Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بورتريه - روبوت لرئيس مثالي تقريبا!

هو من يدرك بأنه ليس الشخص السوبرمان الذي بإمكانه اختصار العالم المعقد في شخصه

ناخب يدلي بصوته في مركز يوفيل الترفيهي، جوهانسبرج 27 مايو 2024 (أ ف ب)

ملخص

الرئيس المحترم والمرجو سياسياً، هو ذلك الذي يدرك نقائصه ويعرف حدوده الفكرية والمهنية، فهو ليس إلهياً وليس إلهاً، هو الذي لا يتكلم نيابة عن الطبيب أو المهندس أو القابلة أو الفلاح أو الصحافي أو الأستاذ أو الطيار أو البستاني أو الفنان

إننا لا نعيش تحت راية جمهورية أفلاطون! إننا لسنا بأثينا القديمة، لا شيء أصبح مثالياً، كل شيء نسبي. حتى الرسول محمد (ص) عارضوه واعترضوا عليه، المسيح صلبوه وموسى هجروه.

المثالي فكرة مثالية!

في لعبة السياسة لا يوجد شخص يكون عليه الإجماع 100 في المئة أو الرفض 100 في المئة.

أمام الانتخابات الرئاسية التي تحدث هنا وهناك تحت سماء البلدان العربة والمغاربية، أتساءل هذا السؤال الذي يقع ما بين السياسي والثقافي والأخلاقي: كيف يمكن رسم بورتريه - روبوت Portrait-robot متكامل أو تقريباً لرئيس متكامل أو قريب من ذلك؟

في كل الحالات، ومهما يكن هذا الرئيس، فإن صورته المشكلة في المخيال العام تظل مرتبطة بشكل لا واع بسلسلة القيم المهيمنة في المجتمع الذي يفترض انتماء هذا الرئيس إليه، إنها صورة أو بورتريه نتاج مجموعة من الخصائص المتصلة بتحديدات المورفولوجيا والسياسة والثقافة والسيكولوجيا واللغات.

إن مفهوم البورتريه - روبوت لرئيس ما يتغير من منظور النخب إلى منظور العامة، فالنخب تتوقعه بخصائص معينة والعامة لها حس استقبال آخر، كل طرف له أفق انتظار معين.

على المستوى الأخلاقي، يفترض في البورتريه - روبوت للرئيس الكامل أو المتكامل خاصية الإنسان الذي لا يكذب، إلا أن الكذب هو الحديقة الخلفية للسياسي والسياسة.

والبورتريه - روبوت للرئيس المثالي هو ذلك الذي يكون خطابه متماهياً مع الواقع، مرآته الصادقة بحجم الواقع يكون طول الخطاب، ومفرداته ليست غريبة عن الحقيقة الاجتماعية اليومية الملموسة للمواطن البسيط، إن المواطن المعاصر ينفر من الرئيس الثرثار، وإن زمن الخطابات الطويلة التي تدوم ساعات ولى.

والبورتريه - روبوت الخاص برئيس متكامل، هو ذلك الذي يعترف بنقائصه وبمحدودية إحاطته بكل شيء، أي وضعه في طابعه البشري، وهو الذي لا يتعدى حدود صلاحياته، الذي يحسن الاستماع إلى الآخر، فالاستماع فن وفضيلة وقوة، هو القادر على التمييز ما بين الأنانية والكاريزما، وبين الذكاء والحيلة.

الرئيس المرغوب فيه شعبياً هو ذلك الشخص الذي يمتلك القدرة السيكولوجية والسياسية على تسمية الذي سبقه في الحكم وفي الوقت نفسه إيمانه بأن آخر سيحل بعده في سدة الحكم، أن يفهم جيداً اليوم الذي قبل واليوم الذي بعد. لا أحد خالد، في السياسة كل شخص له بديل، التداول على السلطة هي روح التاريخ.  

الرئيس المطلوب هو ذلك المدافع الشرس عن حق الاختلاف، عن فلسفة الاختلاف كواقع معيوش، الذي يؤمن بأنه هو نفسه نتاج وجزء من هذا الاختلاف والتنوع، هو القائد الذي لا يتسامح مع اللاتسامح أو العنصرية أو اللاعدالة أو قتل النساء Féminicide، هو حامي حرية التعبير ولو كانت ضده، هو ضامن حرية الرأي وإن لم يكن هذا الرأي في صفه.  

الرئيس المنتظر هو حارس حرية العقائد، كممارسة واقعية اجتماعية وروحية وثقافية، كل ذلك يكون بقوة القانون، فهو حامي المسجد الإسلامي ومؤمنيه، الكنيسة المسيحية وأتباعها، الكنيس اليهودي وعباده، هو الذي يمارس عقيدته الشخصية، ومن حقه ذلك، ولكنه حين في لحظة إدارة شؤون الدولة وأمور الحكامة عليه أن يكون فوق الجميع، فوق المؤمن وغير المؤمن، فالتدين وغير التدين هي من الأمور الخاصة والحميمة، وهو الذي يرفض، بل يحارب، كل تجارة سياسية في الدين أو استعمال مؤسسات الدين لذلك، وبقدر ما يمنع على الآخرين هذا السلوك عليه أيضاً أن يمنعه على نفسه أيضاً، كل هذا يكون باسم القانون المدني.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

والرئيس المحترم والمرجو سياسياً هو ذلك الذي يدرك نقائصه ويعرف حدوده الفكرية والمهنية، فهو ليس إلهياً وليس إلهاً، هو الذي لا يتكلم نيابة عن الطبيب أو المهندس أو القابلة أو الفلاح أو الصحافي أو الأستاذ أو الطيار أو البستاني أو الفنان، هو من يدرك بأنه ليس المتعدد وليس الشخص السوبرمان الذي بإمكانه اختصار العالم المعقد في شخصه، حين يتكلم الرئيس نيابة عن الآخرين، يأخذ مكانهم، يصادر صوتهم، هذا يعني بأن الرئيس مصاب بمتلازمة الشعبوية والشمولية.

والرئيس المحلوم المرغوب هو ذلك المدافع وبشراسة ومن دون هوادة عن المدرسة الجمهورية، هو الذي يسهر على أن تظل المدرسة فضاء للتعليم، لتحصيل العلوم الزمنية كي ترفع من قدرات ذكاء الأجيال القادمة وانخراطها في صناعة العالم إيجاباً. وهو الذي يعمل بل يدافع، بوصفه القاضي الأول في البلد، عن حيادية واستقلالية العدالة وتحريرها من كل الضغوط السياسية والمالية التي تتحكم فيها وتسيرها عن طريق الهاتف الثابت أو المتنقل!

والرئيس المطلوب هو ذلك المواطن النموذجي الذي يعشق القراءة الثقافية الإبداعية ويحب الكتاب والموسيقى والمسرح والسينما والفن التشكيلي، لأن هذه الآداب والفنون، من خصائصها الأساسية ومن طبيعة تعريفها، الرفع من منسوب المناعة الثقافية الفكرية والشعورية، إن الآداب الجميلة تمثل عقاراً فعالاً ضد أمراض الفساد بكل أنواعه المالي والأخلاقي والديني والسياسي.

والرئيس المفضل هو ذلك الذي يعمل على ترقية ثقافة المواطنة التشاركية، ويتابعها ملموسة في الواقع لا في الخطب، الذي يحترم ويحمي المواطن المؤمن الذي يصلي والمواطن الذي يتناول كأس نبيذ أو شاي على حد سواء، كل ذلك باسم القانون المدني للدولة وسلطة قيمها الجمهورية.

والرئيس المتكامل هو المؤمن بحرية المرأة باعتبارها معركة وطنية اقتصادية وسياسية وأخلاقية، والمدافع من دون هوادة ضد ثقافة العنف والتحرش والقتل بتسميات كثيرة التي تعيشها المرأة في يومياتها المريرة، وهو المناضل من أجل مبدأ المساواة بين النساء والرجال في الحقوق والواجبات تجاه الدولة المدنية.

والرئيس الوطني أيضاً، الوطنية لا تعني الشوفينية بل تعني الاستثناء والخصوصية، هو ذلك الذي يسهر على تعليم اللغات الوطنية على قدم المساواة، ليست هناك لغات أقلية ولغات غالبية، ويعمل على تشجيع استعمالها من الأجيال الجديدة، وفي الوقت نفسه يدعم تعليم اللغات الأجنبية باعتبارها نوافذ ثقافية وعلمية يطل منها المواطن على العالم حتى لا يصاب بالاغتراب والانعزال وفوبيا الآخر.

والرئيس الموصى به هو ذلك القائد القادر، وبكل شجاعة سياسية واقتصادية، على تحرير المواطن من نير ثقافة "الإعانة" و"الغوث" التي أنشأت أجيالاً كسولة واتكالية، إن دولة تقوم على النظام الاجتماعي لا تعني أنها دولة الإعانات والإغاثة الاقتصادية، وفي ذلك فهو يمنح العمل قيمته التحريرية والاقتصادية بعيداً من كل خطاب شعبوي عقيم وإحصاءات كاذبة ومفبركة، وهو الذي يعمل بالفلسفة الصينية التي تقول: "إذا منحت الرجل سمكة فأنت أمنته ضد الجوع ليوم واحد وإذا علمته الصيد فإنك أمنته ضد الجوع لحياة كاملة".

الرئيس المدعوم شعبياً ونخبوياً هو ذلك الذي يستطيع أن يغير نظامنا البنكي، من نظام إداري بيروقراطي إلى آخر قائم على المنافسة الإنتاجية، إن بنوكنا تشبه الخزائن التي تتراكم فيها الأموال، وهو الذي عليه أن ينقذ قيمة العملة الوطنية، أن يشرف الدينار باعتباره رمزاً من رموز الدولة الوطنية المستقلة من دون السقوط في اللعبة الأيديولوجية ونسيان المنافسة الاقتصادية التي نتشارك فيها وبقية دول العالم. 

والرئيس التمثيلي الحق هو الذي يحمل صورة البلد عالية في المحافل الدولية، بعيداً من الخطب الرنانة والكليشيهات البائدة التي تعود لسنوات الخمسينيات حتى السبعينيات من القرن الماضي، دفاعاً عن السيادة الوطنية وعن المصالح الكبرى والصغرى للبلد، وفي الوقت نفسه التوسيع من دائرة رأسمال الحلفاء والأصدقاء من بلدان العالم.

في الأخير، إن الرئيس المثالي هو مواطن مثالي قبل كل شيء!

اقرأ المزيد

المزيد من آراء