Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل ينجح مشروع المصالحة الإثيوبية في إسكات صوت الرصاص؟

تحقيق السلام في حاجة إلى تنازلات كبرى من النظام الحاكم والأحزاب المعارضة في آن واحد

غياب تمثيل إقليم تيغراي في لجنة المصالحة يعد خصماً من شرعيتها (أ ف ب)

ملخص

يرى المجلس المشترك للأحزاب السياسية الإثيوبية (EPPJC) أن ما تحتاجه البلاد بشكل عاجل هو وضع خريطة طريق شاملة لوقف الأعمال العدائية لإنهاء العنف الذي تشارك فيه الجهات الحكومية وغير الحكومية، تليها اتفاقات لوقف إطلاق النار ومفاوضات سياسية حقيقية.

في غضون بضعة أشهر، اختتمت إثيوبيا العمل التمهيدي لإطلاق حوار وطني، بهدف إيجاد حلول للأزمات السياسية المتعددة الأبعاد التي تعيشها البلاد منذ عقود طويلة، لا سيما ما يتعلق منها بالتعايش السلمي، وإنهاء حال الحروب المستمرة بين الدولة وعدد كبير من الجماعات المسلحة ذات المطالب القومية والسياسية. 

بدأ العمل في صياغة مشروع المصالحة الوطنية في 29 ديسمبر (كانون الأول) 2021، عندما أعلن مجلس نواب الشعب (البرلمان) موافقته على الإعلان رقم 1265 لإنشاء هيئة الحوار الوطني، أعقبه تعيين 11 مفوضاً في 21 فبراير (شباط) 2022، لكن المشروع ظل قيد الإعداد والدراسة لصياغة الأسس القانونية والسياسية.

وعلى رغم أهمية الطرح الذي يتبناه المشروع فإنه شهد استقطابات حادة، إذ قوبل مؤتمر الحوار الوطني في البداية بالفصل الجماعي والاستقالات، كما أن ثمة شكوكاً ظلت تراود الأحزاب السياسية الرئيسة، بما في ذلك الطلب المقدم من المجلس المشترك للأحزاب السياسية الإثيوبية (EPPJC)، وهو ائتلاف يضم أكثر من 53 حزباً سياسياً مسجلاً قانونياً، بضرورة مراجعة الخطوات بهدف ضمان المشاركة الهادفة لأصحاب المصلحة الرئيسين وشفافية الإجراءات.

وترى تلك الأحزاب إن عملية سن مشروع القانون وتعيين المفوضين التي أدارها الحزب الحاكم واجهت تحديين رئيسين يتعلقان بالتوقيت والشرعية، فمن ناحية التوقيت رأت أن إجراء حوار وطني لحل التوترات السياسية الانتقالية، الذي انطلق في 2018، قد تعرض لأزمة عميقة إثر اندلاع العنف العسكري بين قوات الدولة الفيدرالية وقوات ولاية أوروميا الإقليمية، والمسلحين من جبهة تحرير أورومو المعارضة، المعروفة اليوم باسم جيش تحرير الأورومو (OLA)، وقد حول ذلك الحدث البلاد بأسرها إلى مسرح نشط لأعمال عنف متعددة، مدفوعة بشكل شبه حصري بالسياسات القائمة على ردود الفعل، في حين مثلت الحرب الأهلية التي بدأت في إقليم تيغراي في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020 القطرة التي أفاضت الكأس. ولا تزال البلاد تشهد أعمال عنف عسكرية متعددة، من الشمال إلى الجنوب، ومن الشرق إلى الغرب. 

خريطة الطريق 

ويرى المجلس المشترك للأحزاب السياسية الإثيوبية (EPPJC) أن ما تحتاجه البلاد بشكل عاجل هو وضع خريطة طريق شاملة لوقف الأعمال العدائية لإنهاء هذا العنف الذي تشارك فيه الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية، تليها اتفاقيات لوقف إطلاق النار ومفاوضات سياسية حقيقية.

وفي تفصيله لأزمة الشرعية، فإن المجلس يرى ضرورة استحضار التجارب التي خاضتها بعض دول العالم، حول الحوارات الوطنية التي حظيت بفرص النجاح، ولعل أهم شروط ذلك أن تدار العملية برمتها من قبل أطراف محايدة. 

في حين تكشف الحالة الإثيوبية، أن الحزب الحاكم، الذي يعد جزءاً من المشكلة وطرفاً أساسياً فيها، هو من يدير العملية، ويستحوذ على قرارات اختيار الوسطاء في هيئة المفوضين، مما يعد انتهاكاً صارخاً لشفافية الإجراءات. 

وطالبت الأحزاب السياسية المعارضة، وبعض الأطراف المحايدة، الحزب الحاكم مراراً وتكراراً لضمان إطلاق عملية شفافة وشاملة أثناء صياغة مشروع القانون وتعيين المفوضين، ولم يرفض أي حزب بشكل صريح وجود الحزب الحاكم كطرف رئيس، لكن بشروط وضمانات معينة تحد من سيطرته على سير العملية.

 

 

وبعد مرور عامين على بداية المسار، وفي الوقت الذي أعلنت فيه لجنة الحوار الوطني عن اكتمال مرحلة تحديد المشاركين باستثناء منطقتي تيغراي وأمهرة، والانتقال إلى إعلان جدول الأعمال، فإن العملية بحسب المراقبين للوضع الإثيوبي لا ترقى إلى مستوى معالجة هذه المخاوف الحاسمة.

وعلى رغم عن أن الحرب في تيغراي انتهت باتفاق وقف الأعمال العدائية في نوفمبر 2022، فقد بدأ صراع عسكري نشط آخر منذ ذلك الحين في إقليم أمهرة، كما لم تنجح محاولات إنهاء الصراع في إقليم أوروميا من خلال المفاوضات التي دارت لجولتين في تنزانيا، إذ استمرت المواجهات المسلحة في الإقليميين على نطاق غير مسبوق.

وفي حين تعرب هيئة الحوار الوطني عن اهتمامها بإدراج الجماعات المسلحة المنخرطة في قتال نشط مع الحكومة في الحوار المنشود، إلا أنها لم تتخذ أي إجراءات عملية لإشراكها ولم تقدم خريطة طريق واضحة حول كيفية ضمان مشاركتها، ووفقاً لمقابلة أجراها أحد مفوضيها مع إحدى الصحف المحلية، فإن اللجنة تأمل فقط أن تجد الجماعات المسلحة طريقها بطريقة أو بأخرى إلى الحوار الوطني بنفسها، ذلك في الوقت الذي تقاتل بنشاط مع الحكومة.

والواقع أن اللجنة تعتقد أنها حققت نجاحاً مهماً في عملها، واستعادت جزءاً من شرعيتها، لأنها تمكنت من التواصل مع نحو 40 مجموعة معارضة من أصل 63 مجموعة تنشط بفعالية في البلاد. ومع ذلك، فإن الحزبين السياسيين الأكثر شعبية واللذين يتمتعان بنفوذ عملي في إقليم أوروميا، على سبيل المثال، جبهة تحرير أورومو (OLF) ومؤتمر أورومو الفيدرالي (OFC)، ليسا على استعداد بعد للمشاركة في العملية، مما يضاعف الشكوك حول شرعية اللجنة.

بحسب تحليلات المراقبين، فمن الواضح أن نتيجة الحوار الوطني الذي لا يشمل هذين الحزبين والجماعة المسلحة جيش تحرير أورومو لن يكون له تأثير كبير ليس فقط في أوروميا بل أيضاً على المستوى الوطني، إضافة إلى ذلك، فإن عدم دمج "ميليشيات الفانو" الأمهرية سيجعل العملية برمتها عديمة الجدوى.

مصالحة من دون شروط انتحار 

من جهته، يقول المتخصص في الشأن الإثيوبي بيهون غيداون إن اللجنة التي تم إنشاؤها تحت رعاية البرلمان في غياب ممثل إقليم تيغراي، لا تحصل إلا على تأكيدات شفهية من السلطات الإقليمية في تيغراي بمشاركتها، من دون أي ضمانات لهذه المشاركة.

ويضيف أن ثمة تقارير تابعة للأمم المتحدة تشير إلى "أن موقف وسلوك النخب الوطنية، التي تفهم على أنها مجموعات في المجتمع تتمتع بقدر غير متناسب من السلطة السياسية والاجتماعية والاقتصادية مقارنة ببقية المجتمع، هو العامل الأكثر أهمية المؤثر في إنجاح فرص الحوار الوطني للتوصل إلى الاتفاقات وتنفيذها"، موضحاً أن ذلك يعني ضرورة المشاركة العادلة لكل أصحاب المصلحة، مما يتطلب التزام المفوضين، هذه الشروط الأساسية لضمان إنجاح المسار التشاوري حول المصالحة الوطنية. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويعتقد غيداون أن الوقت لم يفت بعد، ومن الضروري وضع آلية تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار في منطقتي أوروميا وأمهرة، حتى ولو بشكل موقت، وضمان شمولية الحوار لجميع الأطراف الفاعلة، بما في ذلك الجماعات المسلحة والأحزاب السياسية المعارضة، من أجل استرداد صدقية اللجنة، وبالتالي تحقيق أهداف المصالحة.

ويري المتخصص الإثيوبي أن ثمة إشكاليات بنيوية تتجاوز إمكانات اللجنة، إذ إن داخل كل إقليم أزمات محلية تتعلق بالعلاقات البينية، سواء بين الأحزاب والحكومات المحلية أو بين الجماعات المتمردة والإدارات، التي تصل إلى حد الاقتتال الأهلي، مما يحد من فرص نجاح المبادرات المتعلقة بالمصالحة.

ويشير إلى أن الحوار المرتقب بين ممثلي الدولة والقوى السياسية ينبغي أن يسبقه حوار داخلي عميق بين مكونات كل إقليم، حيث ثمة أزمات تتعلق بالاستقطابات العرقية وأخرى ذات بعد ديني، فضلاً عن الأزمات المشتعلة على طول الحدود بين الإقليم، بسبب التنازع على ملكية الأراضي الزراعية، كما الحال بين إقليمي تيغراي وأمهرة، وبين الأمهرة وأوروميا. 

ويعتقد غيداون أن هذه الأزمات تعود إلى عهود سابقة، إلا أنها ظلت كامنة أو هادئة إلى حد ما، وأن تبني نموذج الفيدرالية الإثنية في عام 1995 أخرجها للعلن، لافتاً إلى أن "ثمة ضرورة الآن لمراجعة مخرجات هذه السياسة" التي اتبعتها الدولة لثلاثة عقود كاملة، وكادت تعصف بوحدة واستقرار البلاد، مشدداً على ضرورة إدراجها ضمن أجندة المصالحة الوطنية، مؤكداً أن أي اتفاقات يتم التوصل إليها خارج مناقشة الإطار السياسي الذي أنتج هذه الأزمات يعد بمثابة توفير مسكنات وليس علاجاً حقيقياً للمرض. كما أن الذهاب لتوقيع عقد جديد للمصالحة الوطنية، في غياب الحركات المسلحة وتفكيك الحاضنة السياسية والاجتماعية لها، من خلال إبطال الأسباب يعد "انتحاراً سياسياً" للمشاركين في هذا العقد.

تيغراي المعضلة والحل 

من جهته، رأى المتخصص في الشأن التيغراوي محاري سلمون أن الحديث عن المصالحة الوطنية في هذه المرحلة يبدو موجهاً للاستهلاك السياسي في ظل الأزمات المتعددة، وانتشار العنف في أكثر من ستة أقاليم، مشيراً إلى أن الشرط الأول لأي مصالحة ينبغي أن يبدأ بإسكات صوت الرصاص، وأي نقاش يجري من دون وقف تام لإطلاق النار يمثل مجرد حملة دعائية.

ورأى المحلل التيغراوي أن غياب تمثيل إقليم تيغراي في اللجنة الوطنية للمصالحة يعد خصماً من شرعيتها، علاوة عن أن تشكيل اللجنة، في حد ذاته، من قبل برلمان منقوص الشرعية، يمثل معضلة أولى في طريق المصالحة.

ويقدر سلمون أن "الإقليم الذي شهد حرباً طاحنة استمرت لعامين تحالف فيها الجيش النظامي مع قوى خارجية وبعض الميليشيات القومية، قد خلفت إرثاً ثقيلاً من الانتهاكات التي ترقى لجرائم حرب"، وفي ظل هذا الوضع لا يمكن تجاوز هذه الجروح والقفز مباشرة إلى عقد مصالحة وطنية.

ويؤكد أن معاهدة السلام الموقعة في بريتوريا بين الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي والحكومة الفيدرالية، التي أنهت حالة الحرب، تنص على ضرورة إجراء تحقيقات شفافة للوقوف على حجم الانتهاكات وتقديم الضالعين فيها للقضاء، وضمان عدم إفلاتهم من العقاب.

ويضيف المحلل التيغراوي أن التنصل من بعض بنود بريتوريا لا يمكن أن يقود إلى مصالحة حقيقية، إذ إن عدم التزام الحكومة الفيدرالية بمقررات الاتفاقيات السابقة يلقي بظلاله على ما يتم طرحه الآن تحت غطاء المصالحة الوطنية.

 

 

ويوضح أن ثمة قناعة شعبية مترسخة في الإقليم الشمالي مفادها أن طرح مشروعي العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية في هذا التوقيت يهدف إلى التنصل من استحقاقات اتفاقية السلام، خصوصاً بعد الاتهامات التي تطال بعض قادة الجيش بممارسة "تطهير عرقي" في إقليم تيغراي، من دون أن يؤدي ذلك إلى محاسبة شفافة، مشيراً إلى أن العدالة تسبق المصالحة، إذ لا يمكن الوصول إلى الأخيرة من دون المرور بالأولى.

ويقر سلمون بأن ثمة إشكاليات داخلية في الحزب الحاكم للإقليم، كجزء من استحقاقات الحرب والسلام، إلا أن ذلك لا يمكن أن يبرر محاولات المركز للتغطية على مزاعم الجرائم التي ارتكبت على نطاق واسع في الفترة من نوفمبر 2020 وأكتوبر (تشرين الأول) 2022. 

وينوه إلى أن المصالحة الحقيقية ينبغي أن تبنى على أسس سليمة، أهمها معاقبة المتورطين من كل الأطراف في جرائم الحرب، وسن قوانين منصفة لجبر الضرر الذي وقع على ضحايا مدنيين بالأساس، ثم البناء على ذلك من أجل تحقيق المصالحة الوطنية.

تجاوز مرارة الانتقام 

بدوره، يرى الباحث الإثيوبي إسكندر ليني أن إقرار المصالحة الوطنية كحل أمثل للأزمات الإثيوبية يتطلب تجاوز مرارات الحرب، إذ إن كل الأطراف دفعت ثمناً باهظاً في الحرب الأهلية، سواء في تيغراي أو إقليمي أروميا وأمهرة.

وقال ليني إن الخطوة الأولى في مسار المصالحة ينبغي أن تبنى على قاعدة أن كل الحروب التي جرت في الأراضي الإثيوبية تعد أزمات وطنية وليست أزمة قومية أو تخص إقليماً بعينه، مضيفاً أن الإقلاع من محطة الصراع نحو الوفاق الوطني يشترط تجاوز التعريفات السابقة، والبناء على قواعد جديدة، إذ إن كل الضحايا بالأساس إثيوبيون، وعلى الدولة النظر إليهم باعتبارهم ضحايا الأزمة الوطنية، وعدم ممارسة أي تمييز في ذلك.

وينوه الباحث الإثيوبي إلى ضرورة المساواة بين ضحايا الحركات المسلحة والجيش، إذ يمثل ذلك قاعدة أساسية لإنهاء واقع المرارة الذي خلفته الحرب، ويرى أن المصالحة وحدها التي قد تضمن إسكات صوت الرصاص، بشرط ألا يمثل إيقاف العدائيات شرطاً مسبقاً لبدء النقاش حول مشروع المصالحة الوطنية، فاستمرار الحروب في أكثر من إقليم هو الذي يحفز على المرور سريعاً نحو دعم مشروع المصالحة الوطنية.

ويقول ليني إن بعض النخب تتمتع بقدر كبير من الرومانسية السياسية، عندما تشترط وقف إطلاق نار شامل، كشرط مسبق لانطلاق النقاش، حول المصالحة الوطنية، فيما التجارب تؤكد أن مشاريع المصالحة هي التي تدفع لإيقاف العدائيات كنتيجة للحوار الوطني الواسع الذي يهدف بالأساس إلى وضع حد للاقتتال الداخلي.

ويضيف أن هدف الحوار الوطني بالأساس يتمثل في الوصول إلى اتفاق يضمن إيقاف الرصاص، ويتصور أن انطلاق الحوار الوطني من أجل المصالحة سيسهم في كبح التدخلات الخارجية في الشأن الإثيوبي، ويعزل الحركات المتمردة عن التأثيرات الخارجية التي تحفز على استمرار الأزمة الإثيوبية.

وقال ليني إن قرارات السلام والمصالحة تتطلب شجاعة أكبر من قرارات الحرب، إذ ترتبط بمبادئ التسامي على الجراح، ومواجهة الذات والحواضن السياسية والشعبية، بالتالي أمام النخب السياسية الإثيوبية فرص تاريخية لتجاوز الماضي والنظر بعيداً نحو المستقبل، مضيفاً أن تحقيق هذا الهدف في حاجة إلى تنازلات كبرى من النظام الحاكم والأحزاب المعارضة في آن واحد.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير