Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نائب الرئيس الأميركي... منصب الظل

بدأ بصورة شرفية ثم تغيرت مهمته منذ منتصف السبعينيات

دهش الأميركيون من اختيار بايدن كمالا هاريس نائبة له (رويترز)

ملخص

كيف أمتلأ تاريخ نواب رؤساء أميركا برجال عظماء وخونة؟ وهل يغري التعديل 25 نواب الرئيس على الانقلاب ضده؟

من بين أهم الشخصيات التي تظهر على سطح الحياة الأميركية بعد الرئيس، يأتي نائب الرئيس الذي كان دوره مادة للمزاح في أوقات سابقة، لكن من الواضح أنه منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي، تغيرت النظرة إلى هذا المنصب، وغالباً ما ترتبط نظرة الأميركيين المحدثين إلى هذا المسؤول بشخصه وكاريزميته، لا سيما أن هناك كثيرين من نواب الرئيس لا يتذكرهم التاريخ إلا نادراً، فيما استطاع آخرون أن يتركوا بصمة واضحة على التاريخ الأميركي وفي نفوس الأميركيين وعقولهم.

لكن بعض هؤلاء النواب حامت من حولهم الشبهات، بخاصة في حال غياب الرئيس أو تغييبه، مما أدى إلى اعتبار عدد من المؤرخين أن هذا المنصب ولو أنه يبدو هامشياً، إلا أن له درجة كبيرة من الخطورة يمكنها أن تكون مستترة في كثير من الأوقات، لكنها بصورة أو بأخرى تجد لها مسارب في أوقات أخرى، مما يمكن أن يهدد الأمن القومي الأميركي، وهو ما جرت به المقادير ذات مرة.

 

كيف بدأت فكرة نائب الرئيس الأميركي؟ وما حدود الدور المرسوم له دستورياً؟ وماذا عن أهم نواب الرؤساء في تاريخ أميركا؟ وهل خان أحدهم بالفعل ثقة الرئيس؟ بل انقلب عليه وتسبب في اغتيال أحدهم؟.

كثير من هذه التساؤلات وغيرها نحاول إماطة اللثام عنه في هذه السطور.

كيف نشأ منصب نائب الرئيس؟

أنشئ منصب نائب الرئيس بالتلازم مع منصب الرئيس بمقتضى الدستور الأميركي، ووجوده قائم لسببين لا أكثر أن يخلف الرئيس حال خلو المنصب، وأن يترأس مجلس الشيوخ، مدلياً عند الضرورة بصوته المرجح متى ما تساوى عدد المؤيدين وعدد المعارضين عند التصويت على قرار ما.

أما القيمة الرئيسة لمنصب نائب الرئيس كرصيد سياسي للرئيس فهي انتخابية، فبصفة تقليدية يطبّق مرشحو الرئاسة قاعدة بالغة الأهمية في اختيارهم لرفيق المعركة الانتخابية، وهي أن يجلب معه تأييد ولاية واحدة في الأقل (ويفضل أن تكون ولاية كبيرة) كان من المحتمل ألا تؤيد ترشيح الرئيس.

 

وهناك قاعدة أخرى تقضي بأن المرشح لمنصب نائب الرئيس ينبغي أن يكون من منطقة تختلف عن تلك التي أتى منها المرشح لمنصب الرئيس، وأن يكون كلما كان ذلك ممكناً منتمياً إلى قسم فرعي في حزبه يختلف فكرياً وعرقياً عن مرشح الرئاسة.

في هذا الإطار الفكري، يتذكر الأميركيون كيف أنه كان من المشكوك فيه جداً أن يفوز جون كينيدي عام 1960، لو لم يكُن مرشحه لمنصب نائب الرئيس هو ليندون جونسون، ولولا الإسهام الذي قدمه جونسون الذي حمل معه تأييد ولاية تكساس.

وتحول التركيز أخيراً على التوازن الفكري وليس الجغرافي، ففي 1992 جمع بيل كلينتون بين الاعتبارات الجغرافية والفكرية في اختياره رفيقه في المعركة الانتخابية للمرشح لمنصب نائب الرئيس، إذ كان اختيار آل غور إشارة إلى أن بيل كلينتون كان يقف بصلابة في الجناح اليميني للحزب الديمقراطي وأنه سيظل جنوبياً بصورة راسخة. وأصبح المخططون الاستراتيجيون في الحزب الديمقراطي مقتنعين بأن كلينتون لم يكُن ليستطيع الفوز من دون أن يحمل معه تأييد عدد يعتد به من ولايات الجنوب.

 

البحث في خبرات نائب الرئيس

يمكن القول إن فكرة البحث في خبرات المرشح لمنصب نائب الرئيس اكتسبت زخماً كبيراً خلال العقدين الأخيرين، إذا استثنينا اختيار الرئيس بايدن نائبته كمالا هاريس التي دهش الأميركيون من اختيارها.

على سبيل المثال لا الحصر، واصل جورج دبليو بوش وآل غور هذا التحول في التركيز خلال انتخابات عام 2000، فاختار بوش ريتشارد تشيني، ليس ليحمل معه تأييد ولاية تشيني، وايومنغ فحسب، وإنما ليضيف إلى قائمته بعض الخبرة السياسية، بخاصة في المجال العسكري وفي السياسة الخارجية.

أما آل غور، فاختار السيناتور جوزيف ليبرمان كأول أميركي يهودي يتقدم على قائمة انتخابات قومية، فكمية الأصوات اليهودية، على رغم أنها صغيرة نسبياً بالنسبة إلة الجماعات الثقافية الأخرى، إلا أنها موزعة داخل المناطق الحضرية للولايات المحورية. كما يمكن أن تكون اعتبارات تمويل الحملة الانتخابية أثرت في اختياره إذا وضع في الاعتبار اعتماد الحزب الديمقراطي على التبرعات المقدمة من مجتمع صناعة السينما في هوليوود الخاضعة كلياً للسيطرة اليهودية. أما من الناحية الجغرافية، فكانت ولاية كونيتيكت موطن ليبرمان، هي التي جعلته شخصية جاذبة، إذ كانت دائماً ولاية ديمقراطية، ولكن بالأحرى كانت جاذبيته المأمولة في فلوريدا موطن عدد كبير من الأميركيين اليهود.

عن صلاحيات نواب الرئيس

دأب الرؤساء على أن يعدوا بإعطاء نواب الرئيس مزيداً من السلطات لكنهم في غالبية الأحوال كانوا ينكثون وعودهم. ولا يستطيع أحد أن يفسر ذلك بدقة، ربما كان الأمر لا يعدو أن اقتسام المسؤولية أمر مثير للمتاعب. لكن من المؤكد أن أسلوب الإدارة عامل رئيس، فكان كلينتون يعتمد كثيراً على نائبه آل غور الذي ظهر كواحد من أكثر الشخصيات تأثيراً وجديراً بالثقة في البيت الأبيض في عهد كلينتون.

وعلى مدى العقود الأخيرة، اختار الرؤساء أنفسهم توسيع نطاق الوظيفة، بدءاً من جيمي كارتر الذي انتخب رئيساً عام 1976، باعتباره من خارج واشنطن، ونرى لأنه كان رجل أعمال شعر كارتر بأن البلاد يجب أن تستفيد من الشخص الذي يشغل منصب نائب الرئيس، فلجأ إلى والتر مونديل كشريك حقيقي ومستشار.

على أن قراءة أعمق تقودنا إلى القطع بأن نواب الرؤساء الأميركيين يقومون بدور رئيس في الحكومة الأميركية، وأهم هذه الأدوار خلافة الرئيس بكل سلطاته وصلاحياته حال توفي أو استقال أو تعرّض للعزل من قبل الكونغرس.

هل جرت المقادير بالفعل بمثل هذه الظروف القاهرة التي حلّ فيها نائب الرئيس محل الرئيس؟

نعم جرى ذلك ثماني مرات في التاريخ الأميركي والعهدة على موقع "شارك أميركا" الحكومي الرسمي الذي يضيف أنه للمرة التاسعة، شغل نائب الرئيس المنصب الشاغر عندما استقال الرئيس، وترشح كذلك بعض نواب الرؤساء لمنصب الرئاسة وخمسة منهم فازوا بالفعل.

وتتضمن المهمات المناطة بمن يتولى منصب نائب الرئيس أكثر من مجرد الوقوف على أهبة الاستعداد، فهو مستشار الرئيس والمؤتمن على أسرار الدولة، ويضطلع بدور مهم في إقناع الكونغرس وعموم الأميركيين وأحياناً الموفدين إلى البعثات الخارجية بسياسات الرئيس.

وعلى رغم أنه لا توجد سلطات محددة لنائب الرئيس، إلا أن الواقع والتجربة العملية يخبران بأن "مكتب نائب الرئيس تطور ليصبح جزءاً لا يتجزأ من مؤسسة الرئاسة"، والتعبير هنا لجويل غولدستاين أستاذ القانون بجامعة "سانت لويس" الذي يقول إن نائب الرئيس هو بمثابة "المستشار الشامل والمرجع الخبير في تشخيص المشكلات ومعالجتها ".

هل من أمثلة على صدق هذا الحديث؟

 نعم وربما من الماضي القريب قبل البعيد، فعلى سبيل المثال وفي ظل رئاسة جورج بوش الابن، ساعد ديك تشيني في صياغة الرد العسكري على هجمات الـ 11 من سبتمبر (أيلول)، أما أثناء ولاية بيل كلينتون، فلفت آل غور الانتباه إلى قضية البيئة.

وكان والتر مونديل أثناء ولاية جيمي كارتر أول نائب رئيس لديه مكتب داخل البيت الأبيض، لكنه كان يحتفظ أيضاً بمكتب في مبنى المكتب التنفيذي آيزنهاور، ومنذ ذلك الحين تعاقب نواب الرؤساء على اقتفاء هذا النهج.

ومن القصص المثيرة والطريفة عن فكرة نائب الرئيس أنه في بداية زمن الجمهورية الأميركية، كان المرشح الذي يحصل على أكبر قدر من الأصوات الانتخابية يصبح رئيساً، أما المرشح الذي لم يحالفه النصر فيصبح نائباً للرئيس، إلا أنه ومنذ عام 1804، شرعت الهيئة الانتخابية في التصويت بصورة منفصلة للرئيس ونائب الرئيس.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن أحد أهم الأدوار المنوطة بمنصب نائب الرئيس، الإشراف على محاكم سحب الثقة، فباعتباره رئيس مجلس الشيوخ من الممكن أن يتولى نائب الرئيس رئاسة معظم محكمات سحب الثقة، أي تنحية أو عزل كبار مسؤولي الدولة وتوجيه الاتهامات للمسؤولين الفيدراليين، لكن عندما يكون رئيس الولايات المتحدة قيد المحاكمة، فإن الدستور ينص على تولي رئيس قضاة الولايات المتحدة رئاسة هذه المحكمة. وكان الهدف من هذا الشرط تجنب تضارب المصالح المحتملة في أن يتولى نائب الرئيس رئاسة المحكمة بهدف إقالة المسؤول الوحيد الذي يقف بينه وبين الرئاسة. وعلى النقيض من ذلك، لا يوجد قانون يوضح مَن من بين الرؤساء الاتحاديين يجب تعيينه عندما يحاكم نائب الرئيس، ومن ثم ترك الأمر غير واضح في ما إذا كان نائب الرئيس الذي تم عزله يمكنه بصفته رئيس مجلس الشيوخ أن يترأس محاكمة سحب الثقة الخاصة به، علماً أن ذلك غير موضح بالدستور.

نائب الرئيس والتعديل 25 من الدستور

هل من مادة بعينها تكاد تمثل نقطة مفصلية في مسيرة نائب الرئيس وترقيه إلى مرتبة الرئيس؟

نعم، إنها التعديل الـ 25 من الدستور الأميركي التي تم تبنيها عام 1967 بعد اغتيال الرئيس الأميركي جون كينيدي، ويوضح طرق انتقال السلطة التنفيذية في حال استقالة الرئيس أو وفاته أو إقالته أو إصابته بعجز موقت.

وقدم التعديل في واقع الأمر في السادس من يوليو (تموز) 1965 من قبل الكونغرس الـ 89، وبحسب النص فإنه يمكن للرئيس أن يخطر الكونغرس بأنه لن يتمكن من أداء واجبه إذا كان سيخضع لجراحة مثلاً كما حدث مع جورج بوش الابن عندما كان من المقرر أن يخضع لتخدير بسبب تنظير القولون في 2007، مما وضع نائبه ديك تشيني رئيساً بالنيابة، كما يسمح التعديل لنائب الرئيس بالاضطلاع بدور الرئيس إلى أن يتمكن الأخير من العودة.

ويسمح أيضاً لنائب الرئيس وأعضاء الحكومة بعزل الرئيس إذا اعتبر أنه غير قادر على أداء مهماته، وتم التحرك بالفعل ضد الرئيس السابق دونالد ترمب بعد أحداث "الكابيتول" التي قتل فيها أربعة أشخاص بموجب الفقرة الرابعة من التعديل... فما الذي تنص عليه هذه الفقرة؟.

تقول هذه الفقرة التي لم تُستخدم من قبل إنه إذا قام نائب الرئيس بدعم من غالبية أعضاء الحكومة أو "هيئة يعينها الكونغرس بموجب القانون"، بإبلاغ رئيسي مجلسي النواب والشيوخ أن الرئيس غير قادر على إدارة مهماته، فإنه يجوز لنائب الرئيس على الفور تولي هذه الوظائف بصفة رئيس موقت. وإذا اعترض الرئيس على أنه ليس عاجزاً عن أداء مهماته مع تشبث نائبه والأعضاء الآخرين بعجزه، فيحال الأمر إلى الكونغرس للتصويت وتحديد ما إذا كان الرئيس عاجزاً بالفعل عن أداء مهماته أو لا.

من جهة ثانية، لم يحدد الدستور الأميركي طريقة لتعيين نائب جديد للرئيس في حال استلام النائب السابق مهمات الرئاسة، إذ اكتفى النص القانوني حينها بكلمات دعت الكونغرس إلى تعيين الشخصية الملائمة لتسلّم الرئاسة، على أن هناك عدداً من الأسئلة المرافقة لمنصب نائب الرئيس، ومنها مقر إقامته وهل يسكن بدوره في البيت الأبيض مثل الرئيس وزوجته؟ أم أن له مقر إقامة آخر؟

المبنى (1) ومجمع الرصد البحري

تبدو هذه الجزئية من القضايا غير المعروفة في قصة نائب الرئيس، لا سيما أن الأضواء عادة ما تركز على الرئيس وإقامته في البيت الأبيض، ولا يعرف كثيرون شيئاً عن المكان الذي يعيش فيه نائبه.

والثابت أنه على رغم أن نائب الرئيس يمتلك مكاتب في البيت الأبيض إلا أنه يعيش مع عائلته، منذ أيام نائب كارتر، والتر مونديل في المبنى رقم واحد ضمن مجمع المرصد البحري الأميرك،. ويقع هذا المبنى الذي يعود تاريخه للقرن الـ 19 وبني عام 1893 شمال غربي العاصمة الأميركية واشنطن، والعهدة على موقع "البيت الأبيض" على الشبكة المعلوماتية العنكبوتية.

وكان نواب الرئيس الأميركي وعائلاتهم يعيشون في منازل تصرف عليها الحكومة، إلا أن ارتفاع كلفها جعل الكونغرس يوافق عام 1974 على تجديد المبنى بالمرصد البحري ليكون مقر إقامة المسؤول في هذا المنصب.

وعلى رغم إقامة نائب الرئيس في مجمع المرصد البحري، إلا أن ذلك لا يحول دون استخدام العلماء للمرصد في مراقبة حركة الشمس والقمر والكواكب والنجوم وإجراء حسابات دقيقة تتعلق بالزمن وتحديد المواقع.

وتم بناء المنزل على طراز "الملكة آن" الذي كان شائعاً في أواخر القرن الـ 19، وهو عبارة عن عقار من ثلاثة طوابق، ففي الطابق الأول توجد غرفة طعام وغرفة حديقة وغرفة معيشة وصالات ومطبخ وقاعة استقبال وغرفة جلوس وشرفة. وتوجد غرفة نوم وجناح رئيس ومكتب في الطابق الثاني، فيما يضم الطابق الأخير أربع غرف نوم ويقع المطبخ الرئيس في الطابق السفلي، والوصف بحسب صحيفة "ذا صن" البريطانية.

ولعله من المثير القول إن كل أسرة نائب رئيس سكنت هذا المنزل تركت بصماتها الخاصة عليه، فعلى سبيل المثال، قامت أسرة نائب الرئيس ديك تشيني بعمل تعديلات في أثاث المنزل وألوان جدرانه الداخلية لتتكون بصورة رئيسة من اللونين الأخضر والبيج، بينما أضاف دان كويل نائب الرئيس جورج بوش الأب حوض سباحة وغرفة تمرينات رياضية.

واعتبرت كمالا هاريس، أولة نائبة رئيس امرأة تقطن هذا المنزل منذ استقلال الولايات المتحدة الأميركية.

ويمكن لنا التساؤل هل كل نواب الرؤساء عبر التاريخ الأميركي تركوا الانطباع ذاته؟.

أهم النواب العظماء في أميركا

يحتاج التوقف مع تاريخ نواب الرؤساء الأميركيين منذ بداية الجمهورية وحتى الساعة إلى كتب ومؤلفات قائمة بذاتها، غير أن هناك أمثلة تقدم لنا عدداً من أهم الشخصيات التي قامت بدور مهم في تاريخ هذا المنصب، على سبيل المثال نائب الرئيس هنري ولاس الذي شغل منصب النائب الـ 33 في تاريخ الولايات المتحدة في زمن الرئيس فرانكلين روزفلت، في الفترة ما بين الـ20 من يونيو (حزيران) 1941 والـ20 من يونيو 1945، وتميزت فترته كنائب بأنها واحدة من أخطر الفترات الزمنية التي عاشتها الولايات المتحدة والعالم بأسره، فكانت تمثل أوج الحرب العالمية الثانية، ولولا التدخل الأميركي العسكري المباشر إلى جانب قوات أوروبا والاتحاد السوفياتي في مواجهة النازية، لربما انتصر الـ"فوهرر" (هتلر) وجماعته.

وولاس الذي تولي منصبه وهو في عمر الـ 52، كان أحد ثلاثة نواب خدموا في عهد الرئيس روزفلت، وعلى رغم أنه كان مكروهاً من الديمقراطيين المحافظين، وهذا كان السبب في أن روزفلت غيّره في ولايته الرابعة والأخيرة بنائب آخر، هاري ترومان الذي سيصبح رئيساً بدوره، إلا أنه كان فاعلاً جداً في عمله كرئيس لمجلس الشيوخ وجنّب روزفلت كثيراً من الصراعات مع الجمهوريين، وحسم أربعة تصويتات في المجلس عينه.

ومن بين نواب الرؤساء الذين يتذكرهم التاريخ في نهاية فترة مزعجة أعقبت اغتيال الرئيس الشاب كينيدي، وتولي نائبه جونسون الرئاسة، النائب هيوبرت همفري، النائب الـ 38 في تاريخ الولايات المتحدة الذي تولى منصبه في عمر الـ 53 .

كانت حرب فيتنام سبباً رئيساً لصدام طويل بين جونسون ونائبه، ففي حين كان جونسون راغباً في مزيد من القتال والتصعيد في سايغون وما حولها، كان همفري رافضاً مزيداً من إشعال النيران في تلك المنطقة الملتهبة من شرق آسيا. وأثبتت الأيام حنكة وحصافة همفري، وعلى رغم ذلك عندما قرر جونسون عدم الترشح مجدداً لانتخابات عام 1968، تلقى همفري ترشيحاً من الحزب الديمقراطي، لكنه خسر لمصلحة نائب رئيس سابق آخر، وهو ريتشارد نيكسون، إذ كان نائباً للرئيس دوايت أيزنهاور في الفترة ما بين 1953-1961.

ومن بين نواب الرؤساء أيضاً الذين قاموا بدور مهم في التاريخ الأميركي، جورج بوش الأب نائب الرئيس الجمهوري رونالد ريغان. ولثمانية أعوام، ظل بوش الأب عقل ريغان المفكر، فكان رئيساً رقيق الحال فكرياً وسياسياً، وربما إدارياً، فيما بوش الأب رجل امتلك خبرات واسعة كمقاتل في الحرب العالمي، ومديراً للاستخبارات المركزية الأميركية وسفيراً لبلاده في الأمم المتحدة. واضطلع بوش الأب بدور بالغ الأهمية في التنظير والتخطيط الاستراتيجي لمواجهة الولايات المتحدة مع الاتحاد السوفياتي، وفي عهده قدر لأميركا الانفراد بمقدرات العالم والانتصار المدوي على حلف "وارسو"، ومن ثم تفخيخ وتفكيك الاتحاد السوفياتي.

ويتبقى في هذه القائمة اسم آخر لا بد من التوقف أمامه، إنه ديك تشيني، وزير الدفاع الأميركي في عهد الرئيس بوش الأب، وصاحب الدور الفاعل والمهم في حرب تحرير الكويت التي تعرف باسم "حرب الخليج الثانية".

لاحقاً، سيقوم بدور غاية في الأهمية في دعم ومساندة الرئيس بوش الابن، كنائب له في وقت عصيب، حين تعرضت الولايات المتحدة لهجمات الـ 11 من سبتمبر عام 2001، ولاحقاً، اعتبر العقل المفكر في حربين كبيرتين، غزو أفغانستان العام نفسه وغزو العراق في 2003.

لكن يمكننا التساؤل "هل هناك مقاربات بين نواب رؤساء، بعضهم قام بدور خطر وتوجهت له أصابع الاتهام حتى الساعة، فيما آخرون ندم الأميركيون على أنهم لم يصلوا بالفعل إلى مقام الرئاسة، واعتُبروا فرصاً ضائعة في تاريخ البلاد؟

مقارنة بين جونسون وآل غور

يضع الأميركيون في واقع الحال نائبين من نواب الرؤساء في الميزان حين يحتدم النقاش حول هذا المنصب، أحدهما بلغ مقام الرئاسة ووصفه كاتب سيرة القياصرة الأميركيين نايجل هاملتون بأنه "لعن في مرحلة لاحقة"، ونعني به ليندون ب. جونسون، أما الآخر، فتكثر الأحاديث من جانب تعرضه لمؤامرة من قبل أركان الدولة الأميركية العميقة، تلك التي أضاعت فرصته بحسب كثيرين من المحللين الأميركيين، من جراء 500 صوت في ولاية فلوريدا، ونعني به آل غور نائب كلينتون.

جونسون حتى الساعة تطارده اتهامات بأنه هو من كان وراء الاغتيال الغامض للرئيس كينيدي، مما يوضحه المؤلف الأميركي الشهير وليام مانشستر في كتابه "موت رئيس"، وربما كانت هناك أحاديث كثيرة حول علاقة جونسون حين كان نائباً لكينيدي بالمجمع الصناعي العسكري الأميركي، ذلك الذي رفض النهج السلمي لكينيدي وعدم رغبته في التصعيد العسكري مع الاتحاد السوفياتي.

وعلى الجانب الآخر، كتب منذ بضعة أعوام الصحافي الأميركي الشهير توماس فريدمان عبر عموده الشهير في صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية تحت عنوان "آل غور" الذي ضيعناه، متحسراً على الفرصة الذهبية التي كان لأميركا أن تجنيها، لو كان آل غور هو من فاز عوضاً عن بوش الابن الذي أدخل أميركا في حروب هلامية أرهقتها وأذت سمعتها في العالم.

ولاحقاً سيفوز آل غور بجائزة "نوبل" للسلام، مكافأة له على دوره الكبير والمهم في محاربة التغيرات المناخية وتحذيره المسبق من الخطر الذي تتعرض له الكرة الأرضية.

وفي كل الأحوال يبقى منصب نائب الرئيس الأميركي في حاضرات أيامنا تكليفاً لا تشريفاً وتتزايد أهميته كلما اشتدت الأزمات الدولية من حول واشنطن، بخاصة في ظل الرؤساء الذين يفتقرون إلى الكاريزما.

المزيد من تقارير