Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الاكتئاب يضرب قطاع غزة ويصيب 71 في المئة من السكان

الطب النفسي غير قادر على علاج تأثيرات الفقر والتردي الاقتصادي والقصف الإسرائيلي

هناك صلة واضحة بين أوضاع القوى العاملة وفرص العمل وخطر الإصابة بالاكتئاب (اندبندنت عربية - مريم أبودقة)

ملخص

بحسب البنك الدولي فإن نسبة المصابين بالاكتئاب في قطاع غزة بلغت 71 في المئة، وتتشابه مستوياته بين النساء والرجال.

بحيرة ينظر الفلسطيني بلال إلى وجه طفله وهو يدور حوله يطلب منه مصروفه الذي لا يتجاوز ربع دولار أميركي، يدخل يده في جيبه ويخرجها فارغة ويخاطب صغيره "اليوم أيضاً لا أملك نقوداً، أنا لا أعمل… لعلها تفرج قريباً".

يصرخ الصغير ويبكي بحرقة، لكن والده لا يحب أن يشاهد هذا المنظر، فيغادر البيت نحو الشارع، متسائلاً عن شعور الرجل عندما لا يجد في جيبه مصروفاً لأبنائه، ويقف عاجزاً أمام تلبية متطلبات أسرته، ويجيب عن السؤال بنفسه، قائلاً "إنه العجز، الذي يصيب أي إنسان في العالم بالاكتئاب".

في آخر فترة بات يشعر الرجل بدرجات عالية من الضغط النفسي نتيجة سوء وضعه الاقتصادي وأصيب بحالة ذهنية سيئة ومزاج منخفض.

اكتئاب غزاوي

يعد الاكتئاب أكثر الاضطرابات النفسية التي تغزو مزاج سكان غزة، وبحسب دراسة أجراها البنك الدولي في يونيو (حزيران) الماضي، فإن نحو 71 في المئة منهم تظهر عليهم أعراض تتسق مع حالة الاكتئاب، وفقاً لمؤشر الرفاهية الذي وضعته منظمة الصحة العالمية.

ويعرف الاكتئاب بحسب الصحة العالمية بأنه اضطراب يصيب مزاج وعقل وسلوك الإنسان، وهو أحد أشكال الأمراض النفسية، وغالباً ما يكون رد فعل موقت طبيعي لأحداث الحياة، وعادة ما يصاب به الفرد نتيجة الحزن والظروف السيئة التي يمر فيها، ومعظم المكتئبين ينتابهم أفكار بالانتحار.

 

 

على ناصية الشارع كان بلال يدخن السجائر بعد أن استدان ثمنها، فهو يعتقد أن تنفيث الدخان يحسن مزاجه بشكل موقت، لكنه في هذه الحالة يكبد نفسه مزيداً من الخسائر التي لا يستطيع الوفاء بها.

أعراض مرهقة

لحق بلال خسائر مادية فادحة، إذ أغلق مشروعه التجاري الذي خصصه لبيع الملابس بعد تعثره في سداد مديونياته التي تراكمت عليه للتجار، كما أنه فقد منزله في جولة قتال 2021، جراء غارات جوية إسرائيلية عنيفة كانت قرب بيته.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بعد هذه الخسائر، بات يشعر الرجل بضعف التركيز، حيث يقول عن الأعراض "خسرت من وزني الكثير بعد أن فقدت شهيتي عن الطعام، في الأصل لا يوجد طعام لتناوله، وبسبب عجزي هذا أصبحت أعاني من الأرق، من الصعب أن أنام بسهولة".

يأس بلال من المستقبل، وبات شعور الخوف من الأيام المقبلة يرافق حياته، وهذه أيضاً من أعراض الاكتئاب، متابعاً "أصبحت سريع الغضب، أرفع صوتي من أبسط الأمور، وأصرخ في وجه الصغار باستمرار"، بحسب ما قاله الرجل الذي يعيش تحت خط الفقر (أي الدخل اليومي نحو خمسة دولارات بحسب المعيار المتبع محلياً).

تربط الدراسة الدولية بين ظروف المعيشة المتدنية وسوء الأوضاع الاقتصادية في ظهور أعراض تتسق مع حالة الاكتئاب، وتقول محللة بيانات دراسة مسح الظروف النفسية للفلسطينيين التي أجراها البنك الدولي علياء أغاجانيان، إن "اضطرابات الصحة النفسية الشائعة أي الاكتئاب مرتبط بعلاقة طردية مع الفقر المدقع، وسجلنا أن نسبة الأشخاص في غزة، الذين هم على مستوى خط الفقر 50 في المئة، والذين دونه 70 في المئة".

وأكدت أغاجانيان أن هناك صلة واضحة بين أوضاع القوى العاملة وخطر الإصابة بالاكتئاب، مشيرة إلى أن انخفاض الاستهلاك الغذائي والإجهاد النفسي، يؤثر في المزاج بشكل سيئ.

 

 

ليست العمليات العسكرية الإسرائيلية والفقر والبطالة والعمل لساعات طويلة جداً، وانعدام الأمن الغذائي الذي بلغ مستويات قياسية، وفق برنامج الأغذية العالمي الذي يقدم مساعداته للمحتاجين في قطاع غزة، وحدها أسباب الاكتئاب، بل أيضاً تعد الأمراض والإعاقات من أخطر العوامل التي تؤدي إلى الإصابة بالاضطراب الحاد وتعكر المزاج الشديد، بحسب ما توضحه أغاجانيان.

اضطرابات متفاوتة

في مقهى شعبي على بحر غزة، كان يجلس حازم مع صديقه، يشكيان لبعضهما هموم العمل في مطبخ المطعم، اللذان يعملان فيه، لأكثر من 15 ساعة متواصلة، يقول الشاب "لم نجد وقتاً لنهتم بأنفسنا سوى ساعات محدودة في الليل".

وفي المقهى كان حازم يتشارك وصديقه أرجيلة واحدة ويتقاسمان ثمنها البالغ أقل من ثلاثة دولارات، مضيفاً "أعمل بنظام اليومية، وأجرتي 10 دولارات، ولا أتلقاها إذا تغيبت عن العمل، وأنا أجهز للزواج، لذلك كل يوم أخاف من المستقبل كثيراً".

يعتقد الشاب أن جميع سكان غزة مصابون بالاكتئاب لكن بدرجات متفاوتة، وعن نفسه يوضح "لو قلت الصراحة لا أحد يصدقني، أخاف أن أضحك حتى لا يظن الناس أنني سعيد، وعن أي سعادة نتحدث، دعني أقول لك، أفكر يومياً في فسخ الخطوبة، وأشعر بالذنب بشكل مفرط لأنني أقدمت على الارتباط".

بحسب حازم، فإنه فقد تقديره لذاته، وبات يشعر بفتور حاد في طاقته، مشيراً إلى أنه عزم أكثر من مرة زيارة طبيب نفسي لكنه تردد، متابعاً "حتى في علاج نفسي ترددت، أخاف من المجتمع ونظرته، لك أن تتخيل ما هي درجة الاكتئاب التي أعيشها بعد هذا الحديث".

محدودية العلاج

وهذه هبة التي بترت ساقها بعد أن اخترقت شظية إسرائيلية جسدها، باتت تعاني من حالة الاكتئاب الشديد، وتتلقى جلسات دعم نفسي لتهدئة مزاجها، لكنها ما زالت غير مستقرة، وتؤكد أن درجة استجابتها للمعالجين النفسيين بسيطة جداً.

 

 

تقول هبة "كنت أفكر في الانتحار، وأبحث عن الموت بأي طريقة، بعد أن عجزت عن التعايش مع حالة البتر، لقد يأس قلبي وانفطر، ولا أخفي أنني أخاف من الحياة وكذلك أخاف من الموت".

بهدوء انسحبت الفتاة ولم تكمل حديثها، فهي تحاول الحفاظ على وضعها النفسي وحالتها المزاجية.

حول وضع سكان غزة النفسي، يقول متخصص الصحة النفسية فضل أبو هين "الجميع يعاني الاكتئاب، وهناك حالات صعبة، ولا بد من نهضة اقتصادية لتتحسن ظروف الناس، أعتقد أننا سمعنا في سنوات ماضية عن حالات الانتحار ومعظمها بسبب الوضع النفسي".

وأضاف أبو هين "حتى علاج الاكتئاب أو الحالات النفسية محدود في غزة، إذ هناك مستشفى حكومي وحيد وبعض العيادات الحكومية، لكن معظمها تعتمد على العلاج الدوائي، وتفتقر لتدخلات التفريغ النفسي".

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي