ملخص
ملكة الدنمارك التي تنازلت عن العرش بنت قاعدة جماهيرية عالمية وكانت نقيضة الحكم البارد والأكثر هدوءاً السائد في بريطانيا
في حين يمكن الاعتماد على الأسرة المالكة البريطانية للحفاظ على بعض المظاهر الملكية، أتركوا الأمر للملوك الأوروبيين الذين يحكمون من خلال سلسلة من التقلبات المشابهة للمسلسلات التلفزيونية الطويلة. بهذا، دخلت ملكة الدنمارك المحبوبة والمدخنة الشرهة مارغريت الثانية من الباب العريض لهذه القصص عام 2024 مع إعلانها بصورة علنية تنازلها عن العرش في سابقة هي الأولى للبلاد خلال 500 عام.
ولا يعني تخليها عن الحكم في غضون أسبوعين نهاية حكم الأسرة المالكة، بل يعني ببساطة رؤية وريثها الذي تصدر عناوين الصحف لوقت طويل ولي العهد الأمير فريدريك يستمر في ما أصبح اليوم تقليداً راسخاً. الأمر أشبه بمزج أحداث من مسلسل "التاج" The Crown بمسلسل "بورغن" Borgen مع عرضها لحظة بلحظة عبر بحر الشمال.
إن الصدمة التي أحدثها تنازل مارغريت التي تُعرف أيضاً باسم "دايزي" عن العرش والذي اعتقد المعلقون الملكيون بأنها لم تكن "أبداً" لتتخلى عنه، تفاقمت بفعل الفراغ الذي سيخلفه تنحيها عن الحكم. يُطلق عليها لقب "الملكة الأكثر غرابة" في العالم، حشدت المرأة البالغة 83 سنة من العمر دعماً هائلاً للعائلة المالكة في الدنمارك وضاعفت المؤيدين للحكم الملكي في البلاد إلى أكثر من 80 في المئة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
منذ توليها مقاليد الحكم قبل 52 عاماً، أصبحت شخصية أيقونية عالمية غالباً ما أفلتت من براثن الصحافة الصفراء على مجلات "هالو!" Hello و"أوكي" OK المكدسة في صالونات التجميل وقاعات الانتظار في عيادات الأطباء.
وبحسب مجلة "فوغ" Vogue، هي شخص "غريب الأطوار في جوهره"، كما أن ذوقها للألوان الجريئة (بما فيها اللون البنفسجي الصارخ الذي ارتدته خلال إعلان تنازلها عن العرش) والذي استعرضته أحياناً من خلال أزياء كانت تصنعها بنفسها أو تختارها خلال زياراتها المنفردة إلى متاجر كوبنهاغن عكس لوقتٍ طويل رغبتها في القيام بأي شيء للتغريد خارج السرب. في الحياة كما في خزانة ملابسها، لم تتجنب التحدث بصراحة ولم تخشَ الإفصاح عن مشاعرها باللغات الخمس التي تتقنها.
لذا، بنت "ملكة الشعب" قاعدة جماهيرية عالمية فكانت نقيضة الحكم البارد والأكثر هدوءاً الذي يُفضل هنا في بريطانيا. وإلى جانب التواصل المباشر مع الحكام من أنحاء العالم كافة وشخصيات من أمثال نيلسون مانديلا وبيل كلينتون، كثيراً ما قامت بمساعيها وأعمالها ونشاطاتها بأقصى طاقتها بدءاً من أعمالها الفنية المعلقة في صالات العرض في أنحاء البلاد إلى اللوحات في النسخة الدنماركية من سلسلة "سيد الخواتم" Lord of the Rings والأزياء التي صممتها لعروض الباليه الملكية، فضلاً عن مشاركتها في عدد من الحفريات لإرضاء شغفها بعلم الآثار. تختلف تماماً عن الأسرة الحاكمة في بريطانيا التي تعتمد بصورة نموذجية على اهتمام بالأحصنة لتكوين الشخصية.
وكانت دايزي مختلفة فهي كثيراً ما أبقت النافذة مفتوحة على حياتها المليئة بالحيوية. خلال العام الماضي، وصفت كيف أن خلافاً بينها وبين ابنها الأصغر يواكيم "آلمها". وقالت إن "المصاعب والخلافات يمكن أن تنشأ في أي عائلة بما فيها عائلتي. لقد شهدت البلاد برمتها على هذا الأمر".
أما السؤال الذي يُطرح حالياً فيتعلق في ما إذا كان فريدريك، 55 سنة، والخارج حديثاً من أخبار لاحقته على صفحات المجلات والمواقع الالكترونية، سيحكم بذلك المزاج نفسه. بالنسبة لي، لا يسعني الانتظار لاكتشاف ذلك.
في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، انتشرت صور للابن البكر لدايزي الذي عُرف سابقاً بفتى الحفلات والملاهي والذي أمضى فترات في هارفارد والأمم المتحدة والبحرية الدنماركية (حيث كان يُطلق عليه لقب "بينغو" بعد أن تمايل في إحدى المرات مرتدياً زي سباحة مليء بالمياه خلال عمليات التدريب الخاصة) برفقة جينوفيفا كازانوفا سيدة المجتمع المكسيكية والزوجة السابقة لدوق إسباني. وقد أدى توقيت ذلك إلى انتشار بعض التكهنات بأن تخلي الملكة الصادم عن العرش لا ينبع بالكامل من رغبتها "في ترك المسؤولية في يد الجيل المقبل" بل هي محاولة لإبقاء زوجة فريدريك، الأميرة ماري التي تتمتع بشعبية كبيرة للغاية، في الصفوف الأمامية للأسرة الحاكمة الدنماركية.
وتمتعت دايزي بالحنكة لوضع مخطط خلافتها قبل أن يفوت الأوان وهي تدرك تماماً بأن اللقاء الذي يحاكي قصص الخيال بين فريدريك وماري المولودة في أستراليا من أبوين اسكتلنديين أسهم بصورة كبيرة في تعزيز جذب الأسرة المالكة وزيادة شعبيتها.
كانت ماري تعمل كمديرة تنفيذية في مجال الإعلانات عندما التقت ولي العهد الدنماركي في حانة في سيدني خلال الألعاب الأولمبية عام 2000 (ولم تكن لديها أدنى فكرة عن هويته آنذاك)، وبعد إنجابهما أربعة أولاد أصبحا نسخة البلاد من أمير وأميرة ويلز من خلال هذا المزج بين فتاة من عامة الشعب وأمير تجري في عروقه دماء ملكية يبشر برؤية لمستقبل النظام الملكي في حين يستبعد الابن الأصغر من الصورة.
وفي ما يبدو اليوم بأنه مؤشر على مخطط أرسي قبل إعلان التخلي عن العرش، جرى تجريد أبناء يواكيم الأربعة من ألقابهم الملكية، تماماً كما حصل مع دوق ودوقة ساسكس عام 2022 حين أعلنت الملكة لوسائل الإعلام المحلية آنذاك أنه "من الأفضل" أن تقوم هي باقتطاع العائلة الممتدة، عوضاً عن فريدريك "لأنه بذلك ستكون الملكة العجوز هي التي اتخذت هذا القرار".
لا شك في أن العالم سيفتقد للملكة الوحيدة (وربما الأكثر حنكة)، ولكن أفراد الأسرة الحاكمة الذين يقومون بأنفسهم بدور حراس التقاليد سيحرصون على استمرار المسلسل الدنماركي الأطول.
© The Independent