Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سلام إثيوبيا "حائر" بين الطوارئ و"حروب الغوريلا"

يرى مراقبون أن الواقع يتطلب وساطة طرف ثالث عبر تفاوض يحقق معالجات جذرية

أفراد من "ميليشيات الأمهرة" يستقلون مركبة صغيرة في مدينة غوندار الإثيوبية (أرشيفية - أ ف ب)

ملخص

بات السلام في إثيوبيا يتطلب معالجات جذرية للصراع ومفاوضات جادة ومشاركة طرف وساطة ثالث.

يشكل السلام هاجساً رئيساً تسعى إليه إثيوبيا باعتباره غاية ووسيلة نحو الاستقرار والتنمية، لكن جدية أديس أبابا لمعالجة هذا الملف الشائك تصطدم بعقبات تتمثل في تعدد أطراف التمرد وعدم توافر الثقة، إلى جانب تعقيدات إقليمية لا تزال تؤثر في المشهد السياسي.

رؤية يطرح معها مراقبون حزمة أسئلة تتركز حول إلى أي مدى تخدم سياسات حكومة آبي أحمد عملية السلام؟ وهل يمثل فرض القانون الحكومي أمراً كافياً لمعالجات الأزمات؟ ثم ما هي أولويات المرحلة المقبلة نحو السلام المنشود إثيوبياً؟

وصعدت مشكلة السلام إلى سقف أزمات إثيوبيا بعد مصادقة برلمان البلاد في جلسته الاستثنائية الجمعة الماضي على تمديد حال الطوارئ في إقليم أمهرة، وهو القرار الجديد الذي جاء في حيثيات التمرد الذي تقوده ميليشيات "فانو" المتهمة بالعمل على تقويض النظام الفيدرالي.

وتمثل ميليشيات "فانو" المتمردة خروجاً على النظام بعد رفضها القرار الذي أصدرته الحكومة الإثيوبية في أبريل (نيسان) 2023، وأمرت بموجبه بتفكيك قوات الأقاليم وتسليم أسلحتها ودمجها في صفوف القوات الوطنية، بعدما سُمح سابقاً بتكوينها لحماية مناطقها ومساعدة الحكومة ضد خطر "جبهة تحرير تيغراي" إبان تمردها على الحكومة.

لكن بعد "اتفاق بريتوريا للسلام" في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022 بين "جبهة تحرير تيغراي" والحكومة الإثيوبية وانزواء الخطر، أصدرت الأخيرة قرارها بحل كل الميليشيات القومية.

تمديد الطوارئ

اندلعت مواجهات مسلحة بين الميليشيات والقوات الحكومية في إقليم أمهرة وتمكنت "فانو" من السيطرة على مناطق عدة فيه، وشكلت تهديداً حقيقياً لحكومة الإقليم، مما اضطرها إلى الاستنجاد بالحكومة الفيدرالية المركزية في أديس أبابا لتصدر قرارها بفرض قانون الطوارئ بالإقليم في أغسطس (آب) 2023 لمدة ستة أشهر. وترتب على القرار فرض حظر التجوال وتقييد حركة المركبات وحظر حمل السلاح والتجمعات العامة.

 

 

ثم جاءت موافقة مجلس النواب الإثيوبي (وهو أعلى سلطة دستورية) على المقترح الجديد بتمديد حال الطوارئ لمدة أربعة أشهر أخرى بغالبية الأصوات مقابل صوتين، وامتناع ثلاثة أعضاء عن التصويت.

وقال وزير العدل الإثيوبي غيديون تيموتيوس أمام أعضاء البرلمان إن حال الطوارئ أنقذت إقليم أمهرة من الفوضى، مشيراً إلى تحسن ملحوظ في السلام والاستقرار هناك، وأكد استعادة الاستقرار في أمهرة بفضل التعاون مع سكانه، مشدداً على ضرورة تمديد حال الطوارئ لتعزيز السلام بمستوى لا يمكن التراجع عنه.

تحديات أمام السلام

ولا يزال السلام في إقليم تيغراي يمثل تحدياً في تنفيذ بنود الاتفاق الذي وقعته الحكومة الفيدرالية إلى جانب "جبهة تحرير تيغراي"، ويلقى مساره صعوبات لا تزال قائمة ضمن اتهامات متبادلة وتداخلات مصالح شتى.

وكان أحد الأحزاب السياسية المعارضة في إقليم تيغراي أصدر بياناً انتقد فيه مسار "اتفاق بريتوريا" الموقع قبل عامين بين الحكومة الإثيوبية و"جبهة تحرير تيغراي"، ودعا حزب "أسيمبا الديمقراطي" إلى إلغاء الاتفاق معتبراً أنه لم يحقق للإقليم وشعبه أياً من البنود المتفق عليها.

وقال الحزب في بيان له إن "القوات الأجنبية (الإريترية والأمهرية) لم تغادر إقليم تيغراي، ولم تتم إعادة المهجرين إلى مناطقهم".

وكان بيان لمكتب الاتصال الحكومي جدد الخميس الماضي "التزام الحكومة الفيدرالية التنفيذ الكامل لاتفاق بريتوريا للسلام بهدف تحقيق الاستقرار والتنمية والأمان للمواطنين في إقليم تيغراي والبلاد، داعياً جميع أصحاب المصلحة إلى تقديم دعمهم الكامل لتحقيق هذه الأهداف".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقال البيان إن "الحكومة الفيدرالية نظرت باهتمام في بيان الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي الذي يطالب باحترام اتفاق بريتوريا"، مشدداً "على إيمان الحكومة الفيدرالية الراسخ بأن التنفيذ الكامل للاتفاق هو الحل الرئيس لمعالجة المشكلة التي حدثت في شمال البلاد بطريقة مستدامة".

وأردف البيان الحكومي أنه "إلى جانب اتفاق بريتوريا للسلام اتخذت جمهورية إثيوبيا الديمقراطية الفيدرالية ولا تزال تتخذ إجراءات عملية لمعالجة هذه القضية"، موضحاً أن الحكومة أظهرت التزامها السلام والحل السياسي والتعاون قبل الاتفاق.

واستشهد بعدم دخول قوات الدفاع الوطني مدينة مقلي (عاصمة إقليم تيغراي) الذي جاء لإعطاء فرصة للسلام، شارحاً أن "الحكومة الفيدرالية هي التي أرسلت وفداً رفيع المستوى بقيادة رئيس مجلس نواب الشعب إلى الإقليم ذاته مباشرة بعد اتفاق بريتوريا للسلام".

وأضاف أن "الحكومة الفيدرالية سمحت بتشكيل الإدارة الموقتة لإقليم تيغراي التي تضم جبهة تحرير تيغراي والقوات المسلحة في الإقليم، معتبراً أن هذا يوضح مدى التزامها السلام من أجل شعبه".

وعدد البيان الخطوات الإيجابية الجادة التي اتخذتها الحكومة الفيدرالية ممثلة بالدعم المادي، إلى جانب إعادة الخدمات الأساسية في الإقليم من خلال توفير الموازنة للحكومة الإقليمية.

تنديد بالمواقف الأممية والأوروبية

على الصعيد الدولي سبق وأصدر حزب "أسيمبا الديمقراطي" بياناً في ديسمبر (كانون الأول) الماضي ندد فيه ببيان للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي لمناسبة الذكرى الـ23 لاتفاق الجزائر.

ووصف بيان الحزب اتفاق الجزائر الموقع بين الحكومة الإثيوبية والسلطات الإريترية عام 2000 بأنها "باطلة"، مضيفاً أن "إريتريا نفسها انتهكت الاتفاق خلال غزو تيغراي في 2021 وارتكبت إبادة جماعية".

وكانت الخارجية الأميركية من جهتها أصدرت بياناً لمناسبة الذكرى الـ23 لاتفاق الجزائر الذي أنهى الحرب بين إثيوبيا وإريتريا التي استمرت ما بين عام (1998-2000)، قالت فيه إن الولايات المتحدة تكرر دعمها لاتفاق الجزائر وتشجع البلدين على العمل معاً بروح السلام الذي صاغته نحو منطقة أكثر استقراراً وازدهاراً.

وأشار الحزب في انتقاده لاتفاق الجزائر إلى أن "مجتمع أيروب في شمال شرقي إثيوبيا أبدى معارضته له، كما دعا ’أسيمبا الديمقراطي‘ إلى الانسحاب الفوري للقوات الإريترية من أراضي تيغراي وفقاً لاتفاق بريتوريا الموقع في 2022".

كيف تصل إثيوبيا إلى السلام؟

يقول مدير موقع الراصد الإثيوبي الكاتب الصحافي أنور إبراهيم إن "السلام في إثيوبيا بات ضرورياً للغاية بعد أن دخلت البلاد في حروب عدة لم تخدم الصالح القومي والاستقرار بوجه عام".

ويضيف أنه "أعقبت تلك الحروب قناعة السلام التي جرت بموجبها التحركات نحو تمكين الحوار السلمي الذي لا يزال الجميع يأملون ويتوقعون أن يكون له دور كبير خلال المرحلة المقبلة".

ويعرب عن اعتقاده بأن "عملية فرض القانون سواء في أمهرة أو غيرها، باتت أمراً مهماً في المرحلة المقبلة، بخاصة وسط تحركات بعض الجماعات المسلحة التي تزايدت واختلفت وتباعدت بعدما كانت شريكة مع الحكومة، فهي الآن باتت تحاربها من أجل مطالب عدة".

ويرى إبراهيم أيضاً أن "على حكومة آبي أحمد أعباء كبيرة مستقبلاً لتحقيق السلام، منها تنازلات لا بد من أن تقدمها للجلوس مع القوى السياسية كافة، فضلاً عن تغيير استراتيجيتها في التعامل مع كل المطالب".

 

 

أما الكاتب والباحث في الشؤون الأفريقية عباس محمد صالح، فيعتبر أنه "للوصول إلى سلام مستدام في إثيوبيا وبالنظر إلى القضايا التي تعانيها كغيرها من دول أفريقية، فإن طبيعة الأزمة في إقليم أمهرة أولاً تتطلب معالجات سياسية على المدى الطويل".

ويقول "ولكن على المدى القصير لا خيار أمام الحكومة الفيدرالية سوى الاستمرار في حال الطوارئ كي تتمكن من اتخاذ تدابير أمنية صارمة لاستعادة السلم والأمن والإبقاء على سيطرتها في الإقليم، بخاصة في ظل اتباع ميليشيات ’فانو‘ تكتيكات ’حروب الغوريلا‘، بينما تتبنى القوات الحكومية تكتيكات لمكافحة التمرد تقوم على السيطرة على المراكز الحضرية واستخدام الطائرات المسيّرة لشل القدرات القتالية ومراكز القيادة والسيطرة التابعة للمتمردين".

ويشير صالح إلى واقع السلام المنشود "لكونه يتطلب معالجات جذرية للصراع وفق عملية تفاوضية من خلال وساطة طرف ثالث، على غرار اتفاق بريتوريا في شأن إقليم تيغراي أو عملية التفاوض التي جرت مع فصيل ’أوناق شاني‘ في تنزانيا أخيراً".

ويضيف أنه "على المستوى العام يظل بناء السلام عملية معقدة وصعبة في شمال إثيوبيا، تحديداً في إقليم أمهرة نظراً إلى طبيعة الصراع الحالي بين ميليشيات أمهرة التي بدأت تميل نحو أجندة راديكالية أكثر، والدعم الشعبي الواسع نسبياً لها".

وعن أولويات المرحلة المقبلة يقول صالح إن "ما ستتبعه الحكومة من خطوات جادة نحو تحقيق السلام يظل التمسك به والسير عليه أمراً مهماً على رغم ما يعترض طريق السلام من عقبات وتحديات"، لافتاً الانتباه إلى أن "موثوقية أي توجه جاد من الحكومة نحو السلام تتطلب تفاوضاً شفافاً مع كل الأطراف المعنية في البلاد، إلى جانب إعطاء الأولوية للمصالح الوطنية من أجل تحقيق الاستقرار والازدهار للجميع".   

المزيد من تقارير