ملخص
هل يمكن أن تكون الموسيقى وسيلة لبناء الجسور بين أنظمة سياسية متنازعة وبلاد متخاصمة وشعوب قام أبناؤها بسفك الدماء لعقود في ما بينهم؟
هل يمكن أن تكون الموسيقى وسيلة لبناء الجسور بين أنظمة سياسية متنازعة وبلاد متخاصمة وشعوب قام أبناؤها بسفك الدماء لعقود في ما بينهم؟
لقد مرت ثلاثة أشهر على مشاركة وزير الخارجية أنتوني بلينكن المنصة في غرفة بنجامين فرانكلين المهيبة بوزارة الخارجية، مع مجموعة من أصدقائه الموسيقيين لأداء مجموعة من الأغاني.
وكان بلينكن يطلق "مبادرة دبلوماسية الموسيقى العالمية"، التي تهدف إلى الاستفادة من قوة وتأثير الموسيقى "لتجاوز حدود الجغرافيا واللغة وتعزيز التعاون بين أميركا والناس حول العالم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن ما شهده العالم بعد ذلك كان عبارة عن حرب ضروس شنتها إسرائيل على حركة "حماس" عقب هجمات السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الدموية، التي تبعتها احتجاجات معادية لأميركا في جميع أنحاء العالم.
ويتساءل فريد كابلان في مجلة "سلايت" الإلكترونية إذا ما نظرنا إلى الماضي، "هل كانت رؤية بلينكن للموسيقى كوسيلة للتحول العالمي مجرد هفوة أو تساهل ساذج وساحر؟" ربما ولكن.
ويقول كابلان، إن وزارة الخارجية الأميركية ترعى برامج مماثلة منذ عقود. بدأ الأمر في خمسينيات القرن الـ20، في ذروة الحرب الباردة، عندما كانت أميركا تعاني مجموعة مختلفة من المشكلات المتعلقة بصورتها. كان لدى آدم كلايتون باول جونيور، عضو الكونغرس البارز في هارلم، اقتراح: بدلاً من إرسال فرق الباليه وفرق الأوركسترا السيمفونية في جولات دولية، في محاولة عقيمة للتنافس مع مسرح البولشوي في الاتحاد السوفياتي، دعوا العالم يرى ويسمع "أميركا الحقيقية". شيء لم يتمكن الروس من مضاهاته: إرسال فرق الجاز.
وهكذا، لأكثر من عقد من الزمان، قام بعض أشهر الموسيقيين بجولات "سفير الجاز" لأسابيع أو أشهر في كل مرة. عبر الشرق الأوسط وأميركا الجنوبية وآسيا والكتلة الشرقية الشيوعية.
وكانت موسيقى الجاز بمثابة إغراء طبيعي للحرب الباردة. المواطنون السوفيات الذين كرهوا حكومتهم وجدوا أي شيء أميركي مغرياً. "كانت موسيقى الجاز النظير الفني للنظام السياسي الأميركي. يمكن للعازفين المنفردين أن يعزفوا أي شيء يريدونه طالما ظلوا ضمن الإيقاع -تماماً كما هي الحال في الديمقراطية، يمكن للمواطنين أن يقولوا أو يفعلوا أي شيء طالما أنهم لا يخالفون القانون".
ويقول كابلان، إنه عندما كنت مراسلاً في موسكو في أوائل التسعينيات ومنتصفها، أخبره عديد من الروس بأن انطباعهم المحبب والأكثر ديمومة عن الولايات المتحدة جاء من الاستماع إلى ألبومات موسيقى الجاز غير المشروعة وبرنامج "ساعة الجاز" على راديو أميركا التي كانت تخترق أحياناً جدران موجات الراديو الحديدية.
ومن الصعب أن نتخيل أي نوع من الموسيقى أو الفنون الثقافية بصورة عامة، والتي قد تحدث تأثيراً كبيراً مثل موسيقى الجاز في الخمسينيات أو موسيقى الروك في الستينيات. فمن ناحية، لم يعد العالم منقسماً بين الشرق والغرب. إذا كان مواطنو بلد ما لا يحبون ثقافتهم الخاصة، فيمكنهم البحث عن ثقافات كثير من البلدان الأخرى ولا يقتصر خيارهم على النماذج الأميركية أو السوفياتية. ومن ناحية أخرى، أصبحت الموسيقى والأفلام الأميركية متاحة على نطاق واسع بالفعل، عبر الإنترنت أو القنوات الفضائية، ولم تعد مرتبطة اسمياً بأميركا حتى.
وتطورت البرامج الحكومية الأميركية بعد الحرب الباردة وبدأت بإرسال الموسيقيين إلى الخارج وجلب موسيقيين أجانب إلى الولايات المتحدة للحصول على دروس تعليمية في صناعتي الموسيقى والتسجيل. وهذه البرامج أكثر تواضعاً من برامج "سفراء الجاز"، من حيث الحجم والشهرة والطموح السياسي، كما لا توجد فيها محاولة للترويج لتفوق الديمقراطية على النمط الأميركي.
ولا تظهر آثار الدبلوماسية الثقافية على الفور، ولكن هؤلاء الأجانب الذين يعملون إلى جانب الأميركيين، فإنهم يقدرون الثقافة الأميركية، وقد يؤثر ذلك على الطريقة التي ينظرون بها هم ومجتمعهم إلى الولايات المتحدة مع مرور الوقت.