Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تفكيك القواعد لا يلغي الأزمة الكردية في إيران

يتحرك النظام الإيراني على جبهات حدودية عدة للحد من تأثير بعض المكونات المعارضة

امرأة كردية ومسلح من "البيشمركة" على الحدود بين إيران والعراق في صورة تعود إلى عام 1996 (أ ف ب)

ملخص

على الحدود مع باكستان أو مع العراق نشط النظام الإيراني في قمع أي تحرك عسكري لجماعات كردية معارضة

يمكن القول إن إدارة النظام الإيراني استطاعت استخدام أزمة الحراك الذي اشتعل إثر مقتل مهسا أميني لتحقيق أهداف أوسع وأكبر وأبعد من الحدود الداخلية لإيران، بخاصة تجاه الجماعات والقوى والأحزاب المعارضة التي تعمل في الخارج، وتحديداً وبشكل أكثر تركيزاً، الأحزاب التي تملك أجنحة عسكرية وترفع شعارات واضحة وتتبنى أهدافاً تتجاوز حدود التعايش مع هذا النظام وتعمل على إطاحته أو الانقلاب عليه والتأسيس لسلطتها الخاصة انطلاقاً من مفهوم حقوق الأقليات أو الشعوب المكونة للنسيج الاجتماعي في إيران.

تحرك دبلوماسي وعسكري

لذلك، وفي الوقت الذي كانت تمارس فيه الأجهزة الأمنية والوحدات الخاصة في "حرس الثورة الإسلامية" أعلى مستويات القمع والملاحقة والاشتباك خلال الأزمة في التعامل مع ما تسميه طهران أو منظومة السلطة بالتهديد الذي يستهدف الأمن القومي والسيادة ووحدة الأراضي الإيرانية، ومصدره القوى والأحزاب الانفصالية بغض النظر عن القومية أو المكون الذي تنتمي له. بدأت بالتوازي حراكاً دبلوماسياً وأمنياً وعسكرياً باتجاه بعض دول الجوار التي تعد على تماس مباشر مع جغرافيا المناطق المتفجرة، أو التي تشهد تحركات واسعة ضد النظام وأجهزته وسياساته السلبية المتراكمة على المستويات المختلفة الاقتصادية والثقافية والسياسية والاجتماعية والتنموية، وغيرها.

أولى الخطوات الدبلوماسية السياسية والعسكرية والأمنية بدأتها منظومة السلطة كانت باتجاه دولة باكستان وحكومتها ومؤسستيها الأمنية والعسكرية، لتحميلها مسؤولية الأحداث التي تشهدها محافظة سيستان وبلوشستان المحاذية، التي تعد امتداداً طبيعياً، جغرافياً وديموغرافياً وعرقياً ومذهبياً لإقليم بلوشستان الباكستاني، بخاصة ما يتعلق بتحركات ونشاطات جماعة "جيش العدل" الذي يقوم بعمليات استهداف لقواعد وعناصر وقادة "حرس الثورة" والأمن والشرطة في مناطق هذه المحافظة، التي تترافق مع حراك مطلبي اجتماعي وثقافي واقتصادي، وحتى مذهبي ديني، نتيجة حالات القمع وتكميم الآراء والحريات الدينية والسياسية والثقافية.

يمكن القول إلى حد ما إن هذه المنظومة استطاعت الحصول من الحكومة الباكستانية وأجهزتها الأمنية على مستوى كبير من التعاون في تفكيك الحراك البلوشي وتفريغه من أخطاره وتحييد تداعياته إلى ما بعد السيطرة على حركة الاحتجاجات، وإنها أيضاً عملت على محاصرة قادته والمؤثرين فيه ووضعهم في دائرة الاستهداف والتسقيط الاجتماعي والسياسي، إلى جانب ممارسة عمليات القمع والقتل من دون أي رادع، وفقط من أجل ترهيب الآخرين ودفعهم للتفكير بالأثمان الكبيرة التي قد تترتب على هذا التحرك والاعتراض.

الحراك الكردي في المحافظات الغربية

في المقابل، فإن التحدي الأكبر والذي شكل مصدر خطر حقيقياً كان يأتي من المحافظات الغربية التي يسكنها أبناء المكون الكردي الذي وجد في مقتل ابنة هذا المكون "مهسا" فرصة للتعبير عن تراكم الظلم الذي يتعرض له والتهميش الممنهج الذي يمارس في حقه من قبل السلطة المركزية والتعامل الأمني والعسكري الذي تحول إلى ممارسة يومية منذ انتصار الثورة وإقامة النظام الإسلامي، فيما يشبه الأسلوب والتعامل الذي كان سائداً في زمن النظام الملكي السابق.

خطورة التحدي الأمني الذي استشعره النظام من إمكان اتساع الحراك الكردي يأتي من أن هذا المكون يملك في تركيبته الاجتماعية والسياسية أحزاباً عريقة وقديمة مثل الأحزاب والقوى الإسلامية، إضافة إلى الأحزاب اليسارية من "كومله" والحزب الديمقراطي وجماعة "بجاك" (الجناح الإيراني لحزب العمال الكردستاني)، وهي أحزاب مارست العمل السياسي والعسكري والأمني على مر العقود السبعة الماضية ولها تجربتها مع النظام الإسلامي. وإن تجربة "جمهورية مهاباد" بقيادة قاضي محمد ومصطفى برزاني ما زالت ماثلة في التعامل مع هذا المكون وطموحاته القومية والسياسية والعسكرية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

منظومة السلطة وأجهزتها الأمنية والعسكرية في طهران اعتمدت خياراً وحيداً في التعامل مع المسألة الكردية، وهو خيار لا وجود فيه سوى لمنطق القوة، سواء على المستوى الداخلي الذي يسمح بالتهرب من تحمل المسؤولية عن الإهمال المزمن والمتراكم الذي مورس بحق الجماعة الكردية وحرمانها من عملية التنمية الحقيقية، أو على المستوى المرتبط بآلية التعامل مع الأحزاب الكردية الناشطة في الخارج أو المحيط القريب، بخاصة على الأراضي العراقية في مناطق إقليم كردستان.

مخاوف المنظومة الإيرانية من التهديد الكردي ارتفعت مستوياتها منذ عام 2017 عندما أجبرت على كسر قرار محاصرة إقليم كردستان - العراق نتيجة استفتاء الانفصال، وسمحت لأكراد إيران باستئناف عمليات التهريب عبر الحدود، وأيضاً أعادت فتح النقاط الحدودية والمعابر الرسمية بين طرفي الحدود في محاولة لاستيعاب التداعيات الاقتصادية السلبية التي نتجت من قرار الحصار ودفعت الأمور إلى حافة الانفجار، إلا أنها في المقابل لم تتردد بانتهاك السيادة العراقية عندما قامت باستهداف مقار الأحزاب الكردية الإيرانية، برشق من الصواريخ الباليستية أدت إلى مقتل عدد من القيادات وتدمير هذه المقار.

الضغط على العراق

ولم يكن من الصعب على هذه المنظومة الربط بين تحرك الأحزاب الكردية المعارضة وأجهزة الاستخبارات الدولية والإقليمية، بخاصة جهازي "سي آي أي" الأميركي والموساد الإسرائيلي، من ثم رفعت من مستوى تهديدها للجانب العراقي ومارست ضغوطاً عليه من أجل إبعاد هذه الجماعات ووقف أنشطتها المعادية له على أراضي العراق انطلاقاً من إقليم كردستان. الضغوط على العراق سارت باتجاهين، الأول معاقبة الحزب "الديمقراطي الكردستاني" العراقي بقيادة مسعود بارزاني الذي ذهب في تحديه للنظام بطهران إلى مستويات متقدمة، سواء لجهة الدعم السياسي والمعنوي واللوجيستي الذي قدمه للمعارضة الإيرانية وأكراد الداخل الإيراني، أو لجهة الضغوط التي مارسها على المصالح الإيرانية في أزمة تشكيل الحكومة العراقية، وعليه كان قرار هذه المنظومة، بخاصة "حرس الثورة" الإسلامية، ضرورة إقفال ملف وجود المعارضة الكردية الإيرانية على حدودها مع العراق.

في الشكل يمكن القول إن المنظومة الإيرانية استطاعت تحقيق ما تريده من خلال فرض شروطها على الحكومة العراقية وإخلاء وإجلاء المعارضة وإبعادها عن الحدود الإيرانية قبل حلول تاريخ الذكرى السنوية الأولى للحراك الاعتراضي الذي اندلع بعد مقتل الفتاة الكردية مسها أميني. فهل يعني هذا التفكيك إنهاء التحدي الكردي والاستمرار بالأسلوب الأمني في التعامل معه؟ أم أن النظام سينتقل إلى مستويات مختلفة من التعامل، ووضع خطط فاعلة لعملية تنمية حقيقية إلى جانب الاعتراف بالحقوق الطبيعية لهذا المكون، في الأقل تلك الحقوق التي أقرها الدستور؟

المزيد من تحلیل