Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"جيش يتسع للجميع"... المثلية في القوات المسلحة الأميركية

بدأ القبول بها مع كلينتون وأقرها أوباما وألغاها ترمب وأعادها بايدن وكان "نجمهـ/تها" برادلي/ تشيلسي مانينغ

برادلي أو تشيلسي مانينغ سلط(ت) الأضواء على مجتمع الميم في الجيش الأميركي (اندبندنت عربية)

بحلول منتصف يوليو (تموز) الماضي، كانت إحدى مجندات الجيش الأميركي، ترفع دعواها بالشكوى من إجبارها على الاستحمام مع أنصاف رجال.

المجندة الأميركية التي لم تفصح التحقيقات عن اسمها، خوفاً على حياتها قالت، إن الإجبار على النوم بين شخصين يفترض أنهما تحولا من ذكر إلى أنثى، ولم يكملا بعد التدخلات الكيماوية المطلوبة لتغيير أعضائهما التناسلية، أمر غير ممكن قبوله، وقد بلغت الشكوى مسامع لجنة استماع القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، وهي واحدة من أهم اللجان في الكونغرس.

كيف طفت مثل هذه الإشكالية على السطح؟

المؤكد أن المشهد هو نتاج لسياسات إدارة الرئيس بايدن تجاه المتحولين جنسياً، الذين أصبحوا يعاملون كالنساء رغم عدم إزالة أعضائهم الذكورية، وهو ما جعل "زميلاتهن" من المجندات كاملات الأنوثة في "وضع غير مريح للغاية".

في رده على شكوى المجندة قال البنتاغون: "إن سياسة وزارة الدفاع هي أنه يجب معاملة جميع أفراد الخدمة بكرامة واحترام. ونحن نشجع أي جندي يشعر بعدم الارتياح أو لديه مخاوف في شأن الخصوصية في الأماكن المشتركة للعمل من خلال موقعه في القيادة. يجوز للقادة استخدام وسائل الراحة المعقولة لاحترام مصالح الخصوصية لأعضاء الخدمة".

تفتح شكوى المجندة غير معلومة الاسم باب الحديث واسعاً أمام أزمة المثليين والمتحولين في الجيش الأميركي، وبمعنى أوسع وأشمل، مجتمع الميم برمته، وحضوره تاريخياً في قلب القوات المسلحة الأميركية، وهل هو أمر من قبيل النوازل والمحدثات، أم إن له تاريخاً قديماً، وسابق على التوجهات الحديثة، القاضية بإقرار قبول هؤلاء وأولئك.

ثم الأهم: هل أمر تضمين مجتمع الميم في الجيش الأميركي، أمر قابل لإعادة النظر، بمعنى حال وصول رئيس محافظ للبيت الأبيض، هل سيتمكن من إلغاء قبولهم ضمن صفوف الخدمة وطرد من يخدم بالفعل، أم أن الأمر بات حقيقة فاعلة لن يمكن الاقتراب منها مستقبلاً؟

مجتمع الميم تاريخياً في الجيش

لا يبدو أن تاريخ مجتمع الميم في الجيش الأميركي أمر حديث العهد، ذلك أن هناك قصصاً تعود إلى نهايات القرن 18، وبالتحديد إلى عهد اكتشاف أول تورط لمثليين داخل الجيش الأميركي عام 1778.

كانت المثلية في ذلك الوقت، لا سيما في مجتمع حديث يتسم بالإغراق في الهوس الديني الطهراني البيوريتاني، والرؤى التوراتية، جريمة عظمى، ما تسبب في طرد الآلاف منهم من صفوف القوات الأميركية العاملة بالفعل، عطفاً على معاناة الآخرين من المضايقات والإهانات للسبب ذاته.

وبالرجوع إلى بدايات القرن 20، نجد موقفاً حازماً وحاسماً من المثلية الجنسية داخل صفوف الجيش الأميركي، فقد نص قانون الجيش صراحة بعد الحرب العالمية الأولى على حظرها، وتجريم ممارسة الجنس بين المثليين، وقد جرى العرف بتسريح من تثبت عليهم هذه التهمة.

كان هذا التوجه متسقاً إلى حد كبير جداً مع تاريخ البعض في التعامل مع المثلية الجنسية في عديد من جيوش الحضارات السابقة، فهناك كثير من الروايات عن محاكمات وإعدام أعضاء فرسان الهيكل في القرن 14 والبحارة البريطانيين خلال حروب نابليون بسبب المثلية.

هذا على رغم أن هناك توجهاً آخر عرفته بعض الجيوش سابقاً، تم فيه تشجيع السلوك المثلي بين الجنود، انطلاقاً من اعتقاد مفاده أن ذلك يزيد من تماسك الوحدة والروح المعنوية والشجاعة.

كانت اليونان واحدة من تلك الحضارات، وقد عرفت فرقة "ثيفا المقدسة"، وهي وحدة عسكرية عاشت في حدود 378 قبل الميلاد، عشاقاً عرفوا بفعاليتهم في المعركة، كما كان الحب المثلي شائعاً أيضاً بين صفوف الساموراي في اليابان، ومورس بين البالغ ومتدرب أصغر سناً.

ولتجنب المثلية في صفوف الجيش الأميركي منذ الحرب العالمية الأولى، وبالتحديد بحلول عام 1916، استخدمت المقابلات والاختبارات الجسدية لتحديد الرجال ذوي السمات الخنثوية قبل التجنيد، وتم تسريح عديد من الجنود المتهمين بالسلوك المثلي، لأنهم "مخنثون جنسياً" وحتى في أوقات الحرب العالمية الثانية ظل هذا التوجه قائماً ولم يسمح إلا بأقل قدر من الإعفاءات.

كيف ومتى بدأ المشهد يتبدل في داخل صفوف الجيش الأميركي، واعتماد التهاون بدل التشدد السابق؟

لا تسأل ولا تتحدث... بداية التغيير

حتى أواخر عام 1981، أي وقت ذروة احتدام الحرب الباردة، كانت وزارة الدفاع الأميركية ترى أن هناك تناقضاً بين المثلية الجنسية وطبيعة الخدمة العسكرية.

أكثر من ذلك، خلص القائمون على الأمر إلى القول إن المثليين لا يتوافقون وطبيعة هذه الخدمة.

ظل حظر التجنيد العسكري للمثليين رجالاً ونساء قائماً في داخل صفوف العسكرية الأميركية حتى عام 1993، عندما بدأت الحكومات الأميركية المتعاقبة في تغيير المبادئ والقواعد القائمة بخصوص تلك الظاهرة.

أحد الأسئلة المثيرة في هذا السياق: هل كان لنهاية المواجهة مع المعسكر الشيوعي، ومن ثم الإحساس بزوال الخطر النووي الداهم، تأثير في هذا السياق؟

بدا واضحاً أن هناك فارقاً في عقلية القيادة الأميركية، ما بين رونالد ريغان ونائبه بوش الأب الذي سيأتي رئيساً في ما بعد، وبين رؤى وتوجهات بيل كلينتون ونائبه أل جور، ومن هنا يمكن تفهم لماذا طرحت إدارة الرئيس كلينتون عام 1993 سياسة جديدة لتنظيم وضع المثليين داخل الجيش، عرفت وقتها بسياسة "لا تسأل... لا تتحدث".

تبدو هذه السياسة مضحكة أول الأمر، لكنها فاعلة ونافذة تالياً، وتكاد تكون معبرة كل التعبير عن واقع حال "تكافؤ الأضداد في الروح الأميركية الواحدة".

الفكرة التوفيقية التي عمل عليها الرئيس كلينتون تقوم على إلغاء الحظر التاريخي المفروض على قبول المثليين في صفوف الجيش الأميركي، لكن في المقابل وبشرط ألا يتحدث هؤلاء علناً وصراحة عن ميولهم أو توجهاتهم الجنسية، وألا يمارسوا المثلية الجنسية أثناء خدمتهم العسكرية، وفي المقابل يحظر على الآخرين إهانتهم أو مضايقتهم أو التحقيق معهم من دون أدلة مادية قوية على اختراقهم للسياسة المتفق عليها.

لم يكن قبول المجتمع الأميركي لهذه السياسة أمراً سهلاً، فقد لاقت معارضة شديدة سواء داخل الكونغرس أو بين صفوف القوات المسلحة، وقد كان جل قادتها في هذا الوقت من الأجيال التي عاصرت الأزمات المتتالية مع السوفيات، ولهذا مالوا كثيراً إلى القوة والخشونة، وليس النعومة والليونة وصولاً إلى قبول أفراد مجتمع الميم.

وعلى رغم ذلك كله، فقد تم تطبيق هذه السياسة بدءاً من عام 1994، لتبدأ مرحلة مغايرة لهذا المجتمع المختلف جندرياً، إن جاز التعبير.

هل حلت سياسة "لا تسأل ولا تتحدث"، مشكلة المثليين أم فاقمت من الأبعاد السلبية للأزمة؟

من الواضح أنه على العكس مما كان متوقعاً جاء التأثير سلبياً وفقد الجيش الأميركي في سنوات قليلة نحو 11 ألفاً من جنوده، فقد حرص كثير من هؤلاء المثليين، على إعلان ميولهم، على عكس ما يتطلبه الاتفاق السابق، فيما زاد اضطهاد كثير من العسكريين للمثليين، وكثرت حوادث الاعتداء عليهم، ولم يكن القانون في صفهم بل ضدهم، الأمر الذي أدى إلى اعتراف بيل كلينتون في نهاية الأمر بأن سياسة "لا تسأل... لا تتحدث" لم تعمل في الاتجاه المقصود، واتهم القيادات العسكرية بالتطبيق الخطأ للسياسات.

مع نهاية ولاية كلينتون الثانية عام 2000، جاءت إدارة الرئيس جورج بوش الابن، وقد مضت بها الأمور هادئة بصورة أو بأخرى لبضعة أشهر، إلى أن كانت القارعة في 11 سبتمبر، التي غيرت مسار القضايا والأحاديث الداخلية، ووجهت كافة الجهود الأميركية في مسار الحروب الخارجية، بدءاً من غزو أفغانستان، وإزاحة نظام "طالبان" في أواخر 2001، ثم تغيير النظام العراقي بالقوة المسلحة في مارس (آذار) 2003، عطفاً على عديد من المغامرات العسكرية بينهما، ما جعل الفترة من 2001 إلى 2009، حين انتهت ولايتا بوش الابن، لا تسمح بأحاديث المثلية في الجيش، بمعنى لا تتيح الوقت لتغيير الأوضاع التي تركها بيل كلينتون، أو تحسن أحوال مجتمع الميم هناك، غير أنه مع وصول باراك أوباما إلى البيت الأبيض سيتغير المشهد بالكلية.

أوباما وإلغاء القيود على المثلية

مع وصول باراك أوباما إلى البيت الأبيض، بدا وكأن هناك عهد جديد لمجتمع الميم داخل الجيش الأميركي قد بدأ، ذلك أنه وبعد نحو عقدين من اضطرار المثليين لإخفاء ميولهم، خوفاً من تسريحهم، باتوا يستطيعون إشهار طبيعتهم ما اعتبره الرئيس أوباما لاحقاً: "مفخرة لكل أميركي على طريق تحقيق المثل العليا لبلاده".

ما الذي حدث على وجه التحديد؟

باختصار غير مخل، دخل القانون الذي يسمح للمثليين بالإعلان عن ميولهم الجنسية حيز التنفيذ، منهياً بذلك العمل بما عرف بسياسة "لا تسأل ولا تتحدث"، التي كانت متبعة من قبل.

نقض الكونغرس قانون كلينتون الصادر عام 1993، غير أن ذلك لم يكن ليحدث من غير طلب نواب الشعب الأميركي شهادة أوباما نفسه ووزير دفاعه، شهادة يؤكدون من خلالها أن السماح للمثليين بالخدمة مع كشفهم عن توجههم الجنسي لن يعوق الجاهزية العسكرية والانضباط، وهذا ما حدث فعلاً.

كان ترحيب أوباما بالوضع الجديد لمجتمع الميم داخل الجيش الأميركي مثيراً جداً، وفتح ترحيبه أحاديث شككت في ميوله هو شخصياً، وحديثاً راجت أنباء عن ميول في الخيال لممارسة الجنس مع الرجال.

في يوم تغيير القانون القديم صرح أوباما بالقول: "اليوم ألغي رسمياً القانون التمييزي المعروف باسم "لا تسأل... لا تتحدث"، أخيراً، ومن اليوم لن يضطر الأميركيون الوطنيون الذين يرتدون الزي العسكري للكذب في شأن هويتهم من أجل خدمة البلاد التي يحبونها".

وقال أوباما "كانت قواتنا المسلحة مرآة ومحفزاً لهذا التقدم وضحت قواتنا ومنهم المثليون والمثليات بأرواحهم للدفاع عن الحريات التي نعتر بها كأميركيين... من اليوم يمكن أن يفخر كل أميركي بأننا اتخذنا خطوة أخرى كبيرة نحو جعل جيشنا الأفضل في العالم ونحو تحقيق المثل العليا التي تأسست عليها بلادنا".

هل لقي هذا التوجه ترحيباً من كافة أركان المجتمع الأميركي؟

المقطوع به أن أوباما اعتبر ولا يزال، رأس التوجه الديمقراطي اليساري، المغرق في العلمانية الأممية، وليس الأميركية فحسب.

بل أبعد من ذلك يعد في تقدير الملايين من الأميركيين، الوجه اليساري الاشتراكي الذي يود تغيير شكل أميركا وجوهرها، وهو الأمر الذي يجابه برفض واسع وبالغ من ملايين آخرين من الأميركيين، رأوا في ولايتيه، ويرون الآن أنه يقود أميركا إلى الهاوية.

 على جانب آخر وجد توجه أوباما رفضاً مؤكداً من أنصار يمين الوسط، ناهيك برفض عن اليمين الأميركي المسيحي المحافظ لمسألة تعزيز وضع مجتمع الميم داخل الجيش، إذ لا يزال هؤلاء يعتبرون الأمر من قبيل الكبائر أو الخطايا المميتة، التي تستوجب عقاب الموت في الشرائع الدينية.

قارنت بعض الأصوات في ذلك الوقت معاملة المثليين في الجيش الأميركي قبل إلغاء قانون كلينتون، بالمعاملة السيئة التي كان يلقاها السود قبل عقود التحرر، وكمثل تلك التي تم التعاطي بها مع اليابانيين عقب بيرل هاربور.

كتب الصحافي البريطاني "أندرو سوليفان" غداة قانون أوباما الجديد يقول "تنتابني مشاعر كثيرة اليوم. أفكر في الماضي، وخصوصاً في العدد الذي لا يحصى من الرجال المثليين والنساء المثليات الذين خدموا هذه البلاد بشرف خلال عقود وقرون. اليوم هو يومهم كما هو يوم الجنود المثليين الحاليين. يؤلف هؤلاء فرقة عسكرية عبر الوقت استطاعت، أخيراً، أن تدخل في فسحة الكرامة المتساوية".

يتساءل القارئ هل من موقف محدد بعينه، بدا فيه أن أوباما يعتبر قضية مجتمع الميم في الجيش الأميركي، قضية أقرب ما تكون لقضيته الخاصة؟

الإفراج عن المجندة تشيلسي مانينغ

تبدو قصة أوباما مع الجندية المتحولة جنسياً "تشيلسي مانينغ" دليلاً مؤكداً على ميل أوباما الواضح لمجتمع الميم داخل صفوف القوات المسلحة.

ولدت تشيلسي باسم "برادلي مانينيغ" في ديسمبر (كانون الأول) 1987، ناشط أميركي وجندي سابق في القوات المسلحة.

تم إدانة برادلي من قبل محكمة عسكرية في يوليو (تموز) من عام 2013 بانتهاك قانون التجسس وغيره من الجرائم، بعد أن كشف لموقع "ويكيليكس" نحو 750 ألف وثيقة سرية أو غير سرية عسكرية ودبلوماسية، وصدر ضده حكم بالسجن لمدة 35 عاماً، ما يعني أنه كان لا بد له من البقاء وراء قضبان السجون حتى عام 2048 أي إنه سيخرج من السجن في عمر 61.

المثير والخطر، والذي ربما كان طريقاً لتغيير مسار حياة برادلي وإنقاذه من السجن الطويل، هو أنه وهو داخل السجن وتحديداً في عام 2016، فقط بعد نحو ثلاث سنوات من سجنه، أعلن عن شعوره بأنه امرأة وليس رجلاً، وطلب إجراء عمليات تبديل هرمونات وتغيير اسمه من برادلي إلى تشيلسي إليزابيث. شخصت الحالة باضطراب الهوية الجنسية، وتمت الموافقة على الطلب وأجريت العملية.

بعد تغيير الجنس قامت تشيلسي بمحاولة الانتحار، أو هكذا روجت بعض وسائل الإعلام الأميركية، وهو ما شككت فيه وسائل أخرى اعتبرت أن الأمر بمثابة نوع من الضغط على البيت الأبيض.

لكن لماذا هذا الضغط؟ ببساطة من أجل الحصول على عفو عام من الرئيس أوباما وهو ما حدث بالفعل في مايو (أيار) من عام 2017، وقبل أن يغادر البيت الأبيض بنحو سبعة أشهر مخلياً مكانه للرئيس المنتخب دونالد ترمب.

تساءل الأميركيون في ذلك الوقت: هل باتت مكانة مجتمع الميم والمتحولين جنسياً في البيت الأبيض مهمة إلى هذا الحد، الذي معه يفرج أوباما عن تشيلسي؟

قارن كثيرون بين إفراج أوباما السريع عن مجند تحول لمجندة، بعد أن سرب مئات الآلاف من الوثائق السرية العسكرية، والرفض المستمر للإفراج عن جوناثان بولارد محلل البحرية الأميركية الذي سرب وثائق مهمة لإسرائيل عام 1986 واحتجز حتى نوفمبر (تشرين الثاني) 2020 قبل أن يفرج عنه ترمب في نهاية فترته بعد أن قضى في السجن زهاء 34 عاماً.

هل كانت الحالة الجندرية لتشيلسي هي سبب تعاطف أوباما معها، وهو الذي عرف بصيحته الشهيرة في يونيو (حزيران) 2015 "الحب انتصر" غداة موافقة المحكمة العليا على زواج المثليين؟

هل انتهت قصة مجتمع الميم عند هذا الحد؟

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ترمب يحظر وبايدن يلغي الحظر

غداة رحيل أوباما ومجيء ترمب إلى البيت الأبيض، كان من المتوقع في ظل ما هو معروف عن الرئيس الجديد من توجهات يمينية محافظة، أن يعاد فتح ملف مجتمع الميم في الجيش الأميركي، لكن لغير صالحهم، بل انتقاصاً من كل ما أدركوه من مميزات سابقة.

بعد نحو سبعة أشهر فقط من دخوله البيت الأبيض، وبالتحديد في أواخر أغسطس (آب) من عام 2017، وقع ترمب وثيقة أمر بموجبها وزارة الدفاع بالتوقف عن تجنيد متحولين جنسياً، لكنه ترك للوزارة مهمة تحديد مصير المتحولين جنسياً الذين يخدمون حالياً في الجيش.

تراجع ترمب بذلك عملياً عن الإعلان التاريخي الذي صدر في عهد الرئيس السابق أوباما والذي قرر بموجبه السماح للمتحولين جنسياً بالخدمة في الجيش اعتباراً من الأول من يوليو (تموز) عام 2017.

بلغ عدد المتحولين جنسياً في الجيش الأميركي بوقت ترمب قرابة 15 ألف عضو عامل، ما فتح الباب للمخاوف من تسريح هذا العدد الكبير، وانعكاسات المشهد على صورة الجيش وخصوصاً لدى الشبان الأميركيين الذين يمكن أن يترددوا في الالتحاق بمؤسسة تمارس ما يعتبر اليوم في الداخل الأميركي سياسات تمييزية.

لم يتوقف المشهد عند المخاوف والقلق، فقد قدمت خمس جنديات متحولات شكوى ضد ترمب والبنتاغون، ودانت النساء الخمس الغموض الذي يلف مستقبلهن، وأكدن أنهن لا يعرفن ما إذا كن سيبقين في وظائفهن أم لا؟

تالياً وفي يناير (كانون الثاني) 2019، سمحت المحكمة العليا في الولايات المتحدة للرئيس دونالد ترمب، تطبيق سياساته الخاصة بحظر الأشخاص المتحولين جنسياً من الخدمة في الجيش.

حين غاب ترمب غاضباً عن المشهد الرئاسي متهماً الدولة العميقة بتزوير الانتخابات وسرقة فوزه الثاني الثمين، بدا وكأن "أقدار مجتمع الميم" في الجيش الأميركي، تمثل بيادق على خريطة الشطرنج الإدراكية، وتخضع لأهواء سيد البيت الأبيض.

 لم تكن قد مضت خمسة أيام على دخوله المكتب البيضاوي إلا واتخذ بايدن قرارات تنفيذية تناقض كثيراً من سياسات سلفه.

في مقدمة تلك القرارات، رفع الحظر المفروض على أداء المتحولين جنسياً للخدمة العسكرية في الجيش الأميركي. وقال البيت الأبيض في بيان له، إن أمر بايدن "يحدد السياسة التي تنص على أن يكون جميع الأميركيين المؤهلين للخدمة في القوات المسلحة الأميركية قادرين على الخدمة. يعتقد الرئيس بايدن أن الهوية الجنسية لا ينبغي أن تكون عائقاً أمام الخدمة العسكرية، وأن قوة أميركا تكمن في تنوعها".

واعتبر البيت الأبيض أن أمر بايدن التنفيذي، يحظر على الفور الفصل القسري والتسريح والحرمان من إعادة التسجيل أو استمرار الخدمة على أساس الهوية الجنسية وفي ظل ظروف تتعلق بالهوية الجنسية، وأن "الجيش الأميركي يتسع للجميع".

هل يمكن لهذا الوضع أن يتغير من جديد؟

الذين تابعوا تصريحات ترمب، أخيراً، استمعوا إليه مهدداً ومتوعداً مجتمع الميم في الجيش الأميركي، حال تم إعادة انتخابه.

وفي الخلاصة، فإنه على رغم الامتيازات التي تحصل عليها أصحاب هذا المجتمع داخل الجيش الأميركي، فإن الولايات المتحدة لم تعدم بعد أشخاصاً ومؤسسات، لا تزال ترفض هذا التوجه، ما يجعل القضية قابلة لإعادة النقاش، بل تضحى يوماً تلو الآخر، واحدة من كبوات المجتمع الأميركي داخلياً، ومثاراً محتملاً لمواجهات مجتمعية تارة، ودينية تارة ثانية، وجميعها تهدد وحدة النسيج المجتمعي الأميركي، وغالب الظن ستكون واحدة من القضايا الشقاقية والفراقية في الطريق إلى انتخاب رئيس جديد للبلاد في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024.

المزيد من تقارير