Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

القتل العشائري يهدّد عشرات النساء المطاردات في كردستان

أثّرت الأزمة المالية التي تعصف بالإقليم سلباً في عملية إعادة دمج النساء الموجودات لديه في المجتمع

سهيلة تتحدث مع مديرة المأوى (إندبندنت عربية)

في مبنىّ عالي الأسوار ووسط حراسة مشددة، تجد عشرات النساء فرصتهنّ الأخيرة للأمن والحياة، فخارج حدود مأوى النساء هذا في أربيل، عاصمة إقليم كردستان، سيكون مصيرهنّ الموت.

خسرت سهيلة (اسم مستعار) كل حياتها الاجتماعية وهي لم تتجاوز الـ 16 من عمرها، اتُهمت من قبل عائلة زوجها بخيانته، تسارعت الأحداث حولها، قُتل جارها الشاب المتهم بالتواصل معها، واقتربت من الموت لو لم ينقذها رجل في اللحظة الأخيرة.

 

رجل شجاع ينقذ الطفلة الأم

من وسط الفوضى التي عمّت بلدتها الريفية شمال مدينة أربيل، ساعة قتل جارها، سحبها رجل من يدها وهمس في أذنها "سيقتلونك، سارعي، لنذهب إلى مركز الشرطة"، وفق سهيلة.

أوصلها الرجل بسيارته إلى مركز الشرطة وهي احتفظت باسمه سراً، حتى لا يواجه القتل من قبل أهل زوجها إن تمكنوا من الوصول إليه.

وتذكر سهيلة كيف أرسلتها الشرطة إلى مأوى للنساء من دون تأخير خوفاً على حياتها، هناك مُنِحت أملاً جديداً، وفرصةً للتواصل عبر وسطاء مع أهلها.

وتعيش سهيلة في المأوى منذ ثلاث سنوات، أهل زوجها ما زال يتربّصون بها لقتلها، وفشلت كل مساعي مسؤولي المأوى، لإيجاد صيغة ترضيهم وتسمح لزوجة ابنهم بالعودة إلى حياتها الطبيعية.

 

"الطفلة تشتاق لطفلها"

تزوجت سهيلة في الـ 14 من عمرها وأنجبت ابنها الوحيد بعد سنة واحدة، وأصبحت مطارَدة وهي لم تكمل عامها الـ 20 بعد.

في غرفة مديرة المأوى، تبدو سهيلة أكبر من عمرها، يتخلل حديثها فترات صمت ومحاولات لإخفاء عينيها، كلما وصفت حالها، ثم تستدرك "كنت طفلة عندما زوّجوني، لم يكن ذنبي".

تشتاق لطفلها، لم تشاهده منذ إنقاذها قبل ثلاث سنوات، لا يزال عند والده الذي يريد أن يقتلها، تختفي الكلمات عندما تتساءل "كيف له أن يقتل أم ابنه الوحيد؟ لماذا يريد هذا؟".

وينتشر زواج القاصرات في المناطق الريفية في العراق وإقليم كردستان ولا تُسجَل معظم هذه الحالات في المحاكم الرسمية لمخالفتها القانون في ما يتعلق بالعمر.

 

فيض الله تجمع سهيلة بأهلها

تقول تافكة فيض الله، مديرة مأوى النساء المهدّدات بالعنف، "نجحنا بعد ثلاث سنوات من وجود سهيلة داخل المأوى في إقناع أهلها بالحوار مع ابنتهم، هم الآن يتفهّمون قضيتها، ويشعرون بالذنب لأنهم زوّجوها وهي طفلة". لكن القضية لم تنتهِ عند هذا الحد، ففي مجتمع عشائري، يكون الوضع أكثر تعقيداً، إذ إن المرأة المتزوجة لا ترتبط بأهلها فقط، لذا على سهيلة الانتظار حتى يجد أهلها ترضية مقنعة لأهل زوجها السابق.

وبات أهل سهيلة يريدون منحها بداية جديدة، وفرصة أخرى لاختيار شريك حياتها، بخاصة بعدما مرّت بتجربتها القاسية، لكن هذا الأمل يبدو ضعيفاً وبعيداً من سهيلة حالياً.

 

حياة جديدةٌ أم حنين أسريّ قاتل

لا تريد سهيلة بدايات جديدة مماثلة لتلك التي وفّرها المأوى لزميلاتها، عبر العمل في أماكن آمنة أو الشروع بتكوين أسرة جديدة، بل تشعر بأن يد زوجها وأهله ستطاولها في النهاية، كما حدث لكثيرات في الإقليم اتُهِمن بقضايا شرف.

وتمكّن المأوى منذ تأسيسه في العام 2009 من حماية مئات النساء المهدّدات بالقتل أو العنف الجسديّ، كما وفّرُ لبعضهنّ مجتمعاً جديداً، وأحياناً فرصة لتكوين أسرة جديدة مع شريك يحترمهنّ.

وتلفت فيض الله، إلى أن المأوى استطاع أن يُقنع رجال أعمال، بمنح فرص عمل لساكنات الدار، ووفّرَ لهنّ تسهيلات أمنية للحصول على سكن مناسبٍ وآمنٍ بعد خروجهنّ وتمكنهنّ من إعالة أنفسهنّ.

 

المهور الغالية قد تكون إيجابية

وتقول فيض الله إن "ارتفاع المهور انعكس إيجاباً على ساكنات المأوى"، فرجال فقراء وبسطاء كثرٌ يطرقون باب المأوى، أملاً في الزواج من نسائه الفارات من عنف ذويهنّ.

وتابعت "نعرض الأمر على مَن ظروفها تسمح من ساكنات المأوى، ولدى موافقة إحداهنّ نساعدها على إتمام معاملات الزواج، وندعمها في رحلتها الجديدة هذه، كما تدعم أي اسرة ابنتها".

ولا تسمح مديرة المأوى الشابة والنشيطة بوجود رجال داخل المأوى، كما أنها لا تسمح لرجال الشرطة بدخوله. وتؤكد "إنهنّ مهدّدات بالقتل وحماية هوياتهنّ أمرٌ مهمٌ وصعب في الوقت ذاته".

 

خارج المأوى الرصاص لغة للحوار

وتستذكر فيض الله كيف تعرّضت سيارة كانت تقلها مع إحدى المعنّفات إلى المحكمة لوابل رصاص، كاد أن يصيبها ويقتل ساكنة المأوى المطارَدة من عشيرتها. وتضيف "كانت لحظات فارقة، أحسست بالموت يخرق الأجواء قرب السيارة، دقائق وهرب مطلقو النار، التفتّ إلى رفيقتي فوجدتها ترتجف من الرعب، لكنها سليمة، نظرت إلى نفسي، لم أُصبْ".

لم تتمكن المجموعة العشائرية المسلحة من قتل ابنتها، لكنها أصابت اثنين من المارّين قرب المحكمة، ولم يُعتقَل مطلقو النار حتى الآن. وتقول فيض الله "ما زالوا فارين ويهدّدون حياة ابنتهم".

لا تُستقبَلُ النساء في المأوى إلا من خلال الشرطة، لا تستطيع النساء أن يطرقنَ الباب ليحصلنَ على الحماية اللازمة، يجب أن يكون هناك قرار قضائي بتسليمهنّ إلى المأوى.

لذلك لا تعرف النساء على نطاق واسع بوجود مأوى للنساء المهدّدات بالعنف، ما يعرّض حياتهنّ للخطر على يد ذويهنّ.

 

أزمة مالية تطيح أحلام المعنّفات

من جهة أخرى، أثّرت الأزمة المالية التي تعصف بالإقليم، إثر خفض مخصّصاته من الموازنة الاتحادية، سلباً في نشاطه في إعادة دمج النساء الموجودات لديه في المجتمع.

وتبيّن مديرة المأوى أن النفقات الشهرية للمكتب قبل الأزمة المالية في العام 2015، كانت ثلاثة ملايين دينار شهرياً، أي ما يعادل 2500 دولار أميركي، "لكنها الآن 600 ألف دينار عراقي، أي ما يعادل 400 دولار أميركي".

وأثّر هذا بوضوح وفقاً لفيض الله، في عملية التواصل مع أهالي الضحايا والجهات الداعمة لعملية دمجهم في المجتمع، مثل المحاكم والمؤسّسات الأمنية والمنظمات المدنية، فالأموال المخصصة للاتصالات الهاتفية وشراء وقود السيارات شحّت.

وتأمل فيض الله في انخفاض عدد ساكنات المأوى شهرياً إلى ما دون 50 امرأة، لتتمكن عبر فريقها الناشط من منح اللواتي يتوافدنَ بصورة دائمة، حياةً جديدة.

وإلى حين تحقّق هذه الأمنية، تمكّنت فيض الله من إضافة خدمات أخرى لساكنات المأوى، فبات هناك طبيب متخصّص يزورهنّ لمعالجتهنّ ومتابعة مشاكلهنّ الصحيّة.

وعلى الرغم من إمكانات المأوى المحدودة، لكنه يُعدّ الفرصة الوحيدة للفارّات من بطش الأعراف العشائرية المحلية في إقليم كردستان، في مجتمع يتصاعد العنف فيه ضد النساء.

وفي مطلع العام 2019 الحالي، أعلنت مديرية مناهضة العنف ضد المرأة (مؤسسة حكومية) تسجيل 82 حالة قتل وحرق للنساء في إقليم كردستان خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام 2018.

المزيد من العالم العربي