Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أحجار ستونهنج... عمارة بناها شعب مجهول لسبب غامض

تقول روايات إن ميرلين ساحر بلاط الملك الإنجليزي آرثر يقف وراء تشييدها وتربطها أساطير بالهرم الأكبر في مصر ويتحدث محللون عن كونها معبداً رومانياً أو دليلاً للتقويم الشمسي

تبدو الأطلال الحجرية الضخمة الكائنة في سهل ساليزبري وكأنها لغز وأحجية غير قابلة لفك شيفراتها (الموسوعة البريطانية)

ملخص

تقول روايات إن ميرلين ساحر بلاط الملك الإنجليزي آرثر يقف وراء تشييدها وتربطها أساطير بالهرم الأكبر في مصر ويتحدث محللون عن كونها معبداً رومانياً أو دليلاً للتقويم الشمسي

يمكن للناظر إلى الأهرامات المصرية، أن يدرك أن وراءها تاريخاً طويلاً من حضارة مصرية قديمة، وبالقدر نفسه فإن معبد البارثينون اليوناني يحدث بأخبار الإغريق القدامى، فيما الكولوسيوم الروماني يحمل لنا تاريخ إمبراطورية سادت العالم لأكثر من خمسمئة عام، كلها كانت ولا تزال آثاراً تستحضر في الذهن صوراً لإبداعات حضارية بشرية لفراعنة وفلاسفة وأباطرة وملاحم سطرها الإنسان.

لكن هذه الآثار الصخرية من نوع كرومليش، والمعروفة باسم "أحجار ستونهنج"، ترجع لعصر ما قبل التاريخ في سهل ساليزبري بمقاطعة ويلتشير جنوب غربي إنجلترا، ويرجع تاريخها لأواخر العصر الحجري وأوائل العصر البرونزي (3000-1000 قبل الميلاد)، وهذا الأثر على رغم شهرته حالياً أصبح أطلالاً.

تبدو الأطلال الحجرية الضخمة الكائنة في سهل ساليزبري، وكأنها لغز وأحجية غير قابلة لفك شيفراتها، فما من مدن قديمة من حولها يستدل من خلالها على السبب الذي من أجله أقيمت تلك النصب الحجرية، ولا وجود لكتابات بشرية قديمة، فلا حروف هيروغليفية في شكل صور، ولا حوارات سقراطية لتأويلها.

من الأيدي التي أنشأت تلك الصخور والتي تأخذ هذا الشكل الهندسي الدائري العجيب، ولماذا لم يتركوا وراءهم ما يدل عليهم.

هل كان لدى سكان هذا السهل مستوى علمي وثقافي سابق على ما تعرفه حضارتنا البشرية في أيامنا هذه، أم أن الروايات حول وجود أيادٍ غير بشرية صنعت تلك الأحجية بالضبط كما الحال مع الأهرام المصرية، ربما تكون هي المرجحة عند نقطة زمنية بعينها؟

في هذه القراءة نحاول معاً تفكيك هذا اللغز وتلك الأحجية، بقدر ما تسمح المعلومات المتاحة، حتى ولو ظلت الحقيقة بعيدة من متناولنا بشكل مطلق.

أحجار دائرية من غير معانٍ رمزية

من شيد "أحجار ستونهنج"، ولماذا تم تشييدها من الأصل؟ لا أحد يعرف الحقيقة بشكل كامل أو واضح، ولهذا تبقى التنبؤات هي سيدة المشهد فحسب، ومنها أنها كانت مركزاً احتفالياً أو دينياً، لشعب الجزر البريطانية، لكن لأي معبود، فلا أحد يعلم، فيما يقول علماء الآثار أنها ترجع إلى نحو 5000 سنة خلت.

هل تم تشييدها في حقبة زمنية واحدة أم أن الأمر استغرق بضع مئات من السنين، حتى تصل هذه المصفوفة الحجرية، إلى المشهد الكائنة عليه الآن.

بحسب بعض الموسوعات العالمية، فقد جرى الأمر على ثلاث مراحل:

ـ المرحلة الأولى: جرت في عام 2900 ق. م، وكانت عبارة عن خندق دائري قطره 110 أمتار، وعمقه واحد ونصف متر. وعلى حافة الخندق الداخلية بني سد به تجاويف عددها 56 تجويفاً، ويقال إنها كانت لحمل أعمدة خشبية.

ـ المرحلة الثانية: وهي التي استمر فيها البناء من سنة 2900 ق. م إلى سنة 2500 ق.م، حيث أقيمت مبان خشبية وأعمدة خشبية جديدة في الأرض المستوية داخل مركز الخندق الدائري، كما نصبت أعمدة في منطقة منزوية شمال شرقي الخندق حيث مدخل الموقع.

ـ المرحلة الثالثة: نقلت فيها الأعمدة للبناء والتي استمرت من 2550 ق. م. إلى 1600 ق.م. وتتكون من 80 عموداً من صخور بركانية زرقاء.

هذه الأعمدة نصبت قرب مركز الموقع على شكل دائرتين متداخلتين، وكل صخرة تزن 4 أطنان مترية، وأثناء هذه المرحلة كانت الحجارة الزرقاء بالدائرتين يعاد تفكيكهما وترتيبهما بطريقة معقدة.

على أن أول من تحدث عن أصول هذه الصخور الكاهن الويلزي جيفري المنموثي الذي عاش في القرن الثاني عشر الميلادي، والعهدة على الراوي، بول أرون في كتابه "ألغاز تاريخية محيرة".

نسب جيفري صخور ستونهنج إلى ميرلين ساحر بلاط الملك آرثر. ووفقاً لكتاب جيفري "تاريخ ملوك بريطانيا"، كان من أمر ببناء الأثر هو عم آرثر، أورليوس أمبروسيوس، والذي كان يبحث عن طريقة تذكارية مهيبة لإحياء ذكرى انتصار عظيم على الغزاة الأنجلوساكسون، فاقترح ميرلين أن يأخذوا مجموعة دائرية من الأحجار من مكان يسمى كيلاروس في إيرلندا، ثم رتب لنقل الأثر المصنوع عبر البحر إلى بريطانيا.

ستونهنج هل هو معبد روماني قديم؟

ظل السؤال عن أصل وجذور هذه الأحجار وتاريخها مثيراً للحيرة ومدعاة للتساؤل، إلى أن كان القرن السابع عشر، حيث انبهر الملك جيمس الأول أيما انبهار بستونهنج، حتى إنه كلف المهندس المعماري ببلاطه في ذلك الوقت – إينيجو جونز – بالبحث والتحري لمعرفة المزيد من التفاصيل عن هذا الكيان الحجري اللغز.

بعد دراسة الأثر لم يسع جونز سوى أن يتفق في الرأي مع جيفري المنموثي في أن سكان المنطقة في العصر الحجري أو البرونزي لم يكن بمقدورهم بناؤه على الأرجح، وبرر جونز ذلك بقوله: "إذا كانوا يفتقرون إلى المعرفة حتى لإلباس أنفسهم، فما كان لديهم إذن أي قدر منها يمكنهم من تشييد بنايات مهيبة، أو أعمال رائعة مثل ستونهنج".

خلص جونز إلى أن "بناية بتلك الروعة، لا يمكن أن تكون إلا من صنع الرومان وأنها كانت معبداً لإله روماني غير معروف".

شهدت السنوات اللاحقة جهوداً متواصلة لنسب ستونهنج إلى بناة من مكان ما - أي مكان تقريباً - بجوار بريطانيا. وكان الدنماركيون والبلجيكيون والأنجلوساكسونيون من يناصرهم، مثلما كانت الحال مع الكهنة الكلتيين أو السلتيين القدماء المعروفين باسم كهنة الدرويد.

كانت المشكلة في كل تلك النظريات واحدة، فعلى رغم أن التأريخ بالكربون المشع لم يكن أخترع حتى القرن العشرين، فقد أشارت طرق التأريخ الأكثر بساطة لعلماء الآثار الأوائل إلى أن ستونهنجربما يكون قد شيد قبل عام 1500 قبل الميلاد.

كذلك أدرك معظم الباحثين أن كهنة الدرويد، والذين يمثلون رجال الطب في بلاد الغال وبريطانيا، لم يصلوا قبل عام 500 قبل الميلاد، بينما وصل الرومان بعد ذلك التاريخ.

كان هذا يعني أن ستونهنج قد شيد قبل أكثر من ألف عام من وصول كليهما.

من هنا ظل التساؤل قائماً: من شيد نصب أحجار ستونهنج؟

هل من علاقة مع مصر الفرعونية؟

بالرجوع إلى عمر الأحجار المستخدمة في هذا النصب الكبير غير المفهوم، كان هناك رجع صدى عند علماء آثار كثيرين، رأوا أن هناك علاقة ما ممكنة أو محتملة بين هذا الأثر الكبير وبين الأحجار العملاقة التي استخدمها المصريون القدماء، في بناء معابدهم وتماثيلهم، ناهيك عن اللغز الأكثر سرية حول العالم والمعروف باسم "الهرم الأكبر" أو "هرم خوفو".

في مارس (آذار) من عام 2022، جاء تفسير جديد ومعاصر لأحجار ستونهنج، قال فيه بعضهم إنه كان تقويم شمسي عملاق، ربط بين أراضي المملكة المتحدة ومصر القديمة.

صاحب هذه الرؤية البروفيسور تيموثي دارفيل، من جامعة بورتموث البريطانية، الذي أكد أن هذا الموقع تم إنشاؤه بناء على سنة شمسية مدتها 365.25 يوم، بهدف مساعدة البشر على تتبع الأيام والأسابيع والشهور، لا سيما أن تعداد الأيام والأسابيع في تلك الفترة كانت تختلف عما هي عليه الآن.

لكن على أي أساس بنى البروفيسور دارفيل نظريته هذه؟

باختصار غير مخل، اعتمد على تحليل الأحجار ومقارنتها بالتقاويم الأخرى لا سيما تلك التي كانت سائدة في العالم القديم وتحديداً في التقويم الشمسي في شرق البحر المتوسط في القرون التي تلت 3000 قبل الميلاد، وتم اعتماده في مصر باعتباره التقويم المدني حوالى 2700 قبل الميلاد.

عند البروفيسور دارفيل "يمثل كل حجر من الحجارة الثلاثين التي تنتشر في الموقع عبر دائرة السارسين المشكلة للنصب يوماً في غضون شهر، وهو نفسه مقسم إلى ثلاثة أسابيع كل منها 10 أيام".

وتشير الأحجار المميزة في الدائرة إلى بداية كل أسبوع، ويعكس التصميم أيضاً يوماً قفزة كل أربع سنوات، وتم إدخال شهر من خمسة أيام في التقويم لمواءمته مع السنة الشمسية، ممثلة بالثلاثيات الموجودة في وسط الموقع.

ويضيف البروفيسور دارفيل: "إن محاذاة التقويم مع الشمس يعني أن أي أخطاء في حساب الأيام يمكن ملاحظتها بسهولة لأن الشمس ستكون في المكان الخطأ خلال الإنقلابات الصيفية أو الشتوية".

هل هناك نصيب من الصحة لهذه النظرية؟

قد يكون ذلك كذلك بالفعل، لا سيما أن موقع ستونهنج يتماشى مع شروق الشمس في الانقلاب الصيفي، وغروب الانقلاب الشتوي، الأمر الذي دفع الكثيرين وربما قبل ظهور نظرية البروفيسور دارفيل إلى اقتراح أن الموقع هو نوع من أنواع التقويمات القديمة.

على أن علامة الاستفهام الخاصة بمن قام ببناء هذا الصرح الحجري، ظلت قائمة، ولم يمط البروفيسور دارفيل عنها اللثام، مما جعلنا نبحث من جديد في أسرار البنائين الغامضين إن جاز التعبير.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

شعوب البحر المتوسط هل هم البناؤون؟

بعيداً عن الشوفينية والتمايز الحضاري والأحاديث العنصرية، يمكن القطع تاريخياً بأن شعوب البحر الأبيض المتوسط كانت سابقة حضارياً للشعوب الأوروبية، وربما كانت هذه الحقيقة التاريخية، قد ساعدت البعض في الربط بين البناء الحجري، وبين حضارات الشرق بوجه عام... ما الذي حدث على وجه الدقة؟

جرى الأمر بالصدفة المحضة، وكان ذلك عام 1953، وبالتحديد في العاشر من يوليو (تموز)، وكجزء من دراسته المسحية للموقع كان ريتشارد أتكينسون، عالم الآثار، يعد لالتقاط صور فوتوغرافية لبعض رسوم الغرافيتي التي تعود إلى القرن السابع عشر. على حجر يقع بجوار ما يعرف بالتريليثون العظيم انتظر حتى نهاية ما بعد الظهيرة، على أمل ظهور تباين أكثر حدة للضوء والظل. وبينما كان ينظر عبر الكاميرا لاحظ أتكينسون وجود نقوش أخرى أسفل النقش الذي يعود للقرن السابع عشر. كان أحدها عبارة عن خنجر يتجه إلى الأرض، وبالقرب منه أربع فؤوس من نوع كان يوجد في إنجلترا في نفس توقيت تشييد ستونهنج تقريباً.

كان الخنجر الوحيد وليست الفؤوس هو أكثر ما أثار أتكينسون، إذ لم يعثر على شيء كهذا في إنجلترا أو في أي مكان في شمال أوروبا، وكان الأثر الأقرب له هو ذلك الذي جاء من المقابر الملكية لقلعة مسينا باليونان.

هل كانت هذه بداية الربط بحضارات الشرق الأوسط؟

هنا - وأخيراً – ظهرت الصلة بحضارة أكثر تقدماً، حضارة كان من المتوقع لها بشكل منطقي أن تكون قد بنت شيئاً مثل ستونهنج، والأفضل من ذلك أن الخناجر التي عثر عليها في مسينا عاد تاريخها إلى قرابة 1500 قبل الميلاد، وهو نفس توقيت تشييد ستونهنج تقريباً، ووفقاً لمعظم خبراء خمسينيات القرن العشرين وعلى عكس الرومان أو كهنة الدرويد، كان للصلة المسينية منطق زمني مقنع.

من هنا توصل أتكينسون إلى نظرية مدروسة مفادها أن ستونهنج قد صمم على يد مهندس معماري زائر من منطقة البحر الأبيض المتوسط الأكثر تحضراً ورقياً، وقد تقبل العالم الأثري هذه النظرية بعد أن شعر بالارتياح لعثوره أخيراً على حل لإشكالية ستونهنج.

نصب لجماعات عرقية مهاجرة قديماً

ويبقى السؤال دائراً حائراً: من أين جاءت تحديداً، وأي شعب قام ببنائها؟ لتظهر رؤى وآراء أخرى.

خذ إليك على سبيل المثال ما نشرته مجلة "أنتكويتي" المتخصصة في علوم الآثار في فبراير (شباط) من عام 2021، بناء على دراسات أجراها فريق أثري من جامعة يونيفرسيتي كولدج في لندن.

يقول تقرير المجلة: "تبين بقايا معلم أثري في غرب ويلز أن الحجارة التي كانت موجودة في الموقع قد تكون فُككت واستخدمت لبناء آثار ستونهنج الصخرية الضخمة خلال العصر الحجري".

ويعتقد الباحثون أن بعض الأحجار المستخدمة في ستونهنج قرب سالزبوري في جنوب غربي إنجلترا، كانت قد استخدمت في بناء معلم أثري في وقت سابق على بعد 280 كيلومتراً في جنوب غربي ويلز.

فريق البحث يقطع بوجود عناصر رئيسية تبين صلة بين معلم ستونهنج المشيد عام 3000 قبل الميلاد ودوائر حجر معروفة باسم "وارن ماون".

ولفت هؤلاء إلى أن بناة ستونهنج القدامى ربما نقلوا معهم الأحجار الزرقاء المستخدمة في تشييد المعلم خلال هجرة مجتمعهم.

ومن شأن هذه النتائج التي نشرتها مجلة "أنتيكوتي"، أن تفسر سبب نقل الأحجار المتراصة كل هذه المسافة البعيدة فيما معظم دوائر الحجر المماثلة من ذلك الوقت كانت تبنى بالقرب من المقالع المقتطعة منها.

يعمق عالم الآثار مايك باركربيرسون، من جامعة كاليفورنيا حيرة الباحث عمن شيد أحجار ستونهنج بقوله: "كما لو أنهم اختفوا فجأة، ربما هاجر معظم الناس وأخذوا معهم حجارتهم وهوية أجدادهم".

هل اللجوء إلى العلم الحديث يمكن أن يكشف حقيقة زمن هذا البناء ومن وراءه؟

الثابت أن التاريخ العلمي للفحم والرواسب المأخوذة من الفجوات حيث كانت الحجارة قائمة في موقع ويلز، أنه شيد قبل نحو 400 عام من ستونهنج، والذي يعد أحد مواقع التراث العالمي لليونسكو... هل يمكن كشف السر بنفس الطريق العلمي لستونهنج أيضاً؟

الكربون المشع وحقائق أكثر حداثة

اللغز الملفوف في أحجية ضمن سر عميق، يزداد ضبابية كلما اقتربنا منه خطوة، فمثلما كان الإجماع سريعاً على الصلة المسينية، أي الارتباط بقلعة "مسينا" في اليونان، وحضارات البحر الأبيض المتوسط، تمزق هذا الطرح وانهار سريعاً أيضاً، فقد حملت ستينيات القرن العشرين ظهور شكل جديد من التأريخ بالكربون المشع، وفجأة وجد علماء الآثار أنفسهم في مواجهة دليل قوي ودامغ على أن ستونهنج أقدم بكثير مما كان يعتقد في السابق، وأقدم بكثير من الحضارات المسينية، فقد أكدت التواريخ التي تم التوصل إليها بالكربون المشع أن القلعة في مسينا بنيت بين عامي 1600 و1500 قبل الميلاد، ولكنها دفعت بأصول ستونهنج إلى ما قبل ذلك، قبل إمكانية استشعار أي تأثيرات لشعوب البحر الأبيض المتوسط.

وبهذا التقدير الأخير، يكون بناء التجاويف والخندق الخارجي لدائرة ستونهنجقد بدأ قرابة عام 2950 قبل الميلاد. وأضيفت بعض المباني الخشبية داخل الدائرة بين عامي 2900 و2400 قبل الميلاد، لتستبدل بعد ذلك بالبناء الحجري المعروف في وقت ما بعد ذلك بفترة قصيرة.

لم تُضعف التواريخ الجديدة النظرية المسينية فحسب بل أيضاً العقلية الانتشارية الكاملة التي قادت إليها. فقد كان ستونهنج ببساطة أقدم من أن يكون قد بُني على يد أي من الحضارات الأوروبية العظيمة، بينما كانت الحضارات غير الأوروبية بعيدة للغاية.

للمرة الأولى اضطر معظم الباحثين لتقبل فكرة أن بناة ستونهنج هم أناس عاشوا بالقرب من ستونهنج، وأنهم قد فعلوا ذلك من دون مساعدة خارجية. وهؤلاء الناس البدائيون قاموا في ما يبدو – بطريقة ما – ببناء واحد من أكثر آثار العالم استمرارية.

الأدهى من ذلك أن بناة ستونهنج جعلوا مهمتهم أصعب بشكل مذهل، كأن ما سبق لم يكن مبهراً بالقدر الكافي، باستخدامهم أحجاراً جيء بها من على بعد 150 ميلاً من جبال بريسيلس بجنوب غربي ويلز.

تم تتبع تلك الأحجار الزرقاء على يد الجيولوجي أتش أتش توماس، عام 1932، وتبين أن أنواع الصخور الثلاث في الأحجار الزرقاء لا تشبه أي صخرة وجدت بالقرب من ستونهنج، إلا أن توماس وجد أن نفس الصخور الثلاث يمكن أن تكون قد استخرجت من البروزات الصخرية الطبيعية بين قمم جبال كارنمينين وفويل تريجان في ويلز.

غير أن تساؤلاً جديداً عمق الأزمة في البحث عن صناع تلك الأحجار، وهو: كيف نقل أهل ساليزبري هذه الأحجار التي يزن بعضها خمسة أطنان من ويلز إلى إنجلترا؟

العلم والخرافة من الهرم الأكبر إلى ستونهنج

تبدو المفاجأة عميقة للغاية بين الهرم الأكبر وبين أحجار ستونهنج، والتساؤل واحد: كيف لشعوب كانت تعد بدائية أن تقوم بنقل تلك الأحجار التي تزن أطناناً هائلة من مسافات بعيدة؟

في حال الهرم الأكبر، لا يزال اللغز معلقاً، ولا يقتصر الأمر على إحضار تلك الأحجار الهائلة التي تتراوح أوزانها بين 2 و20 طناً، من جنوب مصر حيث المحاجر، بل كيف تم رفعها إلى نحو 147 متراً فوق سطح الأرض.

هنا قال البعض إن المصريين القدماء استطاعوا بصورة علمية إبطال مفاعيل الجاذبية الأرضية، فيما قال نفر آخر إنهم سخروا السحر ليؤدي هذه المهمة.

هل لأحجار ستونهنج نصيب من قصة السحر والخرافة، أم أن ما نعتبره اليوم خرافة، سوف يثبت ذات يوم أنه كان علماً متقدماً لم ندرك أسراره بعد؟

قاد اكتشاف توماس البعض إلى النظر من جديد إلى قصة جيفري المنموثي، عن سحر مارلين، فقد أشار عالم الآثار ستيورات بيجوت إلى أنه ربما كان هناك بعض التقاليد الحقيقية المنقولة شفاهة، مجسدة في الفولكلور، فعلى رغم كل شيء كان جيفري قد كتب عن حصول ميرلين على الأحجار من الغرب.

كذلك كتب عن نقل الأحجار إلى ستونهنج عن طريق البحر، وهو ما قد يكون علق بالذاكرة الشعبية المتعلقة بنقلها عبر البحر الإيرلندي، بل ربما يكون جيفري قد قدم تلميحاً عن أسباب تحمل بناة ستونهنج قطع كل تلك المسافات لجلب الأحجار من بعيد، في الوقت الذي كان هناك الكثير من أنواع الصخور الأخرى حول سهل ساليزبري مباشرة.

ربما كان بناة ستونهنج، مثل ميرلين في قصة جيفري، يعتقدون أن هذه الصخور لها خصائص سحرية.

كان معظم المؤرخين يرون اقتراحات بيجوت بعيدة الاحتمال بعض الشيء، لا سيما في ضوء نسخة جيفري التاريخية المشوهة، ولكن ظل هذا لا يحمل إجابة للسؤال الخاص بكيفية انتقال ما لا يقل عن خمسة وثمانين حجراً – وربما أكثر – من جبال بريسيلي إلى سهل ساليزبري.

هل ستونهنج مرصد فلكي؟

كانت آخر النظريات حول أحجار ستونهنج، أنها مرصد فلكي استخدمه سكان هذه المنطقة غير المعروفين، بهدف رصد الكواكب والنجوم حول الكرة الأرضية، ما جعل الفلكيين يقفون ضد علماء الآثار في هذا الإطار.

كانت لدى الفلكيين نزعة للتأكيد على كيفية محاذاة النقاط المختلفة مع الشمس أو القمر، بينما يتجاهلون أن واحدة من هذه النقاط المفترض محاذاتها ربما تكون قد بُنيت بعد الآخر بمئات أو حتى ألف عام. وسارع علماء الآثار إلى إيجاد عيوب في معظم هذه النظريات.

بنهاية الألفية الثانية، كان هناك إجماع على أن أثر ستونهنج لم يستخدم كمرصد، على الأقل بالمعنى الحديث، ولكن سكان منطقة ستونهنج رصدوا الشمس من هناك على الأرجح، ربما كجزء من أحد طقوس ما قبل التاريخ.

غير أن حتى هذه المعرفة الفلكية غير الدقيقة أشارت إلى أن سكان ساليزبري قد درسوا السماء، وكانت لديهم منظومة نوعاً ما لمتابعة نتائجهم. ومن الواضح أن بناة ستونهنج بغض النظر عن مدى بدائيتهم في بعض النواحي، كانوا على قدر من التطور في نواح أخرى.

وفي هذا الإطار، أسهمت أيضاً أحدث الاكتشافات في زيادة الغموض المحيط ببُناة ستونهنج، على رغم إسهامها في تعميق فهمنا له.

المزيد من تحقيقات ومطولات