ملخص
هل ظلم الموسم الأخير من مسلسل "التاج" كارول ميدلتون والدة أميرة ويلز وأظهرها كامرأة مستغلة ومخادعة، أم أن الدراما يجب أن تتضمن بعض المبالغة؟
ضحية جديدة لمسلسل "التاج" (The Crown) ظهرت في الحلقات الأخيرة من الموسم الوداعي للدراما الملكية الملحمية على "نتفليكس" التي وصلت إلى نهايتها بعد سبعة أعوام تابع خلالها الجماهير ستة مواسم بشغف وتشوق على رغم أن غالبية الأحداث معروفة للجميع وكثيراً منها شاهده العالم على الهواء مباشرة.
والضحية هذه المرة هي كارول ميدلتون والدة أميرة ويلز كايت ميدلتون التي صورها السيناريو الذي أبدعه بيتر مورغان كامرأة متطلعة ومتسلقة تبحث لابنتها عن شهرة وثروة وعائلة ملء السمع والبصر لا عن الحب والسكينة والدفء الأسري، فهندست قصة زواجها من ملك بريطانيا المستقبلي الأمير ويليام عن طريق خطط محكمة، أوقعت بالشاب الذي يشعر باليتم بعد الفقدان المدوي لوالدته الأميرة ديانا.
كان ويليام يبحث عن عائلة تمنحه الود والاحتواء في ظل البرود والانقسام الذي يعانيه ساكنو القصر الملكي الفاره، ليظهر وكأنه كان ضحية لمؤامرة زواج من قبل مضيفة الطيران التي تركت وظيفتها وأسست شركة في أواخر الثمانينيات لإيصال مستلزمات الحفلات إلى المنازل، فيما كان حضور الأب مايكل ميدلتون باهتاً ومنساقاً وراء الأم، فترك مهنته كطيار ليلتحق بشركة كارول الناجحة وقتها.
تعليقات الجماهير البريطانية لم تتوقف منذ بدء عرض النصف الثاني من الموسم الأخير الذي يتكون من خمس حلقات وصلت إلى منصة "نتلفيكس" في الـ14 من ديسمبر (كانون الأول) الجاري، إذ كانت غالبية التعليقات تعرب عن دهشتها من طريقة تصوير شخصية كارول ميدلتون التي جسدتها إيف بيست، ووصفها المغردون عبر موقع "إكس" بأنها "امرأة مفترسة"، وهو الوصف الذي ظهر بالفعل في نظرات الشخصية خلال مشاهد عدة.
ولكن اللقب الجديد الذي منح لكارول وبدا متوافقاً عليه بصورة كبيرة هو أنها بمثابة النسخة البريطانية من كريس جينر، وهي المذيعة الأميركية المعروفة والدة خمس من أشهر نجمات تلفزيون الواقع وعالم الـ"سوشيال ميديا" كيم وكورتني وكلوي كارداشيان وكايلي وكيندال جينر، وجدة لـ12 حفيداً يحاول كل منهم أيضاً شق طريقه نحو الشهرة.
فهل ظلم العمل كارول ميدلتون، أم أن الدراما يجب أن تتضمن بعض المبالغة من أجل مزيد من التشويق، أم أن المشاهدين هم من ظلموا كريس جينر بإصدار الأحكام على تصرفاتها والإساءة إلى شخصيتها واعتبارها نموذجاً مستهجناً؟
كريس جينر البريطانية
عرف عن كريس أنها من تدير صفقات بناتها العاطفية وتحاول حثهن على الترقي المجتمعي من خلال اختيار شركاء يساعدونهن في ذلك، كما أنها عنصر فاعل في برنامجهن العائلي الذي تصنفه الصحافة العالمية بأن له بعداً فضائحياً، فيكشف عن الأسرار الشخصية مقابل الحصول على مشاهدين ومعلنين ومن ثم يحقق ثروات طائلة.
ربما تظلم تلك الأحكام كريس جينر نفسها لأن نجوميتها وشهرتها قد تضخمان من أفعالها بعض الشيء، كما أن ما تفعله في حلقات برنامج أسرتها لا يختلف كثيراً عن أجواء عالم مواقع التواصل الاجتماعي بصورة عامة اليوم والمليء بالمدونات والمؤثرات والمؤثرين الذين يظهرون في بث مباشر على مدى ساعات الليل والنهار، ولكن في النهاية فإن قسوة التشبيه لم تستفز عائلة ميدلتون حتى الآن ولم تحملها على الرد، ومع تكرار ترديده دخل كثير من وسائل الإعلام لمحاولة تفسيره، فيما تواصل كارول ميدلتون طريقتها المفضلة في التعامل مع مثل تلك العواصف وهي التجاهل والاكتفاء بعدم قول أي شيء بناء على تعليق سابق لها قالت فيه "ثبت دائماً أنه من الحكمة عدم قول شيء".
وفي حين أن عدداً لا بأس به من مشاهد مسلسل "التاج" المستند في أكثريته إلى وقائع تاريخية، هو من خيال مؤلفه لدرجة أن وزير الثقافة البريطاني عام 2020 أوليفر دودن طالب "نتفليكس" بضرورة وضع شارة تنبه إلى أنه عمل خيالي، فإنه في ما يتعلق بالأحداث التي استعرضها الموسم الأخير وتخص كيفية تعارف كايت ميدلتون (ميغ بيلامي) وويليام (إد ماكفي)، فإن غالبيتها كانت له أسانيد وشهود، إذ ذكر أكثر من مصدر على دراية بشؤون قصر "باكينغهام" أنه لولا خطط كارول ميدلتون، لما نجحت صفقة زواج الثنائي، وبينهم الإعلامي الأميركي ومؤلف كتاب "الملك" كريستوفر أندرسن الذي قال لموقع "فوكس نيوز" تعليقاً على الجدل الدائر، إن كايت وويليام لم يكونا ليتقابلا لولا مخططات كارول. وأضاف أن "الحقيقة هي أن كارول إليزابيث غولدسميث ميدلتون كانت لديها دائماً طموحات اجتماعية عالية، ليس فقط لكايت ولكن لأولادها الثلاثة".
ومن بين المؤلفين المتخصصين في الشأن الملكي أيضاً صاحبة كتاب "أوراق القصر" تينا براون التي قالت إن "بصمات كارول موجودة في كل خطوات كايت نحو الحياة الملكية، كما أنه كان من غير المرجح أن تصل كايت لما هي عليه اليوم من دون مساعدة والدتها الماهرة في التفاوض".
أم طموحة أم حماة مخادعة؟
وثمّن كثير من التعليقات عبر موقع "إكس" الطموح المشروع في الانتقال بأسرتها من الطبقة المتوسطة إلى الأرستقراطية عن طريق تهيئة المناخ العام ليكونوا جديرين بالفرصة التي لم ينتظروها بل أسهموا في صنعها بـأياديهم، مشيرين إلى أنها أيضاً قامت بدور محوري في قصة زواج ابنتها الصغرى بيبا ميدلتون من رجل الأعمال البارز جيمس ماثيوز.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبالعودة لمشاهد مسلسل "التاج"، ظهرت كايت وهي توبخ والدتها على أنها لم تكن بريئة ولا عفوية معها أبداً في ما يتعلق بتدخلاتها في حياتها العاطفية، إذ إنها شجعتها على ترك حبيبها الأول من أجل الارتباط بويليام، كما أنها جعلتها على نحو غير مفهوم تتراجع عن الالتحاق بجامعة "إدنبره"، بل أن تتأخر عاماً جامعياً كاملاً وتقدم أوراقها إلى جامعة "سانت أندروز"، وهي الواقعة التي أكدها أيضاً الصحافي المهتم بشؤون العائلة الملكية كريستوفر أندرسن. وبحسب المتداول وما عرضه المسلسل أيضاً فقد اتخذت كارول تلك القرارات مطلع الألفية الثالثة لتتقاطع طرق ابنتها مع ويليام الذي كان أعلن حينها عن مخططاته التعليمية، فيما كانت حماته المستقبلية تتابع عن كثب كل شاردة وواردة تصدر عن العريس المنتظر لابنتها.
وأظهرت اللقطات أن الأم هي من شجعت كايت على أن تبدو بإطلالة جريئة للغاية في عرض أزياء جامعي لمحاولة إغوائه، وواقعة الملابس بالطبع مثبتة وموثقة وهناك صور للتدليل عليها، ولكن الدراما الملكية وجدت أن من المنطقي أن تكون لكارول ميدلتون يد في اختيار الطالبة الشابة لهذه الملابس التي بدت بعيدة من طبيعة شخصيتها الهادئة، وهي تفاصيل تتوافق مع الطريقة التي صاغ بها السيناريو طبيعة الدور، وتتلاءم أيضاً مع تصريحات متداولة كثيرة تشير إلى أن كارول هي من حمست كايت على أن يكون سكنها الجامعي بصحبة ويليام.
الحلقات بذلك أظهرت وكأن العائلة بأكملها تطارد الشاب المتخبط حينها، إذ كانت لا تزال أصداء موت والدته حاضرة والتحقيقات على أشدها في شأن وفاتها، والصحف الشعبية تفرد مساحات كبيرة للحديث عن لقاءات والده الأمير تشارلز بكاميلا باركر (أوليفيا ويليامز)، وبدت أسرة كايت وكأنها ترغب في تحقيق أحلامها بالثراء عبر صعود السلم الاجتماعي من خلال الصيد الثمين المتجسد في الأمير ويليام، واشتعلت التعليقات الساخرة التي تعبر عن صدمتها في التشابه بين شخصيتي كارول ميدلتون، بحسب المسلسل، وكريس جينر، بحسب المتداول حولها، وبينها تغريدة على موقع "إكس" من أحد مشاهدي الحلقات قال صاحبها، "الجميع ينسى. قبل كريس جينر كانت هناك كارول ميدلتون، أعطوها الثناء المستحق".
الأميرة الحالمة تهبط إلى الواقع
هذه الأفكار التي سبق أن طرح بعضها في كتب ومذكرات كثيرة عن الأسرة البريطانية الملكية، وجدت فرصة أكبر للانتشار بعد عرض مسلسل "نتفليكس"، وأسهمت بصورة ملحوظة في تكوين الصورة الذهنية المرتبطة بكارول ميدلتون على رغم أنها في نظر بعضهم مثلها مثل كثيرات يحاولن تأمين مستقبل أبنائهن ودعمهم بقوة لاختيار شريك الحياة الملائم، لذا كانت هناك بعض الآراء الغاضبة التي استهجنت طريقة التناول، ووجدت أن هناك شيئاً من تحريف الحقيقة في شأن شخصية والدة كايت ميدلتون، فوقع المشاهد المعروضة كان في معظمه سلبياً.
عبّر مئات المغردين عن صدمتهم، مشيرين إلى أن وجهة نظرهم حول قصة حب كايت وويليام انقلبت كلياً ولم تعُد رومانسية حالمة مثلما كانت قبل عرض تلك الحلقات، فكانوا يرونها حكاية حب نشأت بالمصادفة من دون سيناريو مسبق، وبصدق اشتعلت خلالها شرارة الإعجاب التلقائي بين فتاة من عامة الشعب وأمير إنجليزي وسيم ورث "كاريزما" وملامح والدته المحبوبة، من ثم فهذه العلاقة كانت مصدر إلهام وتبجيل ليأتي العمل الذي يتمتع بشعبية كبيرة ويهوي بها إلى الأرض ويجعلها بالنسبة إلى جانب كبير من المتابعين قصة زواج من تدبير "خاطبة" استعملت خلالها ألاعيب مقيتة.
وكتب أحد المغردين تعليقاً على التشوش الذي أصابه جراء هذا الأمر، "أن تشاهد مسلسل ’The Crown‘ وتكتشف أن كارول ميدلتون هي البريطانية كريس جينر، فهذا يجعل لديك وجهة نظر جديدة تماماً لعلاقة ويل وكايت". وقال آخر، "أحببت الحلقات ولكنني أكره إظهار كايت ميدلون بصورة مفترسة هي ووالدتها". وعلى ما يبدو فإن كايت أيضاً نالها نصيب من النظرة السلبية للعمل الذي لم يظهر لديها أية طموحات لامعة مهنية أو علمية، ولكنها على كل حال كانت لا تزال تتلمس مستقبلها، فهي فتاة شابة جميلة من أسرة جيدة، والموقف الذي وضعها فيه المسلسل جعلها تجري وراء هدف الارتباط من أجل الارتباط وليس البحث عن شريك حياة.
كايت ميدلتون وكيم كارداشيان
اللافت أن سيل الانتقادات الموجهة لكارول ميدلتون تضاعف، فتم التعامل مع ما ورد في شأنها بالمسلسل الشهير على أنه حقيقة واقعة، كما تعاملوا مع فكرة الطموح الاجتماعي على أنه سبة، وبحسب تعليقات معجبي المسلسل البريطانيين، فإنه من غير اللائق أن تتبع والدة زوجة ولي عهد إنجلترا نمطاً أميركياً وليس بريطانياً أصيلاً في ما يتعلق بثقافة الزواج، مفضلة طريقة استغلال العلاقات الشخصية لتحقيق المصالح، وهو أمر يرونه لا يليق بالحياة الملكية المفترض أن تترفع عن تلك الأجواء، وذلك بالظهور كسيدة مجتمع على نحو ما تظهر به كريس جينر، إحدى أشهر الأمهات في عالم تليفزيون الواقع والبالغة من العمر 68 سنة، وهو عمر كارول ميدلتون تماماً، بل انتقلت المقارنات السلبية إلى كايت ميدلتون (41 سنة) نفسها وكيم كارداشيان (43 سنة)، وهي واحدة من أبرز بنات كريس جينر.
وبعدما كانت كايت أميرة القصص الرومانسية والأم المثالية لثلاثة أطفال، اتهمت باستغلال العائلة الملكية لتحقيق مطامعها ونيل الشهرة على طريقة كيم كارداشيان، على رغم أن الأخيرة أصبحت سيدة أعمال ناجحة ولديها أربعة أطفال لا تتركهم يعيشون بعيداً منها أبداً وتهتم بكل تفاصيل يومهم، لكن القسوة في انتقادها من قبل المعلقين لا تعترف بنجاحها المهني والاجتماعي.
التحول الذي طاول صورة كايت ميدلتون جعل كثيرين يقارنون أيضاً بينها وبين ميغان ماركل، فكانت الانتقادات خلال الأعوام الماضية حكراً على الممثلة الأميركية السابقة زوجة الأمير هاري شقيق ويليام الأصغر والأكثر نزقاً، إذ واجهت على مدى سنوات آلاف التغريدات الناقمة التي تتهمها بأنها السبب في تفريق الأخوين وإبعاد هاري من أسرته المحبة وحثه على ترك مهماته الملكية ليعيش بصحبتها في الولايات المتحدة.
ضحايا مسلسل "التاج"
فهل كان صناع العمل يقصدون بالفعل كل هذه التداعيات التي صاحبت إظهار كارول ميدلتون كامرأة مخادعة تنصب شركاً للأمير الثري، وبدافع المصلحة تتلاعب نفسياً بابنتها حينما تقول لها إنه (ويليام) بحاجة إليها لأنه حزين ويشعر بالضياع بعد فقدان والدته؟
اللافت أن اللوم طاول أيضاً مشهداً آخر وصفت فيه الملكة إليزابيث التي قدمت دورها في الكهولة إميلدا ستونتون، أسرة كايت بأنها تتصرف مثل الخدم وتتناول طعامها على طاولة المطبخ، حيث وجد المعلقون هذا المشهد عنصرياً وغريباً، بخاصة أن الأمير ويليام استمع إلى الكلمات ولم يحرك ساكناً كما لم يراجع جدته في نظرتها إلى أسرة زوجته المستقبلية، فهل هناك مبالغة في ردود الأفعال حيال تلك المصاهرة؟
ومع مرور الأحداث تظهر مشاعر بين الطرفين ويتمسك كل منهما بالآخر بعد انفصالهما القصير، لكن على ما يبدو فإن الدراما أكثر تأثيراً من أية تأويلات أخرى، فحتى اللقاء الملفق بين كايت حينما كانت مراهقة ووالدتها من جهة، وويليام وديانا من جهة أخرى، تعامل بعض المتابعين معه على أنه حدث في الواقع على رغم أنه إضافة درامية بحتة لم يكن لها أي أساس.
ومن أبرز ضحايا الموسم الأخير أيضاً شخصية رجل الأعمال المصري محمد الفايد (سليم ضو) صاحب إمبراطورية المال والأعمال الذي رفضت إنجلترا منحه جنسيتها، كما رفضت العائلة البريطانية منحه صداقتها، فانقلب عليهما خلال الحلقات الأخيرة، وأظهرته الأحداث وكأنه هو من تسبب بحادثة مقتل ديانا (إليزابيث ديبيكي) ونجله عماد الفايد (خالد عبدالله)، بسبب قراراته المفاجئة وأوامره لابنه بأخذ الأميرة من الفندق إلى شقته في باريس في وقت متأخر من الليل.
بدا الفايد كرجل مضطرب مصاب بجنون العظمة وعاشق لنظريات المؤامرة ويعيش في أحلام اليقظة، بل سعى وراء "الباباراتزي" (مصورو المشاهير) ليلاحقوا الثنائي كي يحرج العائلة الملكية ويضمن لابنه مكاناً في هذا المجتمع، على رغم تأكيدات مصادر مقربة من ديانا أنها هي من طلبت تصويرها وهي في رحلة خاصة على اليخت مع عماد الفايد، وأخبرت المصور دانييل بيري بمكان وجودها، بحسب تصريح لبيري قبل نحو 10 أعوام إلى صحيفة "دايلي ميل"، ففضّل صناع "التاج" أن ينسبوا هذا الفعل إلى الفايد الأب كي يبدو شخصية شيطانية ماكرة وبلهاء في الوقت نفسه بحسب الأحداث.
أيضاً لم يسلم الأمير هاري من سهام الانتقاد في العمل، فبدا مراهقاً ساذجاً لا يهتم سوى بنفسه وبإحراج عائلته، وعلى رغم أن كثيراً من تصرفاته المتهورة تحدث عنها هاري نفسه في أكثر من موضع، فإنه بدا في المشاهد وكأنه متآمر ضد النظام الملكي وضد استقرار أسرته على نحو مبالغ فيه، كما أن الأميرة ديانا نفسها كانت من وجهة نظر مسلسل "ذا كراون" امرأة تسعى إلى الشهرة والنزوات والكيد غير آبهة بمكانتها الاجتماعية ولا بقيمة ما تمثله.