Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل فقدت زوايا الجزائر تأثيرها السياسي؟

أنشئت قبل 10 قرون لتحفيظ القرآن والحفاظ على الهوية واستعان بها بوتفليقة لمحاربة التيارات الدينية التقليدية والأحزاب ذات التوجه الإسلامي

يوجد أكثر من 1600 زاوية دينية في الجزائر بحسب أرقام وزارة الشؤون الدينية والأوقاف (اندبندنت عربية)

ملخص

خلال الأعوام الماضية خبت جذوة الزوايا الدينية في حقل السياسة وخيم الفتور على علاقاتها مع السلطة لاعتبارات تتعلق بموقف الشعب من مختلف الهيئات التي ساندت النظام السابق.

مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في الجزائر المقرر إجراؤها العام المقبل، يعود الحديث عن دور الزوايا الدينية ومدى حفاظها على النفوذ الذي كانت تتمتع به في وقت سابق من خلال حضورها اللافت في المشهد السياسي.

وتنتشر الزوايا في الجزائر بشكل واسع عبر مختلف مناطق البلاد، وهي عبارة عن مدارس تقليدية لتحفيظ القرآن ومبادئ الشريعة الإسلامية للأجيال الناشئة، أنيطت بها مهمة تثقيف وتوعية المجتمع للوقوف في وجه محاولات الاستعمار الفرنسي التغريبية والحفاظ على الهوية الإسلامية للشعب، حتى أصبحت تتمتع بدور قوي وتسهم في رسم السياسة الداخلية للبلاد وصنع القرار.

أوعية انتخابية

ويمتد تاريخ الزوايا في الجزائر إلى 10 قرون كاملة، إذ تشير مصادر تاريخية إلى أن إنشاء أقدم الزوايا يعود للقرن الـ11 الميلادي، وهي "رباط بونه" في مدينة عنابة شرق العاصمة الجزائرية، وأسسها مروان البوني واسمه أبو عبدالملك الأندلسي، إذ تعرضت الزوايا لحرب من السلطات الاستعمارية وصودرت أملاكها ومساجدها وحولت إلى كنائس، لكنها واصلت تدريس القرآن الكريم واللغة العربية.

وبعد الاستقلال ظل دور الزوايا محصوراً في نشاطها التقليدي التربوي والديني حتى وصول الرئيس الجزائري السابق عبدالعزيز بوتفليقة إلى الحكم عام 1999، فتحولت إلى أحد أهم الروافد السياسية والأوعية الانتخابية التي يتم الاعتماد عليها في الانتخابات.

وبوجود أكثر من 1600 زاوية دينية، بحسب أرقام وزارة الشؤون الدينية والأوقاف، أشهرها زوايا "التيجانية" و"البلقايدية" و"القادرية" و"الرحمانية"، تعاظم دورها الفاعل في صنع القرار السياسي وارتفع معه الجدل حول حدود العمل السياسي والديني في البلاد.

وظلت الزوايا إلى وقت قريب أحد الخزانات التي تلجأ إليها السلطة لتعيين وزراء الشؤون الدينية، إذ عين الرئيس عبدالمجيد تبون الشيخ محمد مأمون القاسمي أحد أبرز وجوه الزاوية الرحمانية عميداً لجامع الجزائر برتبة وزير.

وخلال الأعوام الماضية خبت جذوة الزوايا الدينية في حقل السياسة وخيم الفتور على علاقاتها مع السلطة، لاعتبارات تتعلق بحسب مراقبين بموقف الشعب من مختلف الفعاليات والهيئات التي كانت تساند النظام السابق، وكذا استمرار حملة مكافحة الفساد في البلاد.

رصيد تاريخي

ويقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة بشار ياسين سعيدي إن الحديث عن الزوايا الدينية يقتضي بصفة تلازمية الإشارة إلى التدين أو الطرق الصوفية التي تعهدت بإنشاء هذه الحواضر المادية والفكرية في الجزائر بشكل بارز خلال القرن الـ 12 الميلادي.

وأوضح سعيدي في حديث لـ "اندبندنت عربية" أن الدور الأساس الذي تعهدته الزوايا الدينية منذ نشأتها هو نشر الإسلام في صورته الزهدية والوسطية المعتدلة المستندة إلى قيم التربية الروحية والدينية داخل المجتمعات المحلية، إضافة لدورها المحوري في تعليم القرآن والفقه وغيرها من متون ونصوص الشريعة الإسلامية، لكن دورها تطور ليشمل مجالات اجتماعية أخرى مثل إيواء وإطعام الوافدين وعابري السبيل وغيرهم، إضافة إلى تعاظم تأثيرها ليبلغ مجالات اجتماعية أوسع في إقامة الصلح والسعي بين الناس بالإعانة والإرشاد والتوجيه وغيرها من الأعمال الاجتماعية الأخرى.

ويشير المتحدث إلى أن هذه الأدوار سمحت للزوايا الدينية بالتغلغل في أوساط المجتمع الجزائري وأهّلتها بفكرها الديني المرن والقريب من الناس، لصياغة جزء كبير من مرجعية المجتمع الجزائري.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويضيف سعيدي أن "هذه الأحداث والتلاحق التاريخي لدور الزوايا جرت في فترات تاريخية متباينة لتطور المجتمع الجزائري الذي مر بحقب زمنية متباينة وصعبة أثرت وأضرت بالهوية الجزائرية، ومن ثم حاربت الزوايا الدينية محاولات التجهيل والمسخ الهوياتي على رغم التشويه الذي طاولها، إذ أعطت هذه الأدوار للزوايا مكانة خاصة لا تزال تحافظ عليها في المخيال الجمعي الديني للمجتمع".

وأفاد سعيدي بأن "الزوايا الدينية تسهم بشكل أساس في تشكيل مرجعية مؤسساتية مهمة هي الخطاب المسجدي، باعتبارها تتولى تخريج عدد كبير من الأئمة والقائمين على شؤون المساجد، مع الأخذ بعين الاعتبار الدور التأثيري للمسجد في الحياة العامة، إذ لا يزال الإمام يحظى بتلك الرمزية التي ربما بدأت تتآكل في بعض جوانبها نظراً إلى ما أصبح يتيحه الفضاء الإلكتروني للناس من فتاوى ودروس جاهزة قد لا تلائم في بعض مضامينها المرجعية الدينية، أو لا تستجيب لخصوصية البيئات على اختلافها".

تأثير محدود

وينفي المتحدث عن الزوايا الدينية صفة "الحظوة السلطوية" نظراً إلى ظروف صاحبت مشروع بناء الدولة بعد الاستقلال، مدللاً على ذلك بمرسوم التأميم الذي صدر في الـ 22 من سبتمبر (أيلول) 1964 في حق الميراث العقاري للزوايا، مشيراً إلى وجود تحول فارق في علاقة السلطة بالزوايا خلال المرحلة التي أعقبت فترة الإرهاب (1990 - 2000) بسبب الدور الذي لعبته بعدم تورطها في دماء الجزائريين، وتوليها مسؤولية الفتوى والخطاب المنبري المعتدل خلال تلك الفترة، إضافة إلى انخراطها في مشروع البناء الوطني بعد ذلك والذي كان يقوم على أسس إشاعة السلم والمصالحة في جوهره النهضوي.

ويقول ياسين سعيدي إن "حفاظ الزوايا الدينية على دورها الدعوي والديني والاجتماعي حال دون تحولها إلى الممارسة السياسية الفعلية مثل بعض التيارات الأخرى، وأسهم في تعزيز مكانتها سلطوياً من حيث دعم نشاطها وهذا يبدو طبيعياً، والنقطة الجوهرية تكمن في دورها الاجتماعي العميق والممتد سياسياً إلى حالات التعبئة أو التهدئة من دون أي دور قد يسهم في رسم المعادلة السياسية أو وضع معالم الخريطة السياسية فعلياً".

دلالات سياسية

وفي المقابل يرى الأكاديمي الجزائري المتخصص في قضايا القيم وفلسفة الأديان موسى معيرش أن "تراجع دور الزوايا في الحياة السياسية في الجزائر لا يفهم منه أنه فقد لمكتسباتها التي حصلت عليها سابقاً، وهذا ما يمكن أن نستشفه في المكاسب التي لا تزال تحققها، ولعل أهمها تعيين أحد ممثليها عميداً لجامع الجزائر مع ما له من دلالة دينية وسياسة كبرى".

ويقول معيرش في حديثه إلينا إن "السلطة السياسية لا تزال بحاجة إلى الزوايا في المحطات المقبلة، بخاصة أنها أمام تحديات كبرى أهمها الانتخابات الرئاسية، ومن ثم تكمن الحاجة في المحافظة على دورها مع التظاهر أمام الشعب وإعلامياً بتقزيمها"، مشيراً إلى أن "التحول في وظيفة الزوايا يجعلها تضع نفسها في خدمة السلطة السياسية مهما كان توجهها، بغض النظر عن القرارات والخيارات التي تتخذها، ذلك أن السمك لا يمكن أن يعيش خارج الماء، والزوايا لا يمكن أن تعيش خارج عباءة السلطة السياسية، وهذا ما كشف عنه التاريخ وصدقته وقائعه وأحداثه".

امتيازات كبيرة

وأوضح معيرش أنه منذ مجيء الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة لسدة الحكم مع نهاية تسعينيات القرن الماضي، حظيت الزوايا بمكانة لم تحظ بها منذ الاستقلال عام 1962، وأرجع الأكاديمي هذا التغير في موقف السلطة من الزوايا لاعتبارات عدة تتمثل في الخلفية الفكرية لشخصية الرئيس بوتفليقة وفريقه، إذ كانت تسعى إلى إيجاد حاضنة دينية لسياستها وتبرير قراراتها والدفاع عنها وتبنيها وكسب تعاطف وولاء أتباع الزوايا، إضافة إلى عدم ثقة السلطة في ولاء التيارات الدينية التقليدية على غرار الجمعيات الدينية والأحزاب السياسية ذات التوجه الإسلامي.

وأشار المتحدث إلى وجود رغبة لدى الزوايا في لعب دور سياسي وديني يعيد لها مكانتها المفقودة منذ الاستقلال، وتحولها من العمل على نشر الدين وتربية الناس إلى البحث عن دولة تحافظ على وجودها وتحميها من الزوال للمحافظة على مكتسباتها.

ويقول إن السلطة قدمت امتيازات كبيرة لأتباع الزوايا، فمنحت بعضهم مناصب مهمة ومنحتها الامتيازات المالية والمساعدات الكبيرة، بخاصة أن الدولة وقتها كانت تعيش بحبوحة مالية كبيرة.

ويرى أن مكانة الزوايا تراجعت بشكل كبير خلال المرحلة الحالية على المستوى الشعبي والإعلامي، غير أن ذلك لا يفهم منه بأنه تخل عنها بشكل نهائي، فهي تمثل شريحة عريضة من الأتباع لا يمكن المغامرة بفقدهم.

ويتقاطع الخطابان الديني والسياسي في الجزائر، وهو ما أشار إليه وزير الشؤون الدينية يوسف بلمهدي عبر تصريح في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، عندما قال إنه "لا يمكن فصل سياق الخطاب الديني عن الخطاب الوطني"، معتبراً أن "الانسجام الحاصل بين الخطابين على مر تاريخ الجزائر كثيراً ما نتج منه نشر الوعي المجتمعي لتجاوز الأزمات والصعاب"، داعياً إلى "محاربة الخطاب الداعي إلى الفصل بينهما وفق مرتكزات أيديولوجية دخيلة".

المزيد من تقارير