثير في نتائج عملية الترشيح، لكن المؤتمر انزلق إلى حالة من الفوضى والعنف، وارتكبت الشرطة معظمها، واعتقلت 650 متظاهراً، وبعد ذلك بأسابيع خسر المرشح الديمقراطي، هيوبرت همفري الذي كان نائباً للرئيس ليندون جونسون الانتخابات أمام ريتشارد نيكسون.

وعلى رغم أن تاريخ وسياق دور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط يختلف إلى حد كبير عن دورها في فيتنام، فإن هناك أوجه تشابه داخلية مهمة، فكما كان الحال في فيتنام، يعاني الحزب الديمقراطي اليوم من الانقسام حول رد فعل إدارة الرئيس جو بايدن تجاه غزة، وفي الانتخابات التمهيدية بولاية ميشيغان فبراير (شباط) الماضي، صوت أكثر من 100 ألف ديمقراطي تحت صفة "غير ملتزمين" كجزء من حملة منسقة لإرسال رسالة إلى بايدن، تطالبه ببذل مزيد من الجهد لوقف "مذبحة الفلسطينيين في غزة"، وفي انتخابات 2020، فاز بايدن بولاية ميشيغان بفارق يزيد قليلاً على 150 ألف صوت.

ولهذا، من المرجح بحسب شورتيس أن يستمر التعطيل السلمي المستمر للحملة الديمقراطية من قبل المتظاهرين ويمتد تأثيرها إلى المؤتمر العام في أغسطس (آب) المقبل. وعلى رغم أن المعارضة أمر بالغ الأهمية لصحة الديمقراطيات، فإن التغطية الإعلامية للمؤتمر ستقدم الانقسام داخل الحزب سلباً، وستستمر هذه التغطية في تشكيل تصورات أوسع لدى الناخبين حول قوة وتحمل بايدن على قيادة سفينة منقسمة.

المزيد من متابعات