Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حرب عجوزين وهويات في شيخوخة أميركا

تعاني الولايات المتحدة "التطرف العنيف" والإرهاب العنصري ونظريات المؤامرة وتفوق العرق الأبيض وانتشار السلاح

منذ رئاسة باراك أوباما والسؤال هو: هل فقدت الولايات المتحدة أسنانها؟ (أ ف ب)

ليس أمراً قليل الدلالات أن المعركة الرئاسية في أميركا الجامعات ومراكز الأبحاث والدراسات والاقتصاد الأول في العالم والقوة العسكرية والتكنولوجية الأولى تدور بين عجوزين، واحد على مشارف الخرف وآخر مهووس بالحماقة وسليط اللسان وفارغ من الثقافة والتجارب.

وليس تبادل الاتهامات المضحكة والإصرار على معركة ثانية عام 2024 بعد معركة 2020، وتسليم الحزب "الجمهوري" بترشح دونالد ترمب والحزب "الديمقراطي" بترشح جو بايدن، سوى إشارة إلى شيخوخة أميركا نفسها.

صحيح أن الجدل يدور حول الاقتصاد وروسيا والصين والـ "ناتو" وأوروبا وحرب أوكرانيا وحرب غزة وحرب البحر الأحمر وسخونة مضيق تايوان، لكن الصحيح أيضاً أن التركيز هو على موضوعين، الهجرة والإجهاض، فإغلاق أميركا في وجه طوفان المهاجرين من أميركا الجنوبية هو سلاح ترمب والحزب "الجمهوري" ضد بايدن والحزب "الديمقراطي" المتهمين بالرخاوة مع المهاجرين غير الشرعيين، والسماح بالإجهاض هو سلاح بايدن والحزب "الديمقراطي" ضد ترمب والحزب "الجمهوري" المصرّين على رفض السماح بالإجهاض.

الحاكمة السابقة لكارولاينا الجنوبية والمندوبة الدائمة السابقة لأميركا في الأمم المتحدة أيام رئاسة ترمب، نيكي هيلي، هي المرشحة الوحيدة الباقية على المسرح بين الذين حاولوا منافسة ترمب، وما تراهن عليه هو احتمال الحكم بالسجن على ترمب الذي تجري محاكمته بـ 91 تهمة بينها تهم جنائية، بحيث تبقى وحدها في الميدان.

لكن الالتفاف حول ترمب من جانب الناخبين "الجمهوريين" يزداد كلما كبرت التهم الموجهة إليه، من دون أن يعبأوا بأنه كاذب بالفطرة ومحتال جرى الحكم عليه أخيراً في نيويورك بغرامة تصل إلى نحو 400 مليون دولار، لأنه زور سجلات شركاته ورأسمالها للحصول على قروض كبيرة.

ترمب يسخر من اسم نيكي هيلي الأصلي، إذ هي من أحفاد الهنود الحمر سكان أميركا الأصليين، ويسأل أين زوجها الذي هرب منها، أما الزوج مايكل هيلي الموفد إلى الخارج في مهمة رسمية لخدمة البلاد، فإنه يرد على ترمب بنشر صورة ذئب مكتوب تحتها "الفارق بين البشر والحيوانات أن الحيوانات لن تسمح أبداً للأغبى بينها بقيادة القطيع".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وهذه كلها ظواهر على السطح، أما في العمق فإن أميركا تعاني مما يسمى "التطرف العنيف" إلى جانب الإرهاب والعنف العنصري ونظريات المؤامرة وتفوق العرق الأبيض وانتشار السلاح المسموح به بحسب الدستور، واستخدامه المتكرر في قتل الأبرياء في الشوارع والكنائس والمهرجانات من دون جرأة سياسية على التصدي لـ "لوبي السلاح" القوي والداعم بالتبرعات لكل المرشحين.

والأمر الأعمق هو الخطر على الهوية، فالهوية الأميركية تكرست بانتصار الرئيس أبراهام لينكولن في الحرب الأهلية منتصف القرن الـ19 وتوحيد ولايات الجنوب مع الشمال وتحرير العبيد، كما بالانتصار في الحرب العالمية الأولى أيام الرئيس وودرو ويلسون، والحرب العالمية الثانية أيام الرئيس فرانكلين روزفلت، وهي اليوم مهددة بانقسام عميق وتعاظم التطرف ونزعة الهويات الخاصة والشعبوية التي يركب موجتها ترمب.

وليس من باب الخيال تخوف العقلاء من حرب أهلية، حرب أهلية باردة إذا فاز ترمب بالرئاسة ثانية، وحرب أهلية ساخنة إذا خسر الانتخابات، فما حدث في هجوم الغوغاء على الكونغرس بتحريض من الرئيس السابق الرافض للخسارة والمصر على منع مجلسي الشيوخ والنواب من إعلان فوز بايدن سوى نموذج صغير لما يمكن أن يحدث في الخسارة الثانية المحتملة له.

وليس بين التوقعات أن يحرض "الديمقراطيون" على نوع آخر من الاحتجاج إذا خسر بايدن وفاز ترمب، غير أن أميركا التي قام بناؤها على نظرية "وعاء الصهر" بين الهويات والجنسيات والأعراق تنزلق هذه الأيام نحو حروب الهوية والرموز والأساطير والثقافات، وهذه من علامات شيخوخة البلد.

ومنذ رئاسة باراك أوباما والسؤال هو: هل فقدت الولايات المتحدة أسنانها؟ سؤال داخل أميركا وفي أوروبا والشرق الأقصى والشرق الأوسط، وكل ما فعلته واشنطن بقيادة بايدن في دعم أوكرانيا ضد الغزو الروسي لم يقنع كثيرين بالتخلي عن السؤال، لكن البروفسور ستيفن والت يقدم تفسيراً آخر عبر مقالة في "فورين بوليسي" ويقول إن "مشكلة أميركا ليست الضعف، فهي قوية، بل تصميم خصومها على ما يهمهم في جوارهم أكثر مما يهمها في ذلك الجوار البعيد منها".

المزيد من تحلیل