Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بدعمه الانقلاب في فنزويلا، يُظهر دونالد ترمب نفسه مثل أي رئيس أميركي آخر

إن تصرفاته هي تكرار شبه تام لما كان عاملاً أساسياً في سنوات الحرب الباردة: الولايات المتحدة تُحاول بوسائل عادلة أو مخالفة، تحديد ما يحدث في ما كانت تعتبره ساحتها الخلفية الخاصة

خوان غوايدو رئيس الجمعية الوطنية الفنزويلية والرئيس بالإنابة كما يُعلن عن نفسه، يتحدث خلال جلسة في البرلمان في كاراكاس في 29 يناير (كانون الثاني) 2019 (أ.ف.ب)

هناك حجة، تُسمع كثيراً من أصدقائه كما من أعدائه، بأن دونالد ترمب هو نوع جديد تماماً من الرؤساء الأميركيين، من طبقة مختلفة، ومن عقلية مختلفة وبأولويات مختلفة عن أسلافه.

بالنسبة لأصدقائه، إن طابعه الفريد يُميّزه بنوع خاص من الجاذبية المُعطِلة والمُعادية لواشنطن. بالنسبة لأعدائه، فإن هذا الطابع يُعطي الأمل، كونه الأول والأخير من نوعه، بأن الولايات المتحدة ستعود إلى حالة طبيعية يُمكن التنبؤ بها بشكل مُطمئن وذلك بمجرد رحيله. ويعتنق هذا الرأي على وجه الخصوص معظم الديموقراطيين في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى الأوروبيين المروّعين في الخارج.

لكن هل هذا صحيح أم أن شيئاً آخر يحدث؟ وإذا كان هناك شيء آخر يحدث، فما هو؟ إن الدليل الثبوتي الأول لدي عن هذا "الشيء الآخر" هو الفوضى المدمّرة التي تدور حالياً في فنزويلا.

لقد عادت هذه الدولة المثقلة بالديون في أميركا اللاتينية إلى واجهة الأخبار العالمية بقوة. ونجم  الإشتعال الأخير عن تنصيب نيكولاس مادورو لفترة رئاسية ثانية، عقب الانتخابات التي جرت العام الماضي، والتي قاطعتها المعارضة ووصفتها بأنها مزورة. والآن، بعد أسبوعين من الاضطرابات وأكثر من اثني عشر حالة وفاة، اعترفت الولايات المتحدة بـ خوان غوايدو، رئيس الجمعية الوطنية المُنتخبة، كالرئيس الشرعي، وتبعها في ذلك عدد كبير من الدول الغربية بشكل أساسي.

لقد كان الاقتصاد المعتمد على النفط في حالة انهيار منذ سنوات. فقد غادر البلد عشر سكانه البالغ عددهم أكثر من 30 مليون نسمة، ولا يتردد عدد أكبر بكثير ممن جردهم الفقر من كل بقايا الكرامة الإنسانية، من المغادرة إذا كانوا يستطيعون ذلك. والآن، وفي أعقاب الخطوة الأميركية، ليس هناك فقط صراع على السلطة في فنزويلا، مع الجيش الداعم - حتى الآن – لمادورو، ولكن هناك انقسام حاد أيضاً بين الحكومات الأجنبية حول كيفية النظر إلى التطورات.

وفي حين وصف دونالد ترمب حكم مادورو بأنه "غير شرعي" وأثنى على الفنزويليين لأنهم "تحدثوا بشجاعة ... وطالبوا بالحرية وسيادة القانون"، كانت روسيا - من خلال المتحدث باسم الكرملين - صريحة جداً في الجانب الآخر. لقد كانت هذه، كما قال المتحدث، محاولة أميركية "لاغتصاب سلطة سيادية في فنزويلا"، مما يُهدد بأن يؤدي ذلك إلى "طريق مباشر لإراقة الدماء"، كما تُشكل انتهاكاً للقانون الدولي. وبينما كانت كندا والبرازيل وست دول أخرى في أميركا الجنوبية تقف وراء الولايات المتحدة، فإن مجموعة أخرى - كوبا والمكسيك وبوليفيا وتركيا - دعمت جميعها مادورو.

هل يذكرك أي شيء من هذا - من إعلان الولايات المتحدة عدم شرعية مادورو إلى الانقسامات الجيوسياسية - بأي شيء؟ لماذا، بالطبع، يكون هذا تكرار شبه تام لما كان عاملاً أساسياً في سنوات الحرب الباردة. الولايات المتحدة تُحاول بوسائل عادلة أو مخالفة  تحديد ما حدث في ما تعتبره ساحتها الخلفية، فيما بلدان مُتأزمة من العالم الثالث تفتح نفسها لحروب القوى العظمى بالوكالة. إن أعدت نشرات الأخبار أربعة عقود أو نحو ذلك إلى الوراء، كان لديك السلفادور ونيكاراغوا وموت سلفادور اليندي في تشيلي أنباء تُهيمن على العناوين الرئيسية.

هذه المرة ، تبقى الحرب بالوكالة - حتى الآن - في مجال الكلمات. هناك أدلة قليلة، على الرغم من كثرة الشكوك، على تورط مباشر لوكالة المخابرات المركزية. وقد تكون عدم الشرعية القانونية أكثر ضبابية مما كانت عليه في الماضي، حيث يستند غايدو في مطالبته بالسلطة على بند يُلزم رئيس الجمعية الوطنية بتولي السلطة في "غياب" الرئيس، وهو أمر يتوقف، بالطبع، على تعريف كلمة "غياب".

لكن ليس من الصعب أن نرى هنا، وأن نشعر، من كيفية الرد من قِبل دونالد ترمب، توجهاً أميركياً قديماً إلى حد ما لما تعتبره الولايات المتحدة مكاناً قريباً من الوطن. وربما خاض الرؤساء السابقون حروباً في قارات أخرى، سواءً من أجل كبح الشيوعية أو تأمين إمدادات النفط أو نشر الديموقراطية، لكن ترمب - الذي جاء إلى منصبه على أساس التعهد بالابتعاد عن الحروب الأجنبية، وقد وفى بذلك بقدر ما سمح كبار معاونيه - يُمكن أن يُنظر إليه على أنه من نوع أتباع عقيدة مونرو، متمسكاً بالطريقة القديمة للنظر إلى الأشياء، يتناسب معها  شعار "أميركا أولاً".

إن التخطيط لتغيير النظام في فنزويلا سيناسب مثل هذا الرئيس، لأسباب عقائدية وعملية على حد سواء. سيناسبه ذلك جزئياً لأن مادورو قد استمر في النموذج الاشتراكي للتنمية الذي اتبعه سلفه، هوغو تشافيز - وهو نموذج معادي لكل شيء يحبذه ترمب. وسيناسبه أيضاً، لأن نزوح الفنزويليين من هذا الاقتصاد الفاشل قد أدى إلى تضخم أعداد المهاجرين الذين يحاولون الوصول إلى الولايات المتحدة، ما يدعم بالتالي أجندته لبناء الجدار الحدودي.

في أعقاب الخطوة الأميركية، ليس هناك فقط صراع على السلطة في فنزويلا، مع الجيش الداعم - حتى الآن – لمادورو، ولكن هناك انقسام حاد أيضاً بين الحكومات الأجنبية حول كيفية النظر إلى التطورات

دعنا ننتقل إلى الدليلين الثبوتيين الثاني والثالث، وننظر في ما إذا كان هناك المزيد من الأدلة على دونالد ترمب، ليس كظاهرة فريدة من نوعها، ولكن كاستمرار لما حدث من قبل. ويكون هكذا الدليل الثاني هو الإغلاق الحكومي الحالي.

هناك من يعتبر إغلاق الحكومة الفيديرالية هذا غير مسبوق. في الواقع، لا سابق له إلا من حيث طول مدته، وليس - بعد - إلى حد كبير. فبالنسبة إلى كل المشقة التي يتسبّب بها للموظفين والمتلقين لفوائد الدولة، فإن هذه هي الطريقة القياسية التي تختبر بها الهيئات التشريعية والتنفيذية الأميركية قوتها. وهذه المواجهة هي حتماً أكثر مرارة من مواجهات سابقة بسبب المقاومة لترمب في واشنطن، والشعور بواجب القيام بمهمة التي سيطر به الديموقراطيون على مجلس النواب. أما التأجيل المحتمل لخطاب الرئيس عن حال الاتحاد فهو رمزي، لكنه يضع ترمب في خانة خاصة في ما يتعلق بممارسة سلطته قبل أي شيء آخر. إنه سياسي تداولات، ومساوم، يحاول بجهد أكبر من غيره مواجهة خصمه.

وسيكون الدليل الثالث الشكل العام لسياسة ترمب الخارجية فيما بدأت تظهر. فإلى جانب العودة إلى بعض الإنشغالات القديمة، كما يتضح من رده على فنزويلا، هناك استخدامه لنفوذه الرئاسي لمعالجة مصالح معينة للولايات المتحدة - الصين وكوريا الشمالية - وإهماله النسبي لأوروبا، وكذلك شكوكه حول أي تورط نشط في الشرق الأوسط (على عكس النشر الوقائي للقوات في قواعد خليجية). تُضاف إلى ذلك رغبته الأولى في التعامل مع روسيا - تماماً كما حاول رؤساء حقبة الحرب الباردة أن يفعلوا، بدرجات متفاوتة من النجاح، مع الاتحاد السوفياتي. ومجرد أن لا يمنحه الكونغرس الحالي ما منحه لهم - من حيث حرية الحديث إلى موسكو - من المرجح أن يكون مصدراً للإحباط حإلى أن يغادر منصبه، مهما كان موعد ذلك.

باختصار، لا يبدو لي دونالد ترمب نوعاً جديداً من الرؤساء الأميركيين، أو فريداً. إنه شيء آخر، لكنه ليس شيئاً غير مألوف تماماً. ففي نهجه المتمحور حول نفسه تجاه السلطة التشريعية، يبدو من نواحٍ كثيرة أنه يقطر السلطة الرئاسية القديمة. وفي أولوياته ونظرته للعالم، بعيداً عن تمثيل أي شيء جديد، يبدو وكأنه إرتداد لعصر أميركي سابق. في السابق، أصبح الأوروبيون متفائلين كثيراً بتغيير ما في نهاية المطاف، لكن هذا لا يعني أن مثل هذه المواقف ستتلاشى مع رحيله. ومجرد ظهورها مرة اخرى بعد فترة طويلة، يوحي بأنها قد تكون أعمق مما قد يظن العديد من منتقديه.

© The Independent

المزيد من آراء