ملخص
تأخر الغرب في دعم كييف بشكل كاف فبقيت الحرب تتأجج.
يقترب العام من نهايته مع تذكير مرير آخر بأن المجتمع الدولي كان بوسعه أن يفعل مزيداً من أجل مساعدة أوكرانيا في مواجهة روسيا، بيد أنه اختار ألا يفعل. وكانت التهديدات التي يتعرض لها الشحن في البحر الأحمر سبباً في تحفيز رد فعل عسكري دولي قوي وفوري لحماية التجارة هناك، وهو مشهد مزعج بالنسبة إلى أنصار أوكرانيا بعد رفض المجتمع الدولي القيام بالشيء نفسه في البحر الأسود بهدف تخفيف شدة القبضة الروسية الخانقة على صادرات الحبوب الأوكرانية.
إن تصميم دول العالم هو الذي هيأ الظروف لاستمرار صراع أوكرانيا من أجل البقاء على قيد الحياة في عام 2024. ولن تكون الآمال ذاتها قائمة لجهة تحقيق اختراق أوكراني كبير كما كانت الحال في أوائل عام 2023. وتنتشر في الولايات المتحدة تقارير تصف الاتهامات المتبادلة بين كييف وواشنطن في شأن خطة أوكرانيا لشن هجوم مضاد في عام 2023. غير أنه لا يوجد خلاف على أنه قد طلب من أوكرانيا القيام بحملة من دون [أن يتوفر لها] تفوق جوي وبطريقة ليس من الممكن أن يفكر أي جيش غربي بتنفيذ حملة على أساسها. والآن، لم تعد إمدادات [أوكرانيا من] الطائرات وحدها مهددة، بل بات تزويدها المواد الحربية الأساسية الأخرى عرضة للتهديد بسبب السياسات الداخلية في الولايات المتحدة والمجر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إن إعلان هولندا بأنها ستقدم 18 مقاتلة من طراز F-16 هو موضع ترحيب، ولكن لم يجر تحديد الإطار الزمني بشكل كامل [لتنفيذ الوعد] حتى الآن، لكن ستشعر كييف بالقلق من أنها ستبدأ العام الجديد من دون تأكيد حصولها على عشرات المليارات من الجنيهات الاسترلينية من الدعم المالي الجديد الآتي من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وكان البيت الأبيض قد خلص سلفاً إلى أن مواجهة روسيا ليست في المصلحة الوطنية للولايات المتحدة، إلا أن الانهيارات العصبية السياسية المستمرة في واشنطن الآن تجعل توقف الدعم تماماً أمراً محتملاً. كانت رئاسة دونالد ترمب الثانية المحتملة بمثابة نقطة الأزمة المتوقعة في ما يتعلق بالمساعدات لأوكرانيا، ولمستقبل حلف شمال الأطلسي (الناتو) في العام المقبل، لكن مزيجاً من التردد والردع الذاتي من جانب إدارة جو بايدن ومعارضة الجمهوريين للتمويل المستمر، يعنيان أن الأزمة بالنسبة إلى أوروبا حاضرة سلفاً.
وقد تبدأ أوروبا نفسها أخيراً بعد طول انتظار بالتصدي لاحتمال القيام بكبح جماح روسيا من دون الدعم الأميركي الذي اعتمدت عليه تاريخياً. ومع ذلك، فإن حقيقة أن الاتحاد الأوروبي سيضطر إلى الانتظار حتى يناير (كانون الثاني) من أجل تأكيد تمويله الذي تبلغ قيمته 43 مليار جنيه استرليني، وذلك بفضل مماطلة فيكتور أوربان رئيس المجر، حليف فلاديمير بوتين، تعني أن كييف مضطرة إلى التخطيط للاحتمالات الأسوأ. لقد تم سلفاً التأقلم مع الوضع الذي تكون فيه الذخائر أقل توفراً لاستخدامها في العمليات العسكرية، لكن هذا الوضع كان متوقعاً تماماً. وكانت حسابات الحرب تملي بأن هناك فرصة محدودة من أجل المضي بالحرب إلى خواتيمها بشكل سريع، وقد اختار داعمو كييف الغربيون عدم اغتنام هذه الفرصة.
وهذا يعني أنه من المرجح أن تبقى أوكرانيا في موقف دفاعي طوال الجزء الأكبر من عام 2024. وقد بدأ بالفعل بناء التحصينات على طول خطوط التقدم الرئيسة المحتملة لروسيا. وفي الوقت ذاته، يمكن لروسيا إما أن تنتظر وصول ترمب إلى سدة الرئاسة لترجيح كفة ميزان القوى لصالح الكرملين إلى جانب [إنشائها] جيشاً جديداً من المجندين، أو القيام بهجوم جديد يكون في غاية الشراسة بتصميم لا يلين من أجل الضغط لتحقيق مكاسب إقليمية جديدة قبل إعادة انتخاب فلاديمير بوتين في مارس (آذار) 2024.
ليست كل الأخبار بالنسبة إلى كييف سيئة. صحيح أن الحرب الطويلة تعتبر في صالح روسيا، نظراً إلى أنها تملك احتياطات أكبر من القوى البشرية، والصبر السياسي، والتسامح مع البؤس الذي تسببه بنفسها، لكن هذا لا يعني أن القوات الروسية في أوكرانيا لا تقهر. إن المعدل المذهل للخسائر الروسية هناك سيفرض خيارات أصعب فأصعب، إذ تتطلع موسكو إلى جرف البلاد بحثاً عن قوة عاملة جديدة لإرسالها إلى مفرمة اللحوم. وإن الإسراع بنقل قذائف المدفعية الكورية الشمالية التي تعتبر دون الأداء المطلوب مباشرة إلى الجبهة، يشير إلى أن روسيا ليست قادرة حتى الآن على تلبية حاجاتها من الذخيرة من المخزونات المحلية أو الإنتاج المحلي.
وفي الوقت نفسه فإن التركيز على خط الجبهة الذي لا يتغير يحجب النجاحات الأوكرانية الكبرى في الحرب. وأحد هذه النجاحات هو استعادة حرية الحركة في البحر الأسود بشكل مستقل بعدما [تأكد أن] الدعم الغربي العلني لن يكون وشيكاً، كما أن تقنيات الدفاع محلية الصنع بما في ذلك الطائرات المسيرة الهجومية البحرية، وهي تمثل جزءاً من طموح كييف لاكتساب أفضلية من خلال الابتكار، تعتبر عامل تمكين مهم بالنسبة إلى أوكرانيا. وتهدف المملكة المتحدة إلى البناء على هذا النجاح من خلال مساعدة أوكرانيا [في تطوير قدرات] الدفاع البحري المستدام على المدى الطويل.
لقد كان على الدوام تقديم مزيد من الدعم لأوكرانيا، في وقت مبكر، سلوكاً صائباً لأنه سيمثل خياراً أقل كلفة بالنسبة إلى الغرب على المدى الطويل من السماح للحرب بالاستمرار وبقاء التهديد الروسي قائماً من دون رادع. وتظهر الخطة التي طرحتها إستونيا، وهي واحدة من أكثر داعمي أوكرانيا التزاماً، كيف يمكن تحويل مجرى الحرب، إذا توفرت الإرادة السياسية الكافية. وتعرض الخطة الأرقام ذات العلاقة، كما تقوم باحتساب ثمن حرمان روسيا من النجاح معتبرة أنه سيكون قرابة 120 مليار يورو، وهو يعد مجرد جزء صغير من المبالغ التي أنفقتها أوروبا على تحديات استراتيجية أخرى، مثل التعافي من جائحة فيروس كورونا.
وأخذ آخرون يضاعفون [مساعداتهم] سلفاً. مثلاً، لقد قررت اليابان التي تدرك تداعيات هزيمة أوكرانيا على الأمن العالمي، زيادة دعمها المالي والإنساني الحالي من خلال خطة تهدف إلى زيادة مخزونها من صواريخ باتريوت من أجل تزويد كييف الإمدادات، لكن أياً من هذه الحلول لن يعوض بشكل كامل الخسارة المحتملة لدعم الولايات المتحدة، سواء تمت إعادة انتخاب ترمب المحتملة أو لم تتم.
وكان التركيز على الحملات الترويجية لتوفير أنظمة أسلحة ذات أداء رفيع لا يضاهى لأوكرانيا، مثل الدبابات القتالية الرئيسة أو الطائرات المقاتلة، سبباً في حجب التدفقات المستمرة للذخائر والمعدات الأقل أهمية. والمفارقة هي أن الولايات المتحدة التي كانت إلى حد بعيد أكبر مزود للدعم العسكري لأوكرانيا، باتت أيضاً مع ذلك هدفاً للقدر الأكبر من الانتقادات بسبب ترددها في تقديم القدرات ذات الأهمية البالغة، ونتيجة للقيود التي تفرضها على استخدام هذه القدرات.
وسوف يظل دعم الاتحاد الأوروبي لكييف رهينة في أعضاء له مثل المجر. وعلى رغم القيمة الرمزية التي ينطوي عليها وعد الاتحاد الأوروبي [بإتاحة الفرصة أمام أوكرانيا] للانضمام إليه في المستقبل، فإن هذا الوعد يمثل مساعدة مباشرة أقل قيمة بكثير من المساعدات التي نجحت المجر في منعها [عن أوكرانيا] حتى الآن في عهد أوربان. ليس هناك أي جدوى من أن يطرح الاتحاد الأوروبي احتمال حصول أوكرانيا على عضويته إذا لم تتمكن من البقاء على قيد الحياة حتى تستطيع أن تصبح دولة عضوة فعلاً.
ومع ذلك، فمن المعترف به على نطاق واسع أكثر من أي وقت مضى أنه إذا ظلت روسيا من دون رادع، فإن عواقب ذلك على الأمن الأوروبي والعالمي ستكون فظيعة. ويجب أن يدرك مزيد من العواصم الغربية أنها في حرب لا بد لها أن تكسبها، وأنها لا تواجه أزمة من الممكن إدارتها. إلا أن الفشل في انتهاز الفرصة لإعادة التسلح في كل أنحاء القارة جعل عديداً من القوات البرية الأوروبية غير مستعدة لمواجهة التهديد الروسي. وإضافة إلى التهديد الروسي المباشر لحلف شمال الأطلسي يتعين على العالم أيضاً أن يأخذ في الاعتبار سلسلة التأثيرات التي سيحدثها النجاح الروسي مما سيشجع المعتدين الآخرين على مستوى العالم.
بيد أن دعم أوكرانيا "مهما كلف الأمر وطال أمده" يشكل إعلاناً عاماً عن عدم وجود مبادرة، أو خطة، أو استراتيجية. إن خوف الولايات المتحدة من تداعيات حصول مواجهة مع روسيا يقدم لفلاديمير بوتين فرصة الخروج من المأزق الذي تورط فيه، ويمكن لروسيا أن تواصل حربها من دون أن تخشى من معاناة العواقب المباشرة التي قد تتعرض لها أي دولة تتصرف على نحو مماثل من دون أن تتمتع بالغطاء الأمني الذي توفره لها الأسلحة النووية.
وكما هي الحال دائماً، فإن صمود الشعب الأوكراني وشجاعته يشكلان العنصر الأساس للمقاومة المستمرة، ولكن على رغم أن الأوكرانيين يدركون أن كفاحهم يرمي إلى تحقيق هدف لا يقل أهمية عن استمرار وجودهم نفسه، فمن غير المرجح أن تتقرر النتيجة النهائية للحرب في أوكرانيا.
ومن المستبعد إلى حد كبير أن تستسلم أوكرانيا، حتى ولو استمر الدعم الدولي في التراجع. إن الأوكرانيين يدركون العواقب الوخيمة التي قد تترتب على الاستسلام للهيمنة الروسية، ويعلمون أن فرص احترام روسيا أي اتفاق لوقف إطلاق النار تكاد تكون معدومة، لذا فإن مواصلة القتال هي الخيار العقلاني الوحيد أمامهم، لكن القرارات التي اتخذها في وقت سابق الغربيون الذين يدعمون أوكرانيا، والتأخير الذي لا ينتهي في اتخاذها، قد أدت إلى استبعاد نجاح كييف في عام 2023، ومن شبه المؤكد أن هذا سيتكرر في عام 2024 أيضاً.
ومن الأهمية بمكان أن أهداف بوتين في الحرب لن تتغير، ما لم يتم تغييرها [من قبل طرف آخر] بالنسبة إليه. قد ينتهي القتال في أوكرانيا ذات يوم. غير أن هذا لن يضع حداً لحرب روسيا الأوسع نطاقاً ضد الغرب. وإن هزيمة طموحات روسيا الآن، كما كانت الحال دائماً، هي وحدها القادرة على إحلال السلام في أوروبا، لكن يجب على أوروبا أن تتخذ قراراً بالدفاع عن نفسها. وسيظهر العام المقبل ما إذا كانت مستعدة وقادرة على القيام بذلك.
كير غايلز هو زميل استشاري أول في برنامج روسيا وأوراسيا في تشاتهام هاوس
© The Independent