Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماذا يعني تشكيل الجيش السوداني لجنة لحصر جرائم الحرب؟

حقوقيون يرونها "خطوة إيجابية" وسياسيون يشككون في تحقيقها العدالة ويدعون إلى أخرى إقليمية أو دولية

ملخص

يتساءل قيادي في حزب الأمة السوداني عن كيفية تحقيق اللجنة في الجرائم التي تقع في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع؟

في وقت سجلت فيه الانتهاكات ضد المدنيين في السودان معدلات كبيرة تمس حقوق الإنسان في المجالات كافة، خصوصاً في المناطق التي تشهد توترات وقتالاً مستمراً، شكل الجيش السوداني لجنة لحصر جرائم الحرب وتجاوزات "قوات الدعم السريع"، واتخاذ الإجراءات القانونية في مواجهة قياداتها وأفرادها داخلياً وخارجياً وكل من يثبت تورطه بالاشتراك أو التحريض أو المعاونة.

وتأتي هذا الخطوة في ظل تنامي عمليات السلب والنهب ومظاهر العنف الجنسي ضد الفتيات والسيدات والأطفال، فضلاً عن الاختفاء القسري والاختطاف والاعتقال إلى جانب المضايقة والتهديد أو الاحتجاز في نقاط التفتيش، فكيف ينظر القانونيون والسياسيون لهذه الخطوة، ومدى أهميتها، وما يجب أن تقوم به اللجنة؟

خطوة إيجابية

اعتبر المحامي والمستشار القانوني حاتم إلياس أن "تشكيل اللجنة من الناحية القانونية خطوة سليمة وإيجابية وتحسب للقوات المسلحة، وبحكم عملي في المجال لم تحدث سابقة في العالم لأي من الجيوش أن ينتبه في خضم الحرب للجوانب القانونية، وينبغي أن تستمد مثل هذه اللجان قيمها وأعرافها من القانون الدولي الإنساني وهو المعني بحماية المدنيين من الانتهاكات، وغض النظر عن الأجندة السياسية الأخرى".

يقول إلياس إن "الخطوة إيجابية من الجيش السوداني، وكأنه يريد القول إن صحيفته بيضاء ومستعد للمساءلة وأن يكون جزءاً من التحقيق، لكن هناك جرائم حرب تحتاج إلى لجان محايدة لأنها معنية بتقييم التجاوزات التي تمت خلال فترة الاشتباكات المسلحة وتقوم بالرصد، ومن ثم تقديم التقارير بعد التحقيقات بغرض المحاسبة وتعويض الأشخاص المتضررين".

وأضاف أنه "في وجود المحكمة الجنائية الدولية وحال ارتقاء مستوى الجرائم إلى الإبادة الجماعية، فإن نتائج التحقيقات يجب أن تقدم للجنائية لمعاقبة المتورطين في هذه الجرائم"، منوهاً بأن "القوات المسلحة جزء من النزاع وليست عنصراً محايداً، بالتالي تشكيل لجنة من داخل الجيش لا يسهم في تحقيق العدالة".

ونبه المستشار القانوني إلى أهمية تشكيل لجان دولية متخصصة من قبل الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية على أن تستعين بتقارير الصليب الأحمر والشهود وإفادات الأطراف المختلفة لرصد الانتهاكات والجرائم ضد المدنيين"، مستدركاً بأن "تشكيل لجنة من قبل الجيش تعبير عن نية طيبة، لكن من ناحية القانون الإنساني والممارسة الدولية في هذه الظروف والأوضاع المشابهة فإن اللجان الوطنية قد لا تكون كافية، ولذلك يجب منح الفرصة للجان قانونية دولية للتحقيق في الانتهاكات المتعلقة بالتجاوزات التي تمت منذ اندلاع الصراع المسلح".

عدالة شاملة

ومنذ منتصف أبريل (نيسان) الماضي، اندلع صراع مسلح بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع"، لم تفلح سلسلة هدنات في إيقافه، ما خلف أكثر من ثلاثة آلاف قتيل، أغلبهم مدنيون، ونحو ثلاثة ملايين نازح ولاجئ داخل البلاد وخارجها، بحسب الأمم المتحدة، ويتبادل الطرفان الاتهامات في شأن الخروقات والانتهاكات.

المحامي أحمد موسى أشار إلى أن "قرار قائد الجيش يمكن تناوله من زوايا عدة، أهمها قرب انتهاء العمليات العسكرية والتأسيس لما بعدها من محاسبة ومحاكمات بالبدء في العمل العدلي والمدني، كما أن القرار عمل على تغطية متطلبات المرحلة من تعويضات وخلافه إلى جانب منح اللجنة صلاحيات عدلية وإدارية وقانونية ودبلوماسية لكي توسع دائرة المساءلة من المباشرين للداعمين والمحرضين والمعاونين لتأثيرهم الكبير في الأحداث، وهو قرار ينتظر إجراءات تنفيذية من الجهات ذات الصلة لتفعيل أعمال اللجنة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأضاف موسى أن "تكامل الأدوار القانونية يحتاج إلى إصدار قرار من رئيس القضاء والنائب العام ووزير العدل بتشكيل محاكم خاصة ونيابات ولجان تعويض بالتشاور مع لجنة رصد الجرائم والتجاوزات من أجل تحقيق عدالة شاملة ترضي الأطراف كافة".

ولفت المتحدث إلى أن "نهاية الحرب نصراً أو سلماً لا تفي بحقوق الناس، فمن الجيد تشكيل هذه اللجنة التي تحاكم وترد الحقوق، وليت القرار أو آخر لاحقاً من النائب العام يمنح صلاحيات القبض والاعتقال وحجز الأموال وغيرها من تدابير تعين اللجنة في أعمالها مع ضرورة تجنب التضارب بين السياسي والعدلي مثلما حدث مع لجان مماثلة سابقة".

غير محايدة

في المقابل يرى القيادي في حزب الأمة القومي عز الدين دفع الله، أن "توقيت تشكيل اللجنة غير مناسب، وهي غير محايدة نظراً إلى أن جرائم الحرب الدائرة حالياً ارتكبت من طرفين على رغم تمرد (الدعم السريع) على الجيش السوداني، وهذه الانتهاكات والتجاوزات تحتاج للجنة تحقيق دولية تسجل كل الجرائم التي حدثت في جميع أنحاء البلاد وبشكل محايد ودقيق ومهني".

وأوضح دفع الله أن "السودانيين كانوا يتوقعون تشكيل لجنة دولية مستقلة لأن اللجان الوطنية غير جديرة بالثقة نظراً إلى تجاربها السابقة، فضلاً عن التدخل الحكومي في شؤونها، والدليل على ذلك تجربة لجنة فض اعتصام القيادة العامة التي لم تكمل تحقيقها حتى الآن، على رغم مرور فترة طويلة على تشكيلها، كما أن اللجان التي تشكل من قبل الدولة دوماً تكون غير محايده أو مهنية ومنحازة في غالب الأحيان للجهات التي شكلتها".

ويتساءل القيادي في حزب الأمة "كيف للجنة أن تحقق في الجرائم التي تقع في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع؟" مشيراً إلى أن "الخطوة العملية لضمان تحقيق عادل وشفاف يسهم في الوصول إلى الجناة وتقديمهم لمحاكمة منصفة لحقوق الضحايا ينبغي أن يكون ضمن أجندة منبر جدة وتتولى الوساطة السعودية- الأميركية الملف برمته".

عسكريون ومدنيون

من جهته قال القيادي في الكتلة الديمقراطية مبارك أردول إن "دائرة الاتهام بالانتهاكات الخطرة التي حدثت في السودان عموماً ومدينة الجنينة في إقليم دارفور يجب ألا تقتصر على القادة العسكريين فقط، فهنالك من نفذ التوجيهات وارتكب الجرائم، وهناك مدنيون خططوا وغطوا هذه التجاوزات ومهدوا لها الظروف والمبررات، وكذلك كبار القادة ممن أصدروا التعليمات أو تقاعسوا عن القيام بواجبهم للسيطرة على قواتهم".

وأضاف أردول "يجب ألا ننسى أن هناك جهات خارجية مولت هذا المخطط، وحتى لا تتكرر هذه الانتهاكات، لا بد من خضوعهم للعدالة، وعلى هؤلاء جميعاً تبرئة أنفسهم أمام القانون".

في السياق أوضح رئيس حزب الأمة السوداني مبارك الفاضل أن "قيادة الدولة غير مدركة أو مهتمة بحجم الأموال والبضائع التي نهبتها قوات الدعم السريع، ولم تطرح هذه القضية في مفاوضات جدة، حيث استولت على كل مخازن الشركات والمصانع، إضافة إلى الذهب وملايين الدولارات في خزن المصارف ومدخرات الأسر، وتم نهب مئة ألف سيارة من المواطنين والشركات، هذا بخلاف تدمير المصانع".

ونبه الفاضل إلى أهمية فتح بلاغ عبر "الإنتربول" وتكليف وفد شرطي وقانوني لزيارة دول الجوار ومطالبتهم بإعادة ما يصلهم من المسروقات ووضع مراقبين في هذه الدول للمتابعة".

أجندة سياسية

على الصعيد نفسه يعتقد الباحث السياسي ماهر أبو الجوخ أن "اللجنة التي شكلها قائد الجيش السوداني سياسية شكلاً لأن من يرأسها وكيل النيابة مولانا ماهر سعيد الذي يعد أداة قانونية لأغراض سياسية من خلال دوره في واقعة القبض على أعضاء لجنة تفكيك نظام المخلوع عمر البشير، وإزالة تمكينه في فبراير (شباط) 2022، وهو ملف سياسي كسر فيه عنق القانون من خلال مخالفة صحيح الإجراءات، بل البديهيات دون خوض في تلك الوقائع فإن الخلاصة تقول إن رئيس اللجنة وسيرته مجرد أداة قانونية لأجندة سياسية".

وتابع أبو الجوخ "على مستوى الموضوع فإن اللجنة من مسماها تتناول انتهاكات الدعم السريع، صحيح أن حجم التجاوزات المحسوبة على تلك القوات هي الأكبر، لكن توجد انتهاكات أخرى ارتكبها الجيش، وذلك أمر طبيعي في الحروب، لأن القتال نفسه أكبر انتهاك، بالتالي فإن اقتصار مهام اللجنة على انتهاكات الدعم السريع فقط يجعلها سياسية لمصلحة طرف معين وهي أشبه بفريق دفاع قانوني في قاعة محكمة ستكتفي بإيراد حجج تخدم موكله وتدين خصمه".

وبين أنه "من الأصوب تشكيل لجنة تحقيق مستقلة وإن اقتضى الأمر تكون محسوبة على جهات إقليمية أو أممية لتحديد مسببات الحرب والانتهاكات، والنقطة الأهم كيفية جبر الضرر للمتضررين وآليات معاقبة ومحاسبة الجناة، أما اللجان المشكلة من الطرفين فهي غير مجدية لأنها في منعطف معين ستجد نفسها غير قادرة على تسجيل حقائق الإدانة على نفسها، فإما أن تصمت أو تنحرف وتتحول لوسيلة دعائية".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير