Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ليلى سليماني: بعد سلبه تاريخنا حان وقت أن يتأثر الغرب بشخصيات من ثقافتنا

لقاء مع الروائية الفائزة بجائزة "غونكور" الأدبية المرموقة عن روايتها "التهويدة" التي تؤكد أنها ليست مستعدة لمقايضة حريتها في كتابة الرواية بأي شيء آخر في العالم     

ملخص

في مقابلة حصرية، تتحدث إحدى أشهر المؤلفات في فرنسا والمغرب عن وجهة نظرها في ما يتعلق بالهوية في مناخ اجتماعي أو ثقافي زاخر بالتناقضات بصورة متزايدة

في رصيد الصحافية والكاتبة المغربية الفرنسية ليلى سليماني 11 رواية وعدد من الجوائز، منها جائزة "غونكور"  Goncourt الأدبية المرموقة عام 2016 عن رواية "التهويدة"  Lullaby - وهي قصة مؤثرة عن مربية أودت بحياة أطفال كانوا تحت رعايتها بصورة مأسوية. وقد ساعدت هذه الجائزة سليماني على اكتساب شهرة عالمية، إذ تم تحويل "التهويدة" وعدد من أعمالها اللاحقة إلى أعمال سينمائية ومسرحية.

شاركت سليماني بصفتها عضواً في لجنة تحكيم "مهرجان مراكش السينمائي الـ19"، أفكارها مع "اندبندنت فارسية". وفي هذه المقابلة الحصرية، تتحدث إحدى أشهر المؤلفات في فرنسا والمغرب عن وجهة نظرها في ما يتعلق بالهوية في مناخ اجتماعي أو ثقافي زاخر بالتناقضات بصورة متزايدة.

سألتها: فزتِ بجائزة "غونكور" لعام 2016 عن روايتك الثانية "التهويدة"، وكثيراً ما شعرتُ بالفضول حول السبب الذي دفعك إلى كتابة مثل هذه القصة. وكيف أثر الفوز بالجائزة في مسيرتك المهنية؟ "لقد غيرت حقاً كل شيء"، ترد سليماني، "بالتأكيد كل شيء! إن جائزة "غونكور" تترك أثراً جذرياً في حياة الكاتب، ولم أدرك ذلك تماماً إلى أن فزت بها. إنها في الواقع إحدى أكثر الجوائز الأدبية تأثيراً على مستوى العالم، لأنه وبعد نيلها تُجرى على الفور ترجمة لكتابك إلى لغات عدة، وتوجه الدعوات إليكِ للمشاركة في فعاليات مختلفة حول العالم. ولحسن الحظ أنني حافظت على إلهامي واندفاعي للكتابة، مما أسهم في نشر ثلاث أو أربع روايات لي منذ ذلك الحين. لذلك، من دون شك، كان لها تأثيرٌ عميق في حياتي".

 

لاقت "التهويدة" نجاحاً كبيراً إلى درجة أنها عُدلت لإنتاج فيلم يعرض على الشاشة الكبيرة، فقدمت الممثلة كارين فيار أداءً متميزاً في دور الشخصية الرئيسة. وهنا نسأل ليلى سليماني إن كانت رؤية شخصياتها الحميمة وهي تنبض بالحياة في الفيلم، بمثابة إلهام لها لاستكشاف كتابة سيناريوهات لأعمال أخرى؟... "لا على الإطلاق. عدد من كتبي سيجري تحويلها إلى أعمال تلفزيونية وسينمائية قريباً، مثل سلسلة "موطن الآخرين" The Country of Others، و"التهويدة" كمسلسل من بطولة نيكول كيدمان، ورواية "أديل" Adele التي سيجرى العمل عليها في البرازيل، لذا فإن هذه المشاريع موجودة بالفعل وأجدها رائعة. لكن شغفي الحقيقي يكمن في كتابة الروايات. أنا أعتبرها أداةً رائعة تتيح لي أن أكون في آن واحد مصممة ديكور ومديرة تصوير فوتوغرافي ومخرجة وممثلة وفنانة ماكياج، في وقت أستمتع بحرية القيام بما يحلو لي من خلال كتابة الرواية: فأنا أبتكر مشاهد تحوي 500 إضافة أو شخصية خلفية، إذا ما رغبت في ذلك، من دون قيود. ولست مستعدة لمقايضة هذه الحرية لقاء أي شيء في العالم. إن محور عملي وحياتي وشغفي يكمن في كتابة الرواية".

ناقشت سليماني في برنامج تلفزيوني فرنسي رواية "موطن الآخرين". حينها تعمقت في موضوع الاستعمار وشددت على مفهوم "سلب التاريخ" والنظر إلى الشعوب على أنها كيانات جماعية مجردة من أي تاريخ. وعند سؤالها عن النقطة التي أرادت إيصالها في البرنامج ومن خلال كتابها، أجابت: "بلغت الـ20 من عمري بعد شهر واحد فقط من أحداث الـ11 من سبتمبر (أيلول) عام 2001. ومنذ ذلك الحين، شعرتُ كما لو أنه يُنظر إلي على أني شيء لا إنسانة، وأنني قد تحولتُ إلى صورة نمطية مختزلة ومحددة مسبقاً بناءً على هويتي كمسلمة في عيون العالم الغربي الذي بدا كما لو أنه ينظر إلي من خلال عدسة ضيقة من المفاهيم المسبقة، وكما لو أنه يعرفني وعلى دراية بتاريخي وأفكاري".

 

عندما تكون كاتباً ومثقفاً ينحدر من الجنوب العالمي، أردفت سليماني، غالباً ما تتضمن تربيتنا الانغماس في قراءة الأدب الآتي من فرنسا والولايات المتحدة أو حتى روسيا، وكثيراً ما يقال لنا إن هذه القصص تمتلك صفة العالمية. ومع ذلك، لم ينقل لي أحد قط أن روايتي الخاصة يمكن أن تكون عالمية أو أن تاريخ بلدي قد يتردد صداه لدى أشخاص من أماكن مثل بريطانيا أو ألمانيا. طوال حياتي، وجدتُ أجزاءً من نفسي في شخصيات مثل كاثرين وآنا وإيما من الأدب الغربي. الآن، أعتقد بأن الوقت قد حان لتلك الأسماء أن تجد انعكاساً لها أيضاً في شخصيات من ثقافتي مثل عائشة أو محمد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأضافت: "هذا ما أعنيه عندما أقول إن تاريخنا، سُلب منا بطريقة ما – سواء من قبل الأنظمة الاستبدادية التي تأسست بعد الاستعمار، أو من خلال منظور الغرب المتعجرف إلى حد ما تجاهنا والذي صنفنا في هويات ضيقة بناءً على ماضينا الاستعماري ومعتقداتنا الدينية. يمتلك الأدب قدرة فريدة على إضفاء الطابع الإنساني على التجارب وتجسيدها عبر الانقسامات الثقافية. في الـ12 من عمري، وعندما كنت أقرأ لدوستويفسكي أو تولستوي في الرباط - وهي أعمال كتبت قبل قرن من ولادتي وفي بلاد لم أزرها من قبل - كنت أشعر كما لو أن قصصهما لها صلة وثيقة بي بطريقة أو بأخرى. أنا الآن أكتب بهذه الإرادة والطموح من صميم قلبي".

من خلال الاطلاع على تاريخ عائلة الكاتبة المغربية، وجدنا أن جدتها تنحدر من عائلة بورجوازية في منطقة الألزاس الفرنسية، وأنها انتقلت لاحقاً إلى المغرب، وهو انتقال (جنوباً) يمكن القول إنه  أقل شيوعا عموماً من الاتجاه المعاكس، لنسأل بعدها عن أثر هذه الخلفية العائلية لجدة فرنسية مقيمة في المغرب في العامل الجيني الوراثي لعائلتها وطريقة نموها الشخصي وتجاربها.

ترى سليماني أن الأمر قد أثر عليها بالتأكيد... "كانت جدتي شخصية رائعة. كانت تنحدر من الألزاس، والتقت جدي أثناء الحرب، عندما كان أحد عناصر الجيش الاستعماري الذي حرر قريتها. انتقلت إلى المغرب مدفوعةً بشغفٍ كبير وبحماسة لخوض المغامرة. وكان لديها أيضاً فضول حقيقي لفهم البلد الذي اتخذت منه موطناً لها".

لتضيف: "كانت تتقن اللغتين العربية والبربرية، وكانت قادرة على القراءة والكتابة باللغة العربية، واعتنقت تماماً هوية المرأة المغربية. ورفضت في العقد الأخير من حياتها على سبيل المثال، استخدام أدوات المائدة، مفضلةً تناول الطعام بيديها، والمشي حافية القدمين، وعاشت في المناطق الريفية. وعلى رغم أصولها الألزاسية عميقة الجذور، فقد أبدت شغفاً شديداً بالمغرب".

وعن الأثر الأكبر الذي تعلمته من جدتها، تردف سليماني: "لقد تعلمتُ منها درساً مهماً: نحن كائنات معقدة لدينا كثير من التناقضات، ولسنا مضطرين إلى اختيار جانب واحد من هويتنا. فيمكننا أن نكون أوروبيين وأفارقة في الوقت نفسه، وكذلك مسلمين وفرنسيين، ننتمي إلى "جمهورية" أو "ملكية"، وجميع هذه العناصر تشكل معاً فسيفساء هويتنا. الحياة يجب ألا تقوم على الاختيار بين المعسكرات وإيجاد أعداء مهما كلف الأمر. أنا مدينة لجدتي بالكثير لتعليمي هذا المنظور القيّم للحياة".

الجدير بالذكر أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عرض على الكاتبة سليماني تولي منصب وزيرة الثقافة الفرنسية عام 2017، لكنها رفضتِ وفضلتِ الاكتفاء بدور أسمته "ممثلة للغة الفرنسية" بدلاً من ذلك. وعند سؤالها عن السبب وراء هذا الاختيار، أجابت سليماني: "رأيتُ أنه قرار منطقي بناء على طبيعة عملي. ففي تلك المرحلة، كنت قد حصلت للتو على جائزة "غونكور" وكنت أجول بها حول العالم. إضافة إلى ذلك تشكل اللغة، لا سيما الفرنسية، جوهر عملي، تماماً مثلما يمكن للرسام أن يصبح ممثلاً لفن الرسم. اللغة الفرنسية هي أداة عملي الأساسية، مما يعكس ما سبق أن ذكرتُه لكِ حول أهمية احتضان التنوع والاختلاف".

وأضافت: "أعتقد بأن إحدى أعظم نقاط القوة التي يتمتع بها المغرب تكمن في تعدد اللغات. إنه بلد يتمتع فيه الناس بموهبة استثنائية في اللغات، إذ إنهم ينتقلون بسلاسة في محادثة واحدة من البربرية إلى العربية، ثم إلى الفرنسية أو الإنجليزية. وأنا أرى أنه ينبغي الحفاظ على هذا الثراء اللغوي. إن أولئك الذين يتخذون موقفاً محافظاً، ويشيرون إلى أنه من غير المناسب التحدث بالفرنسية أو بالإنجليزية لأن ذلك قد يعني خيانة للثقافة التي ننتمي إليها، ليسوا من الأفراد الذين يدفعون الأجيال المقبلة إلى الأمام. لذا، بالنسبة لي، فإنني أعتبر أيضاً أنني أسجل موقفاً سياسياً من خلال التأكيد على أن التحدث والكتابة باللغة الفرنسية لا يجعلاني إطلاقاً خائنة لبلدي".

المزيد من ثقافة