Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما بعد جنين... كيف ترسم إسرائيل سيناريوهات تعاملها مع مدن الضفة؟

يبقى تخوّف الجيش الإسرائيلي من تمدد أعمال الفصائل الفلسطينية من غزة إلى الضفة وإعادة صياغة جديدة للأمن المشترك توحد عناصر المواجهة

امرأة فلسطينية تسير بالقرب من منزلها المدمر بعد غارة إسرائيلية استمرت يومين في جنين بالضفة الغربية (رويترز)

ملخص

 

إن إتمام عملية جنين وبعد سنوات طويلة من عدم توظيف العمل البري سيطرح تساؤلات صعبة: هل تعود القوات البرية للعمل في المدن الفلسطينية؟ وما المخطط الراهن لما يجري في الجيش الإسرائيلي تجاه التعامل مع الضفة عامة والمدن التي تشتعل فيها المواجهة مع المقاومة الفلسطينية؟

على رغم التحفظات التي أبداها قادة أجهزة المعلومات في إسرائيل، بخاصة جهاز الأمن الداخلي "شاباك"، على الدخول في عملية عسكرية شاملة في جنين ونابلس، فإن كل الشواهد تشير إلى أن الاتفاق النهائي داخل أجهزة المعلومات وجهاز مجمع موساد لي، الذي يضم كل الأجهزة الأمنية، أجمع على الدخول في عملية عسكرية محدودة لعدة ساعات وليس أياماً، بهدف تأكيد قدرة الردع، والمواجهة الحاسمة في ما يجري في جنين ونابلس، مع العمل على جبهة غزة والقدس في المواجهات، وهو ما جرى خلال الساعات الأخيرة بإعلان الجيش الإسرائيلي في الساعات الأولى من يوم الأربعاء الـ 5 من يوليو (تموز) 2023 نهاية العملية.

مسارات جديدة

مع انتهاء العمليات النوعية في عمق جنين كان التساؤل هل بات استخدام القوات البرية ضرورياً؟، إذ إن الاعتماد دائماً على القوة العسكرية من أعلى، أي عدم النزول على الأرض بأية قوات، وأن ما يجري في جنين كسر لقاعدة الضرب على الأرض، أو إتمام اجتياح بري أياً كان في ظل وجود قوات النخبة وجولاني، والمظللين والمستعربين وغيرها من القوات النوعية التي توصف داخل الجيش الإسرائيلي بأنها قوات ردع تفوق الوصف، وأنها تعمل في مساحات متعددة ومناورات مفتوحة، وتستهدف العمل داخل الجبهات المعادية، وتتحرك في مساحات رحبة، لكنها غير مدربة على الدخول في عمليات ممتدة وطويلة المدى أو تستهدف احتلال أراض أو مناطق تماس لطبيعة هذه القوات وحجمها، وهو ما أكده رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية السابق تامير هايمان أن العملية العسكرية في جنين لم تستطع استئصال القوى العسكرية التي بناها تنظيم "الجهاد" في المخيم وشمال الضفة، وأن الهدف من العملية كان إضعاف المسلحين الفلسطينيين وضرب البنى التحتية لهم والسماح للجيش بحرية العمل كما بقية مدن الضفة.

ومن ثمّ، فإن إتمام عملية جنين وبعد سنوات طويلة من عدم توظيف العمل البري سيطرح تساؤلات صعبة: هل تعود القوات البرية للعمل في المدن الفلسطينية الثائرة؟ وما المخطط الراهن لما يجري في الجيش الإسرائيلي تجاه التعامل مع الضفة عامة والمدن التي تشتعل فيها المواجهة مع الفصائل الفلسطينية، وإن كانت ارتبطت ببعض الفصائل مثل "سرايا القدس" و"كتائب الشهداء" وغيرها، إلا أن كتائب "نابلس" و"جنين" و"عرين الأسود" وغيرها تبقى قياداتها محلية، ولا تملك قدرات كبيرة مثلما المتوافر في الكتائب المنظمة. وكان وسيظل هدف الجيش الإسرائيلي اختراق هذه الكتائب والتعامل معها في منابع وجودها وضرب البنية الأساسية التي تتشكل في الوقت الراهن ومنذ عدة سنوات في هدوء مع تحديث البنية المعلوماتية العاملة، وبناء شبكات تعامل حقيقي وكامل عن عناصرها مع البدء في إتمام الاختراقات الأمنية والاستخباراتية، وهذا يفسر دخول قوات المستعربين على الخط والعمل من الداخل.

مشاهد مطروحة

على رغم انتهاء العمليات في جنين فإن السؤال المطروح: ماذا بعد؟ وكيف ستتعامل الحكومة الإسرائيلية مع السلطة؟ وماذا عما يجري من خطوات تتعلق بإدارة المشهد الفلسطيني - الإسرائيلي؟ فالحكومة الإسرائيلية تريد بناء شراكة سياسية وأمنية، بعد أن أيدت المعارضة الإسرائيلية ما يجري وسيجري من تصعيد للعمل العسكري، وعلى رغم انتهاء العمليات فإن الأمر مرتبط بعدة أمور.

أولها توسيع نطاق العمليات حتى مع خيار التهدئة التدريجية بناءً على نصائح هيئة الأركان التي ترى أن جهاز "شاباك" عليه اتباع استراتيجيات متعددة وليس فقط العمل العسكري، ما يشير إلى أن القوة الممنهجة لن تحسم الأمر، وفي ظل مخاوف الساعة التالية المتعلقة بالمشهد السياسي والأمني في الضفة، وقدرة الرئيس محمود عباس على السيطرة على الأوضاع الراهنة في ظل دعوة دعم السلطة والإبقاء عليها تخوفاً من حالة الفوضى في حال استمرار تحييد الأجهزة الأمنية الفلسطينية، التي وقفت تتابع ما جرى في جنين من دون أن تتدخل على رغم المناشدات الكبيرة من الداخل الفلسطيني وخارجه بالتدخل أو على الأقل دعم قدرات مقاتلي جنين، فإن القرار الفلسطيني الذي لم يعلن رسمياً، ودار وراء الكواليس في إبقاء الدعم المعنوي والرمزي تخوفاً من سيناريو المواجهات مع القوات الإسرائيلية مما قد يؤدي إلى مواجهات متجددة ومتصاعدة تضر بوضع السلطة.

وعملت خطوط الاتصال الأمنية والاستخباراتية دوراً مهماً في هذا التوقيت في أثناء وبعد الانسحاب الإسرائيلي من جنين، في إشارة إلى وجود تخوّفات حذرة كانت ولا تزال مثارة من احتمالات محدودة من تدخل الأجهزة الأمنية الفلسطينية على الخط، مما قد يربك الحضور المكثف للقوات الإسرائيلية في جنين، وعلى طول المدن الأخرى التي تتأهب للتصعيد، بخاصة أن الجيش الإسرائيلي يراهن على سيطرة أجهزة الأمن الفلسطينية على مقاليد الأوضاع داخل هذه المدن على الأقل خلال الفترة الراهنة، وأن هذا الأمر يأتي في سياق أن العملية الأخيرة في غزة لم تردع "الجهاد"، وأن إطلاق الصواريخ في الساعات الأخيرة على سديروت كان دليلاً واضحاً على ذلك، وأن الهدف المركزي لعملية إطلاق الصواريخ وعملية تل أبيب هو تأكيد وحدة الساحات في مواجهة إسرائيل. ومع التزامن مع الانسحاب الإسرائيلي من جنين وقعت عملية فدائية محدودة في تل أبيب تبنتها "حماس"، فيما قال الجيش الإسرائيلي إنه جرى إطلاق خمسة صواريخ على إسرائيل، وردت الأخيرة بغارات محدودة على غزة.

إشكاليات حقيقية

ستظل الإشكالية الكبيرة المطروحة في الجيش الإسرائيلي، هل يمكن تمدد أعمال المقاومة الفلسطينية من غزة إلى الضفة، وإلى إعادة صياغة جديدة للأمن المشترك، بما يوحّد عناصر المواجهة هناك. أكثر من تقدير إسرائيلي يؤكد أن تنسيق الجبهات وترابطها سيؤدي إلى تأثيرات على الأمن القومي الإسرائيلي، ويهدد من التعامل بخاصة إذا امتلكت عناصر المقاومة سلاحاً نوعياً جديداً، وتجدد أيضاً أعمال الدهس والأعمال العسكرية في داخل إسرائيل بما قد ينهك أجهزة الأمن الفلسطينية، ويدخلها في دائرة الفراغ والإنهاك.

ومن ثمّ فإن المطلوب استمرار المواجهات، بل والتركيز على الاجتياح الدوري الخاطف، وبما يؤكد استراتيجية نقل المواجهة بصورة استباقية وعدم الإنصات إلى التكلفة التي يمكن لإسرائيل دفعها دفاعاً عن أمنها، مع تأكيد أنه لا توجد تقديرات استخباراتية بانضمام جبهة الشمال، أو حدوث انقطاع في الموقف الأمني في الضفة، وبما يؤكد استراتيجية الردع القائمة، مع تأكيد أن جنين تقليدياً من معاقل "فتح"، ولعب جناحها العسكري دوراً كبيراً في معركة جنين عام 2002، إلى جانب الدور المهم لحركة "الجهاد"، لكن لم يكن للجناح العسكري لـ"حماس" حضور كبير في هذه المعركة لهشاشة وجوده في جنين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الأمر الثاني، الاكتفاء بما يجري والانتظار لما هو قادم، على رغم أنه قد يكون مكلفاً، وهو ما يتطلب النظر في مجمل السياسات الأمنية والاستراتيجية، مع مراعاة أن القوات البرية الإسرائيلية غير قادرة على العمل في عمق مدن مكتظة قادرة على إيقاع أكبر قدر من الخسائر للقوات الإسرائيلية، مما يؤكد أن الجيش إن أراد التصعيد فعليه تحييد حركة "حماس"، والتركيز على مخاطر حركة "الجهاد" مع إعداد خريطة كاملة لعناصر تنظيمات المقاومة الفلسطينية الصاعدة، ومتابعة نشاطها وحركتها الرئيسة، بخاصة أن التغيير المفصلي لهذه التنظيمات قد تطور، وأن العبء الأكبر يمضي في سياق تحميل وحدات النخبة تفاصيل ما يجري ويقع في دائرة الاهتمام القوي، بخاصة أن خطة تطوير الجيش الإسرائيلي تمضي في إطار واحد ومنضبط.

ولا يمكن إيقاف ما يحدث في الوقت الراهن لمجرد بعض الاحتجاجات الإعلامية المثارة في الميديا الإسرائيلية حول أداء الجيش الإسرائيلي في جنين أو بعده، المهم أن تتحقق قوة الردع على الأرض، وإن كان الجيش يحتاج إلى أسس ومراجعات في ظل أولويات الداخل، وتحديات الخارج، التي تتمثل في الخطر الإيراني وتحفظات الإدارة الأميركية على ما تقوم به الحكومة الإسرائيلية من سياسات، الأمر الذي يعني أن الجيش الإسرائيلي عليه مهام وأولويات حقيقية للتعامل مع توقع السيناريوهات الخطرة.

وما جرى في جنين كان غير مسبوق في إطار رصد ما هو قادم وقد يتكرر في الفترة المقبلة، كما قال رئيس الوزراء الإسرائيلي نفسه مما يتطلب التأهب للخطر المقبل، والتحدي الأكبر سواء من تنظيمات مقاومة ليس لديها سلاح نوعي قياساً بما يجري في قطاع غزة، لكنها مسألة وقت ليس أكثر في حال تهريب السلاح والصواريخ وغداً منصات الإطلاق بما يعني ترابط فكرة الجبهات الرئيسة، ما يفتح مجالاً للتنسيق والدعم اللوجيستي من غزة إلى مدن الضفة، وبما يحرج السلطة الفلسطينية، ويضعف شكلها، وهو ما قد يفسر عودة التلاسن الإعلامي بين حركتي "فتح" و"حماس" خلال الساعات الأخيرة، إذ إن الأجهزة الأمنية في الضفة لن تقف مكتوفة الأيدي جراء ما يحدث، وقد تنشب توترات ومواجهات غير محسوبة بين فصائل المقاومة، وبما يؤكد أن إسرائيل عليها أن تعد عدتها لمواجهة كل السيناريوهات من الآن فصاعداً.

الخلاصات الأخيرة

من الواضح أن إسرائيل تعيد ترتيب حساباتها في الضفة الغربية أولاً باعتبارها الخطر الآني والمهم، الذي يهدد أمن إسرائيل القومي في الوقت الراهن، وبما يتطلب العودة إلى التنسيق الأمني كأولوية مهمة ومتصدرة للمشهد مع السلطة، وبما أن الرئيس محمود عباس أوقف هذا التنسيق فإن الأمر سيتطلب المراجعة والإقدام على تقديم قائمة تحفيزية حقيقية للسلطة ولأجهزتها الأمنية لتقريب وجهات النظر والعمل من أعلى بدلاً من استمرار دفع السلطة إلى حافة الهاوية، وهو ما قد يرتبط خلال الفترة المقبلة بجملة سياسات تعيد تعويم السلطة في مراكز حضورها السياسي والأمني مرة أخرى مع العمل على استيعاب "حماس"، والاستمرار في بناء التفاهمات الأمنية غير المباشرة مع حركة "الجهاد" الفلسطيني بدعم الوسيط المصري المراقب لما يجري.

وفي المجمل، فإن ضعف السلطة الفلسطينية ومقارنتها بوضع "حماس"، إضافة إلى تآكل الردع ضد "حزب الله" وإيران، وتنامي فرص نشوب صراع متعدد الجبهات إشكالية كبرى لإسرائيل.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل