Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما مغزى تزويد أميركا أوكرانيا بذخائر اليورانيوم المنضب؟

تمكين كييف من التقدم في ساحة المعركة بما يضعها في موقف تفاوضي قوي مستقبلاً

حثت وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون" على تزويد دبابات "أبرامز" بقذائف اليورانيوم المنضب (رويترز)

ملخص

يواصل الأوكرانيون أيضاً الضغط من أجل الحصول على صواريخ طويلة المدى أميركية الصنع

يتوقع، بحسب المسؤولين الأميركيين، أن تزود إدارة الرئيس جو بايدن أوكرانيا بذخائر اليورانيوم المنضب كي تستخدمها دبابات "أبرامز" التي ستحصل عليها كييف في الصفقة نفسها، وتستهدف الذخائر التي يستخدمها الجيش الأميركي بانتظام مساعدة أوكرانيا في تدمير الدبابات الروسية خلال الهجوم المضاد الذي تقول أوكرانيا إنه حقق بعض التقدم في الأيام الأخيرة، لكن القرار صاحبه كثير من الجدل الداخلي حول ما إذا كان ذلك سيعرض واشنطن لانتقادات بأنها توفر سلاحاً قد يحمل أخطاراً صحية وبيئية، فلماذا وافقت إدارة بايدن على هذا القرار؟ وما الذي يعنيه ذلك بالنسبة إلى الولايات المتحدة؟

مغزى التوقيت

على رغم الجدل الذي بدأت ملامحه تظهر بالفعل حول إرسال الولايات المتحدة ذخيرة لأوكرانيا مثيرة للخلاف مثل اليورانيوم المنضب، فإن قصة هذه الذخيرة تعود إلى شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، عندما وافق البيت الأبيض، للمرة الأولى، على تزويد أوكرانيا بعدد 31 دبابة من طراز "أبرامز" الأميركية في إطار تفاهم أوسع وافقت بموجبه برلين والعواصم الأوروبية الأخرى على إرسال دبابات "ليوبارد-2" ألمانية الصنع لأوكرانيا أيضاً لتعزيز قدراتها على مواجهة الدبابات الروسية خلال الهجوم المضاد الذي كانت أوكرانيا تخطط له في ذلك الحين.

في البداية، اعتزمت الولايات المتحدة شراء دبابات جديدة من طراز "أبرامز" "أم1 أي2"، والتي كانت ستستغرق وقتاً أطول لتصنيعها وتسليمها كي تصل إلى أوكرانيا، ولكن لتقصير وقت التسليم، قررت الإدارة الأميركية إرسال دبابات "أم1 أي1"، والتي توجد بالفعل في المخزون الأميركي وتقديمها إلى أوكرانيا على أن يتم تدريب الأفراد الأوكرانيين في ألمانيا على كيفية تشغيل وصيانة دبابات "أبرامز"، والتي قال "البنتاغون" حينها إنه سيتم تسليمها بحلول الخريف، والذي يبدأ بعد ثلاثة أسابيع من الآن.

غير أن مسألة كيفية تسليح الدبابات ظلت مفتوحة بحسب ما ذكرته صحيفة "وول ستريت جورنال" في يونيو (حزيران) الماضي، حيث كانت الولايات المتحدة تدرس خياراتها، لكن وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون" حثت على تزويد دبابات "أبرامز" بقذائف اليورانيوم المنضب، والتي يستخدمها الجيش الأميركي بانتظام وتكون فعالة للغاية ضد الدبابات الروسية بسبب إطلاق هذه القذائف بسرعة عالية، بما يمكنها من اختراق الدرع الأمامي للدبابة الروسية من مسافة بعيدة.

لماذا ذخائر اليورانيوم المنضب؟

طورت الولايات المتحدة ذخائر اليورانيوم المنضب خلال الحرب الباردة لتدمير الدبابات السوفياتية في حال اندلاع مواجهات ومعارك برية بالدبابات بين الجانبين أو مع حلفاء الولايات المتحدة وفقاً لخدمة الإذاعة العامة الأميركية "بي بي أس"، وهو ما دفع على ما يبدو الخبراء الاستراتيجيين الأميركيين إلى التفكير في استخدامها مع دبابات "أبرامز" كي تحدث الأثر المطلوب في المعارك المنتظرة مع القوات الروسية خلال الهجوم المضاد الأوكراني الذي يقول الأوكرانيون إنهم بدأوا أخيراً في تحقيق اختراقات أولية مهمة في خطوط الدفاع الروسية.

ويعود سبب اللجوء إلى اليورانيوم المنضب، إلى كونه منتجاً ثانوياً لتخصيب اليورانيوم، يستخدم في الذخائر لأن كثافته الشديدة تسمح للمقذوفات باختراق الدروع بسهولة والاشتعال الذاتي في سحابة حارقة من الغبار والمعادن، وبحسب "سكوت بوسطن"، وهو محلل الدفاع في مؤسسة "راند" وضابط مدفعية سابق بالجيش الأميركي، فإن القذيفة تضرب مثل قطار الشحن، وهي طويلة وكثيفة جداً بما يجعلها تولد قدراً كبيراً من الطاقة الحركية على نقطة محددة في مجموعة دروع العدو.

وفي حين لا يبدو أن القتال بين الدبابات أمر شائع جداً في هذه الحرب، إلا أنه إذا حدث ذلك، فإن الغرب والولايات المتحدة تود أن يفوز الأوكرانيون في هذا القتال، ولهذا سبقت بريطانيا بتزويد أوكرانيا بدبابات "تشالنجر" وسلحتها بقذائف اليورانيوم المنضب الخارقة للدروع.

أسباب سياسية

لا يخفي المسؤولون الأميركيون في إدارة بايدن أن هدف الولايات المتحدة هو تمكين أوكرانيا من إحراز أكبر قدر ممكن من التقدم في ساحة المعركة، لوضع كييف في موقف تفاوضي قوي إذا عقدت محادثات السلام في نهاية المطاف، لكن كان هناك خلاف قبل أشهر داخل الإدارة حول أفضل السبل لدعم القوات الأوكرانية، بما في ذلك تزويدها بذخائر اليورانيوم المنضب والذخائر العنقودية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبينما لا يزال الدعم السياسي لأوكرانيا في "الكابيتول هيل" قوياً، فإن بعض المشرعين يقولون إن هذا الدعم قد يبدأ في التراجع إذا لم ينجح الهجوم المضاد الذي شنته كييف، وإن البيت الأبيض يجب أن يكون أكثر دعماً لطلبات الأسلحة الحالية للبلاد، ولهذا سيكون تمويل حزمة المساعدات الأميركية الجديدة لأوكرانيا من تفويض السحب الرئاسي، الذي يسمح للرئيس بنقل العناصر والخدمات الأميركية من دون موافقة الكونغرس أثناء حالة الطوارئ وإرسال الأسلحة والذخائر من المخزونات الزائدة في الولايات المتحدة، ويعكس هذا التوجه الأميركي قدراً من الارتياح للتقدم الجديد الذي بدأت القوات الأوكرانية في تحقيقه أخيراً، إذ قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي إن واشنطن تعتقد أن الهجوم المضاد الأوكراني يتسارع، وأنه لوحظ خلال الأيام الأخيرة بعض التقدم الذي أحرزته القوات المسلحة الأوكرانية، بخاصة على طول الجبهة الجنوبية في المنطقة المحيطة بزابوريجيا.

جدل متوقع

ومع الإعلان المرتقب لحزمة المساعدات الأميركية التي ستتراوح قيمتها بين 240 و375 مليون دولار، يتوقع تصاعد الجدل حول ذخائر اليورانيوم المنضب، بسبب التباينات حول تأثيراته على الأفراد والبيئة، وهي اختلافات بدأت في البيت الأبيض، حيث أعرب بعض المسؤولين عن قلقهم من أن إرسال ذخائر اليورانيوم المنضب قد يعرض واشنطن لانتقادات بأنها توفر سلاحاً يحمل أخطاراً صحية وبيئية، بخاصة أن مجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية الأميركية اختلفا حول توفير الذخائر العنقودية لأوكرانيا، وأثار نشطاء حقوق الإنسان وبعض الدول الحليفة مخاوف من أن الذخائر غير المنفجرة في الأرض يمكن أن تؤدي إلى سقوط ضحايا من المدنيين بعد فترة طويلة من انتهاء الصراع.

وفي حين يقول المدافعون عن استخدامه إن اليورانيوم المنضب على رغم أنه منتج ثانوي لإنتاج الوقود المستخدم في محطات الطاقة الذرية، فإن مستويات إشعاعه تنخفض بشكل كبير ويتم استخدامه لخصائصه الفيزيائية، وليس النووية، كما ذكرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التابعة للأمم المتحدة، أن الدراسات التي أجريت في يوغوسلافيا السابقة والكويت والعراق ولبنان أشارت إلى أن وجود بقايا اليورانيوم المنضب المتناثرة في البيئة لا يشكل خطراً إشعاعياً لسكان المناطق المتضررة، غير أن معارضي استخدامه مثل التحالف الدولي لحظر أسلحة اليورانيوم يرون أن تناول أو استنشاق غبار اليورانيوم المنضب يشكل أخطاراً صحية خطرة، بما في ذلك السرطان والعيوب الخلقية، كما يؤكد تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة، العام الماضي، أن السمية الكيماوية للمعدن تمثل أكبر خطر محتمل، ويمكن أن تسبب تهيج الجلد والفشل الكلوي وزيادة أخطار الإصابة بالسرطان.

سوابق مثيرة للقلق

ومع ذلك، أثار قرار المملكة المتحدة إرسال ذخائر من اليورانيوم المنضب إلى أوكرانيا لاستخدامها في دبابات "تشالنجر-2" بريطانية الصنع جدلاً كبيراً بعدما ادعت روسيا أن القذائف تحتوي على مكون نووي، واستخدمته كذريعة للإعلان عن أن موسكو ستنشر أسلحة نووية تكتيكية على أراضي حليفتها بيلاروس المجاورة، وما يشجع واشنطن على استخدام أوكرانيا ذخائر اليورانيوم المنضب هو أن تلك الذخائر استعملتها الولايات المتحدة نفسها مرات عدة في السابق، حيث استخدمتها بكميات هائلة في حربي الخليج في عامي 1990 و2003 وفي قصف "الناتو" يوغوسلافيا السابقة في عام 1999.

ومع ذلك، فإن المواد المشعة يمكن أن تضيف إلى التحدي الهائل الذي تواجهه أوكرانيا في عملية التنظيف المتوقعة بعد انتهاء الحرب، إذ تمتلئ بعض أجزاء البلاد بذخائر خطرة منها الذخائر غير المنفجرة الناجمة عن القنابل العنقودية، والذخائر الأخرى التقليدية، ومئات الآلاف من الألغام المضادة للأفراد، وما يزيد على ذلك من أخطار مترتبة على استخدام قذائف اليورانيوم المنضب.

هل ترد روسيا؟

حينما تلقت أوكرانيا الدفعة الأولى من ذخائر اليورانيوم المنضب من المملكة المتحدة، في مارس (آذار) الماضي، لاستخدامها في دبابات "تشالنجر-2" بريطانية الصنع، ردت موسكو على هذه الخطوة التي اعتبرت أنها تغير قواعد اللعبة، من خلال تعهد الكرملين نشر أسلحة نووية تكتيكية في بيلاروس، إذ ترى روسيا أن المساعدات العسكرية المستمرة التي قدمتها الولايات المتحدة لأوكرانيا بقيمة تجاوزت 43 مليار دولار، تعني أن واشنطن لا تريد فقط إطالة أمد الصراع، بل تريد أيضاً تصعيده.

لكن في المقابل، يواصل الأوكرانيون أيضاً الضغط من أجل الحصول على صواريخ طويلة المدى أميركية الصنع تعرف باسم "أي تي أي سي أم أس" قال عنها الرئيس بايدن، في مايو (أيار) الماضي، إن هذا الخيار لا يزال قائماً، في حين يقول المسؤولون الأميركيون إن مثل هذه الخطوة ليست وشيكة، ويخشى مراقبون من تصرف روسي مماثل قد يأخذ الطرفين إلى منعطف حاسم نحو الأسوأ.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل