Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

وثائق بريطانية: "حماس" ليس لديها مشروع سياسي وراهنت على فشل "منظمة التحرير"

الحركة رأت أن اتفاق "غزة- أريحا" تم لأسباب خاصة لدى عرفات وكان "مجرد وهم".. وهذا أبرز ما جاء في لقاء قيادي حمساوي بدبلوماسي بريطاني في لندن

تزامن انطلاق حركة حماس مع اندلاع الانتفاضة الأولى في ديسمبر 1987 (اندبندنت عربية)

منذ ظهورها إلى العلن في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، بقي التعاطي الفكري، لحركة "حماس" التي انبثقت عن جماعة الإخوان المسلمين بفلسطين، وتزامن انطلاقها مع اندلاع الانتفاضة الأولى في ديسمبر (كانون الأول) 1987، تجاه القضية الفلسطينية والفصائل والحركات الأخرى، محل جدل وبحث لكثيرين حول العالم.

كيف رأت "حماس" مشاريع التسوية للقضية الفلسطينية لا سيما اتفاق أوسلو، في تسعينيات القرن الماضي، بين إسرائيل ومنظمة التحرير، الذي سعى في الأساس لـ"إنهاء عقود من المواجهة والنزاع، والاعتراف بحقوقهما المشروعة والسياسية المتبادلة"، وكيف كانت تنظر للفصائل الأخرى، تجيب بعض من الوثائق البريطانية التي رفع عنها السرية، أخيراً، من خلال استعراض تقرير دبلوماسي بريطاني لأبرز النقاط التي وردت في حديث أحد موظفي دائرة الشرق الأوسط بوزارة الخارجية الإنجليزية مع القيادي في حركة "حماس" محمد نزال. حيث أجريت المحادثة في مطعم أثناء زيارة نزال إلى لندن نهاية ديسمبر (كانون الأول) 1993. كان محمد نزال حينها ممثلاً عن حركة "حماس" في عمان.

بشكل عام ينقل التقرير عن الدبلوماسي البريطاني قوله: "تمكنت هذا الصباح من إجراء نقاش مع محمد نزال الذي يقوم بزيارة قصيرة إلى بريطانيا"، واصفاً القيادي الحمساوي بأنه "شخصية بارزة في الحركة وعضو في مكتبها السياسي. وهو ودود ويتحدث الإنجليزية بشكل جيد". مضيفاً أن نزال أصله من قلقيلية (شمال غرب الضفة الغربية) ودرس في باكستان"، ويتابع الدبلوماسي البريطاني: "يحاول نزال إجراء حوار مع الحكومة البريطانية، من أجل عرض وجهات نظر حماس، كما أنه حريص للغاية على دحض أي حديث يقول إن حماس منظمة إرهابية (نحن لسنا مثل أبو نضال)". ويستنتج من خلال حديثه مع ممثل حركة "حماس"، بأن "الحركة ليس لديها كثير لتقدمه في ما يتعلق بالسياسات التي تتجاوز الكفاح المسلح، ولا يبدو لديها رؤية حول كيفية تعاملها مع الحياة بعد التحرير، أو حتى الحياة بعد الانتخابات إذا قررت المشاركة".

 

اتفاق غزة - أريحا "ناقص"

من بين البنود التي استعراضها الحديث بين الدبلوماسي البريطاني، والقيادي الحمساوي، كان النقاش حول اتفاقات أوسلو، لا سيما اتفاق "غزة- أريحا" "الاتفاق التنفيذي لأوسلو الذي وقعه الفلسطينيون والإسرائيليون في الرابع من مايو (أيار) 1994 وتضمن الخطوة الأولى لانسحاب إسرائيل من غزة وأريحا وتشكيل السلطة الفلسطينية وأجهزتها"، إذ ينقل الدبلوماسي البريطاني، عن نزال قوله، إن "الأخير قال إن حماس تعارض الاتفاق لأنه لا يتناول المتطلبات الأساسية للفلسطينيين، وهي السيادة والاستقلال، وعودة اللاجئين الفلسطينيين، ومسألة القدس"، مضيفاً: "لقد اعتقدوا أن الاتفاق كان في الواقع العرض الأخير للإسرائيليين وأن عرفات لن يحقق حتى الانسحاب الكامل لجميع القوات الإسرائيلية من غزة وأريحا. وأن عرفات وافق على الاتفاق لأسبابه الخاصة: أراد أن يتولى قيادة الشعب الفلسطيني على الأراضي الفلسطينية قبل وفاته. وكان كل ذلك مجرد وهم".

وفي 13 سبتمبر (أيلول) 1993، وقّع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين في حديقة البيت الأبيض بواشنطن اتفاق تشكيل "سلطة حكم ذاتي فلسطيني انتقالي" عرف بـ"اتفاق أوسلو"، وعد أول اتفاق رسمي بين الطرفين ونص على "إنهاء عقود من المواجهة والنزاع، والاعتراف بحقوقهما المشروعة والسياسية المتبادلة". وضم عدّة بنود تتعلق بهيكلية السلطة الفلسطينية وتكوينها، وإقامة سلطة حكم ذاتي انتقالية فلسطينية، وغيرها من البنود.

وبناء على أوسلو، أطلق على الاتفاق التنفيذي له اسم اتفاق غزة أريحا الذي وقعه الفلسطينيون والإسرائيليون في الرابع من مايو 1994 وتضمن الخطوة الأولى لانسحاب إسرائيل من غزة وأريحا وتشكيل السلطة الفلسطينية وأجهزتها، وأتبع باتفاقين تنفيذيين: الأول اتفاق اقتصادي، يوليو (تموز) 1994، ينظم العمالة الفلسطينية والعلاقات المالية والاقتصادية بين الطرفين، والثاني اتفاق تمهيدي، أغسطس (آب) 1994، لنقل الصلاحيات المدنية في الضفة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتنقل الوثيقة الدبلوماسية البريطانية رؤيتها لسياسة "حماس"، عن نزال، إذ "أكد القيادي الحمساوي أن الحركة ستواصل الانتفاضة وستنفذ هجمات ضد أهداف إسرائيلية ومستوطنين. وشدد أيضاً على أن منطقة عمليات حماس تقع في الأراضي المحتلة وليس خارجها". ورداً على سؤال قال إن "حماس" لن تهاجم أهدافاً فلسطينية (مثل قوات الشرطة) لأن مثل هذه الأعمال ستؤدي بالتأكيد إلى إشعال حرب أهلية. وأعرب عن اعتقاده بأن اتفاق "غزة – أريحا" سوف ينهار على أي حال؛ ولم تكن "حماس" بحاجة إلى اتخاذ أي إجراء جذري لإفشاله. ولم يعترف نزال بأن الكفاح المسلح وحده لا يمكن أن يجبر إسرائيل على الانسحاب، ورفض فكرة المفاوضات في أي مرحلة".

وتتابع الوثيقة البريطانية: "سألت عن التقارير التي تفيد بأن حماس تدرس المشاركة في انتخابات السلطة الوطنية: أكد السيد نزال أن الحركة تناقش المشاركة ولكن لم يتم اتخاذ قرارات نهائية. هو شخصياً لم يعتقد أنها ستحدث. إذا جرت الانتخابات وشاركت حماس، فهو يعتقد أن الحركة ستحقق نتائج جيدة، لكنه لن يتساءل عما قد تفعله بعد ذلك".

وحول العلاقات بين "حماس" ومنظمة التحرير الفلسطينية قال: "لم يكن هناك أي حوار مع منظمة التحرير الفلسطينية منذ اتفاق غزة - أريحا. اعتقدت حماس أن منظمة التحرير الفلسطينية لن تستمر في الوجود بشكلها الحالي لفترة أطول، وبالتالي لم تجد أي فائدة في متابعة الحوار".

 

"حماس" والتنظيمات الفلسطينية في سوريا وإيران

ويأتي الحديث في فقرة أخرى من التقرير حول علاقة حركة "حماس" بالتنظيمات الفلسطينية الموجودة في سوريا في تلك الفترة، التي كانت تعارض اتفاق غزة – أريحا ومعظمها مرتبطة بإيران. ويؤكد عضو المكتب السياسي في حركة "حماس" بأن علاقة "حماس" بإيران هي علاقة خاصة.

وجاء في الوثيقة: "سألته عن علاقة حماس برفاقها المعارضين في دمشق. وصف نزال العلاقة بأنها علاقة (سياسية) بين الوطنيين الذين رفضوا الاتفاق. وقال إنه تجري حالياً سلسلة من الاجتماعات في مكان ما بين الفصائل لإضفاء الطابع الرسمي على انضمامهم لحركة المقاومة الفلسطينية، لكن لم يتم اتخاذ أي قرار. وسيكون نشاطها سياسياً بالنسبة لحماس ولم تكن هناك نية لإنشاء منظمة تحرير فلسطينية بديل".

وتمضي بالقول إن "الفصائل ليس لديها كثير من القواسم المشتركة باستثناء رفضها لاتفاق غزة - أريحا، لكنها زعمت أن تجمع اليساريين والقوميين والإسلاميين أصبح الآن أكثر تمثيلاً للرأي الفلسطيني من منظمة التحرير الفلسطينية، التي تتكون الآن من فتح وحزب الشعب الفلسطيني.  كما صنف أحمد جبريل على أنه قومي. وفي الأراضي المحتلة، كانت حماس متحالفة مع الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين؛ وقد أتى ذلك بثماره، على سبيل المثال، في بير زيت. لكن حماس كانت الشريك الأقوى: فمن بين الفصائل التي حظيت حماس بأكبر قدر من الدعم، جاءت فتح في المرتبة الثانية والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في المرتبة الثالثة، ولكن بفارق كبير عن المرتبتين الأوليين".

وحول أصدقاء "حماس"، توضح الوثيقة عن الدبلوماسي البريطاني: "سألت من هم أصدقاء حماس في العالم العربي. ورد السيد نزال بأن حماس لها وجود في عدد من الدول حيث يوجد ممثل لها للتحدث إلى الصحافة ولأغراض الدعاية". وأدرج الأردن وسوريا ولبنان والسودان واليمن و"بعض دول الخليج ضمن هذه الفئة". وقال إن إيران كانت مختلفة قليلاً لأن الإيرانيين عرضوا على حماس مكتباً رسمياً وكانت أول دولة ترحب بحماس. وبهذا المعنى، تتمتع حماس بعلاقة خاصة مع إيران".

 

وتشير وثيقة بريطانية أخرى إلى فشل مساعي المؤتمر العربي الإسلامي الشعبي الذي ترأسه حسن الترابي في السودان من أجل الحوار بين منظمة التحرير الفلسطينية فتح وحركة "حماس"، وذلك بسبب غياب ممثلي حركة "حماس" عن الاجتماع الذي كان مقرراً عقده في 26 أبريل (نيسان) 1993.

وتوضح الوثيقة الصادرة من السفارة البريطانية في الخرطوم بتاريخ التاسع من مايو (أيار) 1993، "نقلت وسائل إعلام محلية تصريح أبوعلي شاهين، المتحدث باسم المجلس الثوري لفتح، يفيد بأن الحوار بين فتح وحماس الذي بدأ في يناير (كانون الثاني) 1993 برعاية المؤتمر العربي الإسلامي الشعبي الذي يترأسه الترابي وكان من المقرر أن يستأنف في 26 أبريل (نيسان) قد تم تأجيله بسبب عدم وصول وفد حماس إلى الخرطوم. وذلك على الرغم من اتفاق الجانبين على الحضور. وتقول مصادر أخرى إن حماس انسحبت احتجاجاً على عودة فتح للانخراط  ‏في عملية السلام في الشرق الأوسط‏. وعبر شاهين عن بعض الكلمات الدعمة لحكومة السودان على نحو يمكن التنبؤ به". ومضى يقول إن "فتح تعمل بشكل أحادي على إجبار إسرائيل على الانسحاب من الأراضي المحتلة من خلال تصعيد الانتفاضة. لكنه زعم أن ذلك يتوافق مع استئناف المفاوضات مع إسرائيل"، ويتابع: "ليس لدينا حتى الآن أي معلومات خاصة عن هذه الحكاية. ويبدو أن المجتمع الدبلوماسي العربي هنا، الذي عادة ما يكون على اطلاع جيد بمثل هذه الأمور، غافل عن هذا الأمر".

 

زيارة وفد من "حماس" إلى طهران

وتتحدث البرقية المرسلة من قبل السفارة البريطانية في طهران في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) 1993 إلى مرجعيتها في لندن عن زيارة وفد من حركة "حماس" إلى إيران.  حيث زار موسى أبومرزوق، رئيس المكتب السياسي لـ"حماس"، العاصمة الإيرانية، طهران في الفترة من 28 نوفمبر (تشرين الثاني) إلى الثاني من ديسمبر (كانون الأول). وكان برفقة أبومرزوق المتحدث الإعلامي باسم حركة "حماس" إبراهيم غوشة. وقد تم استقبال الوفد على مستويات عالية، وعقد اجتماعات مع رئيس الجمهورية أكبر هاشمي رفسنجاني، ووزير الخارجية على أكبر ولايتي، ورئيس المجلس ناطق نوري. وجاء في هذه الوثيقة ما نصه:

"أشاد جميع محاوريهم الإيرانيين بهجمات حماس المستمرة في الأراضي المحتلة. ووفقاً لتقارير صحافية محلية، عرض رفسنجاني دعم إيران الكامل، وهنأ مرزوق على جهوده لتحقيق الوحدة بين الفصائل الفلسطينية. كما أبلغ ولايتي مرزوق في لقاء منفصل أن إيران وقد تعرضت لضغوط لتغيير موقفها من عملية السلام في الشرق الأوسط، لكن موقفها غير قابل للتغيير. وأن مثل هذه الحلول المشينة لن تؤتي ثمارها. وأن الشعب الفلسطيني سوف يستعيد حقوقه من خلال مواصلة النضال والالتزام الحاسم بموقفها. ولن يدخر المجلس الإيراني أي جهد في دعم القضية الفلسطينية الإسلامية".

في مقابلة مع وكالة أنباء إيرنا في الثاني من ديسمبر (كانون الأول)، أكد مرزوق "التزام حماس بمواصلة نضالها. وأنه لن تتوقف الانتفاضة أبداً، وكان الاتفاق بين غزة وأريحا محكوماً عليه بالفشل. وفي تصريح غامض إلى حد ما، ورد أن (مرزوق) قال إن حماس ستتخذ خطوات خارج الأراضي المحتلة لإظهار قدرات الفلسطينيين المضطهدين".

 

طهران زودت ممثل "حماس" بسيارة "مهترئة"

وتنتقل البرقية إلى تقرير السفير الألماني خلال اجتماع رؤساء بعثات المفوضية الأوروبية في طهران الذي انعقد بعد بضعة أيام من زيارة وفد "حماس" إلى طهران، حيث قال "إن نائب وزير الخارجية الإيراني، محمود واعظي، أبلغه أن الزيارة لم تكن مبادرة إيرانية. لقد زارت حماس عدداً من البلدان الأخرى، ولم يكن ذهابها إلى طهران يعني ميلاً من جانبها نحو إيران. لقد جاءوا ببساطة للحوار، ولم يكن بوسع إيران، ولن تستطيع، أن تعطيهم الأوامر. وعندما سُئل عن التغطية الإعلامية المكثفة، قال واعظي إنه من المستحيل في طهران مرور مثل هذه الزيارات بهدوء".

وتشير البرقية إلى أن زيارة وفد من "حماس" إلى طهران كانت مفاجئة للدبلوماسيين العرب هناك، لكنها جاءت مكملة لزيارات سبقتها لوفدي من حركة الجهاد الإسلامي و"حزب الله" اللبناني. كما سخرت البرقية من ازدواجية المعايير في الدعم الإيراني والتي تؤكد أولوية "حزب الله" على حركة "حماس" لدى طهران. وتنقل "أفهم من الزملاء العرب هنا أن زيارة حماس جاءت بمثابة مفاجأة لهم. وهي تكمل سلسلة من الزيارات التي قامت بها المجموعات المعارضة لاتفاق منظمة التحرير الفلسطينية/إسرائيل، الجهاد الإسلامي في أكتوبر (تشرين الأول)، والأمين العام لـ"حزب الله" في نوفمبر (تشرين الثاني)، والآن "حماس". ولكن ليس من الواضح من هنا إلى أي مدى يمكن مطابقة الخطاب (الذي يمكن التنبؤ به) بتدابير الدعم العملية. نحن ندرك أن ممثل حماس هنا مُنح فقط سيارة رينو مهترئة كسيارة رسمية من قبل الحكومة الإيرانية، في حين أن حزب الله لديه ثماني مركبات أكبر حجماً إلى حد ما، ربما تكون انعكاساً دقيقاً للأولويات الإيرانية".

المزيد من وثائق