Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عشيرة تأسر جنديا من القوات الخاصة العراقية في مدينة السماوة

القبائل تواصل التغول على حساب الدولة

جندي عراقي من القوات الخاصة العراقية (رويترز)

في مشهد صادم، قامت عشيرة في جنوب العراق بأسر جندي في قوات النخبة، كان ضمن قوة حاولت منع مسلحين إطلاق النار خلال تجمع للعزاء بوفاة أحد الزعماء القبليين.

لم يصدق كثيرون أنباء هذه الواقعة، حتى شاهدوا تسجيلاً مصوراً، يظهر جندياً في القوات العراقية الخاصة، وهو يستسلم لشبان من إحدى عشائر مدينة السماوة، مركز محافظة المثنى، جنوب العراق. وقد اعتاد العراقيون إطلاق النار عند الفرح والحزن، إذ يسمع هدير الرصاص كثيراً خلال حفلات الزواج، كما يسمع بشكل أكبر عند إعلان وفاة شيوخ القبائل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

العراضة

تعد "العراضة" من بين التقاليد القبلية الشهيرة في جنوب العراق، وتقام غالباً في حالات الوفاة، إذ يستعرض شعراء شعبيون مناقب المتوفي، وسط إطلاق نار كثيف بشكل عشوائي. وشهدت عملية تشييع جثمان الزعيم القبلي المتوفى، إطلاقاً كثيفاً للنيران في الهواء، ما تسبب في حرج بالغ للقوات الأمنية، التي قررت أن تضع حداً لكرنفال الرصاص العشوائي في سماء السماوة.

وتقول شرطة المدينة إنها تلقت معلومات عن نية مسلحين ينتمون إلى إحدى العشائر الكبيرة، إقامة "عراضة جديدة"، قرب منزل الزعيم القبلي، فأبلغت القوات الخاصة، التي توجهت إلى الموقع المذكور، وسيطرت على معظم الأسلحة. لكن أقارب الزعيم القبلي المتوفى، تدخلوا فوراً، فوقع اشتباك بالأيدي، انسحبت على إثره القوات الخاصة، بعدما تركت أحد أفرادها أسيراً لدى المجموعة العشائرية.

ولم يخرق إطلاق النار قوانين الأمن فقط، بل خرق وثيقة شرف وقّعها أبرز زعماء قبائل المثنى، تنصّ على تجريم مطلقي العيارات النارية خلال المناسبات. وأعادت القوات الخاصة تنظيم صفوفها، واستعانت بمقاتلين إضافيين، وبعض السلاح الثقيل، وتوجهت إلى المنطقة مجدداً، لتعتقل سبعة شبان، وتصادر أسلحة كثيرة.

اعتداء

في هذا الوقت، قال الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية سعد معن إن "قوة من مديرية شرطة محافظة المثنى قامت بإلقاء القبض على سبعة أشخاص قاموا بإطلاق العيارات النارية بصورة عشوائية وكثيفة في ما يطلق على تسميته (العراضة) بعد وفاة أحد شيوخ العشائر في المحافظة".

أضاف معن أن "عمليات إلقاء القبض جاءت بعد رفض مطلقي العيارات النارية إيقاف عملية إطلاق النار أو التفاهم مع مدير شؤون العشائر في شرطة المثنى الذي حاول جاهداً إقناعهم بالكف عما يقومون به من أعمال مخالفة للقانون وتذكيرهم بميثاق الشرف الذي وقّع عليه معظم شيوخ عشائر المحافظة، الذي تضمن عدم إطلاق النار في المناسبات ما يخل بالأمن والنظام".

وأوضح معن أن المسلحين العشائريين لم يكتفوا بإطلاق النار العشوائي في الهواء، بل "قاموا بالاعتداء على القوة الأمنية التي توجهت إليهم لفرض القانون".

دبابة... ومراسم دفن؟

يسخر المدوّن البارز أحمد مكية، الذي ينحدر من السماوة، عندما يتحدث عن كمية الأسلحة التي ظهرت عند أبناء العشائر الذين توافدوا لتقديم العزاء، مشيراً إلى أنه "أكثر مما استخدم في إنزال النورماندي بثلاث مرات". ويسرد مكية مشاهداته بسخرية مرة، ويقول إن بعض الشبان العشائريين يحمل قاذفات RBG7 المضادة للدروع، وآخرون وضعوا مدفعاً مضاداً للطائرات على عجلة.

وتابع أن "أوضاع العراق، لو استمرت على هذه الحال، فقد نشاهد بعد عامين، دبابة وهي تطلق النيران خلال مراسم الدفن".

القبيلة بدل الدولة

وتلخص جملة مكية، الوضع الراهن في العراق، إذ يشتد ضعف الدولة وأجهزتها المسؤولة عن بسط الأمن وإنفاذ القانون، مقابل تعاظم قوة مراكز اجتماعية مختلفة، كرجال الدين وشيوخ القبائل. واكتسبت القبائل قوة كبيرة في العراق بعد عام 2003، إذ كانت إحدى معضلات الأمن، بعدما شاع العنف، حتى تحولت إلى بديل عن الجهازين الأمني والقضائي.

ويُعرف على نطاق واسع في العراق، أن معظم النزاعات الشخصية بين أفراد المجتمع، يجري تسويته داخل مضيف الشيخ القبلي، وليس عبر مؤسسات الدولة، كالشرطة والقضاء وغيرهما.

وفي حالات عدة، لجأ موظفون بارزون إلى عشائرهم، لانتزاع حقوقهم أو الاقتصاص من عشائر أخرى، بعدما عجزت الدولة عن هذه المهمة، كما أن الطبقة السياسية العراقية أسهمت في تعميق أثر العشيرة في المجتمع، عندما استعانت بزعماء القبائل في الانتخابات، إذ تحوّل عدد منهم إلى نواب في البرلمان أو أعضاء في مجالس محلية، ما عزز سطوتهم.

وبعد العام 2014 اكتسبت القبائل العراقية، ولاسيما في جنوب البلاد، زخماً إضافياً عندما تطوع أبناؤها في الحشد الشعبي لصد اجتياح تنظيم داعش، وعندما انتهى القتال احتفظ كثير منهم بالسلاح الذي حصل عليه. وفي مدينة البصرة الغنية بالنفط، يقول قادة عسكريون إن بعض العشائر تمتلك أسلحة تفوق تلك الموجودة لدى الأجهزة الأمنية، ما يضع القبائل في موضع أفضل، كلما أطلقت الحكومة حملة للسيطرة على السلاح، وفي حالات عديدة استخدم بعض القبائل أسلحة متوسطة في نزاعات مع أخرى منافسة.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات