Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جرائم "الدارك ويب" تتسلل إلى مصر

أنظمة المتصفح المشبوه محجوبة في البلاد لكن حادثة التمثيل بجثة طفل وتصوير مراحل الجريمة مقابل الحصول على أموال تفتح باب التأويلات

لا توجد في مصر بيانات محددة حول مستخدمي متصفحات الإنترنت المظلم (رويترز)

ملخص

رغم أن متصفح الإنترنت المظلم محجوب في مصر فإن جرائم هذا العالم وجدت طريقها في المجتمع، بعدما أثارت واقعة قتل جديدة هلع المصريين

لا تتعلق هذه الأزمة بفيديوهات توصف بالخارجة على موقع "تيك توك" أو لعبة إلكترونية عنيفة تصيب مستخدميها بالعصبية وتجعلهم يتوحدون معها، أو تحدٍ منتشر بين صغار المدارس قد يعرضهم لإصابات خطرة. المصريون منشغلون منذ أيام عدة بجريمة شديدة الخطورة، حصلت على أرض الواقع، لكن التخطيط لها واستعراضها وطريقة الاتفاق على تفاصيلها جاء من العالم الافتراضي، تحديداً من "الإنترنت الأسود"، الغارق في ظلاميته، البعيد من الأرشفة والفهرسة والرقابة.

الأزهر دخل على الخط ببيان تحذيري وحملة توعية، وبعض المدارس أدارت مع طلابها حلقات نقاشية حول الأمر، والتناول الإعلامي محتدم عبر برامج "التوك شو"، وكذلك فيديوهات وتدوينات مواقع "السوشيال ميديا" المعتادة من خلال منصات تبدو مقارنة بعالم الجرائم الغامض هذا، صديقة ورحيمة وتحت السيطرة حتى لو كانت هناك تجاوزات.

وكان تفجير القضية من قبل النيابة العامة المصرية التي أصدرت قبل أيام بياناً تفصيلياً على نحو غير معتاد يفند خطوات وطريقة ارتكاب جريمة أثارت الدهشة والاستغراب، إذ قتل طفل في الـ15 من عمره بمنطقة شبرا الخيمة بمحافظة القليوبية، على يد عامل كهرباء على معرفة بالأسرة.

وبحسب ما أقرت تحقيقات النيابة فقد أقدم المتهم على فعلته، ولم يكتفِ بإزهاق الروح، إنما مثل بالجثة، وصور كل مراحل الجريمة مقابل الحصول على مبلغ مالي ضخم، وبإيعاز من شاب صغير آخر تعرف عليه، وهو مصري يقيم بدولة الكويت. وعلى ما يبدو لم تكن تلك الواقعة هي الأولى من هذا النوع التي يقدم عليها المحرض.

مصدر الارتباك والرعب لم يكن بسبب التفاصيل التي سردها بيان النيابة العامة المصرية فحسب، إنما لأن ما حدث لم يكن اعتيادياً في أي شيء، فلا هناك رغبة في السرقة أو الانتقام أو الثأر أو التشفي، بالتالي كان الجميع يبحث عن السبب، لمحاولة إبعاد ذويه عن تلك الدائرة، فما الذي يجعل أحدهم يقدم على تصرف مثل هذا دون دوافع معروفة؟ فهل هناك صفقات تخص "بيزنس" من نوع غير عادي إلى هذه الدرجة، وكأنه "سوشيال ميديا" سرية أو "تيك توك" سري "باعتباره الموقع الأكثر تعرضاً للجدل والانتقاد"، لتداول كل ما هو خارج عن القانون، وتبادل مقاطع الانتهاكات والجرائم ودفع أموال كبيرة مقابل تلك الخدمات سيئة السمعة؟.

سوق سوداء مخفية

الإجابة جاءت فورية، وهي "الدارك ويب" أو "الإنترنت المظلم"، التعبير الذي يخضع للحديث والمناقشة على نطاق واسع عالمياً، وجرى استعراض تبعاته والتحذير من خطورته في أعمال فنية شهيرة، لكن في المجتمع المصري ظل بعيداً كثيراً من خيالات مستخدمي الشبكة العنكبوتية في عمومهم، بخاصة أن متصفحه الأشهر وهو "تور" مغلق في البلاد.

بطبيعة الحالة فإن هناك من يمكنه التحايل للولوج إلى عالم "الإنترنت المظلم" من طريقة برامج معينة، إذ يجري من خلال هذه الشبكة التواصل مع الخارجين عن القانون من دون التعرف على هويتهم، وكذلك الحفاظ على سرية هوية المتحدث معهم بطبيعة الحال، مما يوفر لجميع الأطراف الأمان الكامل بعيداً عن القلق من التتبع، ومن هنا يمكن الاتفاق من دون رقيب على الجرائم بأنواعها، إذ يقوم بعض المتورطين بتسويق محتوى غير مشروع للزبائن من أصحاب الأفكار المشوهة والمعتلة، الذين يبحثون بدورهم عن مشاهدة مقاطع مروعة ومرعبة بهدف التسلية، بل ويدفعون أموالاً ضخمة مقابل التعرض لمحتوى عن جريمة حقيقية، سواء مسجلة أو على الهواء مباشرة لإشباع جانب نفسي أو عصبي غير سوي في شخصياتهم، باختصار فإن الإنترنت الأسود هو عالم الخدمات المخفية، وأبرز ميزاته هو حماية المستخدمين من المتطفلين، وهي ميزة مفيدة للغاية في ما يتعلق بالهيئات الحساسة وأصحاب المناصب العليا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتدريجاً بات "الدارك ويب" أرضاً لتسلسل المجرمين والراغبين في البحث عن مرتزقة وتبادل صفقات السلاح والمخدرات والمقامرة وتجارة الأعضاء وبيع الأطفال، بالتالي فهو بمثابة سوق سوداء مفتوحة للتجارة غير المشروعة، والهرب من الملاحقة الأمنية، إذ إن تلك المواقع مشفرة إلى درجة عالية للغاية تجعل إمكانية التتبع معدومة تقريباً.

مواقع مشفرة وجريمة على الأرض

يشير المتخصص في أمن تكنولوجيا المعلومات وليد حجاج إلى أن الإنترنت المظلم أشرفت على تطويره بداية وزارة الدفاع الأميركية منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، لـ"أغراض إيجابية، إذ كان الهدف حماية البيانات المهمة لذوي المناصب الحساسة في مؤسسات الدولة، وتدريجاً جرى استحداث أنظمة كثيرة به من قبل القراصنة ومهندسي البرمجيات، والتوصل إلى طرق لتخزين المعلومات عليه بصورة غير مركزية، ومن ثم تطوير طرق التواصل المجهول، فمن خلال تلك التقنيات لا يعرف أحد نظيره الذي يجري معه محادثة، وكأن جميع الموجودين عليه يرتدون أقنعة".

ويفسر حجاج أسباب اعتماد الخارجين عن القانون على متصفح "تور" الذي يمكن من خلاله الدخول لعالم الإنترنت المظلم بأنه "يعتمد بصورة أساس على ما يسمى (إنترنت البصلة)، أو خدمات البصلة، إذ يجري التواصل عبر مراحل متعاقبة، حيث يقود كل مستوى إلى آخر، مثل طبقات نسيج ثمرة البصل، ليتيح خاصية الإخفاء"، لافتاً إلى أن التعامل عليه يكون بـ"العملات الرقمية المشفرة".

بالحديث عن تلك التفاصيل يتبين أن الجريمة التي أقلقت العائلات في مصر لم تكن جميع خطواتها عبر الإنترنت المظلم، إذ جرى الكشف عن هوية أكثر من طرف من أطرافها، والوصول أيضاً إلى بعض المحادثات التي جمعتهم.

ووفقاً لما جاء في بيان النيابة العامة المصرية فإنه وعقب اختياره لضحيته وعرضه عليه عبر تقنية الاتصال بالفيديو (الفيديو كول)، طلب منه المذكور إزهاق روحه تمهيداً لسرقة أعضائه البشرية، على أن يجري نقل عملية انتزاع الأعضاء عبر الاتصال بالفيديو أيضاً، وأخبره بأنه سيتم إبلاغه بالخطوات التالية عقب قيامه بذلك، إلا أنه بعد أن قام بتنفيذ ما طلب منه، كلفه بتكرار الأمر مع طفل آخر ليحصل على المبلغ المتفق عليه، ولكن جرى ضبطه قبل قيامه بذلك، ولم تعثر النيابة العامة بمعاينتها على أي تجهيزات طبية تشير إلى أن المقصود هو تجارة الأعضاء البشرية.

وهنا يشير وليد حجاج إلى أنه وفقاً لسرد الواقعة فهناك مرحلة من المراحل جرى التواصل فيها عبر متصفحات الإنترنت المعتادة، فـ"مرتكب الجريمة كان على علم بهوية المحرض، بالتالي كان يجري في هذه الحالة استخدام وسائل تواصل غير مخفية"، مشيراً إلى أن متصفح الإنترنت المظلم "محجوب في مصر، لكن مع ذلك يقوم البعض بالالتفاف للوصول إلى هذه المجالات".

صفقات سرية ووقائع غامضة

وبغض النظر عن الخطوات فإن الجريمة في أساسها تهدف لخدمة عالم الإنترنت المظلم، إذ تبين أن المحرض وفقاً للبيانات الرسمية يبث تلك الفيديوهات عبر مواقع بعينها بهدف التربح، يبيعها ويحصل على أموال هائلة، فيما كان سيمنح مرتكب جريمة القتل ونزع الأعضاء مبلغ 5 ملايين جنيه مصري (ما يزيد على 100 ألف دولار أميركي)، فيما هو كان سيحصل على مبلغ أكبر بكثير وفقاً للمعطيات المتاحة حول القضية.

الحديث يتركز حول "الدارك ماركت" (السوق السوداء)، أحد أكثر أقسام "الدارك ويب" انتعاشاً، وبحسب ما يقوله متخصص تكنولوجيا المعلومات وليد حجاج فإن التسلي بمتابعة الفيديوهات التي تتضمن جرائم وانتهاكات بجميع أنواعها، "أمر شائع في الإنترنت المظلم، من خلال ما يسمى الغرف الحمراء"، مشيراً إلى أن هناك مستخدمين "لديهم ميول غير سوية يدفعون أموالاً كثيرة من أجل مشاهدة لقطات سادية وعنيفة، وتتضمن تعذيباً، وربما قتل وتقطيع أحشاء، إذ يشترون تلك المقاطع مسجلة أو يدفعون مبالغ أكبر، ويستدرجون الباحثين عن الثراء السريع لتنفيذ تلك المشاهد في بث مباشر".

 

قبل أسابيع عدة أيضاً شهدت محافظة الدقهلية جريمة مشابهة في بعض تفاصيلها مع الواقعة الجديدة، إذ أقدم الجاني على تقطيع أوصال الضحية، وهو طالب في المرحلة العمرية نفسها أيضاً ما بين 15 و16 سنة، ودفن أجزاءه الثلاثة في أماكن متفرقة، ومن خلال المعلومات المتداولة جرت الإشارة إلى أن القاتل الذي أحيلت أوراقه إلى المفتي قد خسر أمواله بسبب المضاربة الإلكترونية، وكان يرغب في ابتزاز عائلة الضحية.

لكن الأمور تطورت، ولم يستبعد احجاج أن تكون تلك الجريمة "مرتبطة بصورة أو بأخرى بعالم الإنترنت المظلم أيضاً، نظراً إلى أن تفاصيلها غامضة وتحمل تناقضاً"، لكنه يؤكد أن الأمر "مجرد تكهنات لا أكثر"، مطالباً بـ"الحذر، وبأن يتولى كل طرف مسؤوليته في ما يتعلق بالتوعية والتحذير والحماية".

التوعية قبل القانون

ويختتم كلماته بتأكيد أن مواد القانون والتشريعات لم تقصر أبداً في ما يتعلق بجرائم الاستدراج والقتل والخطف وتصوير المقاطع المخالفة والابتزاز وغيره، مشدداً على أن الحماية أولاً يجب أن تأتي بالتوعية والرقابة في المنزل والمدرسة، لافتاً إلى أن التحذيرات من الدخول لهذا المعترك، لم يجر تناولها على سبيل المثال في دراما رمضان 2014 إلا على نطاق ضيق جداً، مطالباً بإعطائها مساحة أكبر.

اللافت أن فترة جائحة كورونا شهدت طفرة قوية في أعداد مستخدمي الإنترنت المظلم حول العالم، إذ ارتفع زوار هذا العالم إلى ما يقارب 45 في المئة عام 2020 مقارنة بعام 2019، وذلك وفقاً لمجلة "إنفو سيكيوريتي" الشهيرة المتخصصة في مجال أمن تكنولوجيا المعلومات.

وفي مصر لا توجد بيانات محددة حول مستخدمي تلك المتصفحات، إذ بدت الجريمة الأخيرة جديدة كلياً على المجتمع، مما سبب صدمة حقيقية للجمهور، بخاصة أن الدخول إليه يكون حصرياً للغاية، وفي حاجة إلى دعوة خاصة من قبل أشخاص بمستويات معينة في هذا الأنظمة. والقضية الأخيرة جعلت كثيرين يخلطون بين "الدارك ويب" و"الديب ويب" أو "الويب العميق" المتعلق في معظمه بالأنظمة التي تلجأ إليها الشركات والمؤسسات النظامية المعتادة، بخاصة التي تقدم خدمات مصرفية، لإخفاء سجلاتها وبياناتها، وكذلك المعلومات حول هوية المنتسبين إليها والمتعاملين معها، وهي خاصية يجري اللجوء إليها بصورة قانونية مشروعة، فيما يعرض الولوج إلى محتوى "الديب ويب" أصحابه للوقوع تحت طائلة القانون.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي