"كنا في سجن أو ربما في ساحة حرب"... بهذه العبارة بدأت المصابة رولا شهادتها حول ما يجري في المستشفى الإندونيسي شمال القطاع الذي يعد المرفق الصحي الوحيد في تلك المنطقة، وهو آخر مؤسسة طبية تعمل في مدينة غزة، بعدما خرج مستشفيا الشفاء والمعمداني عن الخدمة.
قبل دخول الهدنة الإنسانية حيز التنفيذ الجمعة الماضي، حاصرت الدبابات الإسرائيلية المستشفى الإندونيسي بالتزامن مع سلسلة غارات شنتها الطائرات المقاتلة في محيط المرفق الصحي.
ساحة حرب
وبحسب المدير العام لوزارة الصحة في غزة منير البرش، نقلت إسرائيل ساحة المعركة إلى المستشفى الإندونيسي الذي تعرض لإطلاق نار بصورة متواصلة، مما تسبب في خطورة على المصابين داخله، واضطر العاملون الصحيون إلى إخلاء المرفق الطبي بالإجبار وفرض النزوح القسري على الجرحى والمرضى.
وبسبب خطورة الوضع في محيط المستشفى الإندونيسي نسقت اللجنة الدولية للصليب الأحمر مع إسرائيل لإجلاء الجرحى نحو الجنوب ونقلهم إلى مجمع ناصر الطبي في مدينة خان يونس لتلقي الرعاية الطبية هناك، وبعد سلسلة محادثات وافقت تل أبيب على ذلك.
ووصل نحو 200 جريح إلى مجمع ناصر الطبي بعد إجلائهم من الإندونيسي الذي انقطعت عنه الاتصالات وتوقفت الأخبار الواردة من هناك، واستمعت "اندبندنت عربية" إلى شهادات عدد من المرضى حول ما كان يحدث معهم في المستشفى وفي رحلة النزوح القسري.
في المستشفى
تقول الجريحة رولا "كنت نازحة في المستشفى الإندونيسي وليل الخميس الماضي أطلقت الدبابات الإسرائيلية قذائفها على مباني المستشفى، فأصبت بشظية في قدمي وبترتها، نزفت لأكثر من خمس ساعات".
وتضيف أنه "استمر إطلاق القذائف والغارات الجوية أكثر من ساعتين، ونتيجة قوة الانفجارات هرب الأطباء وأصيب الجرحى بالهلع، بعدما اخترقت القذائف جدران المستشفى وأصبحنا نشاهد الدبابات وكأننا في الشارع".
وتتابع "شاهدت جرحى ينزفون وكان الدم يسيل على الأرض، وأنا أحاول الهروب من الغارات والقذائف مشيت على قدم واحدة فوق الجرحى والضحايا، ثم جلست في إحدى الزوايا".
بحسب رولا، فقد ألحقت القذائف والغارات أضراراً كبيرة بمبنى المستشفى الإندونيسي وحولت بعض مرافقه إلى أنقاض احتُجز الجرحى تحتها، فيما تعذر الوصول إليهم بسبب كثافة النيران.
ويؤكد البرش أن الوضع داخل المستشفى ومحيطه صعب للغاية، وتسببت النيران الإسرائيلية في سقوط 12 ضحية من النازحين وعشرات الجرحى، فيما لم نتمكن من انتشال الجثث لدفنها.
أثناء النزوح
ونقل الجرحى من المستشفى الإندونيسي إلى مجمع ناصر الطبي وتم إجلاؤهم بواسطة سيارات تابعة للصليب الأحمر.
يقول المصاب بكر "عندما خرجنا من المستشفى وجدنا ضحايا على بوابة المرفق الصحي، وكان هناك قناص أطلق النار تجاهنا على رغم أن فرق الإنقاذ التابعة للصليب الأحمر كانت ترافقنا، وعند البوابة سقط عدد من القتلى تعذر انتشالهم".
ويضيف أن "الدبابات كانت تقف في طابور طويل وكنا نسير بينها في ممر واحد، وجه الجنود مدفع الدبابة صوبنا واعتقدت بأنهم سيقتلوننا. مشهد هروب الجرحى من دون مساعدة أحد يلازمني دائماً، فكل واحد منا بالكاد كان يستطيع إنقاذ نفسه".
على الحاجز العسكري
تحت تهديد السلاح، توجه الجرحى في حافلة الصليب الأحمر نحو الجنوب، وساروا في الممر الإنساني الآمن حيث يتمركز الجنود لتفتيش أي شخص يمر من تلك النقطة.
ولدى الوصول إلى أمام الحاجز العسكري الإسرائيلي، يقول سامر "طلب منا الجنود النزول من الباصات والوقوف في صف واحد لتفتيشنا".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
سامر مبتور الطرف الأيمن وطلب منهم استثناءه من النزول من الباص، لكن الجنود رفضوا، ويضيف أن "الجو كان بارداً، وأجبروني على خلع ملابسي من دون مساعدة أحد، ثم أمروني بالجلوس على الوحل".
ويتابع "استهزأ الجنود بي وقالوا لي يا مبتور، ثم رفع أحدهم الهراوة للأعلى وضربني بقوة على قدمي غير المبتورة، فسقطت، ثم هددني بأن هناك مزيداً من العذاب ينتظرني لأنني لم أغادر المستشفى عندما أمروا إدارتها بالإخلاء".
بحسب شهادة سامر، تجمع الجرحى في طابور والأطباء في صف آخر، وتعذر التواصل مع الطواقم الصحية بسبب انشغالهم في تطبيب وعلاج الجرحى.
الصحة
ويؤكد البرش أن عدداً من الأطباء تعرضوا للإهانة والتعذيب، كما جرى اعتقال نحو خمسة عاملين صحيين أثناء عبورهم الممر الإنساني، على رغم أن فرق الإنقاذ في الصليب الأحمر كانت ترافقهم، لافتاً إلى أن رحلة الإجلاء استغرقت أربع ساعات.
وتحدث البرش عن تعرض محيط المستشفى الإندونيسي وبواباته ومولدات الكهرباء لقصف الطيران والمدفعية، كاشفاً عن أن هناك 400 جريح عالقون تحت الأنقاض وبحاجة إلى إنقاذهم ولرعاية طبية كاملة.
من جهة إسرائيل، يقول المتحدث باسم الجيش أفيخاي أدرعي "فتح مقاتلون نيران أسلحتهم الرشاشة من داخل المستشفى الإندونيسي باتجاه قواتنا التي كانت تنفذ عمليات خارج المرفق الصحي، ورداً على ذلك استهدفت وحداتنا مصدر إطلاق النار بصورة مباشرة، ولم نطلق أي قذائف باتجاه المؤسسة الصحية ولم نطلب منهم الإخلاء".