Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

يوميات نساء جراحات... اعتداء وتحرش وثقافة كراهية

جراحة فضلت عدم الكشف عن هويتها تشرح كيف أن ثقافة كره النساء في مجال الطب ولَّدت بيئة خطرة لا تهدد فقط الأطباء بل أيضاً المرضى

تعرض النساء الجراحات للاعتداء والتحرش ليس سوى قمة الجبل الجليدي (غيتي)

ملخص

واجه الطبيبات الجراحات بيئة غير مناسبة لتحقيق ذواتهن وإثبات قدراتهن المهنية.

أثار إطلاق دراسة حول التحرش الجنسي والاعتداء في مجال الجراحة صدمة وغضب عارمين بين الأطباء وعامة الناس على حد سواء في بريطانيا.

ومع ذلك، لم تكن مفاجأة النساء الجراحات كبيرة، إذ إن ثلثي الطبيبات المتخصصات في الجراحة يتعرضن للتحرش الجنسي، ويقع 30 في المئة من بينهن ضحايا الاعتداء الجنسي. وإن لم نكن قد مررنا شخصياً بتجربة من هذا القبيل، فنحن نعرف حتماً صديقات وزميلات عشن هذا الواقع [المرير].

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولطالما أدركت، كامرأة جراحة، أنني أدخل مجالاً معروفاً أكثر من غيره بكره النساء والعداء تجاههن. و[تصديقاً على هذا الكلام،] نصحني مستشارون من ذوي النوايا الحسنة بأن الجراحة ليست مهنة مناسبة للمرأة، وأنها لا تتماشى مع مفهوم الأسرة، بل وأخبروني أنه عليّ أن أبذل جهداً مضاعفاً مقارنة بأقراني الرجال لأصل إلى المراتب المهنية الراقية ذاتها. وكذلك، نصحوني بأن أنسى أي علاقات عاطفية، وأكدوا أنني لو أنجبت الأطفال يوماً، فإن مساري المهني سيصبح فعلياً من الماضي.

وبصفتي جراحة مبتدئة، كان زملائي الرجال يقولون لي إن وجودي في غرفة العمليات يسلبهم فرصة التدريب، لاعتقادهم أنني سأصبح حاملاً وأترك مجال الجراحة، بالتالي فإن أي وقت يمضونه على تدريبي هو مجرد هدر للموارد.

ومع أن الحظ حالفني وأبعدني عن تجربة الاعتداء التي بثت الذعر في نفوس زميلات لي، إلى حد أجبرهن على ترك مجال الطب برمته بسبب عدم اتخاذ أي إجراء في هذا الصدد، وغياب أي دعم لهن من أصحاب العمل، إلا أنني تعرضت للتحرش واختبرت في مناسبات كثيرة سلوكاً غير لائق بحقي.

واستطراداً، تلقيت ذات مرة، في بداية مساري المهني كجراحة تساعد في حالة جراحية، ضربة كوع قوية على صدري من أحد الجراحين الاستشاريين. وقال لي هذا الأخير بينما كان يهم بتقديم الاعتذار: "ليس ذنبي أن ثدييك كبيران". وسمع كلامه هذا فريق الجراحة بأكمله، بما في ذلك جراح استشاري آخر، وطبيبة بنج استشارية أنثى، وعدد كبير من ممرضات العناية وأفراد فريق الدعم، ناهيك بأطباء آخرين. فشعرت بالذل والإهانة. ولم يتجرأ أي ممن كانوا في الغرفة على النظر في عيني، وتعذر عليّ التركيز على ما تبقى من العملية، إذ كنت واثقة من أنني ارتكبت خطأً معيناً أعطاه الحق بالتحدث إلى بهذه الطريقة.

وبدورها، تلقت صديقة لي في مستشفى آخر عروضاً غير لائقة متكررة من [طبيب] استشاري متزوج. ومع أنها بقيت ترفض عروضه شفهياً مراراً وتكراراً، ظل يصعد الوتيرة [ويلح عليها]، إلى أن استدعاها يوماً إلى مكتبه، وأخبرها عن اعتقاده بأنه اكتسب الحق في خوض علاقة غرامية معها، قبل أن يحاول تقبيلها، بيد أنها رفضت الإبلاغ عنه [وفضح سلوكه]، لأنها كانت تعمل في مجال تخصص صغير جداً، وخشيت أن يتم تصنيفها مشاغبة ولا تعود قادرة على إيجاد وظيفة.

والحال أن النكات التمييزية والعنصرية تطلق يومياً في حق النساء. فخلال توضيح تقنية جراحية [مثلاً]، تلقى زميل ذكر [لي] توجيهاً من زميل ذكر آخر بأنه "يجب أن يمسك بالأنسجة بقوة وإحكام، تماماً كما كان ليفعل لو أراد الإمساك بامرأة [والسيطرة عليها]".

وفي أروقة الجراحة كل، سواء داخل غرفة العمليات أو أثناء جولات الرعاية أو التبادل الصباحي للمعلومات، يسود توجه غير معلن نحو إظهار سلوك سام [وغير سليم]، يتجلى على شكل نكات جنسية غير لائقة وإيحاءات مبتذلة، تحت مظلة مصطلح "المزاح". وتشارك النساء في هذا المنحى بقدر ما يشارك فيه الرجال، لأن القابلية على تلقي هذا المزاح والتسامح حياله يعكسان مدى التأقلم في فريق العمل. واللافت أن النجاح في مجال الجراحة يتوقف على قرار [الأطباء] الأكبر سناً بتوفير فرص للتدريب والمشاركة معهم في العمليات، وهي فرص قد تعطى بسهولة، وتسحب بسهولة.

واليوم، يظهر خلل كبير في ميزان السلطة، يلقي بظلاله على ما يمكن تحقيقه من تقدم على الصعيد المهني. والحال أن تقدمنا المهني يعتمد إلى حد كبير على [قرار] كبار المسؤولين أنفسهم الذين يديرون الثقافة السامة (وغالباً ما يشاركون في التحرش). واليوم، يتم التغاضي عن [أنماط سلوك] كثيرة، منعاً لتعكير صفو الأجواء. ويعتمد التقييم السنوي [للأداء] والتقدم [الذي يمكن إحرازه] على الصعيد المهني على عدد الحالات التي عالجها [كل طبيب جراح]، وعلى ملاحظات جميع أعضاء فريق الجراحة، وعلى التقارير الإيجابية الصادرة عن عدد كبير من المستشارين.

وفي سياق متصل، تثير هذه الدراسة الرائدة حديثاً واعداً يبشر بظهور حركة قائمة على مفهوم "أنا أيضاً" في مجال الجراحة، مع أن الماضي كان حافلاً بمحاولات لبدء تغيير من هذا القبيل، سواء في ميدان الطب أو الجراحة.

وفي عام 2021، أصدرت "الكلية الملكية للجراحين" Royal College of Surgeons بحثاً مستقلاً من إعداد هيلينا كينيدي كيو سي، كشف عن أنه تعذر على الكلية دعم النساء والأقليات العرقية وأعضاء مجتمع الميم+ (LGBT+). وقد اشتمل البحث المذكور على خطة من 16 بنداً، هدفها التطرق لمواقع الفشل [في دعم الفئات المذكورة آنفاً]. إلا أن بنوداً كثيرة [من هذه الخطة] تبقى غير منفذة، وسط تشكيك في أوساط النساء الجراحات في صدقية مشاعر الغضب والصدمة التي عبر عنها زملاء جراحون ومسؤولون رجال، لا سيما أنهم لطالما رفضوا الاستماع [إلى النساء] أو اكتفوا بتجاهل تجاربهم السلبية داخل الأقسام [التي يعملون فيها]، وهذا كله على رغم من إصرارهم وتأكيدهم على أنهم يعتمدون نهجاً صارماً حيال التحرش.

ليس تعرض النساء الجراحات للاعتداء والتحرش إلا القمة المرئية للجبل الجليدي، الذي يكمن الجزء الأكبر منه تحت سطح الماء. وسيبقى مجال الجراحة مفتقداً للأمان ومسموماً، إلى أن يبدأ التصدي [الفعلي] للتمييز الجنسي في مجال الجراحة، وتتمكن المرأة من العمل في الجراحة من دون تعرضها لنكات عن الاغتصاب أو سماعها لتعليقات حول مظهرها، وتحصل على دعم خلال فترة حملها من دون اعتبارها كسولة (على رغم من ارتفاع معدلات الإجهاض ومشكلات الخصوبة بين النساء المتخصصات في الجراحة)، وتتمكن من إيجاد توازن بين الأمومة ومهنة الجراحة، من دون [اتهامها] بعدم الالتزام [بعملها].

ففي النهاية، لن تقتصر المعاناة على النساء الجراحات، بل أيضاً رعاية المرضى، لأن ثقافة كره النساء ستحرمنا [حتماً] من عناصر متميزين في مجال الجراحة.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من آراء