Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بريق الذهب الليبي يجذب عصابات التنقيب

أجانب يتسللون للوصول إلى المناجم ومكامن المعدن الأصفر والتنسيق مع القبائل في مناطق نفوذها

أسهمت حالة الانفلات الأمني في زيادة أعمال التنقيب غير المشروعة عن الذهب في مناطق ليبية كثيرة (أ ف ب)

ملخص

من صراع السياسة والسلاح على السلطة في ليبيا إلى تنافس عصابات التنقيب عن الذهب... ما الذي يجري هناك؟

بينما تشغل النزاعات السياسية والعسكرية أذهان وعيون الجميع في ليبيا تنشغل أياد خفية بما هو أهم وأثمن، ثروات البلاد المتناثرة في ربوعها الشاسعة بلا رقيب، التي أسالت لعاب الطامعين من داخل البلاد وخارجها لأخذ كل ما هو متاح منها وتهريبه إلى الخارج في ظل الظروف المواتية لذلك وعلى رأسها الهشاشة الأمنية.

آخر القضايا المتعلقة باستنزاف ثروات البلاد من عصابات محلية ودولية ضبط فيها قبل أيام قليلة أربعة صينيين وشريك لهم من ليبيا، بتهمة التنقيب والتعدين غير المشروع عن الذهب، الذي تزخر به صحاري الجنوب وتتعرض مناجمه الطبيعية لنهب كبير في السنوات الأخيرة.

تنقيب محظور

أعلنت النيابة العامة الليبية ضبط العصابة المشكلة من أربعة صينيين وليبي أثناء تنقيبهم عن الذهب في الجنوب الليبي بالمخالفة للتشريعات المحلية، بعدما دخلوا البلاد بطريقة غير شرعية.

وأوضح بيان لمكتب النائب العام أن "مأمور الضبط القضائي بجهاز الاستخبارات الليبية لاحظ تسلل أربعة أجانب إلى البلاد، بهدف تعدين الذهب بالمخالفة للتشريعات".

التحقيقات التي أجرتها النيابة العامة في طرابلس بعد القبض على العصابة كشفت عن أن شخصاً ليبياً شكل تنظيماً لتعدين الذهب بمساعدة أشخاص متسللين من النيجر وتشاد والصين، كلف بعضهم بمهمة التنقيب عن الذهب في أربعة أحواض سطحية أحدثها المتسللون في الجنوب الليبي من دون موافقة السلطات.

وأضاف البيان أن "بقية المتهمين كلفوا بمهمة نقل مستخرجات البحث إلى معامل معدة لإعادة بلورتها وتنقيتها، إذ انتهى المحقق إلى حبس خمسة متهمين، من بينهم ليبي يتولى تدبير شؤونهم".

وهذه ليست المرة الأولى التي يتورط فيها صينيون في أنشطة غير قانونية في ليبيا، إذ فككت السلطات قبل أشهر شبكة سرية لتعدين العملات المشفرة في غرب البلاد، وتم توقيف عشرات من الصينيين المتورطين في هذا النشاط غير القانوني.

جبل الذهب

هذه العملية لمحاولة التنقيب عن الذهب وتعدينه ليست الأولى من نوعها التي يكشف عنها في ليبيا خلال السنوات الأخيرة، إذ أسهمت حالة الانفلات الأمني في زيادة أعمال التنقيب غير المشروعة في مناطق كثيرة بالجنوب الليبي، ويتم معظمها في مناطق صحراوية حدودية نائية تصعب عملية مراقبتها.

أشهر المناطق المعروفة في الجنوب الليبي بوفرة الذهب فيها منطقة "جبال العوينات" جنوب شرقي البلاد، إذ جاء في تقرير للمجلس العالمي للذهب أن تحت جبل العوينات الجرانيتي وصخوره النارية السوداء يقع ثاني أكبر مخزون للذهب في القارة الأفريقية، مما جعلها هدفاً رئيساً لعمليات التنقيب غير الشرعي في السنوات الماضية، من بعض المجموعات الليبية المسلحة أو حتى من مجموعات وعصابات قادمة من السودان وتشاد، وأسهم في احتدام هذه المنافسة أن استخراج ذهب جبل العوينات لا يحتاج إلى حفر عميق أو حتى أجهزة باهظة ومكلفة.

وتقع سلسلة جبال العوينات أقصى الحدود جنوب شرقي ليبيا وتمتد عبر الأراضي الليبية والمصرية والسودانية بمساحة تبلغ 1500 كيلومتر مربع والتي يقع أكثر من 60 في المئة منها في ليبيا، بينما الـ40 في المئة الأخرى تقع داخل أراضي مصر والسودان.

محطة للمهاجرين

غير بعيد من جبل العوينات تعد منطقتا كوري أدري والطينة الحدوديتان مع تشاد والنيجر من أشهر المناطق الغنية بمناجم الذهب في ليبيا، ولهما ميزات كثيرة جعلتهما قبلة للباحثين عن المعدن الأصفر، إذ يصعب الوصول إليهما لبعدهما عن المناطق المأهولة بالسكان، مع توفر المعدن الثمين بكميات كبيرة في تلك المناطق بين الأودية النائية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الغياب الكامل للدولة عن هذه المنطقة الغنية بالثروات الطبيعية شجع على تنامي عمليات التنقيب عن الذهب فيها، حتى أصبح العمل في مناجم الذهب غير القانونية في هذه المناطق من أهم مراحل الهجرة غير الشرعية لمهاجري دول جنوب الصحراء، إذ يعتبر المرور عليها مرحلة أولى ليتمكن المهاجرون من جمع المال الكافي للرحلة إلى ما بعد الحدود الليبية.

تنوع كبير

تقارير محلية ودولية كثيرة أجريت عن عصابات التنقيب عن الذهب في الجنوب الليبي بينت وجود أنواع وألوان مختلفة من الذهب المستخرج من هذه المناطق، فمثلاً الذهب الذي يتم اكتشافه على سطح التربة ولا يحتاج إلى تنقيب وحفر يكون على شكل حجر أسود، وبعد المسح يصبح أصفر، وعياره 24 قيراطاً وأحياناً 23 قيراطاً، وهذا النوع سعر الغرام الواحد منه تجاوز 165 ديناراً ليبياً (36.6 دولار أميركي).

 أما الذهب الذي يتم التنقيب عنه فهو مختلط بالحجارة والتراب ويحتاج إلى غربلة وتنقية وتجميع، وعياره 21 أو 22 قيراطاً لوجود الشوائب فيه، ويستعمل الزئبق لتنقيته وتجميعه إذ يتم خلطه مع الذهب والماء، ويتم حرقه ليتبخر الزئبق والماء ويبقى الذهب صافياً ويباع بسعر أقل قليلاً.

مناطق نفوذ قبلي

وتشير هذه التقارير إلى وجود نزاعات قبلية لبسط النفوذ على المناطق الغنية بالذهب، حيث يوجد في أقصى جنوب ليبيا مواقع عدة للتنقيب عن الذهب قريبة من بعضها، يتم التنقيب فيها للحساب الشخصي، والنفوذ عليها يكون بحسب المنطقة الموجود فيها والقبيلة التي تقطن هذا الموقع.

على سبيل المثال في منطقة الجنوب الغربي لليبيا تسيطر قبائل التبو والحساونة والمحاميد، وفي المنطقة القريبة من الحدود مع الجزائر تسيطر قبائل التبو والطوارق، وفي حدود الكفرة جنوب شرقي ليبيا تسيطر قبائل الزوية والتبو، ولا يمكن لأي شخص غريب من منطقة أخرى أو من قبائل أخرى غير تلك التي تقع مساحات التنقيب في مناطقها أو تحت سيطرتها الدخول إلى هناك إلا بحماية شخصية من القوة المسيطرة هناك، سواء كان دخوله إلى هناك للزيارة أو العمل.

هذا التنافس القبلي تسبب في نزاعات دموية كثيرة في السنوات الأخيرة بين القبائل المحاذية بعضها بعضاً في الحيز الجغرافي الذي يكتشف فيه الذهب، وانتشرت مقاطع كثيرة لها على "يوتيوب" تظهر معارك طاحنة بين هذه القبائل للفوز بحق التنقيب في مناطق غنية بالمعدن الثمين.

التنقيب المشروع

الذهب الليبي المدفون في جنوب البلاد لا يسيل لعاب العصابات غير الشرعية فقط للتنقيب عنه، بل جذب بريقه دولاً كبرى دخلت في مفاوضات رسمية مع السلطات الليبية لمنح شركاتها عقوداً رسمية لاستخراجه وتقاسم عوائده معها، آخرها إيطاليا، إذ أكد رئيس غرفة التجارة الإيطالية - الليبية نيكولا كوليكي، اهتمام بلاده بالبحث عن الذهب والمواد الثمينة في جنوب ليبيا، بعد تدشين بنية تحتية ضرورية لأنشطة الاستخراج.

كوليكي أدلى بتصريحه هذا لوسائل إعلام إيطالية قبل يومين على هامش مؤتمر "ليبيا وإيطاليا... ننمو معاً" الاقتصادي المنعقد في روما حالياً.

وأضاف المسؤول الإيطالي أن "ليبيا تمتلك كمية هائلة من الذهب والمواد الثمينة الأخرى التي توجد في جنوب البلاد قرب مالي، بينما لا توجد بنية تحتية ضرورية لأنشطة الاستخراج، وإنشاء الطرق على المحور الرابط بين شمال وجنوب ليبيا سيمكن من الوصول إلى تلك المناطق التي توجد فيها الرواسب، التي يصعب الوصول إليها حالياً، إذ يلزم تنظيم مخيمات مخصصة وإحضار الآلات".

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي