Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي يجمع خبرات عربية

عروض من الإمارات وموريتانيا والأردن ومصر وسوريا تستعيد حكايات الصحراء العربية ورواتها الأوائل

من مسرحية "الناموس" التي افتتحت مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي (خدمة المهرجان)

ملخص

عروض من الإمارات وموريتانيا والأردن ومصر وسوريا تستعيد حكايات الصحراء العربية ورواتها الأوائل

يستعيد مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي هذا العام حضوره المتجدد في دورته السابعة التي افتتحت بالعرض الإماراتي "الناموس" لمؤلفه سلطان النيادي ومخرجه محمد العامري. العرض الذي بدا أقرب إلى كرنفال لم يتخل عن البنية الدرامية، اشتق عنوانه من مفردات اللهجة المحلية الإماراتية، ويروي عبر فصوله المتعددة حكاية الشخص الذي ينال مكانة رفيعة بعمل استثنائي، ويحقق لنفسه ولمجتمعه عبر هذا العمل العزة والكرامة، إذ تتركز مقولة المسرحية الإماراتية في أن معادن الرجال لا تعرف إلا من خلال مواقفهم في الخطوب والملمات الكبرى.

عرض ملحمي صاغه الفنان محمد العامري معتمداً أشعاراً تراثية (سلطان النيادي) في رواية أحداث قبيلة متخيلة تتعرض مراراً وتكراراً للغزو من قبيلة أخرى من دون أن يحرك رجالها ساكناً، فيذعنون لرغبات المعتدي، ويرزحون تحت حوافر خيل الغزاة، ويخضعون للصلح بشروط مهينة، ثم يظهر فارس من بين المتخاذلين يرد الصاع، ويقرر أن يواجه العدو، حتى ولو لقي الموت، فيؤمن أن هلاكه سيكون مثالاً عن التضحية بالنفس لخلق جيل جديد من قبيلة لا تنام على الضيم، ولا ترضى بحياة الذل والهوان لبلادها.

ويختتم العرض الإماراتي بقفزة عبر الزمن عبر مجاميع من شبان يظهرون في حلة جديدة عند المشهد الختامي للمسرحية، ويتوضح أنهم قد خلعوا ثوب الذل ليرتدوا ثوب الكرامة والدفاع عن حياض الأوطان، بعد التضحية التي قدمها الفرد في خدمة القبيلة. اعتمد العامري في رواية أحداث "الناموس" على مجاميع من الممثلين والخيالة، وحاول السيطرة على فضاء العرض، عبر توظيف محكم لعناصر الإضاءة (ماجد المعيني، حميد العسيري)، إضافة إلى استخدامه المشاعل والنيران لتعزيز التفكير الواقعي بالعرض، وقد سانده في ذلك التأليف الموسيقي والمؤثرات الصوتية (إبراهيم الأميري)، والتي لعبت دوراً في نقل أجواء المعارك وإحراق خيام القبيلة وتشتيت شملها.

وشهد عرض "الناموس" مشاركة نخبة من الممثلين النجوم من مثل أحمد الجسمي، وسميرة أحمد، وإبراهيم سالم، وعبدالله مسعود، إضافة إلى سارة السعدي، وساعد الجنيبي، وبدرية آل علي، وعلي مانع الأحبابي، ومحمد الكعبي، وقام هؤلاء بأدوارهم جنباً إلى جنب مع مجاميع من الكومبارس. وجسد "الناموس" صراعات ومعارك لا تنطفئ نارها حتى تعود وتشتعل من جديد. وهذا التنويع بين الحشد والممثلين أسهم إلى حد كبير في تقديم أبعاد ملحمية لحكاية "الناموس"، والإطلالة من خلال هذه الأبعاد على تشكيلة واسعة من عادات الصحراء وقيمها الراسخة في الوعي الجمعي العربي، ولا سيما عبر الاشتغال على أزياء (فيروز نسطاس) التي قدمت تكوينات جمالية لحركة المؤدين، وجعلتهم جزءاً جوهرياً من سينوغرافيا العرض.

عرض موريتاني

شاركت في المهرجان عروض من الأردن وموريتانيا ومصر وسوريا، وشاهد الجمهور في ثاني أيامه العرض الموريتاني "أولاد العالية" لمؤلفه ومخرجه سلي عبدالفتاح، وأداء فرقة "إيحاء للفنون الركحية". يناقش العرض قصة أميرين فارسين جمعتهما ساحات الوغى في فترة الحروب التي كانت تحدث بين إمارات بني حسان في صحراء موريتانيا. وعلى رغم شدة العداء بينهما، كانت الشهامة قانونهما في الحرب، وكان الكرم دستور حياتهما، ليتحول العداء بين الفارسين إلى صداقة، وتنقضي أيام الحرب الطويلة إلى سلام يشمل ربوع القبائل المتناحرة.

حاول مخرج "أولاد العالية" إدارة صراعه الدرامي من غير السيطرة تماماً على فضاء العرض، وكان الخلل الواضح في الإضاءة سبباً في التشويش على الفرجة، وتشتيت التلقي بين يمين المسرح ويساره. قسم المخرج الفضاء إلى مكانين متمايزين على طرفي الفضاء، وبصورة متباعدة بين حوار الشخصيات. وأسهمت الموسيقى (تأليف سيدي كان الشيخ آبه) في إسباغ نكهة مختلفة، وتقديم مساحات للعب بين حوارات سجلت باللغة العربية الفصحى، فيما تم الاتكاء على اللهجة الموريتانية في الأغاني وأهازيج العرض، وهذا ما كان واضحاً في أداء الممثلين عالي سالم، ومحمد عزيز سويلم، ومراد محمد آبه، وأم المؤمنين عثمان، إلى جنب مع حمود عثمان، والنبوي محمد، وفريدة ماجد.

"الذيب" السوري

من سوريا حضرت فرقة "أشجار للمسرح الحر" عبر مسرحية "الذيب". بطولة يوسف المقبل وعبود الأحمد ورايسة مصطفى. يروي العرض حكاية حب بدوية امتدت أحداثها بين بادية الشام والجزيرة السورية العليا في بدايات القرن الـ20. تنشب الحرب بين قبيلتين، ويكون لزاماً أن يسترد الأخ أخته من زوجها الذي ينتمي إلى قبيلة الخصم كما جرت الأعراف، وعليه تمتثل الزوجة لعرف القبيلة. وتمر الأيام والأشهر وصولاً إلى وقت يرسل فيه الزوج العاشق خبراً لزوجته بأن تلاقيه عند أطراف مضارب قبيلتها بعد سماع عواء الذئب ثلاث مرات. وفعلاً تنجح الخطة، ويلتقي العاشقان، لكن الزوجة ستحمل بمولودها الأول بعد هذا اللقاء، ويفتضح أمرها، فيهددها شقيقها بالقتل بداعي الشرف، لكن المرأة تخبره بأن الحمل من زوجها الذي قابلته سراً، وبعد أن يتأكد الأخ من كلام أخته، يتم الصلح والوفاق بين القبيلتين.

حاول العرض السوري أن يوظف قصائد الشاعرين السعوديين محسن الهزاني ومحدى العنزي لتكون من نسيج البنية الدرامية، كما تم الاعتماد على أهازيج ومواويل من بيئة البادية الشامية، بمرافقة التأليف الموسيقي (طارق مصطفى عدوان) الذي اتكأ على آلة العود والإيقاعات المتنوعة لتوفير مناخ صوتي متمايز. ولعبت السينوغرافيا (رضوان النوري) والأزياء والمكياج (هبة إسماعيل، يوسف النوري) دوراً في إغناء البنية البصرية لمسرحية "الذيب"، ولا سيما على صعيد حضور الممثل والتوجه العام في أسلبة الأداء، وصولاً إلى ما يشبه المغناة الشعرية، التي حاولت البحث في ميثيولوجيا البيئة البدوية، وما أنتجته من أعراف وقيم وعادات وفلكلور غنائي وشعري كجزء من التراث اللامادي للصحراء العربية.

"منيفة " من الأردن

الأردن قدمت بدورها عرض حمل عنوان "منيفة" لمؤلفه أحمد الطراونة، وإخراج فراس المصري، وتناول رحلة العودة لأحد شيوخ القبائل برفقة ابنته من المدينة إلى القرية، إلا أن عصابة من قطاع الطرق تعترض طريقهما، وتسلب الشيخ ماله، فيضطر إلى البقاء في الصحراء، إلى أن ينجده شيخ قبيلة أخرى يدعى أبا فهد، فيدعوه إلى أن يعمل معه راعياً لأغنامه. يوافق الشيخ المسلوب على العرض السخي، وفي ذات يوم تتعرض القبيلة المستضيفة للغزو، فيدافع أبو منيفة عنها ببسالة، مما يكشف عن أصل الشيخ الفارس. وحين تنتهي المعركة يعود الشيخ معززاً مكرماً بعد أخذ الغنيمة.

المخرج فراس المصري حاول توظيف هذه الحكاية البسيطة في إطار درامي استعراضي، واتكأ على أداء الممثلين: كرم الزواهرة، ومعتصم فحماوي، وغادة عباسي، وأريج دبابنة، إضافة إلى محمد أبو دية، ورناد ثلجي، وطارق الشوابكة، وإياد شطناوي، ومنذر خليل. الليلة الأردنية لفرقة المسرح الحر حفلت بالأشعار والأغنيات التي اشتهرت بها صحراء البلاد، واستقت من معين تراثها الشفوي، فيما تمكن فنان الإضاءة (محمد المراشدة) من تطوير البينة البصرية للعرض عبر كشافات ليزرية استفادت من دمج التلال المجاورة مع مقدمة المكان المخصص للعروض، عبر خدع مسرحية صممها الفنان علاء ربابعة خصيصاً لعرض "منيفة"، مستفيداً من مشهديات البدو وخيامهم ومروياتهم الشعبية.

ترنيمة مصرية

مفاجأة المهرجان كانت مع ليلة العرض المصري "ترنيمة الصحراء" لمخرجه انتصار عبدالفتاح. فمن عمق عالم الصحراء السحري بأصواته ونداءاته وطقوسه وملامحه الأسطورية، يجيء الشاب الذي قدم من بعيد، وينتظر الخالة التي تعمل على عجلة الفخار والطين، فتسمع من خلال دوران هذه العجلة من أصداء لغة الصحراء وحكمها، فيما يجلس الخال وسط مشهد من الرمال، متأملاً في ملامحه وعالمه الخاص، وما يحتويه من أسرار وغموض، ثم يأتي الشاب بطل الحكاية، ويقترب من هذا العالم محاولاً تفكيك رموزه. ونكتشف أن الشاب في بحث دائم منذ سنوات عن السر الأعظم، الذي استقاه مخرج العرض من الطقوس والتعاليم في كتاب "الخروج إلى النهار" أو "كتاب الموتى الفرعوني".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

حفلت الليلة المصرية في المهرجان بأداء لافت للممثلين: عايدة فهمي، وسعيد صديق، وهاني عبدالحي، بالاشتراك مع الفنان الراحل هناء عبدالفتاح (التسجيل الصوتي)، إضافة إلى نهى مندور، ونسمة عادل، وفيروز عبدالفتاح، وآية أحمد، وآن توماس. هكذا حاول صاحب "مخدة الكحل" العودة للمنامات الأولى للصحراء، واقتفاء آثار أقدام الأجداد على خريطة أفادت من تراث منطقة النوبة المصرية بجنوب البلاد. إضافة إلى العمل على توزيع الأدوار الفنية للعرض، وجعله أقرب إلى مناجاة شعائرية تآلفت فيها عناصر الإضاءة (ياسر شعلان) والصوت (مينا العريان). وكانت لافتة الحوارات المكتوبة (متولي حامد) لشخصيات العرض (إنتاج فرقة المسرح الصوتي)، والتنويع على أداء جسدي بقالب شعري موسيقي مقتبس من الابتهالات المصرية القديمة. واستعان المخرج في هذا، بحضور واضح للأزياء (محمد الغرباوي)، معوضاً بها عن كتل الديكور التقليدية من خيمة ونخلة ومضافة.

رافق المهرجان برنامج ثقافي لافت (إشراف الناقد عصام أبو القاسم) أغنى لياليه الخمس، وبحث في تعميق الأثر المعرفي والجمالي للتظاهرة التي انطلقت برعاية من حاكم الشارقة سلطان القاسمي، وتشمل مسامرات نقدية مع الجمهور وصناع العروض، إضافة إلى المسامرات الفكرية التي تناولت تحديات الأداء التمثيلي في المسرح الصحراوي، وشارك فيها عديد من النقاد والكتاب المسرحيين، مثل كريم رشيد من السويد، وطاهر أنوال من الجزائر، ومحمد أمين عبدالصمد وعصام عبدالعزيز من مصر، إضافة إلى كل من عبدالله راشد من الإمارات، وعبدالمجيد أهرى ورشيد بناني من المغرب.

وتركزت معظم المسامرات الفكرية على شكل مكان العرض وتجهيزه في المسرح الصحراوي، بصفته فضاءً مشتركاً بين المؤدين والجمهور، وإمكان تطوير أداء الممثل وخبراته الصوتية والإيمائية والإشارية والحركية، ومدى تغلب عروض مسرح الصحراء على التحديات التي يفرضها الفضاء الواسع والمفتوح. وإلى أي حد يمكن أن يؤثر ذلك في أداء الممثل وحضوره وإيقاعه، وكيف يمكن المؤدي في الصحراء أن يتكيف مع هذه الظروف. أسئلة من جملة أسئلة مهمة وعديدة طرحها المهرجان على ضيوفه، ليبقى التحدي الكبير الخروج من شروط العلبة الإيطالية، ومحاولة العودة بالمسرح إلى الينابيع الأولى للملحمة.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة