ملخص
كان من شأن ضبط النفس عقب استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق أن يسمح لإيران بكسب تعاطف منتقدي إسرائيل، وإبقاء الأضواء مسلطة على الفظائع التي ترتكب في غزة، ومشاهدة الحكومة الإسرائيلية وهي تغرق في مستنقع أعمق.
الأسبوع الماضي، قصفت إسرائيل قاعدة جوية عسكرية بالقرب من مدينة أصفهان الإيرانية. كما زعم مسؤولون إيرانيون أنهم أسقطوا طائرات مسيرة صغيرة بالقرب من مدينة تبريز شمال البلاد. وعلى رغم أن هذه الضربات تمثل هجمات مباشرة وواضحة على الأراضي الإيرانية، إلا أن الهجوم الإسرائيلي يبدو محدوداً حتى الآن. وفي حين تعهد القادة الإيرانيون بالانتقام من "أصغر عمل عدواني" على أراضيهم، فإن ردهم يبدو منضبطاً في الوقت الحاضر. وأثارت أنباء القصف ونطاقه الصغير تقييمات أولية مفادها بأن كلا الجانبين ربما يسعى إلى التخفيف من تصاعد حدة توترات الصراع بينهما.
ومع ذلك فإن الأحداث الأخيرة في هذه الدورة المتكررة من الهجمات والهجمات المضادة تشير إلى مرحلة جديدة مثيرة للقلق في الصراع الدائر في الشرق الأوسط. قبل الهجوم الإسرائيلي، أطلق الحرس الثوري الإيراني، وهو الذراع الأبرز للقوات المسلحة الإيرانية وأحد أعمدة نظامها الحاكم، مجموعة متنوعة من الأسلحة شملت أكثر من 300 قذيفة بما في ذلك الطائرات المسيرة التي تحلق على ارتفاع منخفض، وصواريخ كروز، وصواريخ باليستية تحلق على ارتفاعات عالية في محاولة للتغلب على الدفاعات الإسرائيلية وإلحاق أضرار جسيمة بالأهداف العسكرية في البلاد. وأظهر الهجوم قوة إيران المتنامية واستعدادها لضرب خصومها. كما سلط الضوء على تأثير صناع القرار المتشددين داخل الأجهزة الأمنية الإيرانية.
في الواقع، كان للفصيل الذي يسيطر على الرتب العليا في الحرس الثوري الإيراني ويحظى بدعم بين الضباط الأصغر سناً، بصمة كبيرة على السياسة الخارجية الإيرانية لعقود من الزمن وازداد تأثيره بشكل خاص منذ اغتيال قاسم سليماني، قائد العمليات الخارجية للحرس الثوري الإيراني، على يد الولايات المتحدة عام 2020. ويرفض أولئك الصقور المتشددون البراغماتية في التعامل مع الغرب، ويحافظون على التزام ثابت بالمبادئ الأيديولوجية الأساسية للثورة الإسلامية، ويركزون بشكل خاص على استخدام القوة العسكرية الإيرانية وشبكة وكلائها لتحقيق أهدافهم الطويلة الأمد المتمثلة في تدمير إسرائيل كدولة يهودية والحد من نفوذ الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
تمثل هذه الضربات أول هجوم مباشر تشنه إيران على الأراضي الإسرائيلية. ومع ذلك، رأى عدد كبير من المراقبين الخارجيين درجة من الحذر في الهجوم الإيراني. وزعموا أن رشقة الطائرات المسيرة والصواريخ كانت بمثابة عمل من أعمال ضبط النفس، وكان الهدف منها في المقام الأول إظهار العزم، لا إلحاق الضرر. ففي نهاية المطاف، أعربت طهران عن نواياها وأنذرت جيرانها قبل أيام بأنها سترد على إسرائيل من خلال استخدام القوة العسكرية. ومع فشل 99 في المئة من أسلحتها في إصابة أهدافها، إذ اعترضت إسرائيل وشركاؤها الغربيون معظمها، فضلاً عن أن نسبة كبيرة (ربما تصل إلى النصف) من الصواريخ الباليستية البالغ عددها 110 التي أطلقتها إيران على إسرائيل واجهت مشكلات في مرحلة الإطلاق أو تحطمت أثناء الطيران، استنتج بعض المراقبين الخارجيين أن الهجوم الإيراني لم يكن يرمي قط إلى إحداث أي ضرر على الإطلاق. ومن هذا المنظور، كان المقصود من تصرفات إيران في المقام الأول ردع سرائيل عن توسيع نطاق المواجهة الحالية. إذاً، كانت طهران تستعرض في آن معاً قوتها وقدرتها على ضبط النفس.
لكن وجهة النظر هذه تتجاهل جانباً أكثر أهمية في الرد الإيراني، وهو أن طهران استجابت بشكل علني وعلى نطاق هائل. كان بإمكان صناع القرار الإيرانيين اختيار الاستمرار في خوض نزاعهم مع إسرائيل من خلال الوسائل والممارسات القائمة، مثل العمل السري أو الوكلاء، أو من خلال هجوم صاروخي أقل وضوحاً. وكان من شأن الهجوم المحدود أن يعبر عن تصميم إيران من دون استنزاف قدرات الحرس الثوري الإيراني، مثلما حصل الآن، ومن دون الكشف عن محدوديته وأوجه قصوره. لكن إيران اعتمدت نهجاً مختلفاً، فشنت هجوماً غير مسبوق واستخدمت تقريباً كل أنواع الأسلحة التي تمتلكها والقادرة على الوصول إلى إسرائيل. وهذه الخطوة لم تظهر ضبط نفس مدروس ومحسوب على الإطلاق، بل على النقيض من ذلك، كشفت عن هيمنة الصقور داخل الحرس الثوري الإيراني في طهران ورغبتهم الشديدة في مواجهة إسرائيل بشكل مباشر وصريح.
حرب الظل
كان القصف الإيراني في الظاهر رداً انتقامياً على غارة إسرائيلية وقعت في دمشق قبل ثلاثة أسابيع وأسفرت عن مقتل 16 شخصاً، من بينهم ثمانية ضباط من الحرس الثوري الإيراني، في مبنى ملحق بالقنصلية الإيرانية. واعتبرت طهران الهجوم الإسرائيلي بمثابة عمل تصعيدي سافر، ولكن في الحقيقة، كانت إسرائيل استهدفت مواقع الحرس الثوري الإيراني في سوريا مئات المرات من قبل. وهذه الحملة، التي تشنها إسرائيل منذ عام 2013، تسعى إلى ردع الحرس الثوري الإيراني عن ترسيخ وجوده العسكري في البلاد وتعطيل عمليات تسليح "حزب الله" وغيره من الجماعات المسلحة المناهضة لإسرائيل في بلاد الشام. إذاً، شكلت سوريا منذ فترة طويلة ساحة مواجهة في الحرب غير المعلنة بين إيران وإسرائيل، وهو نزاع بدأ مع تطرف السياسة الخارجية الإيرانية في أعقاب ثورة 1979 واشتد مع توسع نفوذ إيران عبر المنطقة في أعقاب الغزو الأميركي للعراق في عام 2003 والاضطرابات التي أثارها الربيع العربي بعد ما يقرب من عقد من الزمن.
لقد دار الصراع بين إيران وإسرائيل إلى حد كبير خلف الكواليس وسط الحروب الأوسع في الشرق الأوسط، وكانت الاستراتيجية الأساسية لإيران تتلخص في تسليح الجماعات المسلحة المعادية لإسرائيل بأسلحة متقدمة، وخصوصاً الصواريخ والطائرات المسيرة، في مناطق مثل قطاع غزة والعراق، ولبنان، وسوريا، واليمن. إضافة إلى ذلك، سعت إيران أيضاً إلى توفير أسلحة أخف، مثل البنادق الآلية والقنابل اليدوية، للمسلحين في الضفة الغربية. في الواقع، تريد طهران زعزعة استقرار إسرائيل من خلال توريطها في صراع مستمر وإحاطتها بأعداء لا تستطيع هزيمتهم بسهولة بالوسائل العسكرية. وكان دعم الحرس الثوري الإيراني للجماعة الفلسطينية المسلحة "حماس" الركن الأساسي في تلك الاستراتيجية الأكبر، وساعد في تعزيز قدرات "حماس" العسكرية، وتزويدها بالتكنولوجيا والدراية اللازمة لبناء ترسانة واسعة من الصواريخ والقذائف واستخدام تلك الأسلحة تكتيكياً واستراتيجياً. في جوانب متعددة، كان التمرد الدموي الذي نفذته "حماس" في السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، نتيجة للحملة السرية التي قام بها الحرس الثوري الإيراني. وأسهمت الحرب التي تلت ذلك في تسليط الضوء على التحدي الهائل وشبه المنيع الذي تواجهه إسرائيل، إذ فشل الهجوم الإسرائيلي الشرس في القضاء على "حماس"، في حين أدى قتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين إلى إدانة إسرائيل عالمياً.
ومن أجل مواجهة مخطط إيران الإقليمي، حاولت إسرائيل فرض تكاليف على النظام في الخارج وفي الداخل. وكانت النقطة المحورية في تلك الحملة هي النشاط الإسرائيلي السري في إيران. هذه الهجمات، التي يفترض أن جهاز الاستخبارات الإسرائيلية الموساد هو الذي نفذها، شملت تفجيرات داخل أشد المنشآت النووية والعسكرية حراسة في إيران، فضلاً عن اغتيال مسؤولين وضباط وعلماء رفيعي المستوى. ولعل أكثر تلك العمليات جرأة هي اغتيال محسن فخري زاده، كبير المسؤولين النوويين في الحرس الثوري الإيراني، الذي قتل عام 2020 بمدفع رشاش يتم التحكم فيه عن بعد أثناء عودته لطهران من الإجازة. وكشفت عن قدرة إسرائيل على تنفيذ مثل هذه العمليات الدقيقة والمدمرة مراراً وتكراراً عن هشاشة الأمن الداخلي الإيراني. وكان كل هجوم جديد أكثر إذلالاً وإحراجاً من سابقه، خصوصاً وأن إيران بدت عاجزة عن منع هذه الهجمات، وغير قادرة على الرد على إسرائيل بالمثل.
لم يظهر الهجوم الإيراني ضبط نفس مدروساً، بل أظهر رغبة في مهاجمة إسرائيل بشكل مباشر وصريح
وعلى رغم أن إيران حاولت معاقبة إسرائيل من خلال هجمات انتقامية خاصة بها، مثل محاولات اغتيال إسرائيليين بارزين في الخارج واستهداف سفن الشحن الإسرائيلية، إلا أنها امتنعت عن مهاجمة إسرائيل بشكل مباشر. وكان هذا التردد ينبع جزئياً من القلق من إثارة حرب أوسع نطاقاً مع إسرائيل والولايات المتحدة. وفي حين قد يرحب كثيرون في الحرس الثوري الإيراني بمثل هذه المعركة، لكن الإجماع السائد في إيران منذ فترة طويلة هو أن النظام قد ينجو ربما من صراع مماثل، إلا أنه لن يتمكن من الخروج منتصراً. إضافة إلى ذلك، سعت المكونات الأكثر براغماتية داخل النظام إلى التقليل من أهمية الهجمات الإسرائيلية داخل إيران. وعلى رغم أن النجاحات التي حققتها حرب الظل الإسرائيلية كانت محرجة لطهران، فإن العمليات الإسرائيلية كانت محدودة، ولم تلحق ضرراً ملموساً ببرامج إيران الاستراتيجية، ولم تتمكن من تغيير سلوك إيران الإقليمي بشكل جوهري. واسترشاداً بالنهج الحذر للمرشد الأعلى علي خامنئي، الذي يؤكد أن اللعبة ستكون طويلة الأمد ويعتبر انتصار إيران على أعدائها أمراً لا مفر منه، نظر هؤلاء البراغماتيون نسبياً إلى الوضع الراهن باعتباره يخدم مصلحة إيران أكثر من إسرائيل. قبل السابع أكتوبر، كانت حملة إيران الإقليمية تتقدم بشكل إيجابي، فكان عملاؤها الإقليميون يزدادون قوة، في حين كانت قبضة الولايات المتحدة على الشرق الأوسط تضعف والانقسامات السياسية في إسرائيل تدفع البلاد بشكل مضطرد نحو الأزمة. وظل صراع إيران مع إسرائيل ضمن المعايير والحدود المتفق عليها بشكل متبادل ومن الممكن السيطرة عليه. وكانت إيران ستبقى متقدمة على خصومها طالما أنها مستعدة لتحمل العواقب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لقد عززت هجمات السابع من أكتوبر والحرب في غزة موقف إيران، في حين عانت إسرائيل هزيمة مذلة وغير مسبوقة، وأثبتت دفاعاتها التي نالت استحساناً كبيراً أنها أضعف مما يمكن لأي شخص أن يتصوره. وأدت حملتها الدموية اللاحقة في غزة إلى إحياء الدعم للقضية الفلسطينية في المنطقة وفي جميع أنحاء العالم. إضافة إلى ذلك، تلاشى التعاطف مع إسرائيل، وخصوصاً في الغرب، حيث أصبحت إدانة حرب إسرائيل وانتقاد معاملتها للفلسطينيين أكثر صراحة. ولم يكن المسؤولون الإيرانيون في عجلة من أمرهم للمساعدة في إنهاء الحرب في غزة، سواء من خلال تقديم مساعدات عسكرية أكبر للفلسطينيين أو عن طريق مواجهة إسرائيل مباشرة. في الواقع، كانت الحرب تخدم أجندة إيران، وعلى رغم أنها عرضت "حماس" للخطر، إلا أنها كانت تلحق الضرر بشكل مطرد بصورة إسرائيل نفسها، وتكشف عن نفاق داعميها الغربيين، وتعيد إحياء القضية لفلسطينية باعتبارها قضية شعبية. علاوة على ذلك، لم تكن إيران في حاجة إلى التدخل، إذ كان بإمكانها عوضاً عن ذلك تجنيد وكلائها لشن هجمات رمزية في الغالب بالنيابة عنها. ولتحقيق هذه الغاية، دأب "حزب الله" على قصف شمال إسرائيل بشكل روتيني، وشن الحوثيون في اليمن عدداً من الهجمات الفاشلة بالصواريخ والطائرات المسيرة ضد إسرائيل. ولم يؤثر أي منهما في المجهود الحربي الإسرائيلي، حتى لو نجح الحوثيون في هجماتهم المتكررة قبالة سواحل اليمن في تعطيل حركة الشحن العالمي.
إن الهجوم الذي شنته إسرائيل في أبريل (نيسان) ضد الحرس الثوري الإيراني في دمشق أجبر المسؤولين الإيرانيين على اتخاذ خيار أكثر صعوبة. ونظراً إلى أن الهجوم استهدف مبنى القنصلية الإيرانية، اعتبره قادة إيران عملاً تصعيدياً. وكان على النظام أن يتخذ قراراً: إما الامتناع عن الانتقام العلني والاستمرار في الاستفادة من الوضع الحالي، أو الرد على إسرائيل باستخدام القوة والوقوع في فخ محتمل. إن ضبط النفس من شأنه أن يسمح لإيران بكسب تعاطف منتقدي إسرائيل، وإبقاء الأضواء مسلطة على الفظائع التي ترتكب في غزة، ومشاهدة الحكومة الإسرائيلية وهي تغرق في مستنقع أعمق. في المقابل، فإن الانتقام العلني والقوي من شأنه أن يساعد إيران في إعادة إرساء وضع أكثر ملاءمة من خلال ثني إسرائيل عن الانحراف مجدداً عن المعايير الضمنية التي وضعها الطرفان من خلال حرب الظل.
ويحمل كلا الخيارين أخطاراً محتملة. من ناحية، فإن ضبط النفس قد يشجع إسرائيل على تصعيد الوضع وزيادة الاستفزاز، مما يجبر إيران على التحرك في وقت لاحق. ومن ناحية أخرى، سيكون الانتقام محفوفاً بالأخطار أيضاً. يمكن لهجوم إيراني علني أن يؤدي إلى رأب الصدع بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأميركي جو بايدن. ومن الممكن أيضاً أن يؤدي العمل العسكري الإيراني إلى صرف انتباه العالم عن السلوك الإسرائيلي في غزة، وإبعاد اللوم عن إسرائيل، وإشعال صراع أوسع نطاقاً. علاوة على ذلك، فإن اندلاع حرب بين إسرائيل وإيران قد يجذب الولايات المتحدة بسهولة، وإذا حدث ذلك فإن فرص نجاح إيران ستتضاءل بشدة.
نقطة اللاعودة
ويشير القرار الأخير الذي اتخذه النظام الإيراني بالرد بشكل علني وباستعراض كبير للقوة إلى التحول عن سياسة ضبط النفس السابقة. لقد دعا الصقور داخل الحرس الثوري الإيراني لفترة طويلة إلى رد قوي على إسرائيل، وهم أخيراً نجحوا في إقناع خامنئي بإعطائهم الضوء الأخضر لتنفيذ عمل عسكري كبير. إن فكرة قيام إيران بشن هجوم ضعيف عمداً هي حجة واهية. في الواقع، كانت إيران تأمل في توجيه ضربة شديدةلإسرائيل. فهي من جهة لا تجني شيئاً من الكشف عن نقاط ضعفها بينما تبرز نقاط قوة إسرائيل. ولو كانت إيران تريد ببساطة أن تبعث رسالة، لكان بإمكانها أن تفعل ذلك بذخائر أقل بكثير وبكلفة أقل بكثير. وعلى غرار أعمالها العسكرية الأخيرة بعد مقتل سليماني، جمعت إيران بين الإجراءات العلنية الجريئة والجهود الدبلوماسية لمنع الانتقام أو تقليله، فهي تريد اتخاذ إجراءات جريئة ولكنها تسعى في الوقت نفسه إلى تجنب عواقب تلك الإجراءات. وبما أنها تدرك أن الولايات المتحدة تحاول تجنب الانجرار والتورط مجدداً في حرب في الشرق الأوسط، وأن إسرائيل لا تستطيع بسهولة شن حرب ضد إيران بمفردها، فقد سعت طهران إلى توفير مخرج لمنافسيها. فمن خلال الإعراب عن نواياها بوضوح، واستهداف مناطق عسكرية محددة عوضاً عن المراكز السكانية، ثم إعلان انتهاء أعمالها الانتقامية بعد تلك الهجمات، كانت إيران تأمل في تفادي رد عسكري إسرائيلي.
لكن إسرائيل قد لا ترغب في أن تكون لإيران الكلمة الفصل. بعد وقت قصير من الهجوم الإيراني، أعلنت إسرائيل أنها تنوي الرد بعمل عسكري خاص بها. ويبدو أن الإجراء الأول، وربما الوحيد، في هذا الانتقام الفوري جاء في عملية نفذت قبل فجر الـ19 من أبريل واستهدفت قاعدة عسكرية إيرانية بالقرب من أصفهان. ونجح هذا الهجوم الصغير النطاق، الذي تضمن عدداً محدوداً من الصواريخ أو الطائرات المسيرة، في اختراق الدفاعات الجوية الإيرانية، ولكن بدا أيضاً أنه يشير إلى الرغبة في إنهاء دوامة التصعيد. ومع ذلك، سيتعين على طهران أن تقرر ما إذا كانت ستنفذ تهديدها بالانتقام بقوة أكبر في حال وجهت إسرائيل ضربة إلى الأراضي الإيرانية. ولكن في أعقاب الهجوم، بادرت شخصيات إعلامية تابعة للدولة الإيرانية إلى استعمال وسائل التواصل الاجتماعي للتقليل من أهمية هذا العمل، إذ أشار بعضهم إلى أنه لم يتضمن أسلحة خطرة على الإطلاق، بل استخدم مروحيات رباعية صغيرة، وليس هناك شيء يدعو إلى القلق.
وقد ينجح الانتقام الإسرائيلي المحدود في تجنب مزيد من الأعمال العدائية العلنية المتبادلة، في الأقل لبعض الوقت. لكن ما ينقص هنا هو الخيارات التي من شأنها أن تنهي الصراع بين البلدين بشكل نهائي، وذلك لأن هذا الصراع هو نتيجة قرار متعمد فرضته إيران في الغالب على إسرائيل والمنطقة. ولا يوجد سوى مخرجين مؤكدين: إما أن تتنازل إسرائيل لإيران وتتخلى عن مشروع الدولة اليهودية، أو أن تتراجع إيران عن سياساتها تجاه إسرائيل. ومن الممكن أن يؤدي حل القضية الفلسطينية، من خلال حل الدولتين على سبيل المثال، إلى تقويض حملة إيران وتشجيعها تدريجاً على تغيير مسارها. ولكن من غير المرجح أن يحدث أي من هذه الأمور في وقت قريب، مما يشير إلى أن الصراع سيستمر.
وطالما تواصل إيران تنفيذ استراتيجيتها المتمثلة في تطويق إسرائيل، وضخ الأسلحة المتقدمة إلى الوكلاء المسلحين الذين يهددون المجتمعات والمراكز السكانية الإسرائيلية، فستضطر إسرائيل إلى مواصلة حملتها المضادة في وجه إيران. وكلما طال أمد هذه الديناميكية، زادت احتمالية نشوب حرب مفتوحة بين البلدين. ولن يقتصر مثل هذا الصراع على إيران وإسرائيل فحسب، بل سيجذب حتماً الولايات المتحدة، ووكلاء إيران الإقليميين، وربما حتى الدول المجاورة. وسيغطي مساحة كبيرة من المنطقة، ونظراً إلى تورط أطراف متعددة فيه، فمن المحتمل أن يكون طويل الأمد. في الحقيقة، سواء في غضون أسبوع أم عام أم عقد آخر، فإن اندلاع حرب مفتوحة بين إيران وإسرائيل بشكل أو بآخر أمر لا مفر منه. والواقع أن المنطقة تتأرجح ربما على حافة الهاوية، في انتظار أن تنزلق.
أفشون أوستوفار أستاذ مساعد بكلية الدراسات العليا البحرية، وزميل في معهد أبحاث السياسة الخارجية، ومؤلف الكتاب الذي سيصدر قريباً بعنوان: "حروب الطموحات بين الولايات المتحدة وإيران والصراع في الشرق الأوسط".
مترجم عن "فورين أفيرز" 19 أبريل 2024