Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هكذا بدأ مسار الانحدار للاحتياط الإلزامي في مصرف لبنان

تشير التقديرات إلى أن الرصيد المتبقي أقل من تسعة مليارات دولار

الاحتياطي الإلزامي دون الخطوط الحمراء في لبنان (أ ف ب)

ملخص

بلغ الاحتياطي الإلزامي لدى مصرف لبنان حدوده الدنيا مع مخاوف من استمرار النزف بغياب خطط الإصلاح

مع نهاية ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة قرر نوابه "طي صفحة الماضي"، معلنين البدء باستراتيجية جديدة قوامها عدم المساس بما يسمى "الاحتياطي الإلزامي" إلا بموجب تشريع. وتشكل الأيام المقبلة محكاً لصلابة أعضاء المجلس المركزي، وقياس درجة المناعة في مواجهة تدخلات "المرجعية السياسية". حدد قانون النقد والتسليف معالم "الاحتياطي الإلزامي"، ونص في المادة 77 على أن "الموجودات الشهرية لمصرف لدى المصرف المركزي (الاحتياطي الفعلي) يجب أن تبلغ في الأقل النسب المئوية التي حددت، من المتوسط الشهري للالتزامات الخاضعة لموجب إنشاء أموال احتياطية (الاحتياطي الإلزامي)"، كما منحت المادة نفسها للمصرف المركزي الحق باستيفاء فائدة جزائية عن مبلغ تدني الاحتياطي الفعلي عن الاحتياطي الإلزامي، إضافة إلى تطبيق عقوبات إدارية، كما أعطى القانون سلطة استنسابية للمصرف المركزي لناحية عدم تطبيق الجزاء "إذا بدا له أن النقص كان نتيجة حتمية لظروف غير مرتقبة، وإذا كان المصرف الذي ظهر النقص لديه في حالة التصفية" أي في حالة الإفلاس.

يتضح أن القانون حدد "نظرياً" موجب إنشاء احتياطي إلزامي ومعالمه، وجعله ضمانة لتحصيل المودعين حقوقهم، وكذلك الجزاءات المترتبة في حال عدم التزامه. إلا أن التطبيق كان على خلاف ذلك في لبنان، حيث تحولت وظيفة هذه الأموال إلى تمويل الدولة، وسياسات دعم فوضوية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي رصد للباحث الإحصائي عباس طفيلي لعملية صرف الأموال من هذا الاحتياطي، نجد أنه في أغسطس (آب) 2019 بلغ 30.61 مليار دولار، وتدنى إلى 28.97 مليار دولار في يناير (كانون الثاني) 2020، وفي منتصف 2020 وصل إلى 25.88 مليار دولار أميركي. وخسر الاحتياطي مبلغ 2.31 مليار دولار في شهر يوليو (تموز) 2020، وأصبح في نهاية ذاك العام مساوياً لـ18.61 مليار دولار أميركي.

استمر المسار الانحداري في 2021، وبلغ الاحتياطي نحو 18 مليار دولار في يناير، وتراجع في نهايته إلى 13.6 مليار دولار أميركي، أي بخسارة قاربت أربعة مليارات ونصف المليار دولار. شهد أغسطس من عام 2021 على ولادة منصة "صيرفة" التي تعرضت لانتقادات كبيرة لناحية تبديد أموال المودعين لصالح أقلية من المستفيدين والمحظيين لدى إدارات المصارف. وفي عام 2022 كان قد مضى ثلاث سنوات على الأزمة، ولكن بسبب العجز عن اجتراح الحلول للأزمة، واصل الاحتياطي مساره الهبوطي، بلغ في الشهر الأول من العام 13.14 مليار دولار أميركي. وختم العام مع 10.51 مليار دولار أميركي.

دون الخط الأحمر

شهد عام 2023 على تراجع الاحتياطي إلى ما دون 10 مليارات دولار أميركي، إذ أظهرت الأرقام أن المبالغ المتبقية تساوي 9.86 مليار دولار خلال شهر أبريل (نيسان)، قبل أن يعود إلى مستوى 10 مليارات في مايو (أيار). ويشير الباحث الاقتصادي إلى أن "الاحتياطي تراجع إلى ما دون التسعة مليارات مع نهاية ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي أهدر 600 مليون دولار من أموال المودعين في آخر أسبوعين من ولايته عبر منصة (صيرفة)، ومدفوعات للحكومة".

المحلل الاقتصادي منير يونس يقدر المبالغ المتوافرة بما يقارب 8.6 مليار دولار بشكليها السائل، وغير السائل، أي تلك الأموال الموجودة لدى مصرف ويمكن اللجوء إليها عند الحاجة وبصورة مباشرة، أو تلك التي تأخذ شكل سندات الخزانة أو التوظيفات في الخارج ولدى البنوك المراسلة، كما يتطرق إلى إشكالية "إقراض المصرف المركزي الحكومة بالدولار الأميركي"، مؤكداً "يمكن لمصرف لبنان إقراض الحكومة بالليرة لأنه المصرف المركزي صاحب صلاحية إصدار النقد وطباعة الليرة، وكذلك من الدولارات التي يملكها، أي التي يحققها من الفائض الذي يتحصل عليه من عملياته التجارية الخاصة. وبما أن مصرف لبنان لا يمتلك فائضاً خاصاً بالدولار، لا يمكنه أن يدين الدولة من أموال المودعين".

يؤكد يونس أن "منذ عام 2013 بدأ تفاقم الاحتياطي السلبي لدى مصرف لبنان، ودخل مرحلة العجز، واللجوء إلى أموال المصارف التجارية والمودعين"، مشيراً إلى "ترغيب المصارف بالفوائد المرتفعة". وتواصلت هذه المسيرة إلى حين خسارة الحجم الأكبر من الاحتياطي، وفي حال استمرار السياسة السابقة ستستمر الخسارة والنزف بمعدل 2.4 مليار دولار في الحد الأدنى سنوياً أي بمعدل 200 مليون دولار أميركي شهرياً كنفقات حكومية.

يعتقد منير يونس أنه "يقع على عاتق وزير المالية يوسف خليل مهمة إيجاد البديل لوقف صرف أموال المودعين، وتقديم موازنة غير عاجزة، وإقرار إصلاحات ضريبية، وزيادة واردات الدولة لتلبية حاجات الموظفين والقوى العسكرية، ودعم الأدوية، وشراء القمح"، لافتاً "إذا لم يقم وزير المالية بالمهمة الملقاة على عاتقه من خلال وضع سياسة مالية تؤمن نفقات الدولة، وتجاوز الممارسات الخاطئة التي بدأت منذ 30 عاماً، أو فليتحمل فريقه السياسي مسؤولية خراب البلاد في حال عدم القيام بالإصلاح الضريبي". من جهة أخرى، يجزم منير يونس بامتلاك هيئة الرقابة على المصارف تقريراً مفصلاً حول المبالغ التي هربت إلى الخارج، بالتالي لا بد من إقرار تشريع يلزم باستعادة تلك الأموال، و"كل ذلك رهن وجود دولة القانون والمؤسسات، لا دولة الأزلام والمحاسيب والنزف المستمر لأموال المودعين".   

نواب الحاكم على المحك

يصر نواب حاكم مصرف لبنان على عدم صرف دولار واحد من دون تشريع. يطرح هذا الكلام التساؤل حول صلابة موقفهم لناحية عدم تمويل الدولة، واستمرار سياسة شراء الوقت في غياب إصلاحات جدية. في المقابل، قدم النواب "سلة إصلاحية" تلتقي مع مطالب صندوق النقد الدولي، وتقوم على إقرار تشريع الكابيتال كونترول، وضع موازنة متوازنة غير عاجزة، إضافة إلى إعادة هيكلة المصارف، ومعالجة أزمة الودائع.

يواجه مطلب "تشريع مد اليد على ما تبقى من الاحتياطي" عقبات جدية في البرلمان. النائب رازي الحاج يرفض هذا التوجه، منطلقاً من الخلفية الاقتصادية، ليؤكد أن "أحد الأسباب الرئيسة للأزمة والانهيار هو العجز المتنامي لموازنة الدولة، والذي كان يغطى من قبل مصرف لبنان، وتمويل الدولة، إلى جانب سياسة تثبيت سعر العملة". ويشدد الحاج على "وقف سياسة شراء الوقت في ظل غياب إرادة الإصلاح"، والإصرار على مبدأ قوامه "عدم جواز المس بالاحتياطي الإلزامي الذي لن يصمد أكثر من ثلاث سنوات"، و"لا يمكن للسياسة النقدية تمويل السياسة المالية، لأن مهمة المصرف المركزي الحفاظ على ثبات القطع، والتدخل في السوق شارياً وبائعاً عند وجود فروق كبيرة بين العرض والطلب"، مطالباً بالإصلاحات التي تؤمن توازن المالية العامة بين الواردات والنفقات، وصولاً إلى إعادة هيكلة القطاع العام، وإنشاء الوكالة الوطنية للتحول الرقمي، ووقف الهدر، وتوسيع الوعاء الضريبي ومكافحة التهرب الضريبي والتهريب.

كما يقترح رازي الحاج السماح للحكومة بـ"الجباية المدولرة" لبعض الرسوم التي تجبيها بالعملة الصعبة بعد بلوغ الاحتياطي الإلزامي الخطوط الحمراء، وتجاوزه الحدود الدنيا بمقدار 3.6 مليار دولار أميركي، ناهيك بوجود تشريع يمنع المساس به "لأن القانون يفرض وجود 15 في المئة من الودائع بالعملة الصعبة قبل خفضها إلى 14 في المئة". 

من ناحيته يشكك المتخصص في الشأن الاقتصادي بلال علامة بقدرة نواب الحاكم على مواجهة الإرادة السياسية، قائلاً "الحاكم رياض سلامة كان يتمنى عدم المس بالاحتياطي ولكنه استجاب لطلبات الحكومة طوال عقود بحجة تسيير المرفق العام"، متخوفاً من أن "تأتي الموازنة ببنود تلزم المصرف المركزي بتمويل العجز". ويضيف "في الأحوال العادية كان يقترح الاقتراض من الخارج من طريقة إصدار سندات سيادية صادرة عن وزارة المالية، وبيعها للمستثمرين، أو الاقتراض من الدول للاستدانة أو الحصول على الهبات، أو اللجوء إلى المصادر الداخلية. وعليه، مع عدم توافر الطرق الخارجية، لا يبقى للحكومة إلا الاستدانة من الداخل"، انطلاقاً من هذه الفرضية، يعتقد علامة أن "الحاكم بالإنابة وسيم منصوري لن يستطيع مجابهة الإرادة السياسية، وظهرت ملامح ذلك في مطالبة السلطة السياسية بإقرار تشريع للصرف من الاحتياطي، وذلك تجنباً لتحميله المسؤولية عن إهدار ما تبقى من الاحتياطي"، فيما يبرز الخوف من الانتقال مستقبلاً إلى المساس بالاحتياطي الذهبي، أو حتى بيع أصول الدولة اللبنانية، وتضييع مداخيل الغاز والنفط.

اقرأ المزيد