Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف يتعامل القانون الدولي مع "الجرائم ضد الإنسانية"؟

المحكمة الجنائية" "غير فعالة" في انتظار الظرف السياسي

ينتظر الفلسطينيون ملاحقة المسؤولين عن الانتهاكات في غزة (اندبندنت عربية)

ملخص

يشكل استهداف المرافق المدنية في غزة فرصة للسؤال عن فاعلية القانون الدولي الإنساني

التهجير نحو جنوب قطاع غزة، سقوط حوالى أربعة آلاف ضحية في القصف الإسرائيلي، إضافة إلى استهداف المرافق الصحية والتربوية من مستشفى المعمداني إلى مدارس "الأونروا"، فضلاً عن فرض الحصار التام وقطع المياه والكهرباء عن أراضي القطاع، هذا غيضٌ من فيض الأحداث التي باتت تشكل المشهد العام "لما تبقى من مظاهر حياة" في غزة، والتي يمكن أن تشكل مقدمة لتحرك السلطة الفلسطينية للمطالبة بالعدالة الدولية وطرق باب المحكمة الجنائية الدولية.

محكمة للجرائم الدولية

تعتبر "المحكمة الجنائية الدولية" في مقدّم المؤسسات الدولية للدفاع عن حقوق الإنسان، وجاء ظهورها نتيجة جرائم الحرب المتكررة التي اتخذت أشكال "الإبادة"، والتطهير العرقي، وسواها من الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان. وبدأت إرهاصاتها بالظهور مع قرار مجلس الأمن 827 بشأن تأسيس المحكمة الجنائية ليوغسلافيا السابقة بتاريخ 25 مايو (أيار) 1993، ومن ثم جاءت المحكمة الخاصة بجرائم الإبادة والانتهاكات في رواندا في 1994، وكانت صلاحيات هاتين المحكمتين مقيدة لناحية النظر بجرائم محددة، وفي هذه الدول فقط. من هنا، برز اتجاه لإنشاء "محكمة جنائية دولية" دائمة، والتي تأسست بصورة رسمية، في يوليو (تموز) 1998، وتتألف المحكمة من 18 قاضياً من الدول الأعضاء موزعين على المناطق الجغرافية المختلفة، مع مراعاة التمثيل المتوازن والعادل بين النساء والرجال.

الحرب ودائرة الاختصاص

وتنظر المحكمة الجنائية الدولية بأربع فئات أساسية من الجرائم، من ناحية أولى، تختص بالنظر في جرائم الحرب، والمخالفات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني وفق اتفاقيات جنيف لعام 1949، والملاحق الإضافية لعام 1977، وتضم جرائم الحرب مروحة واسعة من الأفعال القسرية، كالاغتصاب، والاسترقاق، والبغاء الإجباري، والحمل الإجباري، والأشكال الأخرى من العنف الجنسي، وكذلك إشراك الأطفال دون سنّ الـ 15 في النزاعات المسلحة، والتأخير غير المبرر في إعادة المساجين إلى بلادهم، والهجمات العشوائية على السكان المدنيين، والأملاك ذات الصفة المدنية.

أما الفئة الثانية من الجرائم، فهي "جرائم الإبادة"، وبحسب المادة السادسة من نظام المحكمة، تدخل في نطاقها "الأعمال الهادفة لتدمير مجموعة وطنية، إثنية، عرقية، أو دينية، كلياً أو جزئياً"، ويمكن أن نذكر منها: قتل أعضاء الجماعة، أو الإضرار الخطير بالسلامة الجسدية، أو العقلية لأعضاء الجماعة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتنص المادة السابعة من نظام المحكمة على "الجرائم ضد الإنسانية"، وهي الأعمال الواقعة ضمن الهجوم ضد السكان المدنيين، والتي تضم، على سبيل التعداد لا الحصر، القتل، والإبادة، والنفي أو النقل الإجباري للسكان، والسجن، أو أي شكل آخر من أشكال الحرمان الخطير من الحرية الجسدية في عملية انتهاك لنصوص القانون الدولي الأساسية، والتمييز العنصري، وغيرها من الجرائم. أما الفئة الرابعة، فهي جرائم الاعتداء التي لم يتضمن النظام الأساسي تحديداً صريحاً لمعالم هذه الجرائم.

المحكمة و"سؤال الفاعلية"

ويحدد المحامي فاروق مغربي المتخصص بالقانون الدولي الإنساني القواعد التي تعمل بموجبها المحكمة الجنائية الدولية، ويشير إلى الانطلاق من "الصلاحية الإقليمية"، والتي تنطلق من "مصادقة الدولة المدعية على بروتوكول روما الذي نشأت بموجبه المحكمة، والأمر نفسه ينطبق على الدولة التي تنتمي إليها الشخصية المرتكبة"، ومن ثم، لا بدّ من تطابق الوصف الجرمي للفعل مع إحدى الجرائم المنصوص عليها في نظام المحكمة، أي جرائم الحرب، والإبادة، والجرائم ضد الإنسانية، وذلك بغية انعقاد الصلاحية للمحكمة. ويوضح مغربي أن "المحكمة الجنائية الدولية أكدت صلاحيتها النظر بالجرائم المرتكبة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وضمن نطاق مناطق 1967، فعلى سبيل المثال، أحيلت جريمة قتل الصحافية شيرين أبو عاقلة إلى هذه المحكمة"، منوهاً إلى "أثر الظرف السياسي الدولي على عمل المحكمة، إذ قام الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب بفرض عقوبات على النائب العام للمحكمة في أعقاب استدعاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو". كما يتطرق إلى الآلية الإجرائية المتبعة لوضع المحكمة يدها على الدعوى، ويشير إلى مسارين متبعين، الأول يقوم على تقديم المتضرر لشكوى لدى المحكمة، أما الآخر، فيعتمد على قيام المدعي العام للمحكمة بتحريك الملف بناء لسلطته الاستنسابية.

تنفيذ الأحكام "مكبّل بالسياسة"

ولا تبشر السوابق التاريخية بالخير لناحية الحكم على تجربة المحكمة الجنائية الدولية، إذ لم تحظ أحكامها بفرصة التنفيذ بانتظار الظرف السياسي المناسب، لأن معظم الملاحقين بجرائم الحرب إنما يكونون في رأس هرم السلطة. ويلفت المحامي مغربي إلى "ملاحقة الرئيس السوداني السابق عمر البشير"، فقد كان أحد المطلوبين للمحكمة، مستدركاً "لم يمثل البشير أمام المحكمة، ولم يوقف"، في المقابل، تمكنت المحكمة من ملاحقة آخرين وإدانتهم بفعل الظرف السياسي الملائم. وينبه مغربي إلى أن "المحكمة لا تمتلك ضابطة عدلية خاصة لتنفيذ أحكامها، وإنما تلجأ لجهاز الإنتربول الدولي"، مشيراً إلى "تجربة سيف الإسلام القذافي الذي بقي في ليبيا"، و"الأمر نفسه ينطبق على مذكرة التوقيف الدولية بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي لم يتمكّن أحد من توقيفه".

يضيف المحامي مغربي "عندما تصدر مذكرة توقيف دولية، تعمَم على الدول التي يقع على عاتقها تنفيذ المذكرة، علماً أن هناك عوامل كثيرة تؤخذ في الاعتبار قبل تنفيذها، والسعي لعدم المسّ بالتوازنات السياسية، وخير دليل تجربة عمر البشير الذي كان يسافر إلى كثير من الدول من دون توقيفه وتسليمه".

ولا يختلف الأمر في تجربة لبنان مع المحكمة الدولية الخاصة بلبنان التي نظرت بجريمة اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري ذات الطابع المختلط، وتوصلت المحكمة إلى إصدار أحكام بحق الفاعلين، وقامت بتسميتهم إلا أنها لم تُنفذ لأسباب مختلفة، بحسب مغربي، الذي يخلص إلى أنه "يبقى لتلك الأحكام قوة معنوية، إذ تُقيد بشكل أو آخر حركة الملاحقين أو المحكومين من رؤساء ومسؤولين، الذين يحدون من تحركاتهم الخارجية أو السفر إلى الدول الملتزمة بنظام المحكمة".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير