Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فضيحة أميركية عمرها نصف قرن: يوم كان الرئيس يستشير المنجمين

على طريقة الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران كان الرئيس الأميركي رونالد ريغان يتخذ قراراته بناءً على نصيحة إحدى العرافات

الرئيس ريغان وزوجته (غيتي)

ملخص

على طريقة الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران كان الرئيس الأميركي رونالد ريغان يتخذ قراراته بناءً على نصيحة إحدى العرافات

يحدث هذا في كل عام منذ زمن: ما إن تقترب نهاية سنة حتى تمتلئ الشاشات التلفزيونية في لبنان وربما في غير لبنان أيضاً بعدد كبير من "الدجالين" الذي يطلون من على الشاشات الصغيرة مبتسمين بجشع واضح، ولكن في نوع من جدية غامضة ليتحدثوا إلى متفرجين مبهورين غالباً، ساخرين في أحيان كثيرة، ليس عما حدث طوال العام الماضي بل عما "سوف يحدث خلال العام المقبل". نعم بكل بساطة يقوم كل واحد من هؤلاء "بالكشف" عن تفاصيل "مذهلة" وبالأسماء والتواريخ تتعلق بمن سيموت ومن سيعيش وأي نظام سينقلب وأي اقتصاد سيتدهور ومن سيتزوج من ومن سيطلق من، ومئات التفاصيل المشابهة. والغريب في الأمر أن ثمة من المعلومات ما يفيد بأن السياسيين هم أول من يصدق تلك الخزعبلات ويبنون على أساسها تكتيكاتهم وسياساتهم. ولعل هذا يذكر بعض الأجيال السابقة بسيدة كانت تقيم على طريق المطار في بيروت، واشتهرت في الخمسينيات والستينيات بالنوع نفسه من الدجل "التنجيمي" فكان من زبائنها كبار السياسيين اللبنانيين من الذين "يترحم مواطنون كثر اليوم على أيامهم"، وقد سهى عن بالهم أن أولئك السياسيين كانوا من زبائن تلك السيدة الدائمين وهم الذين مكنوها بكرمهم من أن تجمع ثروة كبيرة لمجرد أن تخمن لهم ما يخبئه المستقبل لهم ولبلدهم.

في العالم "المتمدن" أيضاً

مهما يكن يبدو لنا أن تلك كانت ولا تزال سياسة عامة وليس في بلداننا المتخلفة فقط، بل في بلدان كبيرة أيضاً وكان في إمكاننا أن نكتفي هنا بذكر المنجمة الفرنسية "مدام سولاي" التي كان من بين من يستشيرونها في بلد "العقلانية المفرطة"، فرنسا، الرئيس الراحل فرانسوا ميتران، لولا أن كتاباً صدر في واشنطن قبل عقود من الآن أعاد إلى أذهاننا كيف أن سيد البيت الأبيض، بالتالي سيد ما كان يسميه حينها "العالم الحر" رونالد ريغان، كان يمارس نفس ما مارسه نظيره ميتران، أي استشارة المنجمين وأشباههم من المحتالين ليس في الشؤون الشخصية فحسب، بل كذلك، وهذا أدهى، في شؤون البلاد والعباد. علماً أن ميتران كان بحسب كاتبي سيرته يكتفي بتلمس النصح من "مدام سولاي" في شؤون خاصة به ثم يتفكه على ذلك مع المقربين منه معتبراً الأمر مجرد مزاح! ولربما تكمن الخطورة في ممارسات رونالد ريغان، الذي كان يعتبر أكثر الرؤساء الأميركيين قوة ويمينية في القرن العشرين، هو الذي كان آتياً من عالم السينما الهوليوودية كممثل (لم يحقق فيها نجاحات كثيرة على أية حال). وهي ممارسات أمعن في تفصيلها - في الكتاب الذي أشرنا إليه ونتوقف عنده هنا - ريغان آخر، شغل وظيفة عليا في البيت الأبيض في عهد رونالد ريغان من دون أن يكون قريباً له مع أن اسمه العلم لا يفرق عن اسم رئيسه إلا في حرف واحد. فاسمه كان دونالد ريغان بالتحديد. أما الكتاب الذي وضعه فلم يرده أن يكون فضائحياً بل طريفاً يسعى، كما سيزعم، إلى تحبيب الناس في الرئيس السابق لا أكثر.

بعد مبارحة الوظيفة

إذاً اسمه دونالد ريغان، ومن الواضح أن تشابه اسمه مع اسم الرئيس قد حير كثيرين، خصوصاً أن دونالد كان خلال عهد رونالد واحداً من كبار المسؤولين في الحكم، بل كان الأقرب إلى الرئيس، انطلاقاً من كونه رئيساً للديوان في البيت الأبيض حيث ما إن يبارح موظف كبير، بما في ذلك رئيس الدولة، موقعه، حتى تكثر عمليات الكشف عن الأسرار وتتبدل المواقف ويصل الأمر إلى حدود الفضائح. وهكذا حدث في ربيع عام 1988، أن تسبب دونالد ريغان (الموظف الكبير) في إثارة لغط هائل من حول رونالد ريغان (الرئيس). وجاء ذلك على أية حال في الكتاب الذي وضعه دونالد ريغان بعد مبارحته وظيفته الرسمية، وجعله أشبه بيوميات وتفسيرات كتبها حول عمله في البيت الأبيض وعلاقته المباشرة بالرئيس ريغان. طبعاً، كالعادة، كان في الكتاب الذي نزل إلى الأسواق وسط صخب إعلامي كبير، فصول عديدة تتناول شؤون الحكم والسياسة، وفصول تشيد بتجربة ريغان (الرئيس) في الحكم، وبكونه من "أكثر الرؤساء شعبية في التاريخ الحديث لهذا البلد". وكذلك كانت فيه فصول تقول إن الرئيس كان يمارس الحكم، في دوائره الخاصة، وكأنه يقوم بتمثيل فيلم هوليوودي (والمعروف كما أشرنا، أن رونالد ريغان كان ممثلاً هوليوودياً محترفاً قبل أن يصبح حاكماً لولاية كاليفورنيا، ومن ثم رئيساً للولايات المتحدة الأميركية). وكانت في الكتاب أيضاً إشارات إلى غرابة أطوار الرئيس، وعلاقاته النسائية القديمة، والعشوائية التي كانت تطبع عديداً من القرارات الخطرة التي اتخذت في عهده.

المعروف وغير المعروف

بيد أن هذا كله لم يستوقف القراء ولا الصحافة، لأن معظمه كان معروفاً من قبل، وريغان (الرئيس) نفسه لم يكن ليكلف نفسه، في الماضي مشقة تفسيره أو تبريره أو نفيه إن كان من الأمور التي ينبغي نفيها. ما استوقف الناس في الكتاب في ذلك اليوم كان أمراً آخر اعتبر أكثر خطورة وغرابة بكثير، أمراً عبرت عنه هذه الفقرة التي جاءت في أحد الفصول تقول: "بشكل أساسي، كانت كل خطوة أو حركة يخطوها الزوجان ريغان، خلال الفترة التي كنت أعمل فيها رئيساً للديوان في البيت الأبيض، كانت تدرس سلفاً وتبحث بكل عناية، بالتشاور مع سيدة تعيش في سان فرانسيسكو. كانت تلك السيدة منجمة تتعامل مع الأفلاك والنجوم. وكانت غاية الزوجين ريغان من التشاور معها معرفة ما إذا كانت دورة الفلك والنجوم مناسبة للقيام بالخطوة التي يزمع ريغان اتخاذها". وهذه الاستشارة، بحسب الكتاب، لم تكن تطاول الأمور العائلية والخاصة للزوجين، بل كانت تطاول أدق وأخطر الشؤون السياسية، بمعنى أن الرئيس رونالد ريغان، كان خلال فترة حكمه يسمح لزوجته بأن تستشير منجمتها، "مما يعطي هذه فرصة التنبؤ بما إذا كان من المناسب أو غير المناسب عقد هذا الاجتماع أو القيام بهذه الخطوة أو تلك". وهذا الأمر أذهل الأميركيين بالطبع، وأذهلهم بخاصة ما أشار إليه الكتاب من أن اجتماعاً على خطورة اجتماع رونالد ريغان بالزعيم السوفياتي ميخائيل غورباتشوف، لم يعقد، إلا بعد أن جرت استشارة المنجمة في شأنه. وإن هذه الأخيرة هي "التي أفتت بصواب عقده في ذلك الحين، لأن مدار الفلك يكون ملائماً للرئيس الأميركي، أكثر من ملاءمته للزعيم السوفياتي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الجديد في مكان آخر

طبعاً لم يكن من الأمور الجديدة بالنسبة إلى الرأي العام، معرفة أن الزوجين ريغان يستشيران المنجمين. الجديد كان أن التنجيم دخل - للمرة الأولى - كجزء أساسي من السياسة الأميركية العليا. هنا أمام هذه الفضيحة لم يكن للرئيس ريغان إلا أن يتدخل ويرد على رئيس ديوانه السابق، فكان رده في منتهى الاختصار، إذ "قال إنه أبداً لم يخضع لتأثير الفلكيين حين كان يتخذ قراراته السياسية"، ثم أضاف الرئيس ريغان: "لقد جعلت من أساليب سياستي الدائمة ألا أدلي بأي تعليق يطاول مثل هذه الكتب التي تصدر بين الحين والآخر...". ويومها رأى المعلقون أن ريغان يرد على ريغان الآخر، لكنه يرد أيضاً على الناطق الصحافي السابق باسمه لاري سبيكس، الذي كان بدوره أصدر كتاباً قال فيه إنه هو الذي كان يخترع عبارات وجملاً ينسبها إلى الرئيس ويوزعها على الصحف. مهما يكن فإن ما قاله الناطق الصحافي يبقى بسيطاً أمام هول ذاك الذي قاله سمي الرئيس ريغان الذي كان الأميركيون يتوقعون أن تكون معركة الرئيس ريغان ضده عنيفة وتفحمه، لكن الرئيس رد بشكل أضعف موقفه وأكد "صدقية" ما قاله موظفه الكبير السابق، بخاصة أن علاقة الزوجين بالمنجمين كانت معروفة حتى وإن لم يخطر على بال الشعب الأميركي أن جزءاً من سياسات دولتهم العليا كان يبنى على تلك "النبوءات" و"التوقعات" التي لكم يحتاج رئيس إلى أن يكون ساذجاً حتى يصدقها ويسير على هديها!

المزيد من ثقافة