ملخص
بحسب دراسات أجريت حديثاً بلغ عدد المنقبين عن الذهب شمال موريتانيا 200 ألف شخص، حصل نسبة قليلة منهم على عديد من كيلوغرامات من الذهب، فيما هاجر البعض إلى دول الساحل الأفريقي بخاصة مالي وأنغولا وكوديفوار وغانا للبحث عن الألماس.
تثير ظاهرة "صناعة الأغنياء" قلقاً متزايداً في الشارع الموريتاني ومخاوف من ضياع أموال الدولة ومقدراتها في صفقات مشبوهة وغسل أموال وعمليات تسيء لسمعة البلاد.
وتؤثر هذه الظاهرة سلباً على حماسة الشباب وتخطيطهم لمستقبلهم وهم يرون أقرانهم بين ليلة وضحاها تتغير أوضاعهم من حال إلى حال ويحصلون على أموال طائلة من دون أن يعرف أحد مصدرها أو سبب غناهم الفاحش بهذه السرعة القياسية.
وتعد موريتانيا من بين الدول الأفريقية الأكثر معاناة من عهود الفساد وسوء التسيير واستغلال النفوذ، إذ تسبب غياب المراقبة والمحاسبة في اختلاس أموال طائلة من موازنات مختلف الوزارات بخاصة في عهد الرئيس السابق معاوية ولد الطايع، مما أثر سلباً على ثقافة المجتمع التي أصبحت أكثر تسامحاً وتقبلاً لهذه الممارسات.
ويرى كثر أن ظاهرة "صناعة الأغنياء" مرتبطة أساساً بأنشطة مشبوهة كتبييض الأموال والسمسرة في الصفقات العمومية الكبرى والتربح غير المشروع من مشاريع الدولة وتضخيم الموازنات، ومرتبطة أيضاً بالاتجار في الأسلحة والمخدرات والتنقيب غير الشرعي عن الذهب والألماس في غرب أفريقيا، وبجميع أنشطة شبكات تهريب البشر نحو أوروبا.
وأكد الغالبية أن غياب المحاسبة وضعف المراقبة الأمنية لبعض الأنشطة أدى إلى انتشار الظاهرة وتحول الشباب إلى رجال أعمال وأغنياء في ظرف وجيز.
ثراء سريع
في هذا الصدد يقول الباحث الاجتماعي محمد عبدالرحمن ولد سيدي يحيا، إن كثيراً من الحالات التي تظهر بشكل دوري في المجتمع تؤكد أننا أمام ظاهرة آخذة في الانتشار بصورة غير مسبوقة وتؤثر سلباً في المجتمع لا سيما أنه متعارف داخلياً وضيق إلى حد ما.
ويضيف ولد سيدي يحيا في حديثه إلى "اندبندنت عربية" أنه "يظهر بين فينة وأخرى شباب اغتنوا في ظروف مشبوهة، غالباً ما تكون بعد غيابهم لفترة لا تزيد على عام أو هجرة قصيرة إلى خارج البلاد، والغريب أن معظمهم لا يمارس أي نشاط تجاري يمكن أن يجني منه أرباحاً كبيرة ويحصل على أموال طائلة في فترة قصيرة نسبياً".
ويشير الباحث الاجتماعي إلى أن غالبية الشباب ممن أصبحوا يمتلكون عقارات مهمة وسيارات فارهة ويشاركون في أنشطة اجتماعية وسياسية ويظهرون في حفلات ومناسبات وهم لا يأبهون بكم النقود التي يغدقونها على الفنانين والمشاهير، ليست لهم أصول معروفة لكل هذا الثراء الفاحش الذي أصبحوا يتباهون به.
ويؤكد ولد سيدي يحيا أن للظاهرة تأثيراً سلبياً على طموح الشباب في تحقيق ذواتهم وبناء مستقبلهم بالدراسة والعمل وكسب قوتهم وبناء أسس صلبة لحياتهم وفق قناعاتهم الشخصية، قائلاً "الظاهرة أصبحت تؤثر في فئة عريضة من الشباب، إذ باتت معايير الربح السريع والكسب غير المشروع وتحقيق الأحلام بالصفقات المشبوهة تغلب على طموحات بعض الشباب بخاصة الذين ملوا من ظروفهم الاقتصادية والاجتماعية في بلد يعاني ارتفاع نسبة البطالة لما يفوق 20 في المئة".
ويدعو الباحث إلى تشديد رقابة أجهزة الأمن التي تعمل عادة على تتبع أي ثراء غير مشروع وأي أموال لا أصول ثابتة لها، مؤكداً أن كسر طموح الشباب بمثل هذه الظواهر له عواقب وخيمة على المجتمع وعلى نشأة الأجيال.
مناجم أفريقيا
قبل سنوات بدأ التنقيب عن الذهب يجلب إليه عشرات الآلاف من الشباب الباحث عن فرص للكسب السريع، منهم من يحالفه الحظ فيكسب كثيراً، ومنهم من ينفق كل مدخراته في رحلة البحث المضني عن الذهب، وبحسب دراسات أجريت حديثاً بلغ عدد المنقبين عن الذهب شمال موريتانيا 200 ألف منقب تحصل نسبة قليلة منهم على كيلوغرامات من الذهب ويحققون ثروات هائلة في ظرف وجيز.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويهاجر بعض الشباب إلى دول الساحل الأفريقي بخاصة مالي وأنغولا وكوديفوار وغانا للبحث عن فرصة استغلال منجم من مناجم المعادن النفيسة كالألماس، ونجح عدد منهم في الحصول على ثروات كبيرة من مغامراتهم وسط أدغال غرب القارة.
ويقول أحمد ولد المحفوظ وهو أحد الشبان الذين هاجروا إلى أنغولا بحثاً عن فرصة عمل وكسبوا من صفقات تجارية مجزية هناك، إن التجارة تحقق كثيراً من آمال وأحلام الشباب أكثر من العمل الوظيفي طالما أنها تتم وفق الضوابط والمعايير.
وأشار ولد المحفوظ إلى أنه كسب ثروته من صفقات تجارية في ظرف خمسة أعوام أمضاها بأنغولا، مؤكداً أن الشباب الموريتاني طموح ومجتهد لكنه يحتاج إلى الثقة والدعم وتبسيط إجراءات الاستثمار والهجرة حتى لا يقع ضحية النصب والاستسهال والسطحية التي باتت تقضي على مستقبل كثيرين.
من العهد السابق
وربط بعض المراقبين انتشار ظاهرة "صناعة الأغنياء" بعهد الرئيس السابق محمد ولد عبدالعزيز حيث تكاثر في عهده أصحاب الملايين الذين ظهروا فجأة ولم يعرف أحد مصدر غناهم الفاحش.
ويقضي الرئيس السابق محمد ولد عبدالعزيز الذي تولى السلطة من 2009 إلى 2019، حكماً بالسجن لمدة خمسة أعوام، بتهم الفساد وغسل الأموال والإثراء غير المشروع وتبديد الممتلكات العامة ومنح مزايا غير مستحقة قدرتها نتائج تحقيق قضائي بـ90 مليون دولار.
وتقول الجمعيات الحقوقية والمرصد الموريتاني لمكافحة الفساد والتحالف ضد الفساد، إن عمليات غسل الأموال والتهرب الضريبي وسوء استخدام أصول الشركات ميزت عهد ولد عبدالعزيز.
ويرى المراقبون أن ظاهرة الفساد المالي والإداري التي امتدت على مدى أعوام عهد ولد عبدالعزيز تستلزم فترة من أجل التخلص منها بالتالي محاربة ظاهرة "صناعة الاغنياء" الناتجة منها، ويطالبون بالضرب بيد من حديد من أجل محاربة النفوذ والسيطرة على الموازنات ومنع اختلاس أموالها وتشديد الرقابة الأمنية على الأنشطة المشبوهة والتحقيق مع كل من حصل على ثروة بطريقة غير قانونية.