"لست على ما يرام"... جملة بسيطة في تركيبها، لكنها ثقيلة الوقع على قائلها. إنها نوع من اختراق الحاجز النفسي للكشف عما يعتمل داخل النفس. من يجرؤ على مثل هذا الاعتراف، في مجتمع يعتبر أن الاضطراب النفسي هو ابتلاء يكاد يكون في مستوى الفضيحة؟ ففي عرف السائد الاجتماعي يوصم من يعاني من اضطرابات نفسية بـ"الجنون" أو بما هو في مقامه... بينما تتكاثر العوامل والمسببات "الخارجية" الكفيلة بخلخلة التوازن الداخلي للإنسان المعاصر..
تُعد الاضطرابات النفسية، وما يترتب عليها من أمراض، إحدى المشكلات الرئيسة التي تواجه الصحة العامة لشعوب العالم، ما دفع منظمة الصحة العالمية إلى العمل على مسح عالمي للصحة النفسية بالتعاون مع جامعة هارفرد.
ويهدف المسح إلى التعرف على نسب الإصابات بتلك الأمراض التي لا ترتبط الإصابة بها بشريحة أو عرق دون آخر، فهي يمكن أن تصيب الأفراد في مختلف الأعمار والثقافات والأوضاع الاجتماعية، وكذلك الاقتصادية، والتي يمكن أن يسهم انتشارها بين أفراد المجتمع إلى أضرار جسيمة، سواء على الصعيد الشخصي أو الاجتماعي والأداء الوظيفي، ما يسبب إشكاليات اجتماعية عدة.
"اندبندنت عربية" تسلط الضوء على صحة الوطن العربي النفسية، خصوصاً مع تزايد الضغوط الاجتماعية والاقتصادية، التي نجمت من تداعيات الحرب الأوكرانية وفيروس كورونا.
ربع المصريين يعانون اضطرابات نفسية
وفي مصر، وقبل أسابيع قليلة، أطلقت القاهرة "المنصة الإلكترونية الوطنية للصحة النفسية وعلاج الإدمان" الأولى من نوعها في مصر. المنصة هي نتاج تعاون بين وزارة الصحة والسكان المصرية ومنظمة الصحة العالمية، هدفها هو "تقديم خدمات الصحة النفسية وإتاحتها للجميع".
الجميع في مصر يعتقد أن صحته النفسية ليست على ما يرام. جمل وعبارات مثل "أشعر باكتئاب"، أو "مزاجي ليس على ما يرام"، أو "أفضل تجنب الناس"، أو "وصلت آخرتي"، وغيرها كثير يتداولها المصريون والمصريات على مدار اليوم.
كثيراً ما يتحدث أطباء وخبراء في مصر عن صحة المصريين النفسية. الكلام كثير والفعل قليل. كما أن المؤشرات تقول إن الصحة النفسية عليلة، وربما هذا ما دفع وزارة الصحة والسكان المصرية إلى اتخاذ خطوة تدشين منصة الصحة النفسية التي يزيد عدد المترددين على موقعها الإلكتروني باطراد.
نتائج المسح القومي للصحة النفسية الذي أجرته وزارة الصحة في مصر عام 2018، أظهر أن ربع المصريين يعانون اضطرابات نفسية، والأكثر انتشاراً هو اضطرابات المزاج، وتحديداً الاكتئاب بنسبة نحو 44 في المئة من مجموع من يعانون اضطراباً نفسياً ما، وتليه الاضطرابات الناجمة عن تعاطي المواد المخدرة بنسبة 30 في المئة، وتأتي اضطرابات القلق العام والخوف في المرتبة الثالثة بنسبة 25 في المئة.
النتيجة نفسها أشار إليها مستشار الرئيس المصري للصحة النفسية والتوافق المجتمعي أستاذ الطب النفسي أحمد عكاشة، الذي أكد في ندوة في مكتبة الإسكندرية "أن واحداً من بين كل أربعة مصريين مصاب بالاكتئاب، وأن النسبة ترتفع بين النساء أكثر من الرجال".
ضحك كالاكتئاب
ولأن استقبال مثل هذه النسب المئوية يشوبه كثير من الإشارات المستنكرة، إذ يغلب على المصريين الميل للدعابة والضحك والسخرية، بمن في ذلك أنفسهم، إلا أن عكاشة فرق بين نوعين من الاكتئاب. فالاكتئاب المقنع هو الذي يترك آثاره واضحة على جسد المريض ووجهه، وتغلب عليه علامات الحزن والكآبة. أما الاكتئاب الضاحك فهو الذي يصيب الشخص، لكنه يبتسم ويضحك ويتظاهر بأن "كله تمام" على الرغم من أنه قد يكون غارقاً في الاكتئاب.
الغرق في الاكتئاب أو الخوف أو القلق أو الآثار النفسية الناجمة عن الإدمان كلها تتطلب المواجهة. تدشين المنصة الإلكترونية نقطة بداية، لكنها ليست النهاية. المريض النفسي في مصر (شأنه شأن أقرانه في بقية الدول العربية) لا يعاني المرض فقط، لكنه غالباً وأسرته يعانيان الوصمة والوعي والقدرة على الوصول إلى سبل العلاج.
استشاري الطب النفسي ناصر لوزة يشير في ورقة عنوانها "حقوق المرضى وتشريعات الصحة النفسية في مصر" (2021) إلى أن "المجتمعات العربية تعاملت تقليدياً مع المرضى النفسيين بمهابة واحترام، إذ كانت الأسر ترعى المرضى النفسيين وفقاً للتقاليد الإسلامية. وكان المريض النفسي يعرف بأنه (مجنون)، أي الشخص الذي يتقمصه الجن، ومن هنا تأتي المكانة الروحية للمريض النفسي في مجتمعات الشرق الأوسط".
ويقول إن المرضى النفسيين ظلوا طيلة قرون يتلقون الرعاية في مجتمعاتهم المحلية، وعند وجود حاجة إلى دخول المستشفى، كان يجري ذلك في المستشفيات العامة المتاحة.
ويوضح لوزة أن مفهوم عزل المرضى النفسيين في مصحات في مصر ظهر في ثمانينيات القرن التاسع عشر، وذلك في أعقاب الاحتلال البريطاني عام 1882. وكان ينظر إلى ممارسة تقديم الرعاية للمرضى النفسيين داخل المجتمع المحلي على أنه علامة على التخلف. وجرى توجيه الدعوة إلى مسؤول مصحات العلاج النفسي في بريطانيا آنذاك جون وارنوك لزيارة مصر بهدف بناء منظومة نموذجية للمصحات. وكانت البداية بمستشفى العباسية في سبعينيات القرن الـ19 ثم مستشفى الخانكة في ثلاثينيات القرن الـ20.
وتوالى في مصر صدور عديد من القوانين الخاصة بالصحة النفسية وحقوق المرضى منذ عام 1936 عقب تأسيس وزارة الصحة. وفي عام 2009 صدر قانون رقم 71 المعروف بـ"قانون الصحة النفسية"، الذي ساعد على تطوير مفهوم الرعاية في مستشفيات الصحة النفسية المصرية.
الصدمات الكهربائية
ويوضح لوزة أن هذا القانون ساعد في تراجع الوصمة المرتبطة بمؤسسات العلاج. كما ساعدت حملات التوعية بالصحة النفسية المواكبة للقانون في تشجيع المجتمع على قبول الاضطرابات النفسية، باعتبارها واقعاً اجتماعياً ينبغي التعامل معه بأسلوب إنساني وعلمي. كما أصبحت هناك وثيقة لحقوق المرضى النفسيين يتوجب على مستشفيات الصحة النفسية توفيرها لهم. كما جرى تأسيس المجلس القومي للصحة النفسية ليكون طرفاً حيادياً لضمان حقوق المريض النفسي، وتقديم الرأي في حالة الإدخال "الإلزامي" للمريض.
جانب من الحقوقيين والأطباء النفسيين في مصر يحذرون من أن التعديل القانوني الذي جرت الموافقة عليه في البرلمان المصري في عام 2020، لا يقدم ضمانات إضافية لحقوق مرضى الصحة النفسية من خلال توفير حماية كافية لهم ضد سوء المعاملة والاستغلال، بقدر ما يضعف هذه الحماية. "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية" (منظمة حقوقية) حذرت من النص الخاص بالعلاج بالصدمات الكهربائية، يسمح بإخضاع المريض النفسي لجلستين غير طوعيتين للعلاج "في حالة الضرورة" من دون تحديد الضرورة.
لكن صحة المصريين النفسية تواجه عديداً من التحديات وليس فقط بنود القوانين. فنسبة من يتلقون العلاج من بين الذين جرى تشخيصهم بإصابتهم باضطرابات نفسية لا يتجاوز 0.4 في المئة. وهذا يعكس إما عدم توافر سبل العلاج، أو قلة الوعي بضرورته، أو الخوف من الوصمة، أو سوء المعاملة في مراكز ومستشفيات العلاج والرعاية النفسية أو كل ما سبق.
استشاري الطب النفسي مايكل النميس، يشير في دراسة عنوانها "الصحة النفسية في مصر: الاحتياجات غير الملباة والأولويات والحلول المحتملة" (2021)، إلى أنه يتعين على الحركة الرامية إلى تحسين خدمات الصحة النفسية أن تحارب على جبهات عدة، لا سيما أن التشريعات وحدها لا تغير الممارسات. النميس يؤمن بضرورة شن حملات توعية تدافع عن حقوق الأشخاص المصابين باضطرابات نفسية.
التوعية ضرورة
حملات التوعية ضرورية ليس فقط من أجل الدفاع عن حقوق المرضى، التي تغيب أحياناً عن أطراف المعادلة كلهم، سواء المريض نفسه أو أسرته أو الطواقم الطبية النفسية، لكنها وحدها لا تصنع الفرق. مزيد من المعلومات عن المرض النفسي ومسبباته وسبل علاجه العلمية، وليست المبنية على العادات والتقاليد أو عبر إقحام الدين كوسيلة علاج، وأحياناً اتهام المريض النفسي بأن "خلله" النفسي ناجم عن قلة الإيمان أو التدين أو ممارسة الطقوس الدينية ضرورة حتمية.
فمثلاً، أسطورة أن الزواج يقي المرض النفسي ينبغي تفنيدها. فبحسب المسح القومي للصحة النفسية للمصريين، فقد ثبت أن الزواج ليس عاملاً وقائياً من الإصابة بالأمراض النفسية. فالعوامل الأكثر صلة بالاضطرابات النفسية اجتماعية واقتصادية. ووجد المسح أن الاضطرابات النفسية أكثر شيوعاً في المجتمعات المصنفة اجتماعياً واقتصادياً بـ"منخفضة" أو "منخفضة جداً".
فمثلاً اتضح أن العمال غير المهرة أكثر عرضة للإصابة بالاضطرابات النفسية، وهو ما يشير إلى أن عدم وجود مهنة محددة تضمن دخلاً آمناً ضمن أسباب الاضطراب النفسي. كما أن ممارسة الأشخاص للأنشطة الاجتماعية والرياضية يقلل من احتمالات إصابتهم بها.
"شبح الوصمة"
وتجدر الإشارة كذلك إلى أن "شبح الوصمة" يتقلص لدى الفئات الاجتماعية الأعلى، فكلما زاد مستوى الأفراد التعليمي والاجتماعي تقلصت وصمة المرض النفسي وزادت معدلات طلب العلاج.
لكن الأوضاع تتغير والوعي يتزايد، والأعمال الدرامية في السنوات القليلة الماضية التي تناولت المرض النفسي وعلاجه شأن أي مرض آخر، تساعد في إزالة الوصمة وتوسيع قاعدة المصريين الواعين بصحة التشخيص وأهمية العلاج من دون حرج أو خوف.
كما أن زيادة متوسط الأعمار في مصر لفتت الانتباه إلى أهمية إدراج المسنين في برامج الرعاية النفسية. وبحسب منظمة الصحة العالمية، فإن الصحة النفسية لكبار السن أمر بالغ الأهمية، لا سيما أن الاضطرابات العصبية النفسية لديهم مسؤولة عن 6.6 في المئة من مجموع حالات العجز الكلي في هذه الفئة العمرية. كما أن نحو 15 في المئة من البالغة أعمارهم 60 عاماً فأكثر يعانون اضطراباً نفسياً واحداً على الأقل.
من جهة أخرى، أفادت دراسة مصرية أجرتها مجموعة من الباحثات قادتهن أستاذة طب الأسرة صفاء الزغبي، بأن "الآثار النفسية لوباء كورونا بين البالغين المصريين، أن 41 في المئة ممن أجريت عليهم الدراسة، يعانون آثاراً صحية نفسية شديدة بسبب الضغوط الناجمة عن كورونا. أبرز هذه الضغوط سببها ظروف العمل وتدني مستوى الدخل، إضافة إلى اضطرابات القلق والهلع من المرض واحتمالات إصابة أي من أفراد الأسرة".
هذه النتائج تتوافق تماماً وما أعلنته منظمة الصحة العالمية قبل أيام من أن العام الأول من وباء كورونا شهد ارتفاعاً كبيراً في معدلات انتشار القلق والاكتئاب في العالم بلغت نسبته 25 في المئة.
وعلى الرغم من الأوضاع الاقتصادية الراهنة الضاغطة، فإن الجهود الرسمية للتوعية بأهمية التعامل مع المرض النفسي، وطلب العون والدعم ومحاولة توفير العلاجات اللازمة في المستشفيات الحكومية لمن لا تسمح له أوضاعه المادية من تلقي العلاج الخاص، مستمرة.
كما أن منظومة المشورة النفسية المعتمدة على خبراء في علم النفس وليس الطب النفسي، تشهد ازدهاراً كبيراً حالياً ويلجأ إليها كثيرون، لا سيما عبر جلسات الاستشارة "أون لاين"، وهو ما يعني زيادة في الوعي بأهمية الصحة النفسية، ولكن يبقى تعامل فئات عدة في المجتمع مع "الوجع النفسي" باعتباره أقل الأوجاع مقارنة مع أوجاع الاقتصاد، واعتباره رفاهية ليست في متناول الجيب، وهو ما يضع الموجوع نفسياً في وضع صعب.
عراة في وسط المدينة
تتجلى المعاناة النفسية بوضوح لدى اللبنانيين في هذه الفترة عبر ارتفاع نسبة اضطرابات القلق تظهر من خلال ردود فعل عصبية ونفسية وعدم القدرة على تحمل أي ضغوط إضافية، وكذلك ازدياد مستويات الاكتئاب عند بعض الناس. باختصار، إنها أزمة مجتمعية، وبخاصة أزمة إنسانية تقتضي أن يتم البحث عن حلول لها بأسرع وقت، وإلا سيشهد المجتمع حالات كبيرة من المشاهد الغريبة والعجيبة، بدأت تظهر تباعاً وفي مناطق عدة من لبنان.
وفي هذا السياق، توضح الطبيبة المتخصصة في علم النفس، جويل خراط، في حديث لـ"اندبندنت عربية"، أن "تعريف مجمل الأمراض النفسية واحد، سواء في لبنان، أو في كل بلدان العالم، وهذه الأمراض هي نوع من الاضطرابات تؤثر في تفكير الشخص وسلوكه وتصرفاته، وحتى أيضاً على مزاجه، منها حالات القلق والاكتئاب والفصام والوسواس القهري والهذيان، وغيرها كثير من الأمراض".
وعن تقييمها لظاهرة التعري الأخيرة التي شاهدناها في شوارع العاصمة وإلى أي مدى ترتبط بالمشكلات النفسية، تشرح بأنها "نوع من وسيلة للدفاع، إذ إن هناك نوعاً من الضغط النفسي الذي يعيشه الفرد جراء واقعه أو عائلته، وهو شخص يعاني نفسياً كثيراً، ويطلق نوعاً من الصرخة، لا سيما إذا كان لديه نقص عاطفي كبير، وهو إجمالاً يتعذب داخلياً، ولا شك أن لديه مشكلات كثيرة بعلاقته مع الغير، وهو ليس شخصاً متصالحاً مع نفسه، لذا فإن هذه الفئات تحاول أن تلفت الأنظار من خلال إحداث صدمة لافتة لكي يشعر الشخص الآخر بالقلق الذي يعيشه، لكن هذا التصرف يعبر عن عدم الاحترام للذات والجسد، وهو من العلامات التحذيرية للمرض النفسي".
وتعتبر أن "هذا خرق للحاجز التربوي والاجتماعي الذي تربينا عليه في مجتمعنا الشرقي. هؤلاء الأشخاص يحاولون أن يكسروا هذه الحواجز وكأنهم يريدون إطلاق صرخة وجع لتصل إلى مكان معين، فالمجتمع ومحيطهم لا يساعدانهم، وربما هؤلاء الأشخاص يعانون اليأس والخوف أو حتى فقدان الشعور بالأمان". وأكدت أنه "من خلال هذا التصرف يحاولون أن يشكلوا صدمة اجتماعية في مجتمعنا الذي يعد محافظاً للقواعد والأسس الأخلاقية التقليدية التي ورثناها ونحترمها ونمارسها في حياتنا اليومية، ومنها الحشمة واحترام جسد الإنسان".
وعما إذا كان ذلك مرده اقتصادياً، تقول، "لا يمكن تبريره بأنه سبب اقتصادي، وإلا كنا رأينا أن المجتمع اللبناني كله قد تحول إلى عراة في الشوارع. الشخص الموزون أو الطبيعي لا يمكن أن يتصرف بهذا الشكل، بالتالي فالأسباب التي أدت إلى هذه الظواهر الغريبة تعود لأسبابه الشخصية".
أين المؤسسات العلاجية؟
تتعدد المؤسسات الخاصة بالأمراض النفسية في لبنان أبرزها، وأقدمها مستشفى الصليب للأمراض العقلية، ولكن في المجمل معظم المستشفيات لديها جناح خاص بالأمراض النفسية.
والى أي مدى هي مؤهلة، تشير خراط إلى أن "هناك نقصاً كبيراً في المعدات والأدوية، بحيث نرى أن هناك بعض المستشفيات التي باتت تتجه إلى الإقفال لأن الأشياء الأساسية التي يجب أن تتوفر لديها لم تعد موجودة"، معتبرة أن "الحل موجود دائماً، وحتى في بعض الأحيان نحاول خلق الحلول، ولكن الأهم أن يبقى هذا الشعب يتمتع، ولو بقليل من القوة والإرادة وأمل في الحياة والبلد".
وتشير إلى أنه "بعد الأحداث الصعبة التي عصفت بلبنان من انفجار 4 أغسطس (آب)، واجتياح كورونا، والأزمة الاقتصادية غير المسبوقة التي زادت من حدتها أزمة الدواء، وهو أصعب شيء يمكن للإنسان أن يواجهه، خصوصاً إذا كانت أدوية لأمراض نفسية. لذا، لا نستغرب كأخصائيين التزايد الكبير في حالات اليأس والإجرام، لأن الإنسان لم يعد يجد الدواء لمرضه، وحتى الإنسان السليم أصبح يعاني عوارض مرضية وعصبية خطيرة، وفي العيادة نرى ازدياد نسبة الطلاق بسبب الأزمة المادية، وحتى بعض الشباب لديهم حالات قلق كبيرة على مستقبلهم".
وعن الجهة المسؤولة في مواجهة هذه الأزمة، تناشد خراط "وزارة الشؤون الاجتماعية برفع ميزانية الوزارة لمساعدة أكبر عدد من العائلات المحتاجة، لمنع هؤلاء الأفراد من الوصول إلى مرحلة اليأس، وتأمين ما يلزم من أدوية ومسكن، كما أننا بحاجة إلى تضامن جميع الوزارات في هذه المسألة".
وإلى أي مدى يتقبل المجتمع اللبناني فكرة العلاج، تشير إلى أنه "في هذه الأيام نرى أن أغلب الشباب المتعلمين في مجتمعنا يعرفون المعنى الحقيقي للأمراض النفسية، وحتى عوارضها، ولا يترددون بطلب الاستشارة في حال ظهرت عوارض معينة، وأصبحنا نراهم مهتمين بطلب العلاج للخروج من حالات اليأس التي يتخبطون بها".
تردي الوضع الاقتصادي والاجتماعي
تردي الوضع الاقتصادي والاجتماعي مع انتشار معدلات البطالة، وتدهور القدرة الشرائية للتونسيين، إضافة إلى عدم الاستقرار السياسي، كلها عوامل جعلت من تونس بؤرة لانتشار الأمراض النفسية، التي ارتفعت بصورة لافتة خلال السنوات الأخيرة، وازدادت خلال انتشار وباء كورونا.
كل هذه العوامل أسهمت في زيادة إقبال المواطنين على العلاج النفسي بالمستشفيات الحكومية، التي باتت تواجه صعوبات في الاستجابة لعدد المرضى الكبير وإيوائهم.
اللجنة الطبية في مستشفى الرازي للأمراض النفسية والعقلية (أكبر مستشفى متخصص والوحيد في الأمراض النفسية بتونس) كشف عن تزايد أعداد المرضى الذين يلجؤون إليها طلباً للعلاج في ظل الضغوط النفسية أو للتخلص من الإدمان على المخدرات.
وقالت اللجنة، إن عدد المرضى في المستشفى وأولئك الذين توجهوا إلى العيادات الخارجية خلال عام 2021 ارتفع بنسبة 15 في المئة مقارنة بسنة 2020.
الأرقام الرسمية تؤكد أن عدد المرضى الذين استقبلهم "مستشفى الرازي" تضاعف بنسبة 70 في المئة خلال السنوات العشر الأخيرة، أي سنوات ما بعد ثورة يناير. كما جاء في أرقام صادرة عن الجمعية التونسية للأطباء النفسيين، أن نحو 60 ألف تونسي مصابون بالفصام، وبلغ عدد المرضى الذين استقبلهم المستشفى منذ بداية جائحة كورونا في مارس (آذار) 2019، وحتى نهاية سنة 2020 أكثر من 220 ألف مريض. كل هذه الأرقام تظهر مدى تردي قطاع الصحة النفسية في تونس في ظل الارتفاع الكبير للمرضى.
جحيم وفقر
"كريمة" موظفة مرت بأزمة نفسية حادة قبل أشهر، وتقول إنها تعالج في مستشفى الرازي الحكومي، وأنها أخذت إجازة طويلة المدى من الشغل. وعن أسباب الأزمة، أضافت أن زواجها الفاشل ومعاملة زوجها وعدم قيامه بمسؤولياته تجاه عائلته، إضافة إلى الظروف الاقتصادية الصعبة التي مروا بها جعلت حياتها "جحيماً"، بحسب تعبيرها.
وأشارت كريمة إلى أنها كانت تشعر بالخوف والقلق " على مستقبل ابنتها الوحيدة، مما جعلها تبحث عن الهجرة والهرب بها من معاملة أبيها السيئة، وأيضاً لضمان حياة كريمة".
أما نبيهة، الحاصلة على شهادة الدكتوراه في علم الاجتماع، فتقول إنها نجحت في أن تكون من الأوائل في اختصاصها، لكن هذا لم يشفع لها لتجد فرصة عمل تنسيها تعب سنيّ الدراسة، هذا إضافة إلى حالة عائلتها الاجتماعية، التي تصفها بـ"الفقر"، فوالدها منفي منذ سنوات وأمها مريضة وأختها تدرس بالثانوي، وهي مجبرة على العمل بائعة ليوم كامل بمرتب 200 دولار شهرياً من دون تغطية اجتماعية.
كل هذه الظروف الصعبة أدت إلى دخول نبيهة مستشفى الأمراض النفسية لأسابيع بسبب الأزمة العصبية والنفسية الحادة التي عاشتها.
التوتر النفسي
آلاف التونسيين يعيشون ظروف "كريمة ونبيهة"، بل أكثر منها، فجولة بسيطة في الشوارع والمدارس والمعاهد والأسواق تكشف مدى التوتر النفسي، الذي يعانيه أغلب التونسيين، بسبب تردي الأوضاع الاجتماعية، خصوصاً في السنوات الأخيرة مع الارتفاع الهائل للأسعار وتدهور المقدرة الشرائية.
هذا ربما ما يفسر ارتفاع محاولات الانتحار في تونس، إذ كشف تقرير لمنتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وهي منظمة غير حكومية، تسجيل 235 حالة أو محاولة انتحار في تونس خلال سنة 2020، كانت أغلبها في صفوف الأطفال والشباب.
وفي هذا الصدد، قال الناطق الرسمي باسم المنتدى، رمضان بن عمر، إن الشعور باليأس والإحباط من أبرز الأسباب التي تقف وراء تنامي ظاهرة الانتحار في تونس، موضحاً أن "الوضع الاجتماعي والاقتصادي الصعب الذي تمر به تونس أسهم بشكل مباشر في نفسية المواطنين".
وأظهر استطلاع للرأي بشأن التقييم السياسي لشهر فبراير (شباط) 2021 تشاؤم نحو 90 في المئة من التونسيين، وخوفهم من المستقبل القريب، ومن الانعكاسات السلبية للأزمة الاقتصادية والاجتماعية والصحية على الوضعين العام والخاص. وجاءت تونس في المرتبة 114 في ترتيب "مؤشر السعادة العالمي"، وهو ترتيب يقارب ترتيب الدول التي تعيش حروباً.
ويعتقد الأطباء النفسيون في تونس، أن التربية النفسية شيء مهم وضروري تبدأ من المدرسة، وطالبوا بتوفير طبيب نفسي أو أكثر لكل مؤسسة تربوية، خصوصاً بعد انتشار الجريمة واستهلاك المخدرات في هذه المؤسسات، معتقدين أن الحل الأمني والتربوي وحدهما لن يجدياً نفعاً، مطالبين بالحل النفسي داخل منظومة يرون أنها مليئة بالعقد النفسية.
الطبيب جمال مناعي أشار إلى أن 52 أخصائياً نفسياً يعملون في وزارة التربية على مليوني طالب، أي بمعدل أخصائي واحد لكل 4 آلاف تلميذ، مشدداً على أن الصحة النفسية، بخاصة للأطفال، مسؤولية الجميع، وأن الصحة النفسية أصبحت ضرورية في المؤسسات التربوية.
معاناة من المرض
ويعاني 26.5 في المئة من المغاربة اضطرابات الاكتئاب، و9 في المئة من اضطرابات القلق، ويشكو 5.6 في المئة منهم من اختلال ذهاني، وواحد في المئة من انفصام الشخصية، واثنان في المئة من التعاطي المفرط للكحول، و1.4 في المئة من إدمان الكحول، بحسب دراسة أجرتها وزارة الصحة المغربية بشراكة مع منظمة الصحة العالمية في عام 2007، عندما كان تعداد السكان بالمغرب يقدر بنحو 30 مليون نسمة. وأشارت دراسة أجريت من طرف دورية Annals of General Psychiatry في عام 2019 إلى أن طفلاً من بين كل خمسة أطفال في المغرب يعاني الأرق أو الاكتئاب أو القلق، وأن نصف مشكلات الصحة النفسية لدى الأطفال المغاربة بدأت في سن الـ14.
يحكي بوطالب عمر (22 عاماً)، الطالب بالسنة الرابعة بإحدى المدارس العليا عن تفاصيل تجربة إصابته باضطرابات القلق، قائلاً، "تم تشخيص إصابتي بالاكتئاب عندما كنت في الـ15 من عمري، غير أن والديّ فضلاً ألا أتناول الأدوية التي وصفها لي الطبيب النفسي، الأمر الذي زاد من حالتي الصحية سوءاً"، موضحاً أنه "عندما تسمع لأول مرة عن الاكتئاب أو المرض النفسي عموماً يتبادر لذهنك أنه حزن بسيط عابر، وهذا راجع أساساً إلى قلة الوعي بالموضوع في المقام الأول، إضافة إلى عوامل اجتماعية وثقافية ودينية، والتي تميل إلى ربط الحالة النفسية للمريض بقلة الإيمان أو بنقص الرجولة أو بظواهر ما وراء الطبيعية، وفي الكفة الأخرى تعقيدات المرض وطبيعته غير العضوية وأعراضه اللامرئية".
ويضيف، "اخترت الصمت وكذلك فعلت عائلتي ما دام المرض لم يكن يؤثر على مسيرتي الدراسية، مع أنه كان يعوقني إلى حد كبير في حياتي الاجتماعية والعاطفية، إلا أنني لم أعد لزيارة الطبيب النفسي إلا عندما صار عمري 18 عاماً، وبالضبط، عندما رسبت في أول سنة جامعية لي بسبب شدة القلق التي منعتني من اجتياز الامتحانات، في هذه الفترة لم أكن أعلم أنني أعاني اضطرابات القلق عام أولاً لقلة علمي بالموضوع، وثانياً لسوء تعامل الأخصائيين مع حالتي، إذ كانوا يشخصون وجود حالة الاكتئاب، مع أنني كنت أعاني فقط بعض أعراض المرض، وليس كلها، وربما بسبب عدم وصفي الدقيق لحالتي المرضية، لأنني كنت أتوجه إليهم فقط عندما كنت أحس بأعراض الاكتئاب الشديد، وبخاصة الأفكار والميول الانتحارية".
ويوضح عمر أن من بين المشكلات التي عاناها كثيراً ضعف خبرة الأخصائيين الذين كان يزورهم، وسوء تعاملهم مع حالته، إضافة إلى الأثمان الباهظة نسبياً للعلاج والأدوية، إضافة إلى مشكلات في مشواره الدراسي، إذ إن الأعراض الجانبية للأدوية لطالما كانت تمنعه من المواظبة على حضور الدروس واجتياز الامتحانات، بخاصة أن "كثيرين من الأساتذة لا يعترفون بالشهادات الطبية المقدمة من طرف الأخصائيين النفسيين"، مضيفاً، "ذلك من دون ذكر الذنب الذي كنت أحس به والعار الذي كنت أحس أنني أجلبه لعائلتي، هذا في نظري أشد ما يعانيه المريض النفسي في الوطن العربي، فإذا لم تقضي عليك المعارك التي تخوضها فقط مع نفسك لتحقيق سلامك الداخلي وتقبل نفسك، فسوف تدمرك أحكام المجتمع والأعراف القاسية من جهة أخرى، لكن الأمور، والحمد لله، وبفضل جهود فردية وأخرى من طرف أسرتي وبعض الأصدقاء، تسير بشكل أفضل، فبعد زيارتي للمستشفى الجامعي للأمراض النفسية بطنجة، وجدت العلاج الذي يساعني على الاتزان وعيش حياة طبيعية مجدداً".
ضعف الرعاية الصحية
يشير متخصصون إلى وجود ضعف في مجال الرعاية الصحية الخاصة بالجانب النفسي، بسبب قلة عدد الأطر الطبية والمؤسسات الصحية. ويوضح فؤاد مكوار، رئيس "الجمعية المغربية للدعم والربط وتأهيل عائلات الأشخاص المصابين بأمراض نفسية" (أمالي)، أن مجال الصحة النفسية بالمغرب يشكو من العجز، إذ تشهد المملكة وجود 306 أطباء متخصصين في القطاعين عام والخاص، و2225 سريراً فقط مخصصة للصحة النفسية موزعة على 34 مؤسسة لتقديم العلاجات في الطب النفسي والإدمان، بمعدل 0.7 سرير لكل 100 ألف نسمة، بينما يوصي المعيار العالمي بسرير واحد لكل 10 ألف نسمة، مشدداً على كون الميزانية المخصصة للأدوية النفسية غير كافية مع غياب الأدوية من الجيل الجديد.
من جانبه، يؤكد منير هدوبة، مدير الأكاديمية الدولية للتدريب والاستشارات النفسية والأسرية، أن "العناية بالصحة النفسية أصبحت من المتطلبات الضرورية في المرحلة الراهنة، لذلك أطلقنا عديداً من النداءات والتوصيات نؤكد فيها ضرورة إيجاد مراكز داخل المؤسسات التربوية ابتداءً من المرحلة الابتدائية إلى الجامعية، والتي من شأنها تتبع بعض الحالات النفسية التي تظهر عند البعض منذ الطفولة، فأصبحنا نلاحظ التنمر وسلوكيات شاذة، وكثيراً من السلوكيات غير الأخلاقية، وهذه الأمور يجب متابعتها من خلال المرشدين النفسيين والتربويين، هناك تقصير كبير في هذا الباب".
مرحلة ما بعد الوباء
ويوضح متخصصون أن تداعيات جائحة كورونا طبعت بشكل كبير الصحة النفسية للمغاربة، وتزايدت حالات القلق والاكتئاب، بالتالي ارتفعت حالات التفكير في الانتحار. ويشير هدوبة إلى أن المرحلة الأخيرة التي شهدت انتشار وباء "كورونا هي مرحلة مهمة جداً تختلف اختلافاً كبيراً مع سابقتها، فهذه المرحلة مهمة في تاريخ البشرية جمعاء، بالتالي في تاريخ المغرب، موضحاً أن "الوضعية الوبائية أثرت بشكل كبير على الصحة النفسية لعموم الناس، ولاحظنا بحكم تخصصنا في مجال علم النفس والإرشاد النفسي بالتحديد، ظهور كثير من الاضطرابات النفسية ومشكلات سلوكية، ابتداءً من الوسواس القهري والاكتئاب والقلق العام، والتي كانت من أكثر الحالات انتشاراً وشيوعاً خلال فترة ما بعد الوباء"، مضيفاً أنه بشكل عام، خلق التحذير من خطورة فيروس كورونا من طرف الجهات الرسمية حالة من الخوف لدى الناس، وتكرست لديهم قناعة بوجود فيروس خطير مميت، وهو ما سبب بشكل كبير في بروز أمراض أو اضطرابات نفسية لدى كثير من الناس.
ويعتبر هدوبة أن "الخوف والحزن والهلع أمور أدت بداية إلى إضعاف كفاءة جهاز المناعة لدى الناس، فكلما ضعف جهاز المناعة تفاقمت المشكلات النفسية، بالتالي ظهور المشكلات العضوية التي تسببت في أمراض قد تؤدي في كثير من الأحيان إلى الوفاة"، موضحاً أن اضطرابات الاكتئاب والوسواس القهري تؤدي إلى اضطرابات أخرى مثل الانتحار مثلاً، وفكر عديد في الإقدام على الانتحار بعد أن اختلت الموازين لديهم.
النساء أكثر إصابة بالمشكلات النفسية
وفي السعودية كشفت نتائج مسح الصحة النفسية في البلاد، الذي استغرق ثلاث سنوات، واستهدف عينة عشوائية شملت أكثر من 4000 شخص تراوحت أعمارهم بين 15 و65 سنة، عن أن نسبة 34 في المئة من السعوديات والسعوديين تعرضوا للإصابة بأحد الاضطرابات النفسية في مرحلة معينة في حياتهم، كما أظهرت أن 40 في المئة من فئة الشباب واجهت المشكلة ذاتها.
ولم تقتصر نتائج المسح على إظهار معدل الإصابات، بل شملت تحديد أنواع الأمراض النفسية الأكثر انتشاراً في البلاد، والتي ارتكزت على الحالة النفسية الأكثر شيوعاً، وهي اضطراب الانفصال عن الشريك التي وصلت إلى نسبة 11.9 في المئة في المرتبة الثانية، وأتى اضطراب النشاط المفرط وقلة الانتباه، الذي تخطى معدله سبعة في المئة، ويصيب هذا الاضطراب، بشكل عام، فئة المراهقين والشباب، الأمر الذي يؤثر سلباً على الدراسة والحياة المهنية، أما الحالة الأخيرة، فهي مرض الاكتئاب بنسبة ستة في المئة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كما أظهر المسح أن مشكلة الاكتئاب تصيب النساء بشكل أكبر، إذ تبين أن معدل هذا النوع من الاضطرابات عند الإناث هو 7.9 في المئة، وعلق طبيب الأمراض النفسية في مستشفى الحرس الوطني بالرياض جمال الطويرقي قائلاً، "تغيير نمط وأسلوب الحياة لدى أفراد المجتمع أسهم في ارتفاع نسب الإصابة بالأمراض النفسية على الرغم من أن الإحصائيات تشير إلى أن نسب الإصابة ليست مقلقة"، لافتاً إلى أن السبب يعود إلى عدم وجود الاحتواء الذي كان موجوداً قبل 20 عاماً للمريض. أضاف، "في الماضي، كانت الأسرة تهتم بالمريض النفسي، وكذلك المجتمع، ما يسهم في علاجه وعودة للحياة الطبيعية، أما اليوم ومع الاختلاف في نمط المعيشة، أصبح هناك انشغال بين أفراد الأسرة الواحدة ما انعكس سلباً على الفرد المريض بها".
ونوه الطويرقي إلى أن "كثرة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي من قبل أفراد المجتمع أسهمت في تغير مفاهيم السعادة لدينا وأوجدت ضغوطاً جديدة لم تكن موجودة في السابق". وتابع، "هناك عوامل أخرى جعلت الأفراد في المجتمع أكثر عرضة للإصابة بالأمراض النفسية، لا سيما الاكتئاب، منها هشاشة العلاقات الاجتماعية والانطوائية والانعزال عن محيط الأسرة بسبب كثرة استخدام الجوال ومواقع التواصل الاجتماعي"، موضحاً في الوقت نفسه أن "هناك بعض الأمراض النفسية التي تكون وراثية منها اكتئاب ثنائي القطب، وأخرى يدخل فيها عامل الوراثة". وشدد الطويرقي على أهمية الترابط الاجتماعي، لا سيما بين أفراد الأسرة الواحدة. وقال، "لا بد للآباء والأمهات من الانتباه واحتواء أبنائهم في مختلف أعمارهم بحيث لا يكونون عرضة للإصابة بالأمراض النفسية، خصوصاً الاكتئاب". ولفت إلى أن هناك عدداً من الأمراض النفسية التي يصاب بها السعوديون عدا الاكتئاب، ولكن بنسب بسيطة، مثل الرهاب الاجتماعي والقلق والهلع.
الدولة تتكفل بالعلاج
وفي سياق متصل، كفلت أنظمة السعودية حق الرعاية الصحية للمواطنين، ونصت المادة 31 من النظام الأساسي للحكم على أن "تعنى الدولة بالصحة العامة، وتوفر الرعاية الصحية لكل مواطن وأسرته في حالة الطوارئ والمرض والعجز والشيخوخة". ونصت المادة الثانية في النظام الصحي على أن النظام يهدف إلى ضمان توفير الرعاية الصحية الشاملة المتكاملة لجميع السكان بطريقة عادلة وميسرة وتنظيمها.
ومن الأنظمة التي تعنى بالرعاية الصحية أيضاً نظام الرعاية الصحية النفسية الذي يهدف إلى تنظيم وتعزيز الرعاية الصحية النفسية اللازمة للمرضى النفسيين، وحماية حقوقهم، وحفظ كرامتهم وأسرهم والمجتمع، ووضع آلية معاملتهم، وعلاجهم في المنشآت العلاجية النفسية.
ويبلغ عدد مستشفيات الصحة النفسية في البلاد 21 مستشفى سعتها السريرية 4046 سريراً، إضافة إلى 99 عيادة نفسية، و14 مستشفى متخصصاً قيد الإنشاء، وتعمل وزارة الصحة السعودية حالياً على تنفيذ مبادرة لتهيئة المرافق الصحية في مستشفياتها لإنشاء أجنحة تنويم للمرضى النفسيين في المستشفيات العامة والتخصصية ذات السعة السريرية أكثر من 100 سرير، بحدود 10 في المئة من السعة السريرية.
كما عملت على إنشاء مركز الاستشارات النفسية التابع للجنة الوطنية لتعزيز الصحة النفسية عام 2013، ويعمل على مدار 12 ساعة في اليوم، إضافة إلى إطلاق عدد من المبادرات لعلاج الحالات النفسية، مثل مبادرة الإرشاد الصحي الشامل (برنامج الرعاية النفسية الأولية)، التي تهدف إلى الاكتشاف المبكر لحالات الاكتئاب والقلق بين مراجعي المراكز الصحية الأولية، لتخفيف معاناة المرضى عن طريق تقديم خدمات نفسية أولية شاملة، وبرنامج المدارس الصحية التي تعمل على تطبيق التدابير الرامية إلى تعزيز الصحة، إلى جانب العملية التعليمية للطلبة، بالشراكة التكاملية بين وزارتي الصحة والتعليم، كما أطلقت مجموعات الاهتمام، وهي إحدى مبادرات تطوير الرعاية الصحية الأولية في الوكالة المساعدة للرعاية الأولية، وتهدف إلى الربط بين العلاج الطبي وتوفير الحاجة للدعم العاطفي من خلال مشاركة الأفراد المنضمين لها تجاربهم وخبراتهم مع المرض وتشجيع بعضهم، وعمل المركز الوطني للوقاية من الأمراض ومكافحتها على نشر الدليل الإرشادي للصحة النفسية والاجتماعية.