Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أنا مليونير ويسعدني دفع المزيد من الضرائب

في الوقت الذي استضاف منتدى "دافوس" أغنى أثرياء العالم، وقع 250 شخصاً من أصحاب الملايين والمليارات على رسالة يطالبون فيها بفرض ضريبة الثروة على الأغنياء. التقينا بعضاً منهم لمعرفة الدوافع وراء تفضيلهم دفع ضرائب على العمل الخيري التقليدي

على عكس شخصيته في مسلسل "ساكسيشن"، يؤيد الممثل براين كوكس معالجة وضع حال عدم المساواة في الثروة في العالم (أتش بي أو)

طرح نيك ماربل التساؤل الآتي: "مَن يمكن أن يعترض على مبدأ فرض مزيدٍ من الضرائب على ثروات أصحاب الملايين؟". والجواب هو أنه بالتأكيد ليس هذا المستثمر المليونير.

فالأب لولدين الذي يبلغ من العمر 54 سنة ويقيم في لندن، ينتمي إلى دائرة حصرية من الأفراد الذين تتجاوز أصولهم 10 ملايين جنيه استرليني (12.7 مليون دولار أميركي)، ما يشكل تناقضاً كبيراً مع بداياته المتواضعة، عندما كان والده يعتبر أن والدته مترفة لأن أسرتها تمتلك مرحاضاً داخل المنزل. اليوم يجلس في مكتبه في مقر إقامته في إيزلينغتون، تحيط به تذكارات كثيرة بما في ذلك قميص موقع من فريق كرة القدم المفضل لديه وهو "أستون فيلا". ماربل الذي جمع ثروته في البداية من خلال مكاتب المراهنات، شرح لي أسباب انضمامه إلى المجموعة المسماة "مليونيرات وطنيون في المملكة المتحدة" UK Patriotic Millionaires، وهي تضم أفراداً من ذوي الثروات الكبيرة الذين يدعون إلى زيادة مساهماتهم الضريبية.

تجدر الإشارة هنا إلى أن هؤلاء ليسوا وحدهم الذين يتبنون مثل هذا الموقف. فمجموعة الحملات الدولية التي تأسست في الولايات المتحدة عام 2010، وتضم في عضويتها أبيغيل ديزني ابنة شقيقة والت ديزني، من بين شخصياتٍ بارزة أخرى، تكشف عن استطلاع للرأي شمل 2300 مليونير وملياردير في دول "مجموعة الـ 20" G20، يشير إلى أن 74 في المئة منهم يؤيدون زيادة الضرائب على الأثرياء.

وليس من قبيل المصادفة أن يتزامن ذلك مع الفترة التي يسافر فيه أفرادٌ من شريحة الـ 1 في المئة الأكثر دخلاً في العالم (وحتى من فئة الـ 0.5 في المئة الأكثر ثراءً) إلى دافوس، على متن مروحياتهم وطائراتهم النفاثة الخاصة، منذ عام 1971، يستضيف منتجع التزلج المرموق هذا والواقع خارج مدينة زيورخ "نادي الأغنياء" العالمي - وهو التجمع السنوي الذي يشارك أفراده المعروفون باسم "سادة الكون"، في المناقشات والتواصل خلال "المنتدى الاقتصادي العالمي" World Economic Forum.

سيجري تبادل المصافحات بالأيدي في هذا المنتدى، وستوضع جداول الأعمال ما بين المصرفيين وقادة الأعمال والسياسيين. ومع ذلك، فإن نيك ماربل يرفض المشاركة. ويوضح أسبابه بالقول: "لقد دُعيت، لكنني رفضت الحضور. إن هذا ليس الإطار الذي أريد أن أكون فيه". وبالتأمل في سؤاله السابق، يرى أنه "إذا كان الأشخاص الأثرياء مستعدون لدفع مزيدٍ من الضرائب، وكان الإجماع العام إيجابياً إزاء دفع الأثرياء المزيد من مالهم، يبدو أن السياسيين هم العقبة أمام مثل هذا الاقتراح".

واستناداً إلى حسابات نادي "مليونيرات وطنيون"، فإنه إذا ما تمت زيادة ضريبة الثروة على الأفراد في المملكة المتحدة الذين تتجاوز أصولهم 10 ملايين جنيه استرليني (12.7 مليون دولار) بمعدل يتفاوت ما بين 1 و2 في المئة (مقارنةً بمعدل ضريبة الدخل الأعلى الراهن البالغ 45 في المئة على الدخل الذي يزيد على 125 ألف جنيه)، فيمكن أن يضخ ذلك نحو 22 مليار جنيه (28 مليار دولار) سنوياً في موازنات خدماتنا العامة المثقلة بالأعباء. ووسط الشعور السائد بأن الأنظمة الراهنة متعثرة - استناداً إلى تقارير تشير إلى وصول المدارس والمستشفيات في بريطانيا إلى نقطة الانهيار ـ يبرز السؤال الملح: لماذا يبدو أن كلا الحزبين السياسيين حريصان إلى هذا الحد على التقليل من أهمية مزايا الضرائب؟ وفي حين أن مثل هذه التدابير قد تكون فعالةً بالنسبة إلى أصحاب الدخل المتوسط، فإن عدداً كبيراً من الأثرياء يشعرون بأن من الظلم ألا يساهموا بشكلٍ أكبر في الضرائب، خصوصاً عندما يكون أولئك الذين هم في أمس الحاجة إليها، الأكثر معاناة.

 

في الوقت الراهن قدم رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك تعهداً قبيل الانتخابات بإجراء تخفيضاتٍ ضريبية يمولها من خلال خفض مدفوعات الرعاية الاجتماعية للفئات الأكثر فقراً. وفي ما يتعلق بزعيم حزب "العمال" المعارض كير ستارمر، يلاحظ العضو في مجموعة "مليونيرات وطنيون" أن ستارمر "ذكر في مقابلة أجريت معه أخيراً أن ذوي ’المناكب العريضة‘ يتحملون نصيبهم العادل من العبء. ومع ذلك، عندما سُئل عما إذا كان يدافع عن فرض ضريبة الثروة، نفى ذلك. ويبدو الأمر كما لو أن إحدى مجموعات التركيز طلبت منه تجنب استخدام مصطلح ’ضريبة الثروة‘، أو ربما كان حذراً من إثارة الذعر في أوساط ’مركز المال والأعمال‘ في لندن City of London".

منظمة "مليونيرات وطنيون" أكدت في تقريرها بعنوان "فخورون بدفع المزيد" Proud to Pay More الذي أرفقته بنتائج الاستطلاع، أن ثلاثة أرباع الأفراد من ذوي الثروات الهائلة الذين شملهم الاستطلاع، يؤيدون فرض ضريبة ثروة بنسبة 2 في المئة على أصحاب المليارات، بما ينسجم والاقتراح الذي طرحه "مرصد الضرائب في الاتحاد الأوروبي"  EU Tax Observatory في أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي. ومن الجدير بالذكر أن 54 في المئة من المشاركين أعربوا عن اعتقادهم بأن "الثروات الفائقة"، بما فيها ثرواتهم، تسهم في اتساع الفجوة بين الأثرياء والفقراء، ما يشكل بالتالي تهديداً للديمقراطية.

وكان عددٌ من أصحاب الملايين والمليارات من 17 دولة - بمَن فيهم الممثلون برايان كوكس وسايمون بيغ، وكبار رجال الأعمال فاليري روكفلر، ومارلين إنغلهورن، وغاي سينغ واتسون - قد وقعوا على الرسالة في محاولةٍ منهم لتنبيه زعماء العالم.

 

برايان كوكس الممثل الحائز على جائزتي "إيمي" و"غولدن غلوب"، والذي لعب دور ملياردير يدعى لوغان روي في مسلسل "ساكسيشن" Succession الذي تبثه شبكة "أتش بي أو" HBO قال: "إننا نعيش في عصر مذهّب آخر (نسبةً إلى حقبة امتازت بنمو اقتصادي كبير في أواخر القرن التاسع عشر في الولايات المتحدة، لكن أيضاً بتفاوت شديد في الثروة والفساد السياسي). فأصحاب المليارات يستخدمون ثرواتهم الهائلة لمراكمة السلطة والنفوذ السياسيين، الأمر الذي من شأنه أن يقوض في الوقت نفسه أسس الديمقراطية والاقتصاد في العالم. وإذا ما رفض المسؤولون المنتخبون معالجة هذا التركيز للمال والسلطة، فإن العواقب ستكون بلا شك وخيمة".

ويشير نيك ماربل إلى الشعور السائد في الوقت الراهن والمتمثل في أنه "لا فخر في دفع الضرائب". ويتوافق هذا الشعور مع اعتقاد المجموعة بأن الضرائب، من وجهة نظر أفرادها، تعمل كوسيلة لإعادة الاستثمار في بلادهم، وهو شعور يصفونه بأنه وطني.

جيما ماكغو وهي عضو آخر في المجموعة وصلت متأخرة بضع دقائق عن الموعد المحدد للقائي بها، وقد أعربت عن اعتذارها الصادق. وتقول السيدة البالغة من العمر 42 سنة إنها كانت تساعد أحد أبنائها الثلاثة في باكينغهامشير على شراء سيارة مستعملة، في مؤشر على نهجها العملي حيال الثروة. وتضيف: "لم تكن لدي أي حماسةٍ للعمل من أجل جني الكثير من المال. لقد فاجأني الأمر على حين غرة".

عندما يتوقف الأغنياء عن الاعتماد على الخدمات العامة، فإنهم لا يعودون يهتمون برفاهية المجتمع ككل، ما يؤدي بالتالي إلى انهياره. إنه عقد اجتماعي يربطنا جميعاً ببعضنا البعض

جيما ماكغو

 

المرأة كانت وزوجها مؤسسين مشاركين لشركة "بروداكتس كومبلاينس سبيشاليستس" Product Compliance Specialists (وهي مؤسسة استشارات في قطاع الاتصالات الهاتفية الصوتية والبيانات) وعملا في مجال اعتماد المنتجات اللاسلكية والإلكترونية وتنظيمها. وقد باعاها قبل نحو 6 أعوام وحققوا أرباحاً بالملايين.

وتعترف قائلة: "لم أكن أتوقع تراكم الثروة التي أمتلكها اليوم، والتي تجعلني بالتأكيد أعاني من شعور بالذنب تجاه الأمر". وقد كان هذا الصراع الداخلي هو القوة الدافعة وراء قرارها الدعوة إلى دفع الأثرياء المزيد من الضرائب. كما أن التأثير غير المتكافئ لجائحة كورونا كان بمثابة دافع آخر لحملتها. وتتابع: "لم نكن جميعاً في هذا الأمر على قدم المساواة. ففيما واجه الأفراد الأكثر فقراً مصاعب جمة، فإن أشخاصاً مثلي لم يعيشوا هذا الوضع".

 

وإدراكاً من ماكغو لامتيازها هذا، فهي تفرق بوضوح بين الأفراد الذين هم مثلها في فئة الدخل البالغة 10 ملايين جنيه استرليني وما فوق، والأشخاص الذين يجنون أموالاً أعلى بكثير من متوسط الأجر السنوي في المملكة المتحدة البالغ 35 ألف جنيه استرليني (44 ألفاً و450 دولاراً). وتوصف المجموعة الأخيرة بأنها ميسورة الحال، لكن ليس لديها فائض في المال يتجاوز حاجاتها.

وترى أن "المنظور مختلف حقاً. وأنا أفهم لماذا يريد الناس في الطبقة المتوسطة تخفيض الضرائب المفروضة عليهم. فعندما يصبح المرء ثرياً، يدرك أن المال لديه القدرة على توليد المزيد من المال من تلقاء نفسه".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتؤكد أن أي خفضٍ في المساهمات الضريبية من أفرادٍ مثلها، لن يكون من شأنه سوى مفاقمة الوضع "الرهيب" فعلاً للخدمات العامة. وتقول: "لدينا مشكلة منهجية في المدارس ومرافق ’الخدمات الصحية الوطنية‘ NHS. ومن وجهة نظري، ينبغي عدم النظر في تخفيضاتٍ ضريبية إلا عندما تعمل الخدمات العامة بكفاءة، وهو ما لا يحدث في الوقت الراهن".

إنها في وضع مالي يسمح لها بتحمل تكاليف المدارس الخاصة والرعاية الطبية الخاصة. لكنها نشأت فقيرة - فوالدتها عاملة نظافة ووالدها كان يعمل في مجال الطلاء والديكور، وأسرتها عاشت في منزل لا نظام تدفئة مركزية فيه، ولم تمتلك العائلة سيارة إلا عندما أصبحت جيما في العاشرة من عمرها. لكنها اليوم تعتقد أن نظام الدفع أولاً بأول هو معيب بشكل أساسي [أي أن يتم فيه الدفع مقابل الخدمات بشكل فردي في وقت استخدامها، بدلاً من تمويلها من خلال وسائل جماعية مثل الضرائب ثم إتاحتها مجاناً للجميع]، قائلة: "عندما يتوقف الأغنياء عن الاعتماد على الخدمات العامة ويبدؤون، كما يفعل الأثرياء في كاليفورنيا، بالاعتماد على الخدمات الخاصة، كالشرطة والإطفاء، فإنهم بذلك يقومون بتجاهل رفاهية المجتمع ككل، ما قد يؤدي إلى انهياره. إنه عقدٌ اجتماعي يربطنا جميعاً معاً. نحن لسنا في حالة سيئة مثل الولايات المتحدة، لكننا قد نواجه تحدياتٍ مماثلة إذا ما استمر هذا الاتجاه نحو خصخصة الخدمات الأساسية، بلا وازع".

لكن ماذا عن الحجة القائلة بأن فرض ضرائب مرتفعة على الثروة من شأنه أن يثبط روح المبادرة وريادة الأعمال ويعيق السعي وراء الثروة الضرورية لاقتصادنا كي يستعيد نموه؟ يجيب نيك ماربل مبدياً بعض الشكوك حيال هذا الأمر بالقول إنه "إذا ما تحدثنا إلى رواد أعمال شباب كما أفعل وقلنا لهم ’إذا كانت فكرتك وعملك الشاق يؤتيان ثمارهما، فقد تُضطر إلى دفع الكثير من الضرائب‘، فإن ذلك لن يثبط عزيمتهم".

 

الاستطلاع الذي تم إرساله إلى المشاركين في منتدى دافوس، ينطوي على إحصاءاتٍ مذهلة أخرى تشير إلى أن 70 في المئة من أصحاب الملايين يقولون إنهم يعتقدون أن أفضل ما يمكن أن يحقق نمواً اقتصادياً أقوى هو زيادة الضرائب. ويمكن لجوليا ديفيز أن تكون على علمٍ بالسبب وراء ذلك.

فالمحامية التي كسبت المال عندما شاركت هي وشريكها السابق في تأسيس شركة حقائب الظهر وسلع السفر "أوسبري أوروبا" Osprey Europe في عام 2003، تعتبر أنه "قد يكون هناك الكثير من أصحاب الملايين والمليارات الذين يرفضون فرض ضرائب أعلى عليهم. ومع ذلك، من الناحية العقلانية، فإن ذلك يتعارض مع مصالحهم الاقتصادية، لأنه إذا لم تكن لدى الحكومات الأموال اللازمة للاستثمار في البنية التحتية، فإن اقتصادنا لن يحقق أي نمو".

من المؤكد أن ديفيز التي تتخذ من منطقة دورسيت مقراً لها، لا تريد أن تظهر وكأنها تشعر بالذنب أو السوء إزاء ثروتها، وتقول: "أنا أستمتع بأموالي، ويمكنني تدفئة منزلي، والسفر إلى مناطق مشمسة خلال الشتاء من دون تردد. لكن ثروتي أتاحت لي أيضاً فرصة القيام بشيء حيال القضايا التي تهمني".

السبيل التقليدي لتحقيق مثل هذه التطلعات بين الأفراد ذوي الثروات الطائلة، كان العمل الخيري، وغالباً ما يتمثل في إنشاء صندوق خيري أو مؤسسة خيرية. هذا ما تفعله ديفيز لتشجيع استعادة الحياة البرية ومكافحة إزالة الغابات. ففي عام 2021، خصصت 4 ملايين جنيه استرليني (5 ملايين و80 ألف دولار) لتمكين "صندوق دورسيت لدعم الحياة البرية"  Dorset Wildlife Trust من شراء 170 هكتاراً من الأراضي الزراعية المجاورة من  قرية "بيري ريجيس" وإعادتها إلى الطبيعة.

لكنها تصر على القول إن "هناك أموراً تحتاج للمعالجة على المستوى الوطني والدولي". ولفتت إلى أنها تستند في مقاربتها إلى الدروس التي علمها إياها والداها "العاديان" أثناء نشأتها في سبعينيات القرن الماضي. وتستذكر قولهما لها "تجنبي المباهاة والأنانية" قائلةً: "لقد فقد العالم تلك المبادئ ويتعين علينا العمل على استعادتها".

وسط الحديث كله عن "الاقتصاد المتدرج إلى أسفل" Trickle-Down Economics (نظرية اقتصادية تقول بأن الإعفاءات الضريبية والمزايا المقدمة للشركات والأثرياء ستنقل منافعها إلى عموم الناس)، فإن الاتجاه الراهن للسفر هو محبط: ففيما استخدم 3 ملايين شخص في المملكة المتحدة (كثير منهم في سوق العمل) بنك الطعام خلال السنة المالية 2022 - 2023، شكلت الرحلات الجوية الخاصة ما نسبته رحلة واحدة من كل 10 رحلات مغادرة من مطارات المملكة المتحدة.

وتقول جوليا ديفيز: "إن امتلاك الثروة ونقلها إلى أطفالي لن يساعدهم عندما تبدأ الفجوة بين الأغنياء والفقراء في التسبب بانهيار بنية المجتمع". وتضيف: "نعم، قد يمكنهم عزل أنفسهم خلف الأبواب وفي المخابئ، لكن هذه ليست حرية".

من الواضح أخيراً أنها تعتقد أن المجتمعين في دافوس هم بحاجةٍ لفهم هذا الواقع أيضاً. وعما إذا كانت ستبلغ شخصياً المشاركين في المنتدى عن النتائج التي توصلت إليها المجموعة؟ تهز برأسها قائلةً: "أعتقد أنني قد أشعر باكتئاب شديد هناك".

© The Independent

المزيد من تحقيقات ومطولات