يشارك رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون في قمة مجموعة السبع الـ 45 التي تستمر لثلاثة أيام من السبت إلى الاثنين في مدينة بياريتس الفرنسية، في أول مناسبة دولية له في منصبه الجديد. وستكون تلك الفرصة الأولى لمقابلة أربعة رؤساء دول كبرى كنظراء له، بعدما التقى بالفعل المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال هذا الأسبوع.
وتضم مجموعة السبع إلى جانب بريطانيا وفرنسا وألمانيا، كل من إيطاليا والولايات المتحدة وكندا. ومع أن جونسون التقى الرئيس الأميركي دونالد ترمب عام 2017 في مقر الأمم المتحدة بنيويورك، لكنه كان حينها وزيراً للخارجية البريطانية.
كما أن الرئيس الفرنسي دعا زعماء من خارج مجموعة السبع، هم قادة أستراليا والهند وجنوب أفريقيا ومصر والسنغال ورواندا وبوركينا فاسو وتشيلي، الذين سيلتقون أيضاً بوريس جونسون للمرة الأولى كرئيس لوزراء بريطانيا.
ويرى قسم كبير من البريطانيين أن تلك هي فرصة جونسون ليثبت ذاته أمام العالم كرجل دولة، وينفي الصورة التي رسمها الإعلام عنه، لكن معضلة رئيس الوزراء البريطاني الرئيسة ستكون تصرفه خلال القمة، ما بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي يعتبر نفسه حليفاً له وبين القادة من الاتحاد الأوروبي الذي ستخرج منه بريطانيا في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) المقبل كما هو مقرر.
ولا يُتوقع الكثير من القمة في ما يخص خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، إذ إن جونسون استبق توجهه إلى فرنسا بلقاءات مع الفاعلين الأساسيين في أوروبا. وكما هو معروف، لا تتخذ قمة مجموعة السبع قرارات وإنما يتشاور الزعماء فيها بشأن قضايا مشتركة وأخرى تهم العالم لتنسيق المواقف والتعهد بإجراءات – ليست ملزمة – يعتمد تنفيذها على كل زعيم دولة. ويصدر عن القمة عادةً بيان ختامي يحمل رسالة إلى العالم عما ناقشه الزعماء وما توافقوا عليه من عمل مشترك بشأن القضايا المطروحة، إلا أن ماكرون استبق القمة بالإعلان عن أنه لن يكون هناك بيان ختامي هذه المرة.
ويخشى الرئيس الفرنسي من حدوث خلافات حول قضايا عدة يمكن أن تجعل ختام القمة مربكاً، إذا رفض أحد الزعماء بنداً في البيان، فتقرر إلغاؤه كلياً. وكانت قمة السبع السابقة في كندا العام الماضي شهدت تصرفاً غير مسبوق، إذ رفض الرئيس الأميركي التوقيع على البيان الختامي، بل غادر القمة باكراً.
وكان الملمح الأساسي للقمة الـ44 هو صورة أظهرت المستشارة الألمانية وهي تتحدث بغضب إلى ترمب على ما يبدو. وعلى مدى السنة الفاصلة بين القمتين، زادت الخلافات بين الدول الأعضاء حول قضايا رئيسة مثل أزمة المناخ والاتفاق النووي مع إيران وقضايا التجارة وغيرها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
"التوازن الأطلسي"
ربما لا تهم كل القضايا المطروحة في القمة بوريس جونسون، بل أكثر ما يهمه هو تنفيذ "بريكست" وعقد اتفاقات تجارية بين بريطانيا وشركائها في العالم بعد خروج بلاده من الاتحاد الأوروبي. وفي مقدمة هؤلاء الشركاء الولايات المتحدة، التي سيناقش مع رئيسها تفاصيل الاتفاق المحتمل.
وكان مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون، الذي زار لندن أخيراً، أعلن أن بريطانيا "في أول الصف" لعقد اتفاقية تجارية بعد "بريكست". ومن شأن هكذا اتفاق، بغض النظر عن المستفيد الأكبر منه أن يعزز وضع جونسون داخلياً، بخاصة إذا اضطر إلى خوض انتخابات مبكرة قبل نهاية العام. لكن جونسون سيجد نفسه أيضاً مضطراً إلى عدم الظهور في القمة وكأنه "ربيب الولايات المتحدة"، خصوصاً أن الأوروبيين ليسوا على وئام تام مع الرئيس الأميركي. أضف إلى ذلك أن شريحة كبيرة من البريطانيين لا تكن الاعجاب لترمب ومن ثم يخشى جونسون أن يؤكد بتصرفه أنه "ترمب الصغير" كما وصفه الإعلام.
لذلك، ولتأكيد صورته كرجل دولة يمثل المملكة المتحدة، عليه الظهور في القمة بالشكل الذي يحافظ على الدور التقليدي لبريطانيا كعنصر متعادل ما بين طرفي المحيط الأطلسي: الولايات المتحدة وأوروبا. وفي سياق ذلك التوازن الأطلسي، تبدو بريطانيا أقرب في مواقفها من القضايا الدولية من أوروبا أكثر منها من إدارة ترمب.
وبدا ذلك واضحاً في قضايا مثل أزمة المناخ وحتى في الملف الإيراني، على الرغم من تصعيد طهران ضد بريطانيا في أزمة تبادل احتجاز ناقلات نفط الشهر الماضي. كما لا تزال بريطانيا ملتزمة بموقف أوروبا الحفاظ على الاتفاق النووي مع إيران.
وربما يفيد بوريس جونسون أن يلتقي زعماء الدول من خارج مجموعة السبع لفتح الطريق أمام اتفاقات تجارية معها لمرحلة ما بعد "بريكست". لكن يصعب التكهن بما يمكن أن يحدث، بخاصة أن ترمب يتصرف على طبيعته وقد ينتهي الأمر بموقف أو حركة أو صورة تؤثر سلباً، بينما يسعى جونسون إلى ترسيخ حضوره من هذا الظهور الأول له على الساحة الدولية.
ومع فقدان قمة السبع للكثير من تأثيرها، يكاد لا يتبقى منها سوى صورة أو مقطع فيديو يشكل أهم رسالة تنقلها وسائل الإعلام. وهذا هو الخطر الأكبر الذي يهدد "صورة" جونسون كرئيس لوزراء بريطانيا.