Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حكايات مصريين مشردين في شوارع غزة بانتظار الإجلاء

والدة عمر وإخوته بلا مأوى ويتغذون على البسكويت وزوجة الشافعي وطفلته عالقتان في رفح واستغاثات للسلطات للم الشمل

المصريون المحاصرون في قطاع غزة وجهوا استغاثات للسلطات من أجل تأمين عودتهم عبر معبر رفح (أ ف ب)

ملخص

عمر يقول إن والدته وإخوته مشردون في الشوارع من دون أغراض تكفيهم ويكررون الحديث عن الموت في مكالماتهم القصيرة معه ويحرصون على توديعه بالوصايا.

بينما كانت المصرية مها طه (65 سنة) تجهز أمتعتها للعودة إلى بلدها، والاستقرار بشكل دائم بصحبة أولادها الثلاثة، بعد أن توفي زوجها الفلسطيني، في ظل عزمها ورغبتها البقاء مع والدتها التسعينية المقيمة بالقاهرة، وكذلك لم شمل أسرتها الصغيرة، حل السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري لتنغلق أبواب غزة أمامها، وتجد السيدة الستينية نفسها مجبرة على معايشة أجواء ملتهبة وسط الحصار.

الخطة التي رسمتها مها لمستقبل أسرتها الصغيرة لم تسر بالشكل الذي أرادته، إذ باتت عالقة بصحبة اثنين من أبنائها، على خلفية الحرب الدائرة بين الجيش الإسرائيلي وحركة "حماس". ونتيجة القصف المتواصل الذي استهدف شمال غزة اضطرت إلى الرحيل عن منزلها الذي دمر إثر قصف استهدف مخيم الشاطئ، متجهة إلى منطقة الوسطى، وبدأت منها رحلة التنقل بين الركام بحثاً عن ملاذ ومأوى آمن.

في ظل ما تعانيه الأسرة من حصار محكم، وعدم قدرة على العبور إلى مصر، كان عمر هاني (28 سنة)، الوحيد بين أبناء مها الذي تمكن من مغادرة غزة قبل أيام من بدء تلك الحرب المستعرة، من أجل إنهاء الإجراءات الأخيرة في عملية اكتسابه الجنسية المصرية. وكان الاتفاق أن يسبقهم إلى حيث تستقر عائلة والدته، على أن يلحقوا به عقب إنهاء تلك الإجراءات، وإتمامه عملية البحث عن شقة بسعر مناسب لاحتواء جميع أفراد الأسرة.

مطالبات بسرعة الإجلاء

يتحدث عمر إلى "اندبندنت عربية" عن المفارقة في كونه يعيش في مصر بجنسيته الفلسطينية، بينما بقية أشقائه الذين اكتسبوا الجنسية يواجهون مع والدته المصرية ظروفاً بائسة تفتقد أبسط مقومات المعيشة. ويقول إن حياتهم مهددة في ظل استمرار الحرب على قطاع غزة، مبدياً أمله في أن تتحرك السلطات المصرية للمساعدة وإجلائهم إلى القاهرة، مقترحاً أن يقتصر الأمر مبدئياً على حماية كبار السن والأطفال المصريين، وفتح طريق آمن لهم.

في الـ10 من أكتوبر الجاري خرجت وزارة الهجرة المصرية لإعلان تلقيها استغاثة عاجلة من نحو 30 مصرياً يحملون الجنسية الكندية، موجودين في غزة لمساعدتهم على الخروج من الأراضي الفلسطينية عقب تطور الأحداث الأخيرة. وقالت الوزارة إن سفيرة الهجرة المصرية سها جندي تواصلت مع السفير المصري في تل أبيب خالد عزمي، الذي بدوره أكد اتخاذ كل الإجراءات اللازمة لإخراجهم سالمين. يأتي ذلك في وقت انتشرت شهادات من مصريين في غزة يتحدثون عن تعرضهم للقصف، كما انتشرت على وسائل التواصل شهادة متداولة لفلسطينية تبلغ فيها بمقتل سيدة مصرية سبعينية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

عاد عمر للحديث عن الطريقة التي يعتمدها للتواصل مع أسرته، إذ حكى أنها مسألة مرهقة وصعبة بالنسبة إليه. وأشار إلى اعتماده على المكالمات الدولية بشكل رئيس. مستعرضاً الصعوبات التي تواجهه خلال تلك العملية "أطول اتصال جمعني بهم في الأيام الأخيرة استغرق أقل من دقيقة، في الغالب لا تستمر المكالمة أكثر من 30 ثانية، وفي أكثر الأحيان تعيد المكالمة نفسها، وأجد نفسي أستمع إلى ما دار بيننا مرة أخرى".

سلط عمر الضوء على الظروف الصعبة التي تعيشها أسرته في قطاع غزة منذ بدء الحرب، قائلاً "والدتي سيدة مسنة، تعيش على الفتات الآن، أخبرتني أنها تتغذى على البسكويت بشكل يومي، وهو ما يجعلني أشعر بالقلق عليهم، كما سبق أن انقطع التواصل معهم لمدة ثلاثة أيام، وكنت أصل إلى أخبارهم عبر أشخاص آخرين".

شعور بالعجز

وفي ما يتعلق بالشعور الذي يسيطر عليه قال "جميع أفراد أسرتي يحملون الجنسية المصرية، وأشعر بالعجز لأنني بمفردي في مصر، بينما هم يعيشون المعاناة والمأساة، لذلك أريد إما مساعدتي في الوصول لهم وإما فتح الأبواب أمامهم للعودة إلى ديارهم". يعود الشاب الذي لا يزال مفتقداً أسرته إلى الحديث عن أنهم كانوا يمتلكون شقة بمنطقة المقطم بالقاهرة تم بيعها قبل سنوات، وأنه يبحث عن بديل لها من أجل لم شمل أشقائه، وحتى يكونوا بجوار العائلة حال الوصول إلى وقف إطلاق النار.

الواقع المفروض على والدته وأشقائه يتخذ حيزاً من حديث عمر، إذ يقول "أخبروني أنهم مشردون في الشوارع من دون أغراض تكفيهم، ولاحظت خلال المكالمات السابقة أنهم يكررون الحديث عن الموت، وفي كل مرة يعكسون مشاعرهم الداخلية من أن الصباح لن يطلع عليهم، ويحرصون على توديعي بكلمات تحمل وصاياهم".

يذهب عمر إلى لحظات مؤثرة يعيشها في مصر، متحدثاً عن جدته التي تخطت التسعين من عمرها، سارداً التفاصيل "أشاهدها تتابع الأحداث أمام التلفاز، وتتحدث بصوت مرتفع موجهة حديثها إلى والدتي كأنها تسمعها وتشعر بها، أخشى عليها بسبب قلقها المستمر أن تصاب بأي شيء في ظل الحالة التي باتت عليها أخيراً".

يعيش هاني الشافعي هو الآخر ظروفاً مشابهة في مصر، بعد أن أغلقت غزة أبوابها على من بداخلها، إذ باتت زوجته وطفلته عالقتين في رفح نتيجة الأحداث المتصاعدة وتسارعها بين الجيش الإسرائيلي وحركة "حماس" من دون الوصول إلى هدنة إنسانية. يسرد الشافعي في حديثه إلى "اندبندنت عربية" أن عملية التواصل معهما تحدث على فترات متباعدة، مؤكداً استحالة إجرائه مكالمات خلال فترات الليل، بخاصة أثناء الغارات العنيفة، ولذلك فإنها تقتصر على الفترات الصباحية.

وعن المعوقات التي تقف أمام الاطمئنان عليهم قال "لا تزيد المكالمة مع زوجتي على دقائق معدودة".

وفي ما يتعلق بأهم المطالب التي يحملها قال الشافعي "أنتظر اللحظة التي يتخذ فيها القرار بإجلاء المصريين"، مشيراً إلى تلقيه اتصالات من قبل مصريين كثر يواجهون المعاناة نفسها. وأضاف "نبحث عن وسائل لتوصيل رغباتنا للمسؤولين، ونطالب بضرورة إجلاء الرعايا المصريين، لأنه أقل شيء يمكن أن تقدمه الدولة المصرية تجاههم".

وفي وقت سابق من هذا الشهر، أعلنت وزارة الهجرة المصرية أنه من خلال التواصل مع السفير المصري في فلسطين، إيهاب سليمان، تأكد أن المصريين بالقطاع جميعهم بخير.

فرح يتحول إلى "مآتم"

يعود هاني للحديث عن أسباب تركه زوجته من دون أن يرافقها في زيارتها لغزة مبرراً بالقول إن "ظروف عملي أجبرتني على ذلك الأمر، ولا يمكن أن أمنعها عن حضور زفاف شقيقها، وكنت أعتزم اللحاق بهم قبل أيام قليلة من العرس، لكنني فوجئت بتلك الأحداث، والظروف الحالية حولت الفرح إلى مآتم".

وتابع الشافعي "أرى أن الحديث عن زوجتي وطفلتي مسألة مهمة من أجل مساعدتهما في توصيل الرسالة لإجلائهم، لكنني أشعر بألم عند التطرق إلى هذا الشأن، الوضع سيئ جداً، وقد نفدت طاقتي، وما زلت أحاول التواصل مع المسؤولين، لكنني أثق في الوقت نفسه بأنهم يؤدون دورهم، ونحن ننتظر ما سيفعلونه من أجل أبنائهم".

كان الشافعي وجه استغاثة عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي مع بداية الحرب في غزة، محاولاً توصيل صوته للمسؤولين، وحازت تلك الرسالة صدى واسعاً على منصات التواصل، كما خرج في تصريحات متلفزة لتأكيد أن زوجته كانت في طريق عودتها إلى مصر، لكن المعبر تعرض للقصف وعادت مرة أخرى لمنزل أسرتها، مشيراً إلى أنها كانت تتحدث معه وهي تحمل ابنته، وتستغيث بسبب القصف.

شهادات من قلب المعاناة

وانتشرت في الأيام الأخيرة استغاثات موجهة إلى السلطات المصرية لمساعدتهم في العبور إلى بلادهم. ومن بين تلك الشهادات نشر خالد قاسم مقطع فيديو على منصات التواصل أشار خلاله إلى أنه يحمل جنسية مزدوجة مصرية وفلسطينية، ووالدته المصرية مقيمة في فلسطين وتواجه أخطاراً كبيرة، كما تعاني زوجته الظروف نفسها، كما وجه قاسم حديثه إلى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي للتدخل من أجل مساعدتهم، مستنداً إلى أن والدته الستينية أصيبت في غزة.

شهادة أخرى نقلها عبدالله فارس، حين قال في تصريحات متلفزة إنه تزامناً مع مطلع شهر أكتوبر الجاري وصل إلى غزة في زيارة لأهل زوجته في منطقة الشيخ رضوان، وأدى القصف إلى تدمير المنزل ووفاة والدته. وشدد على أن جميع أفرد الأسرة تعرضوا لإصابات متفرقة وفقدوا جميع الأوراق الثبوتية، مستغيثاً بالسلطات المصرية لمساعدتهم وتنفيذ عمليات إجلاء فوري.

وفي وقت لم تعلن فيه جهات مصرية عن تعرض المصريين في غزة لأضرار، انتشر مقطع صوتي لبطلة العالم في رمي الرمح إيمان البيك تشير خلاله إلى أن الطائرات قصفت المنطقة التي تقيم فيها، كما نوهت بأن سبب وجودها في غزة امتلاك عائلتها أراضي في خانيونس ودير البلح، ومحاولتها الحفاظ عليها.

وعبرت البيك عن قلقها بسبب عدم وجود أقرباء لها هناك، مشيرة إلى أنها عندما تمكنت من الحصول على ختم خروج عند معبر رفح في التاسع من أكتوبر الجاري تعرضت المنطقة للقصف، واضطرت إلى العودة مرة أخرى من حيث أتت.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير