ملخص
تحدثت إحدى الأساطير عن غرور وإعجاب خديجة بنفسها كثيراً، مما جعلها تتفنن في استعمال "الكحل" إلى أن فقدت بصرها جراء سم دس في المادة
"خداوج العمياء" فتاة الجزائر الأسطورية التي تختلف الروايات والحكايات بخصوصها بين واقع وخيال، وهي التي عاشت قبل أربعة قرون، ويبقى جمالها الساحر السمة التي منحت قصصها شوقاً يجعل كل مستمع وقارئ ينبش في حياة هذه الأميرة العثمانية، فمن تكون "خداوج العمياء"؟
جمال ودلال
ويبحث كل من يسمع اسمها عن أسباب التسمية ويزداد تعلقاً كلما علم بأن الأمر يتعلق بالجمال، وفي مجملها يلف قصتها الغموض لما فيها من أحداث غريبة وأجزاء مشوقة وحياة فارهة. إنها "خداوج" بنت حسن الخزناجي، وزير مالية "داي" الجزائر محمد بن عثمان بين عام 1766 و1791، وأخت فتاة تسمى "عزيزة" وينادونها باسم فاطمة.
عاشت الأميرة خديجة في قصر فخم أنيق بـ"القصبة" السفلى، تحديداً في حي يدعى "سوق الجمعة"، طفلة مدللة وسط عائلتها من فرط حب والدها لها الذي لم يكن يرفض لها طلباً، وكانت فائقة الجمال بشكل جعل الناس يشبهونها بزهرة "الخديوجة" المعروفة في الجزائر، وأصبح ينادى عليها بـ"خداوج" للدلال والجمال. وبات يثنى على عيونها المكحلة من قبل سكان "القصبة" أو المدينة القديمة، لينتشر خبر جمالها وسط الأمراء والسلاطين والشعراء والطبقة الثرية، وتحولت إلى الزوجة الحلم للجميع، لكن لم يتجرأ أحد على خطبتها خوفاً من الرفض.
5 روايات
وخلال إحدى السفريات البحرية لوالدها حسن الخزناجي، تذكر الروايات أنه أحضر لها مرآة ثمينة مصنوعة من زجاج لامع يشبه الألماس، مع زخرفة وجواهر مرصعة تحيط بجوانبها، وهناك من يشير إلى أنها مزينة بالألماس، ومن شدة ولعها بجمالها باتت المرآة لا تفارقها وهي تتأمل فيها إلى أن أصيبت بالعمى، وفق ما كتب المؤرخون.
لكن رواية ثانية تشير إلى أن "داي" الجزائر أراد أن يقدم إلى زواره والسفراء الذين تجمعوا في قصره، لا سيما من الأوروبيين، شيئاً يستدعي الإبهار، فطلب من نساء قصره تزيين "خداوج" وإخراجها لضيوفه، وهو ما حصل بعد ساعات، إذ صارت خديجة مثل "البدر في ليلة اكتماله"، بحسب ما جاء في الكتب، ومن شدة إعجاب النسوة والحضور بجمالها، أرادت التأكد من مظهرها بنفسها فنظرت في المرآة لتصاب بصدمة من فرط جمالها وتفقد بصرها، وصارت منذ ذلك الزمان تلقب بـ "خداوج العمياء". بينما تقول الثالثة إن المرآة انكسرت قربها، فدخلت شظايا الزجاج إلى عينيها وتسببت لها بالعمى.
أما الرابعة، فتتحدث الأساطير عن أن "خداوج" لم تكن عمياء بالمعنى الحرفي، وإنما كان الناس يقولون عنها ذلك لأنها باعت الدار التي منحها إياها والدها لرجل يهودي، أي ليست لديها الحكمة والرأي، وعليه فالصفة من باب الاستعارة.
وتتطرق الرواية الخامسة إلى غرور وإعجاب خديجة بنفسها كثيراً، مما جعلها تتفنن في استعمال "الكحل" إلى أن فقدت بصرها جراء سم دُس في المادة أو أنها كانت فاسدة.
فشل العلاج... وهدية والدها
إصابة الأميرة خديجة استنفر والدها، كيف لا وهي المدللة، إذ أحضر الأطباء والحكماء لعلاجها بكل ما لديهم من طرق وأدوية، لكن كل محاولاتهم باءت بالفشل، وخوفاً على مصيرها قرّر الخزناجي أن يهديها القصر الذي يقطنون فيه ضماناً لمستقبلها بعد موته، حيث عاشت مع أختها الكبرى فاطمة وولدي أختها عمر ونفيسة اللّذين اعتنيا بها.
وغادرت "خداوج العمياء" لكن بقي قصرها في الجزائر العاصمة وبالضبط بالقصبة السفلى قرب "ساحة الشهداء" وجامع "كتشاوة"، شاهداً على جمال كان ذات سنوات حديث الصغار والكبار، بدليل أنه لا يزال يحمل اسمها في مخيلة العاصميين، على رغم تحويله إلى متحف.
القصر التحفة
قصر "خداوج العمياء" هو أحد الروائع المعمارية، وتذكر مراجع عدة أن تاريخ تشييده يعود لعام 1570 بمبادرة من أحد ضباط البحرية الجزائرية يدعى يحيى رايس، إلا أن أخرى تذهب إلى اعتبار القصر من ممتلكات وزير الخزانة أو وزير المالية حسن الخزناجي والد "خداوج" الذي اشترى عام 1792 بنايات عدة محيطة بالقصر ثم ألحقها به وقام بإثرائه وتنميقه ليهديه إلى ابنته خديجة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بعد الاحتلال الفرنسي للجزائر عام 1830، أصبح القصر مقر أول بلدية فرنسية في الجزائر العاصمة، غير أن جمال المكان والمبنى غيّر من مهماته، واتخذه ملك فرنسا نابليون الثالث وزوجته أوجيني مقر الإقامة عام 1860، وكان كلما حل بالجزائر العاصمة توجه مباشرة إلى هذا القصر ليقضي مدة زيارته في أحضان دار الأميرة الكفيفة. وفي 1961 تم تحويله إلى متحف للفنون الشعبية، ليصبح عام 1987 متحفاً وطنياً للفنون والتقاليد الشعبية يضم آلاف التحف الفنية التقليدية.