ملخص
هل يسهم تحويله إلى متحف في التعريف بقصر مصطفى باشا في الجزائر؟
دار مصطفى باشا هو قصر موريسكي يقع في قصبة الجزائر العاصمة، وهو حالياً المتحف الوطني للزخرفة والمنمنمات وفن الخط، ولجماله ورمزيته صنف عام 1992 ضمن قائمة التراث العالمي من طرف "يونيسكو". لكن ماذا وراء كل هذا الاحترام والاهتمام الداخلي والخارجي بالقصر؟
كثير من الفضول
لا يظهر القصر وسط بنايات قصبة الجزائر أو الجزائر المحروسة، غير أن الوصول إليه عبر الأزقة الضيقة يمنح الضيف الزائر بعض السكينة وكثير من الفضول، وأنت تضع قدمك ببابه تقابلك ساحة تسمى "صحن الدار" مزينة بالبلاط الروماني، وتتوسطها نافورة مائية من الرخام تمنح المكان برودة منعشة، ويقتضي الوصول إليها المرور على ممر أو رواق طويل يسمى "السقيفة".
تتكون "البناية الملكية" من طابقين تشدهما أعمدة رخامية صلبة، وبحسب ما صرح به المسؤولون عن المكان فإن عدد الغرف ثمانية، لكن ممنوع على الزوار والصحافيين تصويرها، على رغم أن السلطات حولتها إلى متحف للخط الأصيل والزخرفة والمنمنمات.
فسيفساء عالمية
بناء القصر من الداخل جاء متقابلاً، فما يوجد على اليمين تجد ظله على اليسار، لكن الوظائف تختلف، وهي الحال مع السلالم الموجودة عند المدخل، فاليمنى خاصة بـ"الدَّاي" وعائلته فقط، وتؤدي إلى الغرف الخمس الموجودة في الطابق الأول، أما اليسرى فهي مخصصة للخدم والخادمات. والطابق العلوي يحوي قسمين: الأول عبارة عن حمام خاص بـ"الداي" وعائلته، والثاني عبارة عن مطبخ كبير يضم سبعة مداخن.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في جميع الغرف وعلى جدرانها الخارجية توجد ثلاث فتحات تسمى "الريحيات"، وثلاث فتحات أخرى قرب سقف الغرفة تسمى "الشمسيات" تستعمل لتهوية الغرفة، وزينت جدران القصر بأكثر من نصف مليون قطعة بلاط ملونة ومزركشة بألوان زاهية، مستوردة من هولندا وإيطاليا وإسبانيا وتونس، وهو الأول والوحيد الذي يحوي هذه الكمية من بلاط التزيين، إضافة إلى أعمدة من السيراميك الإسباني والتونسي والإيرلندي.
وقصر مصطفى باشا، الذي بني بين 1798 و1799 للإقامة العائلية لـ"الداي" وزوجته وأطفاله وحرسه الشخصي وخدمه وخادماته، واستقبال الضيوف المميزين الذين كان من بينهم نجل ملك فرنسا ودوق أورليانز، استعمل منذ احتلال الفرنسيين للجزائر عام 1830 مقراً لفوج المشاة الخفيفة، ثم اتخذ قصراً للحاكم الفرنسي للجزائر بين 1839-1841، وفي عام 1846 استغل مقراً للمكتبة الوطنية التي ضمت مخطوطات فاق عددها 2000 ونهبتها القوات الفرنسية من المكتبات العائلية في مدينة قسنطينة شرق الجزائر بعد احتلالها عام 1837، ليصنف عام 1887 من طرف الإدارة الفرنسية معلماً تاريخياً.
من صاحب القصر؟
ومصطفى باشا هو السادس بن إبراهيم، الذي حكم مقاطعة الجزائر خلال الفترة العثمانية بمنصب "داي"، وكان ذلك بين مايو (أيار) 1798 إلى الـ31 من أغسطس (آب) 1805، وهو الداي رقم 22 من مجموع 29 توالوا على حكم البلاد بداية من 1516 إلى 1830، وعرف عنه إهمال شؤون العامة واهتمامه بإثراء خزانته الشخصية عبر تقريب أصحاب المال والنفوذ منه، وعزل المسؤولين المعارضين لنهجه في الحكم.
وبحسب كتب التاريخ فإن مصطفى باشا امتلك ثورة طائلة ناتجة من معاملاته التجارية واستعانته باليهود لهذا الغرض، بعدما منحهم جزءاً من أمواله يستثمرونها لصالحه، كما امتلك عقارات كالقصور والجنات والدكاكين وغيرها، وأضافت الكتب أنه لضخامة ممتلكاته أولاها أهمية كبيرة، ومن ذلك سعيه إلى إيصال الماء إلى قصوره وجناته.
وتقول الروايات إن أصحاب النفوذ بلغوا خلال فترة حكم مصطفى باشا مراتب مهمة في الدولة، إذ أصبح هؤلاء يتحكمون في صادرات وواردات البلاد ويقررون سياستها الخارجية، كما أشرفوا على صك النقود ومراقبتها وتبديلها وأصبحوا وسطاء بين دول أوروبا والجزائر، بل إن دورهم بلغ حد التحكم في مصائر السكان من خلال قيامهم بدور التجسس، وهو الوضع الذي تسبب في ثورة على حكمه قادتها قبائل "بني عباس" الذين رفضوا دفع الضرائب وقطعوا الطريق عليه نحو شرق البلاد، وكذا "ابن الأحرش" وغيرها من الثورات التي تضاعفت وتكررت جراء الممارسات المشينة لحكمه.
نهاية دموية
تسبب مصطفى باشا بسياساته تلك في تأليب السكان والمسؤولين في الدولة والجيش عليه، مما عجل بنهايته التي جاءت عام 1805، إذ يروي المؤرخ الجزائري حمدان خوجة، في كتابه "المرآة"، أن أحمد خوجة، وهو أحد المسؤولين الذين عزلهم مصطفى باشا، أصبح يسعى بين الجنود ويردد عبارة "لم نعد نبغي حكومة مصطفى باشا"، واستجابة لتلك الهتافات تجمع المعارضون من أجل تحطيم عظمة الداي مصطفى وقتله"، وهو ما حدث تحديداً في الـ30 من أغسطس 1805.
كما ذكر المؤرخ الفرنسي هنري دلماس دوغرامون، في كتابه "تاريخ مدينة الجزائر تحت الهيمنة التركية 1515 - 1830"، فإن مصطفى باشا توسل لقاتليه السماح له بمغادرة الجزائر إلى إسطنبول ولكن طلبه قوبل بالرفض، وعندما حاول الهرب إلى ضريح الولي الصالح "دادة العجمي"، كما هي عادة كل مذنب أو هارب من العدالة خلال تلك الفترة، نظراً إلى حرمة هذه الأضرحة التي تمنع الدخول إليها والقبض على من فيها، وجد أبوابه مغلقة فقبض عليه الجيش وقتله ومثل بجثته وألقاها عند "باب عزون"، وهو أحد أبواب "القصبة" السبعة.