Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الثمن المرعب للحرب في غزة: وفاة صحافي بسبب غياب الإسعاف وخدمات الصحة

عمل محمد دواس، وهو صحافي ومقدم خدمات لوسائل الإعلام يتمتع بمهارات عالية، مع "اندبندنت" ومع كيم سينغوبتا لسنوات. وهو واحد من 15 فرداً من آل الدواس قتلوا خلال 12 أسبوعاً، ناهيك بتدهور صحة إحدى بنات محمد بصورة مقلقة

على مدار عقود، نقل محمد دواس واقع الحياة في غزة (أ ف ب/ غيتي)

ملخص

توفي محمد دواس في قطاع غزة بسبب تبعات الحرب وانقطاع الخدمات الصحية، تتذكره "اندبندنت" كأحد المتعاونين الرائعين معها في تغطية أحداث القطاع

توفي محمد دواس، وهو مترجم ومقدم خدمات لوسائل الإعلام (فيكسر) وصحافي يحظى باحترام كبير وعمل في "اندبندنت" لعقود، بسبب نقص الأدوية والعناية الطبية المركزة بعد إجباره على الفرار مع عائلته من منزلهم في شمال غزة.

وكانت عائلة الدواس من بين المدنيين الذين غادروا مدينة غزة وتوجهوا جنوباً بناءً على تعليمات من الجيش الإسرائيلي. وقد لجأوا إلى دير البلح، على بعد نحو 10 أميال (16 كلم) جنوباً، قبل أن تتعرض تلك البلدة أيضاً لغارة جوية – تسببت، وفقاً للسلطات الصحية الفلسطينية التي تديرها "حماس"، بمقتل 45 شخصاً وأصابت 50 آخرين.

كان محمد مصاباً بالشلل النصفي بعد سكتة دماغية عاناها قبل خمس سنوات، وقد أصيب بسكتة دماغية أخرى، كما تقول عائلته، بسبب ضغوط الوضع داخل غزة، بيد أنه لم ينج هذه المرة.

وبسبب القصف، لم تتمكن سيارات الإسعاف من الوصول إلى المنطقة التي كانت تقيم فيها العائلة. وكان مخزون الأسرة من الدواء الذي يتناوله محمد قد نفد، ولم تكن هناك إمكانية لتأمين مزيد منه في ظروف الفوضى الحاصلة. وقد ذهب أحد الجيران القلائل الذين بقوا في مدينة غزة إلى منزل عائلة الدواس لمعرفة ما إذا كانت الأسرة قد تركت وراءها أياً من أدوية محمد بينما كانت تستعجل المغادرة، إلا أنه وجد المبنى قد دمر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقتل 15 فرداً من آل الدواس في الحرب حتى الآن.

ومنحت زوجة محمد، تهاني، وثلاث بنات وحفيدة تبلغ من العمر خمس سنوات، اسمها صوفي، حق اللجوء في أستراليا، لكنهم لا يزالون محاصرين في جنوب غزة، قلقين للغاية في شأن ما قد يصيبهم مع اقتراب القتال من حولهم.

ولا يبدو أن هناك فرصة سانحة لانتهاء الصراع قريباً. وفقاً للسلطات الصحية في غزة، قتل أكثر من 20 ألف فلسطيني هناك منذ أن شن الجيش الإسرائيلي هجومه بعد أن ذبحت "حماس" نحو 1200 شخص واختطفت 240 آخرين في غارة السابع من أكتوبر (تشرين الأول) داخل حدود إسرائيل. وتقول السلطات الصحية الفلسطينية إن 241 شخصاً آخرين قتلوا في الساعات الـ24 الماضية (من 28 إلى 29 ديسمبر/ كانون الأول)، معظمهم قضى في غارات جوية.

وعلى رغم الدعوات المتكررة من زعماء العالم وكبار الشخصيات الدينية، بما في ذلك البابا فرانسيس ورئيس أساقفة كانتربري، لوقف إطلاق النار، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قائلاً: "إننا لن نتوقف. ستستمر الحرب حتى النهاية، حتى ننتهي، لا أقل من ذلك".

وتحتاج هالة، إحدى بنات محمد وتهاني، البالغة من العمر 18 سنة، إلى رعاية طبية مستمرة – بما في ذلك الجراحة – بعد حادثة سيارة وقع قبل 14 عاماً وأصيبت فيه بجروح خطرة. وتقول الأسرة إن حالتها تتدهور بصورة مقلقة.

من جهتها، ياسمين دواس، إحدى بنات محمد، التي عملت سابقاً مترجمة لـ"اندبندنت"، هي الآن طبيبة تقيم في الخارج. وقالت ياسمين "يعتصر الحزن قلوبنا، لم أستطع أن أكون حاضرة عندما توفي والدي. رأته أمي وأخواتي يموت، ولم يستطعن فعل شيء. كان يكافح من أجل التنفس، وكان في حاجة إلى رؤية الطبيب، لكن سيارة الإسعاف لم تستطع القدوم. من المؤلم للغاية التفكير فيما حدث".

وأضافت ياسمين "كانت والدتي تقول إنها لا تعرف ما هو الأسوأ، أن يقتل شخص عزيز عليك فوراً في هذه الحرب، أو أن تراه يموت ببطء وهو يعلم أنه كان بإمكانه العيش فقط لو تمكن من الحصول على الدواء". وأكملت "علينا الآن أن نفكر في وضع هالة. لقد أجرت عمليات جراحية بعد الحادثة، وكان من المقرر إجراء مزيد منها لإصابات منطقة الحوض، ولكن بالطبع، لم يحدث ذلك بعد بدء الحرب. لديها الآن عدوى بسبب المياه الملوثة، لكنهم لا يستطيعون الحصول على أي مضادات حيوية لعلاجها". وتابعت "يتأثر كل جيل بما يحدث، صوفي، ابنة أخي، صغيرة جداً، تراودها كوابيس حول ما رأته وسمعته. كثر من الشباب في غزة، ممن تكتب لهم النجاة من كل هذا، سيكبرون مع ذكريات مؤلمة".

وقالت ياسمين "يجري نشر قوائم بأسماء أولئك الذين يسمح لهم بمغادرة غزة كل يوم. يجب أن توافق السلطات الإسرائيلية والمصرية على هذه القوائم، لذلك ننتظر كل يوم لمعرفة ما إذا كانت الأسماء مدرجة في القائمة، لكن هذا لم يحدث بعد، "يتعين علينا مواصلة الأمل".

وعمل محمد في "اندبندنت" مع مراسلين من بينهم روبرت فيسك ودونالد ماكنتير وأليستر داوبير، وكذلك معي أنا. كما عملت باستفاضة مع ياسمين لتغطية الحروب في غزة بعد مرضه.

وكتب محمد يوميات لـ"اندبندنت أون صنداي" (اندبندنت يوم الأحد) خلال حرب عام 2009، حظيت بإشادة واسعة لحيويتها ووصفها المؤثر للحياة في ظل الصراع. وكثيراً ما شدد محمد على الحاجة إلى حل سلمي للأزمة الإسرائيلية الفلسطينية، قائلاً إنه رأى كثيراً من القتلى والجرحى في الحروب التي غطاها.

وعلى رغم أن محمد لم يقتل مباشرة بسبب العمل العسكري، إلا أن عائلته تقول إنه ضحية لهذه الحرب إلى حد كبير. وتشير التقديرات إلى أن ما بين 78 و100 صحافي فلسطيني قتلوا في غزة منذ بدء الحرب في أكتوبر (تشرين الأول).

على عكس معظم الحروب السابقة في غزة، لم يسمح للصحافيين الأجانب بالتغطية المستقلة من القطاع. وتشير لجنة حماية الصحافيين، ومقرها نيويورك، إلى أن هذه كانت الحرب الأكثر فتكاً التي غطتها وسائل الإعلام في العصر الحديث. وقالت اللجنة بعد أن تجاوز عدد القتلى 68: "إن عدد الصحافيين الذين قتلوا في الأسابيع الـ10 الأولى من الحرب بين إسرائيل وغزة يفوق عدد جميع الصحافيين الذين قتلوا في بلد واحد على مدى عام كامل".

إلى جانب عمله مع "اندبندنت"، عمل محمد على مر السنين مع عديد من المنصات الإخبارية الأخرى، بما في ذلك "دير شبيغل" و"لا ريبابليكا" و"صوت أميركا" و"صنداي تايمز".

وقال دونالد ماكنتير "كان محمد يعرف الجميع وكان على دراية بكل شيء في غزة، ومثله مثل معظم الصحافيين الفلسطينيين الرائعين، لم يكن ينتمي إلى أي فصيل، ولكنه كان على معرفة وثيقة بجميع الشخصيات القيادية لتلك الفصائل". وأضاف "على ما أذكر، كان قد لعب كرة القدم في سن المراهقة ضد إسماعيل هنية، الذي أصبح الآن الزعيم السياسي المنفي لـ’حماس‘. لكنه كان يجد متعته مع سكان غزة ’العاديين‘، وفي معظم الأحيان، كانت المقابلة التي يجريها محمد مع أي شخص نقرر مقابلته ستبدأ بحديث محمد وضيفه عن معرفتهما بأفراد عائلة الآخر".

وتابع "كان محمد من عائلة لاجئة، وبمناسبة تقرير أعدته ’اندبندنت‘ في الذكرى السبعين لقيام دولة إسرائيل – وهرب أكثر من 700000 فلسطيني من منازلهم في ما يعرف الآن بإسرائيل – عرفني محمد بمنتهى اللطف إلى عمه الفخور بفلسطينيته. كان العم قد بلغ من العمر ما يكفي ليتذكر حرب عام 1948، التي كان أثناءها صبياً في دير سنيد، بالقرب مما يعرف الآن بقطاع غزة، إلى أن أجبر سكانها على الفرار". وقال "أسوة بعديد من الفلسطينيين من جيله، كان دواس رجل عائلة مخلصاً، وكان لديه إيمان راسخ بالتعليم، وهذا ما تجلت ثماره في جميع أبنائه".

وتحدث أليستير داوبير، وهو حالياً مراسل في واشنطن لصحيفة "تايمز" و"صنداي تايمز"، عنه "كمحترف بارع يعمل في غزة، أحد أفضل من يقومون بالعمل الأهم، ولكن في كثير من الأحيان كجندي مجهول، لربط المراسل مع جهات الاتصال، وإن كانت أحدث أفكار المراسل تدفعه للتبرم أحياناً، إلا أنه كان دائماً ينجز في نهاية المطاف". وأضاف "في إحدى المرات، طلب منه مراسل ’اندبندنت‘ العثور على ستة أشخاص من مختلف مشارب الحياة في غزة، وجميعهم لإجراء مقابلات معهم وتصويرهم لغرض مقالة في مجلة، وأراد منه إنجاز ذلك كله في اليوم نفسه. كتم محمد ذهوله، وبأدب أكثر من اللازم، أشار إلى أنه لربما كان من المفيد إخطاره قبل أكثر من 24 ساعة".

وأضاف داوبير "بالطبع، بحلول نهاية اليوم، اكتملت المقابلات الست – مع مزارعين يعملون قرب الحدود، ومسؤولين في (حماس)، وصيادين يجلبون صيد اليوم، وأولئك الذين يعملون في الأنفاق التي جلبت الإمدادات عبر رفح – وكلها تحققت من خلال تصميمه العنيد وشبكة علاقاته الواسعة التي لم يكن لأحد مثلها في غزة".

وختم قائلاً "إن وفاة محمد خسارة فادحة للغاية لعائلته وأصدقائه وللصحافة".

© The Independent

المزيد من دوليات