Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"قمة سلامة الذكاء الاصطناعي" دقت ناقوس الخطر من أضراره الكارثية

الاتفاق في بلتشلي على وضع خريطة طريق للحد من أخطار هذه التكنولوجيا التي لا تنفك تتطور سريعاً في مقابل العمل على تسخير فوائدها من أجل خير البشرية

وزراء التكنولوجيا والمعلومات في قمة سلامة الذكاء الاصطناعي في بلتشلي بارك، المملكة المتحدة (غيتي)

ملخص

يبدو أننا اليوم، وفي مقابل إسهامات عظيمة لهذه التكنولوجيا في الطب والحوسبة وتسريع الأعمال وتحرير الإنسان من مهمات روتينية لينصرف إلى المهمات الأكثر أهمية، إزاء خطر حقيقي يطرحه ذكاء اصطناعي يفوق بمستواه ذكاء البشر

طوال أعوام، سمعنا وقرأنا عن ذكاء اصطناعي "خارق" يخرج إلى الإنسان بصورة المساعد المسالم إلى أن يقرر ذات يوم أن يتمرد عليه ويطيحه، فيسيطر على زمام أمور البشرية ويتهدد بزوالها. وإذ غمرت شاشات السينما أفلام تستشرف مستقبل هذه التكنولوجيا وما تنطوي عليه من حسنات وسيئات، اعتقد معظمنا بأنها لا تعدو كونها أضغاث أحلام. لكن يبدو أننا اليوم، وفي مقابل إسهامات عظيمة لهذه التكنولوجيا في الطب والحوسبة وتسريع الأعمال وتحرير الإنسان من مهمات روتينية لينصرف إلى المهمات الأكثر أهمية، إزاء خطر حقيقي يطرحه ذكاء اصطناعي يفوق بمستواه ذكاء البشر ويتهرب من سيطرتهم، فينحرف عن مساره ويدخل في أنشطة ضارة، من بينها الأسلحة البيولوجية. بناء عليه، ارتأى زعماء العالم عقد قمة عالمية تستهدف فهم وإدارة أخطار التكنولوجيات الذكية والحرص على نشرها بطريقة آمنة ومسؤولة من الجهات المعنية كافة.

القمة التي عُقدت في "بلتشلي بارك" في المملكة المتحدة، وفي غمرة رمزية هذا المكان الذي شهد فك شيفرات القوات النازية في الحرب العالمية الثانية، أعلن البلد المستضيف إلى جانب الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وأستراليا والصين أن الذكاء الاصطناعي يشكل خطراً كارثياً محتملاً على البشرية.

هكذا، وقعت 28 حكومة على ما يسمى "إعلان بلتشلي" في اليوم الأول من قمة سلامة الذكاء الاصطناعي. واتفقت الدول على مد جسور التعاون في البحوث التي تتوخى سلامة الذكاء الاصطناعي، حتى وسط الدلائل التي تشير إلى أن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تتنافسان على أخذ زمام المبادرة في صياغة قوانين تنظيمية جديدة.

إضافة إلى تشديدها على التهديدات والأضرار التي قد تنشأ نتيجة تحقيق تقدم أكبر في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، صبت القمة تركيزها على محاور عدة تتلخص في التوصل إلى فهم مشترك لأخطار ما يسمى "الذكاء الاصطناعي الحدودي" Frontier AI، وتأكيد ضرورة التعاون الدولي في شأن سلامة التكنولوجيا الجديدة ومسؤوليتها، فضلاً عن تقديم اقتراحات حول التدابير والقوانين المناسبة التي يتعين على المنظمات الفردية اتخاذها ووضعها بغية تعزيز سلامة هذه التكنولوجيات ومأمونية استخدامها، وتحديد مجالات التعاون المحتملة في بحوث سلامة الذكاء الاصطناعي.

وفي تصريح أدلى به في هذا الشأن، وصف رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك الإعلان بـ"الرائع"، على ما أشارت صحيفة "ذا غارديان" في مقالة نشرتها أخيراً حول القمة.

في خطاب له أخيراً، أشار سوناك بوضوح إلى أخطار هذه التكنولوجيا، بما في ذلك إمكان استخدامها من قبل الإرهابيين ومجرمي الإنترنت، وسلبها وظائف الناس في مجموعة متنوعة من القطاعات، متخوفاً من احتمال أن يقود هذا التحول إلى "رد فعل عام عنيف" من جانب المتضررين.

وذكر قبيل ظهوره في القمة أن التقدم التكنولوجي الناجم عن الذكاء الاصطناعي سيحدث تحولاً مهولاً في مستقبل أبنائنا وأحفادنا. لذا فنحن مدينون لهم بالحرص على تطور الذكاء الاصطناعي على نحو آمن ومسؤول، والتصدي في وقت مبكر للأخطار التي يطرحها.

وبالعودة للإعلان، أشار إلى احتمال حدوث أضرار جسيمة، وحتى كارثية، سواء كانت متعمدة أو غير مقصودة، ناجمة عن القدرات الفائقة التي تتسم بها نماذج الذكاء الاصطناعي المتطورة، كما أوضحت "ذا غارديان".

الصحيفة نقلت عن ميشيل دونيلان، وزيرة شؤون التكنولوجيا في المملكة المتحدة، قولها إن في جعبتنا وللمرة الأولى اتفاقاً بين الدول يقول إن علينا أن نفكر بشكل جماعي وليس بشكل فردي في الأخطار المحيطة بـ"الذكاء الاصطناعي الحدودي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تذكيراً، يشير مصطلح "فرونتير أي آي" إلى الأنظمة الأحدث من هذه التكنولجيا التي يعتقد بعض الخبراء بأنها ستتمتع بقدرة عالية تمكنها من أداء مجموعة واسعة من المهمات على نحو يطابق، بل يتجاوز القدرات الموجودة في النماذج الأكثر تقدماً اليوم، من ثم ستكون أكثر ذكاء من الناس في مجموعة من المهمات.

دونيلان التي افتتحت بكلمتها القمة توجهت إلى زملائها المشاركين موضحة أنه لا ينبغي ترك تطور الذكاء الاصطناعي "للمصادفة أو الإهمال أو لجهات خاصة لوحدها".

أما رجل الأعمال الشهير إيلون ماسك، مالك شركتي "تيسلا" و"سبيس إكس" ومنصة "إكس" (تويتر سابقاً) الذي كثيراً ما تحدث عن إجماع ساحق على إخضاع الذكاء الاصطناعي للقانون، فقال في حديث إلى وكالة "برس أسوسيشن" على هامش القمة، إننا "للمرة الأولى، لدينا إجماع على وجود شيء ما سيكون أذكى من أذكى إنسان… وليس واضحاً بالنسبة لي أن في مقدورنا أن نتحكم في شيء على هذه الشاكلة".

بدورها الصين التي تعتبر أحد أبرز اللاعبين في حقل الذكاء الاصطناعي، وقعت على الإعلان الذي تضمن الجملة التالية: "نرحب بجهود المجتمع الدولي التي بذلها حتى الآن من أجل التعاون في مجال الذكاء الاصطناعي بغية تعزيز النمو الاقتصادي الشامل والتنمية المستدامة والابتكار، وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وتعزيز ثقة الناس بأنظمة الذكاء الاصطناعي لتحقيق إمكاناتها بالكامل".

وقال وو تشاو هوي، نائب وزير العلوم والتكنولوجيا الصيني، "إننا نتمسك بمبادئ الاحترام والمساواة والمنفعة المتبادلة. تتمتع البلدان، بغض النظر عن حجمها، بحقوق متساوية في تطوير واستخدام الذكاء الاصطناعي".

وأبدت كوريا الجنوبية موافقتها على استضافة قمة أخرى من هذا القبيل في غضون ستة أشهر، في حين تستضيف فرنسا قمة أخرى في غضون عام واحد.

ولكن، إلى حد الآن، ما من اتفاق دولي حول ماهية القوانين التنظيمية الخاصة بالذكاء الاصطناعي، أو من هي الجهات التي ينبغي أن تكون مسؤولة عن وضعها، لا سيما أن وزيرة التجارة الأميركية جينا ريموندو استغلت القمة كي تعلن عن إنشاء معهد أميركي منفصل لسلامة الذكاء الاصطناعي ضمن "المعهد الأميركي الوطني للمعايير"، وإن كانت أعلنت أيضاً نية الولايات المتحدة التعاون مع المعهد الدولي الذي تعتزم بريطانيا إنشاءه لمراقبة أنظمة الذكاء الاصطناعي.

وفي الواقع، يمثل الإعلان الصادر عن القمة نجاحاً دبلوماسياً بالنسبة إلى المملكة المتحدة وإلى سوناك خصوصاً الذي اتخذ، في رأي خبراء تكنولوجيين وسياسيين كثر، قراراً صائباً باستضافة القمة هذا الصيف. في "بلتشلي بارك" نجح عالم الرياضيات البريطاني آلان تورينغ متعاوناً مع عدد من العلماء والعسكريين في اختراق تشفير ألماني واطلعوا تالياً على الرسائل الألمانية السرية، في إنجاز قلب مجرى الحرب العالمية الثانية ووضع حداً لها منقذاً ملايين الأرواح من براثن الموت، فهل تكون المملكة المتحدة هي أيضاً المنقذ هذه المرة، ولكن من براثن حرب ربما يخوضها الذكاء الاصطناعي ضدنا؟

المزيد من علوم